مقدمة
لقـد أصبـح التعذيـب والتعدي وسـوء معاملـة المحتجزين والسـجناء مـن الأمـور المعتـادة في تركيـا، بـل إنهـا فاقـت كل التوقعـات، في ظـل نظام الحكم القمعي بقيادة رجب طيب أردوغان، الذي أقسـم علانية أنه لن تأخذه شـفقة ولا رحمة بمنتقديه ومعارضيه والمنشـقن عنه، وقد أسـفر الاضطهاد الجماعـي عـن سـجن مـا يزيـد عـن 50.000 فـرد بنـاء عـلى اتهامـات ملفقـة في العشر السنوات الماضية فقط.
ويسـتند المسـؤولون عـن التعذيـب المتعمَّـد في السـجون التركية إلى ستار الدعم من الحكومة، حيث إن التحقيقات في هذه المزاعم لا تتم بواسطة المدعن العموم، وفي حالة إجراء أي تحقيق فإن الحكومة لا تجريه بالشكل القانوني الملائم أو الصحيح، بل إن حكومة حزب العدالة والتنمية التي يرأسها أردوغـان) AKP(، قامـت بتمريـر مشروع قانون عام 6102 يهدف إلى اسـتدامة الحصانـة الحاليـة مـن خـلال توفـير الحمايـة القانونيـة لأجهـزة الأمـن، التـي تشـتبك في مواجهات القتال ضد جماعات “الإرهاب” على حد زعم الحكومة.
لقـد أعلنـت حكومة حزب العدالـة والتنمية) AKP( تبنيها لسياسـة “عدم التغاضي” عن التعذيب مطلقًا فور تسلمها السلطة في نوفمبر عام 2002، بينما تحولـت الآن لتتبنـى سياسـة “التغاضي الكامـل” عن التعذيب وسـوء المعاملة ،والاسـتخدام المفـرط للقـوة والمعاملة القاسـية لمنتقدي الحكومـة ومعارضيها من الحشـود البشرية التي تجمعها الحكومة بشـكل يومي، فقد قامت الحكومة بتجديـد قانـون الطـوارئ ثلاث مـرات بالفعـل منذ محاولـة الانقلاب الفاشـلة في يوليو 2016، وأزالت الإجراءات الوقائية لحماية المحتجزين ضد سوء المعاملة والتعذيب، بالإضافة إلى إطالة فترة السـجن ،فضلاً عن أنها عملت على تقليص حقوق السجناء في إجراء محاكمة عادلة مثل حق السجناء في توكيل المحامن.

وقد تلقت المنظمات الحقوقية العديد من التقارير الموثوقة والخاصة بالتعذيـب وسـوء المعاملـة مـن جانـب المسـؤولن الأتـراك الذيـن يعملـون لصالـح فـروع أجهـزة الأمـن والاسـتخبارات التابعـة للحكومـة، وفي بعـض الحالات أسفر التعذيب عن موت المحتجزين، بينما أدى التعذيب في حالات أخرى إلى مشـكلات صحية خطيرة مما تسـبب في إحداث عاهات مسـتديمة ،وقد احتجزت الحكومة عددًا من السـجناء في مراكز احتجاز غير رسـمية مثل الصـالات الرياضيـة، والإسـطبلات، ومباني المصانع القديمـة، هذا إلى جانب إنكار أو تقييد حقوق السجناء المشروعة في رؤية محاميهم وأفراد أسرهم.
إن مـا جـاء في هـذا التقريـر من عـشرات الحـالات ما هـو إلا قمة لجبل الجليد في ما اعتبرته منظمات حقوقية عديدة معضلات هائلة خلفها التعذيب في تركيـا، حيـث حـوى التقرير حالات كثـيرة جدًا تثبت أن هناك نهجًا تعسـفيًّا تتبعه حكومة العدالة والتنمية وذلك بناءً على الشهادات التي أدلى بها الضحايا أنفسهم في قاعة المحكمة، والأحداث التي قصها أفراد العائلة، والمحامون.
