أرى أنه من الخطأ ربط مصير المتدينين والمحافظين في تركيا بمصير السيد “أردوغان”، إذ إن التدين يستند في الأساس إلى الدين الإسلامي، وتذكروا معي هنا هذه الواقعة؛ عندما توفي النبي ﷺ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يُكَلِّمُ النَّاسَ ليمنعهم من الحديث عن وفاة النبي ﷺفقال أبو بكر رضي الله عنه: “فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ”، وعلى هذا فإن المتدينين سيواصلون مكانتهم وقوتهم بين المجتمع التركي ما داموا يتمسكون بالإسلام ومبادئه السامية، ألا ترون أن الحركة “النورية” في تركيا ما زالت تواصل نشاطها في مجال خدمة الإسلام على الرغم من وفاة مؤسسها العالم الكبير الأستاذ “بديع الزمان سعيد النورسي” قبل عدة سنوات؟

الذين يتعاطفون مع حزب العدالة والتنمية على أنه حزب اسلامي يقعون في خطإ جسيم

وقلنا في بداية حديثنا إنه من الخطأ ربط مصير المتدينين بمصير السيد “أردوغان” فالآن هناك سؤال مهم وهو:

سؤال وجواب

هل حزب العدالة والتنمية حزب يمثل الفئة المتدينة والمحافظة من الشعب التركي؟

والرد على هذا السؤال يكمن في النقاط التالية:

الأولى: إن هذا الحزب عند بداية تأسيسه قد أعلن للمجتمع التركي والعالم بأسره أنه لا يمثل الفئات المتدينة من الشعب ولا يتبنى الشريعة الإسلامية في سياساته.
الثانية: إن الهوية السياسية التي يتبناها هذا الحزب والتي تتلخص في “الديموقراطية المحافظة” وبرنامجه السياسي على الصعيد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ورؤيته المدنية والمفهوم الديني بالنسبة له وتطبيقه في الحياة العامة وكذلك السياسات التي ينتهجها على الصعيدين الإقليمي والدولي خلال فترة توليه سلطة البلاد منذ عام (2002م) إلى الآن يظهر أن هذا الحزب لا يعتمد على الشريعة الإسلامية الغراء ولا يمثل الفئة المتدينة من المجتمع التركي، بل إن هذا الحزب بصبغته الديموقراطية المحافظة خليط من عدة تيارات منها الليبرالية والديموقراطية الاجتماعية والقومية ولا يمت إلى الفكر الإسلامي بصلة.

للحكم على أدبيات حزب ما، يلزم النظر إلى ثلاث نقاط، أولاها: الهوية السياسية والاسم الذي يتبناه الحزب، وثانيتها؛ الفلسفة السياسية أو المبدأ الذي يتخذه مرجعًا له، وآخرها؛ السياسات التي ينتهجها.

وعلى الرغم من أنني أوجه انتقادات إلى هذا الحزب إلا أنني لا أكن أي عداء له أو لمؤسسه “أردوغان”، وقد لقيت في هذه الظروف التي تمر بها تركيا تهديدات بزجِّي في السجن من قبل بعض مؤيدي هذا الحزب ولكني لن أتخلى عن موقفي هذا ولن أدخل في نزاع شخصي مع زعماء هذا الحزب أو مؤيديه، كما أنني على استعداد تام للدخول في السجن معتبرًا مثل هذه المعاناة بأنها كفارة لذنوبي ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أقول كما قال الإمام ابن تيمية: “ماذا يفعل بي أعدائي إن إيماني في قلبي وقلبي بيد ربي، إن سجنتموني فسجني خلوة، وإن نفيتموني فنفيي سياحة، وإن قتلتموني فقتلي شهادة”.

