تناول كولن عدة قضايا تتعلق بالعلاقات بين الدين والعلم. غير أن هذا البحث سيركز على ثلاثة قضايا فقط وهي:

1- العلاقة بين الحقائق العلمية والحقائق الدينية،

2- وجهة نظر الإسلام للفهم العلمي المعاصر للطبيعة،

3- تناول القرآن للعلم.

يرى كولن أن المعرفة الروحانية للوجود هي التي تعمّق وتثري فهم الإنسان للحقائق الدينية والعلمية.

وتتضح آراء كولن حول هذه القضايا الثلاث في كتابه القيم المترجم إلى اللغة الإنجليزية والذي يحمل عنوان “The Essentials of Islamic Faith (في ظلال الإيمان)”. يكشف هذا العمل -إلى جانب أعماله الأخرى أيضًا على حد علمنا- عن نظرة كولن لقضايا الدين والعلم، ولكن اهتمامه الأساس في ذلك نابع من منطلق ديني في المقام الأول. وما أعنيه بهذا هو أنه يهتم بالدفاع عن مواقف الإسلام من العلم الذي يلعب دورًا ثانويًّا يمكن أن نسميه “خادمًا للدين”؛ حيث يرى كولن أن الدين والعلم لا يمكن اعتبارهما متساويين في الإسلام، وسوف يتم شرح موقف العلم في مقابل الدين في الأجزاء التالية من البحث.

ولا يمكن أن ندرك المصادر المهمة التي أثرت على تكون أفكار كولن حول قضية العلاقة بين الدين والعلم من حيث الزاوية العلمية إلا بعد القراءة الممعنة لأعماله. ويشي تفسيره الروحي للطبيعة بتأثيرات صوفية تقليدية، معتمدًا على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
في آرائه. ففي تأكيده على أن الكون هو “العالم الذي تتجلى فيه أسماء الله الحسنى” وأن الكون هو “كتاب الله في الخليقة”. ويتبين من كتابات كولن -التي تدل بوضوح على اطلاعه على الفكر الغربي الحديث- أنه يتعرض لآراء “كارل بوبر (Karl Popper)”[8]، وهو فيلسوف وعالم بريطاني حديث، وكذلك آراء “رينيه جونون (Rene Guenon)”[9]، وهو فيلسوف فرنسي تقليدي، وذلك عند تناوله النقد الإسلامي لطبيعة العلم الحديث. ومع هذا فربما يشعر المرء بخيبة أمل عندما يجد إشاراته إلى المفكرين الغربيين المعاصرين دائمًا مختصرة، ولكن لا غرو في ذلك، فإن الغرض الأساس في هذا وفي سياق استدلاله ككل هو عرض النظرة الدينية، لأن همّه الرئيس روحي وعقدي. فاستشهاد كولن الموجز بوجهات النظر العلمية أو الفلسفية لمفكرين غربيين معينين كان المقصود منه التوضيح أو تقديم تأييد إضافي لآرائه الدينية فقط.

منظور كولن للعلاقة بين الدين والعلم قد تشكلت في الأصل من خلال ارتباطه العميق بالتربية الروحية.

ويبدو أن العامل الروحي أسهم في أفكار كولن الخاصة بالدين والعلم. ومن الواضح أن كولن عالم يحمل حبًّا خاصًّا للتعاليم الفكرية والأخلاق الروحية للصوفية، مع أنه لم يُعرف عنه انتماؤه إلى أية طريقة صوفية. ويمكن أن يُرى ارتباطه الفكري بالصوفية في كتاباته حول هذا الموضوع. فقد كتب كولن -على سبيل المثال- حول مفاهيم الصوفية وممارساتها[10]. ومع هذا وفي اللحظة التي لست فيها في موضع تقدير مدى تأثير العقائد الصوفية على فلسفة كولن الدينية الخاصة بالعلم إلا أنه في عرضه لمبادئ الصوفية يبدو مقتنعًا بأن هذا البعد الروحي للإسلام طريق حق لمعرفة المعاني الحقيقية للأشياء. وبالإضافة إلى هذا يرى كولن أن هذه المعرفة الروحانية للوجود هي التي تعمّق وتثري فهم الإنسان للحقائق الدينية والعلمية. وفي ضوء هذه الآراء يمكننا أن نرى أن منظور كولن للعلاقة بين الدين والعلم قد تشكلت في الأصل من خلال ارتباطه العميق بالتربية الروحية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: زكي ساري توبراك، السلام والتسامح في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2014م، صـ68/ 69/70.