كـما أكـدت تقاريـر دوليـة على ذلك، مـن بينها تقريـر الأمم المتحـدة، والمجلس الأوروبي، والجمعيـات الموثوقـة المنـاصرة لحقـوق الإنسـان، كمنظمـة العفـو الدوليـة، ومنظمـة هيومـن رايتـس ووتـش، فكلهـا تثبـت حـالات تعذيـب مماثلة ،وحصانـة متوغلـة في تركيـا، وذكـرت تلـك التقاريـر أشـكال ممارسـات التعذيـب

المختلفـة مـن جانـب الحكومة التركيـة، التي تضمنـت الضرب، والإغـراق بالمياه إلى حـد الاختنـاق، والحرمـان مـن النـوم، وإبقاء المسـجونن في أوضـاع ملازمة للتوتـر، بالإضافة إلى الاغتصـاب، والتحرش الجنسي، والإيـذاء بالقول والفعل ،ومنع الطعام والشراب، ورفض أو تشديد إتاحة الوصول إلى الأدوية أو الخدمات الصحية، وتجريد المسجونن من ملابسهم للتفتيش بشكل غير مصرح به، فضلا عن أشكال الإساءة الأخرى إلى المسجونن.
ولم تنتهـك حكومـة أردوغـان مـواد الدسـتور الـتركي وقوانـن العقوبـات التي تجرم التعذيب وسـوء المعاملة فحسـب، ولكنها أيضًا خرقت بشـكل صارخ التزاماتها الدولية بمواثيق وعهود حقوق الإنسان، وعلى ذلك يجب على الحكومة التركية إجراء تحقيق عاجل دون تأخير في كل واقعة اتهام بالتعذيب والإساءة ،لحظر هذه الممارسات المجحفة ومنع الحصانة التي ينعم بها الجناة.
وفي نفـس الوقـت يجـب تحميـل الحكومـة التركيـة تبعـات ومسـؤوليات أفعالها، والتشـهير بها، ولومها عالميًا، حتى يؤتي ذلك ثماره فيما يخص السـجل الفظيع لحقوق الإنسان في تركيا.
التزامات تركيا بالقوانين الدولية والقومية
1- الالتزامات الدولية
لقد ألزمت تركيا نفسـها بالخضوع لعـدد من العهود والمواثيق الدولية التـي تجـرم التعذيـب وسـوء المعاملـة، وكذلـك الامتثـال للهيئـات الرقابيـة التابعة لأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان بالمجلس الأوروبي )COE(.
وبموجـب كل مـن الاتفاقية الأوروبيـة لحقوق الإنسـان) ECHR(، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) ،ICCPR(، تلتزم تركيا بمنع أشكال التعذيب والمعاملة الوحشية، غير الإنسانية، المهينة لكرامة الإنسان.
ولا يمكـن أن تتنصـل أنقـرة مـن تلـك الالتزامـات، كـما وقعـت تركيـا عـلى البرتوكـول الاختيـاري لمناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة) OPCAT( في 27 من سبتمبر 2011، كما ألزمت تركيا بالقيام بواجبات أخرى بموجب التوقيع على البروتكول الاختياري، وبموجب مـا تنـص عليه المادة 94 من قانون العقوبـات التركي) TCK( فقد أقرت تركيا على حظـر التعذيـب وفقًـا للعهـود والمواثيـق الدوليـة التـي وقعـت عليهـا، وتعهـدت باتخاذ تدابير لمنع التعذيب وفقًا لها.
إن ميثـاق الأمـم المتحـدة لمناهضة التعذيب وغيره مـن ضروب المعاملة أو العقوبـة القاسـية أو اللاإنسـانية أو المهينة والصـادر في 10فبراير 1984، الذي صدقـت عليهـا تركيا وقامت بالتوقيع عليه سـنة 1988، يعرِّف التعذيب في المادة رقم 1 بأنه: ” عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًّا كان أم عقليًّا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو بقصد معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو بقصد تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية.”- وقـد جـاء في المـادة رقـم: 5 في الإعـلان العالمـي لحقـوق الإنسـان والمعتمـد مـن قبـل الجمعية العامة لحقوق الإنسـان، والذي صدقـت عليه تركيا باعتبارها عضوًا فيه في 10 ديسمبر 1948 ما نصه: “لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملـة أو العقوبـة القاسـية أو اللاإنسـانية أو المهينـة”. ويؤكـد عـلى هـذه النصوص اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بتاريخ 4 نوفمبر عام 1950 في المادة رقم: 3 إذ جاء فيها: “لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، بينما تؤكد المادة رقم: 2 على أنه لا يمكـن تبريـر أعـمال التعذيب تحـت أي ظروف حيث جاء نص المـادة: “لا يجوز التـذرع بأية ظروف اسـتثنائية أيًّا كانت، سـواء أكانت هـذه الظروف حالة حرب أو تهديـدًا بالحرب أو عدم اسـتقرار سـياسي داخلي أو أية حالـة من حالات الطوارئ العامـة الأخـرى كمبرر للتعذيب، ولا يجوز التـذرع بالأوامر الصادرة من موظفن أعلى مرتبة أو من سلطة عامة كمبرر للتعذيب.”