نقد له أسبابه

عودة إلى حديث “لَكاسيز” فإن انتقاداتي للحزب الحاكم بسبب رؤاه السياسية، وهويته، وأعماله؛ تقوم على ما يلي:

أولًا: إنني أوجه انتقاداتي إلى الحزب الحاكم في تركيا منذ تأسيسه ولم أبدأ بهذه الانتقادات منذ فترة قصيرة كبعض الحركات الإسلامية أو الأحزاب السياسية.
ثانيًا: وعلى الرغم من انتقاداتي للحزب الحاكم إلا أنني أؤيده في حالة قيامه بأعمال تصب في المصلحة العامة وتوسيع نطاق الحريات والمضي قدمًا نحو بناء دولة قائمة على القانون، وبالفعل لقد قمت بمساندته حينما ناقشت المحكمة الدستورية العليا دعوى حل الحزب في عام (2008م)، وإذا تكرر رفع هذه الدعوى في الوقت الحالي فلن يتغير موقفي، كما أنني سأقف بجانب السيد “أردوغان” في حالة تعرضه لأي اعتداء غير قانوني، وأؤمن كذلك بأن العقاب الأمثل للسياسيين لا يكون إلا من خلال صناديق الإقتراع.

دخل حزب العدالة والتنمية المسرح السياسي بعدما أعلن تخليه عن الحركة الإسلامية السياسية التي كان يقودها رئيس الوزراء الراحل نجم الدين “أربكان” المقرب من السياسة الإسلاميّة وتنصل منها.

ولا بد أن أقول إنني بسبب هويتي المحافظة والمتدينة أوجه إنتقاداتي إلى الحزب الحاكم من الجانب الإسلامي، فانتقاداتي هذه تختلف تمامًا عن الانتقادات اليسارية والقومية والليبرالية الاجتماعية، كما أنني لا أوجه هذه الانتقادات باسم أي حزب من الأحزاب السياسية أو الحركات الإسلامية في تركيا.

لقد ذكرت في إحدى مقالاتي التي نشرت في جريدة “زمان” التركية(قبل إغلاقها) أنه لا يجوز وصف “العدالة والتنمية” بأنه حزب إسلامي وذلك أن برنامجه السياسي وإجراءاته تتنافى مع المبادئ الإسلامية، ولذلك لا يجوز أن نقول إن هذا الحزب يمثل الفئات المتدينة من الشعب التركي وهو امتداد لحزب “الرفاه” الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل “أربكان”.

وفي هذا المقام سنتحدث حول هذا الموضوع بشكل من التفصيل وسأوجه انتقاداتي إلى هذا الحزب من الناحية الإسلامية، وبالطبع فإن هذه الانتقادات ستختلف تمامًا عن نوعية الانتقادات التي وجهت إلى الأحزاب السياسية الأخرى التي تتبنى التيارات اليمينية أو اليسارية أو القومية أو الليبرالية.

المقصود من السياسة الإسلامية

وما أفهمه أنا من السياسة الإسلامية هو نظرية تحقيق مقاصد السياسة الشرعية، وإن المصطلح الأساسي هنا هو “الشرع”، وبناءً عليه فما يراد تحقيقه هو مقاصد الشريعة كما ذكر الغزالي والشاطبي وغيرهما من العلماء الكبار في هذا المجال، وهذه المقاصد هي خمسة: حماية النفس والدين والمال والعقل والنسل، وإذا ما نظرنا إلى المقاصد الأساسية للأحكام الإسلامية كافة لوجدنا أنها وضعت لتحقيق هذه المقاصد الأساسية الخمسة في حياة الإنسان والعلاقات الاجتماعية كما جاءت بها الشريعة المنزلة.

السياسات المبنية على مشروع “العثمانيين الجدد” والتي انتهجها حزب العدالة والتنمية على الصعيد الإقليمي تسببت في توتر علاقاتها مع غالبية دول منطقة الشرق الأوسط.

أما السياسة الشرعية فترغب في تحقيق المقاصد الخمسة المذكورة من خلال السياسة، ومعنى السياسة على أوسع التعريفات هو إدارة مجتمع وتسيير شؤونه بالعلم والفن والمهارة بطريقة رسمية أو مدنية لتحقيق غاية مشروعة، والسياسة بمعناها هذا تشمل الطرق والأساليب المتّبعة وتنظيم العلاقة مع السلطة، كما أن السياسة بمعناها هذا تعد من “نهج النبوة” أي الطرق والأساليب التي يتبعها الأنبياء والرسل.

