في إجابة على تساؤل يطرحه الأستاذ “كولن” حول كيف يحوّل الإيمانُ الإنسانَ إلى إنسان كامل؟. يجيب قائلاً: الكلمة المفتاحية (لا إله إلا الله) بذرة الإيمان، والإيمان هو منبت المشاعر السامية في الأرواح؛ إذ يجعلها تنجذب إلى عشق المعرفة والعلوم التي تتصفى في القلب، وتضحى حسًّا داخليًّا ودوحة باسقة تمتد بأذرعها حول الكيان، وتلفّ الشخصية من كل جهة وجانب، وبذلك تصير سلوكيات الفرد سلوكيات عاشق مشتاق؛ حيث تعمّق فيه العباداتُ اللدنية وازعَ التقوى، وتُقوّي رابطتَه مع السماء، وبذلك يندرج سعيه وإنتاجه وعطاءاته في دائرة الحسنى والمعروف.

الروح المرتوية بالإيمان تترك رسمها على الأعمال، لاسيما إذا كانت هذه الأعمال، بحيث ينطبع كل منتَج وكل إنجاز بطابع الدقة والرقة والإتقان.

 قوة الجذب المركزي

لا تفتأ النية الاحتسابية تتجه بأعماله نحو الله، مدفوعة بما يسميه “كولن” قوة الجذب المركزي، ويصير الرجحان -في تصرفاته وخدماته ومساعيه- للذوق الناشئ عن تلك السيرة المتعالية عن أنواع الضعف بالعامل الروحي، فتنطبع كل منجزاته بالطابع الجمالي؛ نتيجة كثرة العشق في أعماقه؛ ذلك لأن الروح المرتوية بالإيمان تترك رسمها على الأعمال، لاسيما إذا كانت هذه الأعمال، بحيث ينطبع كل منتَج وكل إنجاز بطابع الدقة والرقة والإتقان، فلكأنه ينتمي إلى عالم الفن والثقافة.

إن المحرك القلبي يوجّه سائر أعمال الفرد المحتسب وتصرفاته، ويضفي عليها غلالة من مشاعر الحب التي تعمر قلبه، ففي كل جهد تكمن نية التقرب إلى الله؛ لأن ما يرفع إلى الله يقتضي أن يكون متناهي الصنعة والأناقة؛ لذلك تتولد الأعمال موسومة بالحسن، جانحة إلى التمام والكمال؛ إذ إن داعي الإيمان يتعالى صوته أنَّى توجه الإنسان القلبي، وحيثما سار سَمِعَهُ يهتف بمعاني الإنسان – الكون – الله التي تتحول في الروح إلى سند معنوي ينعكس على الرؤية والمشاعر والأعمال.

 (لا إله إلا الله) بذرة الإيمان، والإيمان منبت سمو الأرواح؛ إذ يجعلها تنجذب إلى عشق المعرفة والعلوم التي تتصفى في القلب، وتضحى حسًّا داخليًّا ودوحة باسقة تمتد بأذرعها حول الكيان، وتلفّ الشخصية من كل جهة وجانب.

 إشعاع الفكر الإيماني وشموليته للإنسان

إن الفكر الإيماني يستمر في التأثير على الأنشطة الأدبية والعلمية، وسائر ما ينيط به الإنسان القلبي همته؛ لأن هذا التفكير المصهور بالنور الغيبي، سرعان ما يضحى بدوره مصهرًا يقولب كيان الفرد، ويكسبه جِبِلّة شفافة؛ لأنه يأخذ مع الترسخ صورة طبيعة ثانية في الإنسان، الأمر الذي يهيئ -بتنامي هذه الطبيعة الثانية في الأفراد والقطاعات والقيادات والمجاميع المرابطة في الورشات والمعامل والمختبرات- استحكام صبغة الفاعلية، ويفتح الطريق واسعًا لبناء الحضارة.

——————————————–

المصدر: سليمان عشراتي، الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ152-153.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.