– بينما تحث المادة رقم: 4 من نفس الاتفاقية الدول الأطراف على تعريف أعـمال التعذيب بأنهـا جريمة ونصها: “تضمن كل دولة طرف اعتبار جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأيـة محاولة لممارسـة التعذيـب، كما ينطبق على قيام أي شـخص بأي عمل آخر يشـكل تواطـؤا أو مشـاركة في التعذيـب، عـلى أن تجعـل كل دولـة طـرف في هذه الاتفاقية هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في عن الاعتبار طبيعتها الخطيرة.”
– وتنـص هـذه الاتفاقيـة على التزام الـدول الأطراف بمنع أعـمال التعذيب والتـي تنطبـق “عـلى الأعمال الأخـرى للتعذيـب أو المعاملـة أو العقوبة القاسـية أو اللاإنسـانية أو المهينـة التـي لا تصـل إلى حد التعذيب”، )مـادة رقم: 16(، كما صدقـت تركيـا أيضًـا عـلى الاتفاقيـة الأوروبيـة لمنع التعذيـب وسـوء المعاملة أوالعقوبة اللاإنسانية أو المهينة في 26 نوفمبر 7891.
2- القوانين الوطنية التي تجرم التعذيب
بالتـماشي مـع تلـك الالتزامـات الدوليـة يـأتي الدسـتور الـتركي ليقـرر أن التعذيـب محظـور داخل تركيا ونصه: “لا يجوز تعريض أي أحد للتعذيب أو سـوء المعاملـة، ولا يجـوز إخضـاع أي أحـد لعقوبـات أو معاملـة لا تتفـق مـع الكرامـة الإنسـانية”، )دسـتور جمهوريـة تركيا مـادة رقم:7فقرة رقم: 3(، “ولا يجـوز إجبار أحد على إدانة نفسه/نفسها… أو أن يُقدِّم أدلة تثبت تلك الإدانة” )دسـتور تركيا مادة رقم: 38 فقرة رقم: 5(.
ويعدد قانـون العقوبات الـتركي العقوبـات القانونيـة والمعايـير الجنائيـة ضـد التعذيـب في الجـزء الثالث منه
تحت عنوان العذاب والتعذيب ، زيادة حالات التعذيب داخل السجون ومراكز الحجز.
حيث يتألف من المواد رقم: 94، 95، 96، وهي كما يلي: المادة: 94 1)(، أ- يُحكم عـلى أي موظـف عـام بالسـجن لمدة ثلاث سـنوات تصـل إلى اثني عـشر عامًا، في حالة عدم امتثاله للكرامة الإنسـانية وتصرفه بطريقة تتسـبب في معاناة بدنية أو عقلية أو تؤثر في تصور أو إرادة الشخص نتيجة الشعور بالإهانة.
– في حالة ما إذا كانت الإساءة ضد أي طفل أو شخص غير قادر على الدفاع عن نفسه )جسديًا أو عقليًا( أو سيدة حامل، أو ضد موظف عام أو محامي في حالة قيامه بأداء مهام عمله، تفرض عقوبة السـجن من ثماني إلى خمس عشرة سـنة.

– في حالـة مـا إذا كان الفعـل مصحوبـا بالتحرش الجنـسي يعاقب الجاني بعقوبة السجن من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة.
– يعاقب أي شخص يشترك في تنفيذ هذه الجريمة بعقوبة مماثلة لعقوبة الموظف العام.
– في حالة ما إذا ارتكبت الجريمة نتيجة الإهمال، فلا يجوز تخفيف العقوبة.
