مما لا شك فيه أن الواقع التركي المتأثر إلى حدٍّ بعيدٍ بالظروف التاريخية التي أحاطت به والمتأثر بالتحولات القويِّة التي عرفها المجتمع، قد ساهم إلى حدٍّ بعيدٍ في تكوين أنماط من الجماعات والحركات السياسية والدينية التي يعتبرها المهتمّون ردَّة فعل ضد التحولات المجتمعية والسياسية .. الأمر الذي يسمح بالقول إنها متطابقة إلى حدٍّ بعيد مع توجهات نظريات علم الاجتماع العملية منها والأيديولوجية، لكن حركة الخدمة أو جماعة الخدمة-كما يُسمِّيها علي بولاج-ليست كذلك ([1]).

يقول بولاج عن جماعة الأستاذ كولن: “هي جماعة تعتمد في مرجعيتها على الفكر والقائد معًا، أهم ما تتميز به أنها اجتماعية منتظمة، لديها استعداد للانفتاح على العالم. ليست طريقة صوفية، فغالبًا ما يتم الخلط بين الجماعة والطريقة، وقائد الجماعة لذلك ليس بشيخٍ. إن النمط التنظيمي للجماعات تاريخي. ومن ثمَّ فإن الظاهرة الجماعية التي تشكَّلت على ضوء رؤى فتح الله كولن وأفكاره واحتوت على عددٍ كبيرٍ من التجَّار والصناعيين وأرباب الحرف لهو أعظم ميراث ورثه التاريخ”([2]).

فتح الله كولن مجدِّدٌ جدَّد في الروح، وجدَّد في منهج تنزيل أسس الإسلام بما يتلاءم وظروف العصر الحديث.

ويُركِّز علي بولاج على ثلاث ملاحظات تُميِّز فكر فتح الله كولن وتطبع الخدمة:

الملاحظة الأولى: هي أنه شديد التشبُّث بالقرآن الكريم والسنة النبوية. ويوظِّف خطابًا ولغة أصيلة قوية وراقية، وليست علمانية كتلك التي توظَّف في كليات الإلهيات في تركيا. فهي لغة الإسلام-كما يقول علي بولاج-أي أن الإسلام في عمقه لا يمكن تقديمه إلا بلغة مثل لغة الأستاذ فتح الله كولن.  

كولن لم يقم بإصلاحات في صميم الدين، بل هو متشبِّثٌ بالأصول الإسلامية وبالأحكام والأفكار الأبدية العالمية؛ ولذلك فهو “يُعارض القراءة التاريخية للقرآن الكريم والرمينوطيقا.

الملاحظة الثانية: هي أنها معروفة بتشبُّثها بالتقاليد والعادات، في وقتٍ لا تترك فيه التطور والتقدّم بل تعتبر ذلك أمرًا صحيًّا وضروريًّا. فهي حركة إحيائيِّة كما يقول علي بولاج.

الملاحظة الثالثة: أن الأستاذ فتح الله كولن لم يقم بإصلاحات في صميم الدين، بل هو متشبِّثٌ بالأصول الإسلامية وبالأحكام والأفكار الأبدية العالمية؛ ولذلك فهو “يُعارض القراءة التاريخية للقرآن الكريم والرمينوطيقا”([3]).

كولن شديد التشبُّث بالقرآن الكريم والسنة النبوية. ويوظِّف خطابًا ولغة أصيلة قوية وراقية، وليست علمانية كتلك التي توظَّف في كليات الإلهيات في تركيا.

وإذا كان علي بولاج يرى أن الأستاذ فتح الله كولن لم يقم بإصلاحات في جوهر الدين لأنه مُتَّصلٌ شديد الاتصال بالأصول ويعتبرها أصلاً قويًّا في كل إصلاح وتغيير حقيقي، فإن هذا لا يعني بأن الأستاذ فتح الله كولن ليس مُجدِّدًا. فلقد جدَّد في الروح التي يُقدِّم بها القرآن الكريم والسنة النبوية المُشرَّفة. هذا هو ما يُؤكده الذين بحثوا في شخصية الأستاذ كولن المُفسِّر، وفي شخصية الأستاذ كولن المُحدِّث، فهو ينهج منهج التوفيق بين العديد من الآراء التفسيرية، خاصة فيما يتعلق بالآيات التي تحتاج إلى تأمُّل كبير دون أن يكون ذلك مانعًا لأن تكون له رؤى تفسيرية خاصة، فقد انتقد آراء المعتزلة وعارض آراء الخوارج من خلال تقديم ما يراه ضروريًّا من ملاحظات بخصوص بعض الآيات وخاصة تلك الآيات المتعلقة بالذات الإلهية والحساب وغيرها.

الشاهد عندنا أن الأستاذ فتح الله كولن مجدِّدٌ جدَّد في الروح، وجدَّد في منهج تنزيل أسس الإسلام بما يتلاءم وظروف العصر الحديث.

([1] ) علي بولاج، الدين في تركيا، والتغيُّرات الاجتماعية وفتح الله كولن، مؤتمر مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، القاهرة، 19- 21 أكتوبر 2009م،صـ 284-294.

([2] ) المرجع نفسه، صـ291.

([3] ) محمد أنس أركنة، نظرة عامة على الحركات الإسلامية في تركيا وتجربة كولن، مؤتمر مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، صـ294-313.

المصدر: محمد جكيب، أشواق النهضة والانبعاث، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، صـ275/ 276/ 277.