وحتى تتمكن التيارات الإسلامية في تركيا من تحقيق المقاصد الخمسة الأساسية، يجب أن تلتزم بهذه المبادئ الخمسة وهي: الحرية، الأخلاق، القانون، العدالة، الاتحاد، وفي السطور التالية سنحاول الفهم هل العدالة والتنمية قد حققت هذه المقاصد أم لا

أولًا: الحرية؛ إن هناك اختلافًا بارزًا بين مفهوم الحرية لدى التيارات الإسلامية في تركيا وبين مفهوم الحرية الذي تتبناه التيارات الليبرالية، فأنصار التيارات الإسلامية في تركيا بينما يقرون بحرية الدين أو المعتقد والحرية الفكرية والسياسية، وحرية التعبير عن الرأي؛ في حين أنهم لا يسمحون بتحول حرية الحياة الاقتصادية إلى سوق همجية وحشية يسعى كل واحد للحصول على الأموال بطرق غير شرعية ووسائل غير أخلاقية، فأنا عندما أدرس أي حركة سياسية في تركيا أحاول البحث عن سؤال مفاده: مدى احترام هذه الحركة السياسية لحريات التعبير والرأي، وإذا وجهنا السؤال نفسه إلى حزب العدالة والتنمية نجد أنه منح الحرية للنفس الأمَّارة الموجودة عند أفراد المجتمع، في حين أنه قام بالحد من الحريات الفكرية والسياسية، وسلَّم الدولة مجددًا للكيانات العميقة في الدولة.

في تركيا ملايين المتضررين من النظام السياسي، وثمة هوة في تقسيم الدخل القومي، وتوزيع موارد الدولة على مؤيدي الحكومة وحدهم، والتباهي بإنشاء القصور الفاخرة، واضطهاد الطبقة الوسطى من المجتمع.

ثانيًا: الأخلاق؛ ما أفهمه من الأخلاق هو توجيه سلوكنا وتصرفاتنا وفق المعايير والقوانين السارية في النظام الكوني والفطري، والالتزام بالتقوى التي تشتمل على الانسجام الفكري والروحي، والاستقامة، والعطاء، والكرم، والجرأة على قول الحق، والتزام العفة أمام الشهوات والابتعاد عن المحرمات ومراعاة الحدود والتواضع والشعور بالمسؤولية والصداقة، ويمكن أن نلخص كل هذه المفاهيم الحسنة بكلمة واحدة وهي “التقوى”، ولا شك أن الإنسان الذي لم يلتزم بتقوى الله تعالى لا يهديه القرآن الكريم ونجد ذلك في مستهل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، هذا وهناك انتقادات يمكن لأي مواطن تركي أن يوجهها إلى السلطة الحاكمة انطلاقًا من هذه المعايير الأخلاقية.

ثالثًا: القانون؛ وأما القانون فهو التسليم بوجود القوانين التي تفوق الأشخاص والمسؤولين وحتى واضعي القوانين التشريعية، وهذا ما يُسمى اليوم بـ”مبدأ سيادة القانون”، ويجب احترام هذا المبدأ، بل إضافة إلى ذلك بجب تشريع قوانين موافقة للحقوق العامة والعدالة الاجتماعية وتنفيذ هذه القوانين دون تمييز بين أفراد المجتمع، ولا يمكن الادعاء بإقامة دولة القانون في بلد ما إذا كان الإداريون فيه يستغلون سلطتهم لوضع قوانين وفق هواهم، ويديرون المجلس التشريعي أو البرلماني كما يحلو لهم، ويتهربون من محاكمة عادلة عند تورطهم في الجرائم.
رابعًا: العدالة؛ وهي أن يحصل كل ذي حق على حقه، وثمة نوعان للعدالة: أحدهما العدالة القانونية فيمكن تحقيقها من خلال اتخاذ النظام القضائي لقرارات فاعلة وسريعة وصحيحة، والآخر هو تقسيم الموارد الطبيعية والوظيفية والمادية بشكل عادل بين أفراد المجتمع، وأما تركيا اليوم لا نجد فيها شيئًا من أحد هذين النوعين من العدالة، إذ هناك ملايين المتضررين من النظام السياسي، وثمة هوة في تقسيم الدخل القومي، وتوزيع موارد الدولة على مؤيدي الحكومة وحدهم، والتباهي بإنشاء القصور الفاخرة، والإسراف على نطاق واسع، واضطهاد الطبقة الوسطى من المجتمع.