– تحليـل المـادة 94 منطقيًّـا: “إن الأعـمال التـي تصـل إلى حـد التعذيب لا تمثل فقط الاعتداء على أجسـاد الضحايا مما يضر بصحتهم الجسـدية والعقلية ،بـل إنـه في نفـس الوقت يتم إجبـار الضحايا عـلى الإدلاء بمعلومـات أو اعترافات تحت وطأة الألم الذي يعانون منه، إذ إن إرادتهم مسلوبة، فضلاً عن تأثر قدراتهم الإدراكية نتيجة للتعذيب، لذلك فإن التعذيب المفضي إلى الاعتراف أو التصريح بأدلة متعلقة بجريمة معينة ربما يؤدي إلى طمس الحقيقة ويعوق إقامة العدل ،وبالتالي فإن اعتبار التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبات جنائية سوف يخدم الغاية من الإجراءات الجنائية في كشف الحقائق المادية .
المـادة 59 )1( في حالـة مـا إذا تسـبب التعذيب )الواقع عـلى الضحية( فيحدوث ما يلي:
1- إضعاف وظيفة أي حاسـة من الحواس أو أي عضو من الأعضاء بشـكلدائـم، ب ـ- إحداث خلل في عملية التخاطـب، جـ-ـ ندبة أو علامة مميزة في الوجه ،د- تعريـض حيـاة الضحيـة للخطر، أو ه- التسـبب في ولادة مولود في موعد مبكر عن موعد ولادته، في حالة كون الضحية امرأة حاملاً، عندها يجب زيادة العقوبة المقررة وفق المادة المذكورة آنفا بمقدار النصف.
2- في حالة ما إذا تسبب التعذيب )الواقع على الضحية( فيما يلي:
أ- الإصابـة بمـرض عضـال لا يرجـى الشـفاء منـه، أو التسـبب في دخـول الضحية في حالة غيبوبة .
بـ- فقدان وظيفة أي حاسة من الحواس أو أي عضو من الأعضاء.
جـ- فقدان القدرة على الكلام أو فقدان القدرة على التخصيب.
د- إحداث تشويه للوجه بصفة دائمة.
ه ـ- التسـبب في فقـدان جنن لم يولد بعد، في حالة كـون الضحية امرأة ،يجب مضاعفة العقوبة وفقًا للمادة سالفة الذكر.
3- وفي حالـة مـا إذا تسـبب التعذيـب في كسر عظمة من عظـام الضحية ،يعاقب الجاني بعقوبة السجن لمدة عام وتصل إلى ستة أعوام، وذلك وفقًا لتأثير العظمة المكسورة على الضحية وقدرته على استكمال وممارسة حياته الطبيعية.
4- وفي حالـة مـا إذا تسـبب التعذيـب في مـوت الضحيـة، تفـرض عقوبـة السجن المشدد مدى الحياة.
وبموجب الفقرة 3 للمادة 94 من قانون العقوبات التركي ،تُشـدد العقوبة إذا كان فعل التعذيب مصحوبًا بالتحرش الجنسي، على أن يؤخذ فيَّ الاعتبار أن هـذا البنـد لا يطبق في حالة كـون الفعل محل النظر مصحوبًا بالاعتداء الجنسي ،ففي هذه الحالة يعاقب الجاني أيضًا على جريمة الاعتداء الجنسي .
إن جريمـة الاعتـداء الجنـسي لا تتـم عـادة إلا بموافقـة الإذن الصريح من الرؤساء المنوط بهم مهام الخدمة العامة، وبعبارة أخرى: فإن الرؤساء يقومون بإعطـاء التصريـح الضمنـي للتعذيب من خلال الامتناع عـن التدخل لوقف أعمال
إجبار المعتقلين على مدامة النظر في صورة الرئيس التركي أردوغان لساعات في وضع يثير القلق.
التعذيب التي تنال من المواطنن أثناء عملية التحقيق إذ إنها تتم تحت إشرافهم ،وفي تلـك الحالـة، فـإن الموظـف العام الـذي يتقلد المناصب الأعلى سـوف يُعتبر مشـاركًا في عمليـة التعذيـب بنـاء على الإهـمال الصـادر منه حيال ذلـك، ولذلك يتحمـل مسـؤولية الجريمـة دون أي تخفيـف بموجب الفقرة الخامسـة من المادة 94 المذكورة أعلاه.
