تتضارب الأحداث وتتسارع الأخبار مؤكدة وجود أزمة أعمق مما هو ظاهر بين السلطة الحاكمة في تركيا ومحبي المفكر التركي فتح الله كولن، وهم من قوة الحضور بحيث يكونون تيارًا حركيًّا واضح الشخصية في المشهد التركي في مجالات عديدة، تربوية وثقافية واقتصادية وغيرها.

ظل كولن طيلة حياته حريصا على أن يكون إيجابيا في كل أقواله وتصرفاته، معتبرا ذلك سبيلا من سبل فتح القلوب وإرساء دعائم المحبة، حتى في أحلك الظروف.

وبإمكان أيّ طرف تجاهلُ هذه الحقيقة، لكن لا يمكن لهذا الطرف أو ذاك أن يتجاهل الاحترام الكبير الذي يتمتع به الأستاذ فتح الله كولن في الداخل والخارج، وخاصة في أمريكا وأروبا وحتى في العالم العربي، باعتباره مفكرًا ومربيًا وعالمًا إسلاميًّا يدعو إلى التسامح وإلى حوار الحضارات والثقافات، ويدعو في الوقت نفسه إلى حوار حقيقي بين الديانات السماوية، ويعمل بكل إخلاص من أجل مصلحة الإنسانية، وقد جعل أحد أهم مبادئه التي عمل ويعمل من أجلها توجيه الإنسان إلى إدراك المعنى الفعلي للعيش جنبا إلى جنب بعيدا عن الخلافات وعن التجاذبات وعن كل ما يرفع وتيرة التوتر بين أفراد وجماعات المجتمع الإنساني. ففتح الله كولن أحد أهم المفكرين الذين يَعتبرون نبذ العنف ورفض الإرهاب أحد أهم عناصر خطابه الفكري وأحد أهم مقومات عمل محبيه الحركي.

الإحسان للمسيئين

لم يتوقف الأستاذ فتح الله كون طيلة حياته عن أن ينأى بنفسه وبمحبيه عن أن يقابلوا الإساءة بالإساءة، وعلى العكس من ذلك ظل طيلة حياته حريصا على أن يكون إيجابيا في كل أقواله وتصرفاته، معتبرا ذلك سبيلا من سبل فتح القلوب وإرساء دعائم المحبة، حتى في أحلك الظروف، وهي كثيرة في حياته، ولم يعرف عنه أنه صدر منه إساءة ما حتى مع من أعلنوا جهارا أنه وحركته خطرٌ على مصالحهم يتوجب القضاء عليه، فالصورة التي يعمل بعضهم على ترويجها عن الأستاذ مستبعدة جدا، لأن كل الدلائل التاريخية والفكرية والحركية تؤكد غير ذلك.

الانقلاب ليس من فلسفة الخدمة

إن اتهام الجماعة بضلوعها في التخطيط للإساءة إلى من بيدهم السلطة، مسألة بعيدة عن المبادئ الفكرية والثقافية التي ظل الأستاذ على مدى أربعين سنة أو أكثر يعمل على نقش تفاصيلها في القلوب والأذهان. فمنطق الأشياء لا يقبل أن ينكث الأستاذ والخدمة غزل أربعين سنة وأكثر. وقد يتناسى البعض كل مواقف الأستاذ فتح الله كولن، لكن من المستحيل أن يتناسوا الموقف الحازم والقوي الذي أبداه بعد أحداث 11 سبتمبر المشؤومة، فقد أعلن مباشرة رفضه للأحداث وأبدى حزنه وأسفه على ضياع عدد كبير من الأبرياء، وألح في الوقت نفسه على أن الإسلام ليس دين عنف ولا إرهاب، وأن المسلم الذي يستحق هذه الصفة لا يمكن أن يتورط في مثل هذه التصرفات.

فتح الله كولن أحد أهم المفكرين الذين يَعتبرون نبذ العنف ورفض الإرهاب أحد أهم عناصر خطابه الفكري وأحد أهم مقومات عمل محبيه الحركي.

انطلاقًا مما تقدم ينبغي تنبيه كل الذين يتحاملون على الأستاذ فتح الله كولن وعلى حركة الخدمة من زاوية ما يروج له الطرف الآخر من معلومات تفتقر إلى الدقة، إلى ضرورة أن يتبينوا قبل إصدار الأحكام، وألا يحجب تقدير ومحبة الطرف الآخر أعينهم عن الحقيقة.

هدف الأستاذ كولن

الأستاذ فتح الله كولن رجل فكر يؤكد كلُّ خطابه أن هدفه هو بناء المجتمع القوي في صمت وهدوء ودون عجلة من خلال مشاريع عديدة في مقدمتها التربية، في حين تبدو فيه السياسة بالصورة التي تمارس بها اليوم مجالا يعتمد على النتائج الآنية وعلى ربط كل تصرف وقول بعدد الأصوات التي سيحصل عليها في الانتخابات. وفي الوقت الذي يذبل فيه بريق السياسة وتتآكل فيه جنبات العمل الحزبي، بسبب تضارب مصالح تياراته، وبسبب عجز العمل الحزبي عن الاستجابة لتطلعات الكتل الناخبة، يظل العمل الفكري والعمل الحركي المؤسس على الإخلاص وعلى نكران الذات وعلى العمل التطوعي، مستمرا وقويا لا يهتز، لأنه يشكل حالة وعي جمعي يتحرك وحده دونما حاجة إلى موجه، ومعتمدا على طاقة دفع ذاتية قوامها كما أشير الإخلاص ونكران الذات والتطوع.

لا يمكن لأحد تجاهل الاحترام الكبير الذي يتمتع به الأستاذ كولن في الداخل والخارج، وخاصة في أمريكا وأروبا وحتى في العالم العربي، باعتباره مفكرًا ومربيًا وعالمًا إسلاميًّا يدعو إلى التسامح حوار الحضارات والثقافات.

قد يرغب العمل السياسي الحزبي في أن يتحول إلى تيار فكري من أجل ضمان الاستمرارية، وقد ينجح في إغراء بعض الجماعات والتيارات الدينية والفكرية والمدنية والسياسة في الدخول تحت معطفه، لكنه مع ذلك لن يستطيع حتما الوصول إلى إنشاء تيار فكري ووعي جمعي حقيقي بين عشية وضحاها.