السياسة هي إدارة مجتمع وتسيير شؤونه بالعلم والفن والمهارة بطريقة رسمية أو مدنية لتحقيق غاية مشروعة، وهي بهذا المعنى تعد من “نهج النبوة” أي الطرق والأساليب التي يتبعها الأنبياء والرسل. 

خامسًا: الاتحاد؛ إن ما أقصده من الاتحاد هو السياسة التي تهدف إلى الاتحاد بين العالم الإسلامي، وإنقاذ السياسة العالمية بتعاليم “السلام الإسلامي” سعيًا لتحقيق السلام والمصالحة، ولكن ما رأيناه في السياسات المبنية على مشروع “العثمانيين الجدد” والتي انتهجها حزب العدالة والتنمية على الصعيد الإقليمي تسببت في توتر علاقاتها مع غالبية دول منطقة الشرق الأوسط.

ومن معاني الاتحاد أيضًا؛ السلام الاجتماعي الداخلي في ظل العدالة والمشاركة وتبادل الحوار والتعاون، ولكن مع الأسف الشديد فإن المجتمع التركي في الوقت الراهن تم استقطابه بشكل تام.

هل أفلس مشروع الإسلام السياسي؟

وعودة إلى مسألة التدين في الحياة السياسية للحزب الحاكم فإن هناك جهات محلية ودولية توجه انتقاداتها إلى الحزب الحاكم في تركيا من زاوية الإسلام السياسي، إذ إن هذه الجهات تعتقد أن حزب العدالة والتنمية يتبنى فكرة الإسلام السياسي، فالحقيقة أن هناك وجهة نظر شائعة بين أطراف المعارضة في تركيا أن الإسلام السياسي هو عبارة عن عنف وتطرف وإرهاب، وهكذا يتعرض الحزب لانتقادات شديدة بوصفه الممثل للإسلام السياسي في تركيا، وعلى الجانب الآخر، تزعم بعض القوى الداخلية أن العدالة والتنمية آل بتركيا إلى هذه الوضعية بسبب ممارسته للإسلام السياسي، وأن الإسلام السياسي أفلس في جميع الأمور بدءًا من شيوع النزعات الاستبدادية وصولًا إلى الفشل الذريع على صعيد السياسة الخارجية، فيما يقول البعض الآخر إن العدالة والتنمية قد قضى على الإسلام السياسي نفسه.

يجب احترام ”مبدأ سيادة القانون “، بل بجب تشريع قوانين موافقة للحقوق العامة والعدالة الاجتماعية وتنفيذ هذه القوانين دون تمييز بين أفراد المجتمع.

وثمة قضايا لطالما كنتُ أشير إليها في كل نقاش يدور حول الإسلام السياسي، يمكن ذكرها على النحو الآتي:

في البداية لا بد أن أؤكد على أن حزب العدالة والتنمية دخل المسرح السياسي بعدما أعلن تخليه عن الحركة الإسلامية السياسية التي كان يقودها رئيس الوزراء الراحل نجم الدين “أربكان” المقرب من السياسة الإسلاميّة وتنصل منها، وأنه ليس حزبًا إسلاميًّا، ولن ينتهج المرجعية الدينية في السياسات التي سيتبعها، مؤكدًا أنه يتبنى هويّة محافظة وديمقراطيّة، ومن أجل الحكم على أدبيات حزب ما، يلزم بالضرورة النظر إلى ثلاث نقاط، أولاها: الهوية السياسية والاسم الذي يتبناه الحزب، وثانيتها؛ الفلسفة السياسية أو المبدأ الذي يتخذه مرجعًا له، وآخرها؛ السياسات التي ينتهجها.

ما أفهمه من السياسة الإسلامية هو نظرية تحقيق مقاصد السياسة الشرعية، والمصطلح الأساسي هنا هو “الشرع”، وبناءً عليه فما يراد تحقيقه هو مقاصد الشريعة.

وانطلاقًا من هذه النقاط، يتضح لنا أن حزب العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميًّا ولا يتخذ الإسلام مرجعيّة في سياساته، ومن ثمّ فإن أولئك الذين يتعاطفون مع حزب العدالة والتنمية على أنه حزب اسلامي يقعون في خطإ جسيم، إذ الجميع يعرف أن حزب العدالة والتنمية الذي يدير البلاد منذ 13 عامًا؛ يتعرض لانتقادات شديدة منذ تأسيسه من قبل بعض فئات المجتمع التركي، أبرزها؛ العلمانيون ذوو الميول الغربيّة والليبراليون واليساريون والقوميون وبعض المنتسبين لجماعة النور والحركات الإسلاميّة، وهذه المجموعات تعارض الإسلام السياسي منذ أمد بعيد في تركيا.