3- أشكال أخرى من ضروب سوء المعاملة المحظورة أيضًا
يفرق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانن التركية أيضًا بن التعذيب والأشـكال الأخـرى مـن سـوء المعاملة، بينـما تأتي السـوابق القضائيـة للمحكمة الأوروبيـة لحقـوق الإنسـان) ECTHR( التي يعتبر حكمها ملزمًـا لتركيا، لتظهر أن المحكمـة -ومقرهـا في ستراسـبورغ- تأخـذ العديـد مـن العوامـل بعـن الاعتبار ،حال النظر في تعريف مدى عِظم أو شدة التعذيب الواقع على المحتجزين.
وتتضمـن هـذه المعايـير بوجه عـام مدة فعـل التعذيب، وآثاره الجسـدية والعقليـة، والنوع الإنسـاني للضحية التي يجري عليها فعـل التعذيب، كما يؤخذ في الاعتبار عمر الضحية، وحالتها الصحية، والطريقة والوسيلة المستخدمة في الفعل، وعلى النقيض من أشكال وضروب عدة من سوء المعاملة، فإن التعذيبيتطلـب وجـود غـرض محـدد وراء عمليـة التعذيـب وذلـك لإجبـار الضحيـة عـلىالاعـتراف أو للحصـول عـلى معلومات، ولا شـك من وجود تبعـات قانونية في كلمـن التعذيب وسـوء المعاملة، مثل المعاملة اللاإنسـانية، والقاسـية، والمذلة ،والمهينة، فضلا عن المعاملة الحاطّة بالكرامة الإنسانية، والقهر البدني والنفسي الذي يلحق بالضحايا.
ووفقًا لقانون العقوبات التركي فإن قانون سوء المعاملة يتم تنظيمه وفق مـا جـاء في القانون تحت عنوان “العذاب”، وعليـه جاء نص المادة 96 من قانون العقوبات التركي كالتالي:
1)( يحكم على أي يشـخص يمارس أي عمل ينتج عنه تعذيب شـخص آخر بعقوبة السجن لمدة سنتن تصل إلى خمس سنوات.
2)( في حالـة ارتـكاب جريمة التعذيب ضد كل من: أ- ضد طفل أو شـخص غير قادر على الدفاع عن نفسه )جسديًا أو عقليًا( أو سيدة حامل، ب- ضد موظف عام أو محامي في حالة قيامه بأداء مهام عمله، تفرض عقوبة السجن من ثماني إلى خمس عشرة سنة، وفي حالة حدوث الأعمال السابقة وموافقتها لنص الفقرة المذكورة أعلاه ووقوعها في حق كل من طفل أو شخص غير قادر على الدفاع عن نفسـه )جسـديًّا أو عقليًّا( أو سيدة حامل، أو في حق أحد الأصول أو أحد الفروع ،أو في حق الآباء بالتبني، أو في حق الزوج أو الزوجة، تفرض عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات تصل إلى ثماني سنوات.
لماذا اتبعت تركيا نهج التعذيب وسوء المعاملة على نطاق واسع؟
إن السـبب الرئيـس الـذي جعـل الحكومة التركيـة تبدأ من جديـد عمليات التعذيب وسـوء المعاملة على نطاق واسـع داخل مراكز الاعتقال والسـجون هو إطلاقهـا لحملـة “صيد السـاحرات” التي دشـنَّها حكام الدولة الإسـلاميون لتدمير جماعـات المعارضـة عن طريق اعتبارهم مجرمن بواسـطة سـوء اسـتغلال نظام العدالـة الجنـائي، وفي أعقـاب فضيحـة الفسـاد الكـبرى التي وقعت في ديسـمبر 2013، حيـث أديـن فيها أفراد من عائلة الرئيس أردوغان وبعض وزرائه، فلم يكن مـن القيـادة السياسـية إلا أن تصب غضبها عـلى منتقديهـا ومعارضيها، وتصفهم بأنهم “عملاء” و”إرهابيون” يحاولون الإطاحة بالحكومة.
ولتجـاوز فضيحـة الفسـاد التـي حدثـت بعـد سـتة أشـهر مـن حـادث احتجاجـات حديقـة جيـزي المناهضـة للحكومـة في صيـف عـام 2013، انتهجـت حكومـة أردوغـان سياسـة الإيقـاع بمعارضيهـا لينتهـي بهـا المطـاف إلى اضطهـاد جماعـي، وفي ينايـر عـام 2014 فُضحت حكومة أردوغان بشـكل يندى له الجبن، حن تبن إرسـال الحكومة شـحنات تسـليح غير شرعية للجماعات الجهادية في سـوريا، بـإذن شـخصي من أردوغان )رئيـس الوزراء آنذاك(، ومـن ثم عزمت على عقـاب المنتقدين لهـا من خلال إجراء التحقيقات الواهيـة وإلحاق اتهامات العار بهم لتشتيت انتباه المنتقدين والمعارضن.
