الحوار والتسامح ليس مجرد شعار يرفع، أو جملة جميلة ينمق بها الخطاب أو يرصع بها كلام المنتديات، بل هو تربية وقيم ملتصقة بأجيال الأمل التي تربّت في كنف فتح الله كولن وفي كنف الخدمة.

إن فكر فتح الله كولن مقبول في الغرب، وهذا عنصر يميز حركته عن أغلب الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي والعربي.

خطاب الأمل

والمتنعم في خطاب فتح الله سيجده خطابا ينطلق من الأمل في المستقبل، بل هو خطاب يقيني بخصوص هذا المستقبل، وهي ميزة تميّز الأستاذ فتح الله عن غيره من مفكّري الإصلاح في العالم العربي والإسلامي (على حد علمي). إذ لا نجد في خطابه نبرة يأس ولا شك في أن جميع الشروط قد اجتمعت من أجل انبعاث حضاري جديد، وبأن أفراد الأجيال المقبلة ستكون لهم كلمتهم، وبأن الإسلام سيحمل البلسم الشافي لكل مشاكل العالم، ولكل فرد من أفراد المجتمع الإنساني.

إن فكر فتح الله كولن مقبول في الغرب، وهذا عنصر يميز حركته عن أغلب الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي والعربي.. إذ إن خطابها عليه خطوط حمراء، فالحركة التي تعرف باسمه والتي أخذت في الالتفاف حوله في ستّينيات القرن الماضي لا تعتبر تنظيما مهيكلا له إدارة ومجالس كما قد يظنّ البعض، بل هي مجرد فكرة آمن بها الناس وآمنوا بمعقوليّتها، وشحنهم خطاب الأستاذ بروحانية خاصة، فانطلقوا ينفّذون آماله التي هي في الحقيقة آمالهم -هم أنفسهم- الدفينة في أعماقهم.. حملوها جيلا بعد جيل، وسقاها الأستاذ كولن وتعهّدها بالرعاية كي تحيا وتنضج.

إن دعوة الخدمة نموذج يحتذى به في مجالات عديدة، منها مجال الانفتاح على العالم، لأن خطابها مبشر وليس خطابا منفرا.

قيم الحوار والمدرسة

إن دعوة الخدمة نموذج يحتذى به في مجالات عديدة، منها مجال الانفتاح على العالم، لأن خطاب الخدمة خطاب مبشر وليس خطابا منفرا. ولذلك حث الأستاذ منذ الثمانينيات الأتراك على الهجرة إلى مناطق مختلفة من العالم. كانت البداية بآسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ثم إلى أمريكا وأوروبا وإفريقيا. وقد كانت المدارس والتعليم أهمّ الوسائل التي انفتحت بها الخدمة على كل هذه المناطق. فمؤسّسة المدرسة بكل هياكلها وسيلة فعالة في ربط روابط الحوار والتقارب بين الشعوب والثقافات من أجل مصلحة مشتركة واحدة.

إن قيم الحوار والتسامح وقبول الآخر هي مهمة التربية، ولذلك كانت التربية مقدسة وخطيرة في الوقت نفسه. إن طبيعة القيم المنقولة إلى المتلقي بواسط التربية تحدد طبيعة المخرجات، خاصة إذا تعلق الأمر بالطفولة التي هي في الأصل صفحة بيضاء يمكن للمربي أن يكتب عليها ما شاء.

إن فكر التسامح والحوار وقضية زرع القيم في النشء من أجل المستقبل ترتبط شديد الارتباط بالإطار البشري القادر على نقل قيم هذه التربية.

ومن هنا فإن فكر التسامح والحوار وقضية زرع القيم في النشء من أجل المستقبل ترتبط شديد الارتباط بالإطار البشري القادر على نقل قيم هذه التربية. لأن القيم ليست معلومات تلقّن، بل هي اقتناعات توجد في أصل الشخصية. وبكلام آخر لا يمكن تصور وجود قيم الحوار في عقول وقلوب أفراد المجتمع الإنساني إذا لم يرتبط ذلك كله بالإطار التربوي المؤمن بهذه القيم، والمؤمن بضرورة أن تسود.. هذا هو أساس ما تنبني عليه رؤية الأستاذ كولن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: د. محمد جكيب، أشواق النهضة والانبعاث، قراءات في مشروع الأستاذ فتح الله كولن، ص: ٣١٤، ٣١٥، ٣١٧، دار النيل للطباعة والنشر، ٢٠١٣، الطبعة الأولى، القاهرة

ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.