ماذا يقولون عن العدالة والتنمية؟

في واقع الأمر فإن انتقادات كل مجموعة من تلك المجموعات تستند إلى أسباب ودواع مختلفة؛ إذ ترى مجموعة العلمانيين ذات الميول الغربية أن العدالة والتنمية ينسلخ بتركيا عن الغرب وتقاليده، ويدمر مرحلة مفاوضات الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، فيما يرى الليبراليون أن الحزب لا يهتم بالقدر الكافي باقتصاد السوق أو ما يسمى بالاقتصاد الرأسمالي إلى جانب تدهور علاقاته مع الغرب، فيما يزعم اليساريون أن الحزب يستند في الأساس إلى الدين ويحد جميع الحريات التي تتنافى مع هذا الدين من التوجه الجنسي وغيرها على حد تعبيرهم، في حين يرى القوميون الأتراك أن الحزب يسعى لتقريب تركيا إلى إيران والدول العربية، بينما يرى الكماليون الأصوليون أن العدالة والتنمية يضر بالتعاليم التي جاء بها “أتاتورك”، وأنه يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يتم التخطيط له في منطقة الشرق الأوسط، أما بعض منتسبي جماعة النور فيذهبون إلى أنه ينتهج “الإسلام السياسي” في جميع سياساته، وما إلى ذلك.

لا يجوز وصف “العدالة والتنمية” بأنه حزب إسلامي يمثل الفئات المتدينة من الشعب التركي، وذلك أن برنامجه السياسي وإجراءاته تتنافى مع المبادئ الإسلامية.

إنني أتفق في الرأي مع الكاتب الصحفي في جريدة “زمان” التركية الأستاذ الدكتور “ممتاز أر تُركونه (Mümtaz’erTürköne)”، حول مسألة أن حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا إسلاميًّا كما يزعم البعض في تركيا بل على العكس من ذلك تمامًا أنه يضر بسمعة الإسلام، ويرى السيد “تُركونه” أن الحزب قضى على مفهوم الإسلام السياسي، وأما أنا فأرى أن هذا الحزب عرقل مسيرة الإسلام السياسي في تركيا كما تسبب في قطع الطريق أمام الجيل الثالث من الإسلاميين في البلاد.

إن حزب العدالة والتنمية ليس هو في صلب قضية الإسلام السياسي؛ بل يمكن توصيفه على أنه “محطة” مر عليها الإسلام السياسي في تاريخه السياسي الحديث، وهو بمثابة “فاصلة” في مسيرته، فالحزب بذاته، وساسة الحزب، ومناصروه يمارسون عملهم السياسي اليوم، إلا أنهم زائلون ولن يدوم بقاؤهم، لكن الدين الإسلامي سيدوم حتى قيام الساعة، صحيح أن تركيا اليوم لا يمكن لها أن تخرج من الفوضى والاضطرابات التي تعصف بها في الوقت الراهن باللجوء والفرار إلى عطف وشفقة الغرب والمبادئ السياسية والإدارية التي ولدت ونشأت من تاريخه، ذلك أن القاسم المشترك لهذا البلد هو التمسك بمبادئ الإسلام.
وفي النهاية أود أن أؤكد أن حزب العدالة والتنمية لديه أخطاء تحجمه وتكبله، وهذه الأخطاء على درجة كبيرة من الأهمية من ناحية التعرف عليها، ولكن الأهم من ذلك هو وضع الحزب تحت مجهر الانتقادات العميقة النابعة من حسن نية، فنحن مضطرون إلى الوقوف على أسباب هذه الأخطاء وسبر أغوارها دون الانسياق إلى المجادلات والمهاترات الراهنة، وهذا ما سننوه به لاحقًا إن شاء الله…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر هذا المقال في جريدة زمان التركية قبل إغلاقها، بتاريخ 7 أغسطس/آب (2014م)

ملحوظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.