إن المتأمل في معالم هذه الوصفة السحرية التي استخلصها الأستاذ فتح الله كولن، سيجد أنه حدد المهمة التي ينبغي أن يقوم بها من القرآن، رغم الظروف الصعبة التي تحيط به.  ثم استطاع انطلاقا من هذا الكتاب الرباني أن يستخرج لنا نوع الحركة التي ينبغي أن يقوم بها في ظل الأزمة المحرجة، إنها حركة دائبة وفق منهج متجدد.

نعم كما أن المتمعن في هذه الوصفة يلحظ أن الأستاذ فتح الله كولن استنبط لنا أسلوبا لينا للرد على هؤلاء المخالفين، وكذلك استطاع العثور على مجموعة من المبادئ والأسس التي تحدى بها ظروف الأزمة والمرض والغربة. وسنحاول كشف بعض هذه الأمور في الفقرات الموالية:

كولن يحدد المهمة التي ينبغي الانشغال بها:

يؤكد الأستاذ فتح الله كولن، في كتابه أضواء قرآنية أنه ليس “من حق المؤمن أن يقول لقد أديت ما علي ولم يبق أمامي عمل شيء آخر. لا يجوز أن يقول هذا وينسحب من الميدان. عليه أن يرتاح بالعمل وأن تكون راحته مقدمة لعمل آخر، وأن يعيش اليسر في العسر، وأن يقيم اليسر والعسر على ضوء المشاعر الغيبية والروحية “. لخدمة الآخرين بمشاريع تمثل روح الإسلام وتقيم صروح الروح. وبفهم صحيح لنصوص القرآن.

فالأستاذ كولن يرى أن المهمة التي ينبغي الاشتغال بها هي شرح وتوضيح المبادئ والحقائق السامية التي جاء بها القرآن في جميع مجالات الحياة، واستخراجها في شكل أدوية للأمة، وذلك عبر مشاريع عملية تخدم الآخرين وتقرب منهم هذه المعاني التي جاء بها القرآن الكريم، وفق مبدأ الآذان شبعت والعيون جفت. لهذا فهو يؤكد على أن: ” القرآن الكريم أفضل نظام اجتماعي لأفضل مجتمع قبل أربعة عشر قرناً، ولكننا لم نفهم نحن هذا بعد، لذا لم نستطع شرح هذه الوجهة الاجتماعية للقرآن كما يجب أمام المبادئ الأخرى … ووظيفتنا الآن ومهمّتنا هي القيام بشرح كل هذه المسائل وتقديمها كوصفة علاج لأمراض الإنسانية وأدوائها.[1]

وفي قول آخر له يؤكد أن الإنسانية ستبقى “تتجرع الآلام وتعيش في الأزمات طالما كانت بعيدة عن أسس التربية القرآنية.” [2] فلا سبيل للخروج من الأزمة إذن إلا بالرجوع اليه. لأنه هو الكتاب الوحيد الذي استطاع أن يهذب لنا أحرف الكون ويحدد لنا العلاقة الصحيحة بين الله والكون والانسان. ولا يمكن فهم حقيقة هذه المنظومة من دون اللجوء إليه. وهو القادر على إيجاد حلول لمشاكل مستعصية، بل هو كما أكد الأستاذ فتح الله كولن قادر على صنع المستحيل ومن يستغن عنه يتيه في الطريق. “من فهم القرآن حق الفهم تصبح البحار الواسعة كقطرة ماء أمام ما يرد إلى صدره من إلهام”[3]

حركة دائبة تفضي إلى تجدد مستمر:

وانطلاقا من قول الله تعالى: “فإذا فرغت فانصب”، حدد لنا الأستاذ فتح الله كولن نوع الحركة التي ينبغي على الإنسان أن يقوم بها لتخطي كل الصعوبات. إنها حركة دائبة وكما أشار في كتاب أضواء قرآنية “يكون في حركة مستمرة ودائبة يترك مشغلة من المشاغل لمشغلة أخرى أي يستريح وهو يعمل، ويعمل وهو يستريح.”[4]، وبعبارة أخرى فالأستاذ كولن نظم وقته بهذه الحركة وفق خطة لا مجال فيها للنظر إلى السلبيات، وفي في ظل هذه الأزمة والظروف الصعبة التي يعيشها نجده يدعو من حوله إلى التجدد، وهذا ما يوضحه لنا قوله: “عندما يتم تناول القرآن الكريم من جديد نرى كيف نفهم أشياء جديدة وجيدة وكيف أن شبابه يتجدد بتجدد العلوم وتقدمها بمرور الزمن[5]”.

لهذا فهو يؤمن “بضرورة توجيه العالم الإسلامي جميعا إلى التجدد بكل أجزائه في فهم الإيمان وتلقيات الإسلام، وشعور الإحسان والعشق والشوق والمنطق وطريقة التفكير …”[6]

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) ترانيم روح وأشجان قلب ص18

(4) أضواء قرانية ذ/ فتح الله كولن ص 350

(5) مقال كيف يتجدد شباب القرآن؟30/10/2018

 (6) ونحن نقيم صرح الروح  فتح الله كولن صـ 24