وحيـث إنـه لا يوجـد دليـل ملموس على أيـة تجاوزات مـن جانب جماعاتالمعارضة تؤيد حملة “صيد السـاحرات” -كما أسـمتها الحكومة- بدأت السلطات

التركيـة تفـرض ألوانًـا وصنوفًا من التعذيب وسـوء المعاملـة، في أعقاب محاولة الانقـلاب الفاشـلة في يوليـو 2015، والتـي يؤكـد كثـير مـن المراقبـن للسياسـات التركيـة عـلى أن هـذه المحاولة كانت عملية مسرحية كاذبة تـم تدبيرها وحياكتها على يدي أردوغان.
وفي أواخـر مايـو -وعلى مدار العشرة شـهور الأخيرة فقـط- بلغت حصيلة المعتقلـن 154,694 مواطنًـا تركيًّـا، بينـما تـم إلقـاء القبـض رسـميا عـلى 50,136 آخريـن في أنحـاء تركيـا بحجـة اتصالهـم بحركـة كولـن، وقامـت وكالـة الأنبـاء الرسـمية للدولـة دون أدنى حيـاء أو خجـل بنـشر صـور المحتجزيـن الذيـن تـم ضربهم وتعذيبهم وتعمد إيذائهم جسـديًّا، وفي أثناء جلسـات الاسـتماع للعديد مـن المحتجزيـن التـي عقـدت بعـد ذلـك بشـهور، تراجـع الضحايـا عـن أقوالهـم الأصلية، وشهدوا بأنهم اعتقلوا تحت وطأة الضرب الشديد والتعذيب.
من هم المعذِّبون؟
في أثنـاء توثيق حـالات التعذيب تحدث مركز سـتوكهولم للحريات) )SCFإلى رئيـس شرطـة مـن ذوي الخـبرة، أمـى عقـودًا مـن الزمـان يخـدم في جهـاز الشرطة، وقد كان شـاهد عيان على وقائع التعذيب وسـوء المعاملة التي لحقت بالمحتجزين من أجل الإدلاء بالمعلومات لمن يعذبونهم، أو لإشـباع الدافع من وراء التعذيـب، ويـروي رئيـس الشرطـة المتمرس-الذي يحتفظ مركز سـتوكهولم للحريـات) SCF( باسـمه لأسـباب أمنيـة- كيـف تحـدث ألـوان التعذيـب في مراكـز الحجـز والسـجون قائـلا: “غالبًا ما يلجـأ المحققون للتعذيب عندمـا يعجزون عن إيجاد حيلة لإدانة الضحية بأي أدلة موثوقة أو قوية .”
ويتابـع رئيـس الشرطـة السـابق قولـه: “إن المحقق عـادة ما يعـد مخططًا أو سـيناريو قبـل البـدء في عمليـة الاسـتجواب، وفي حالة ما إذا حاد المشـتبه به عـن ذلـك المخطـط يبدأ المحقق في اسـتخدام ألوان من التعذيـب والضغط على المشـتبه بـه ليعود إلى السـيناريو مـرة أخرى. وفي حالة مـا إذا كانت المعلومات التـي حصـل عليهـا المحقق بفعـل التعذيب تشـير إلى سـيناريو آخر، أو سـيناريو أفضل من الذي قد قام بإعداده، يوجِّه التحقيق في ذلك الاتجاه. وأحيانا لا يكون المحقق راضيًا عما حصل عليه من اعترافات الضحية التي يسـتجوبها تحت وطأة التعذيـب، وفي هـذه الحالة يتحول الغرض مـن التعذيب لمجرد العقاب بدلا من كونه وسيلة لانتزاع المعلومات.
ويعتقد رئيس الشرطة أن المعذبن يتم تحفيزهم وشـحنهم ضد الضحاياعـلى أنهـم عملاء وخائنون، ويسـتحقون العقـاب لأجل ذلك، ويضيـف قائلا: “إنالموظفن الذين يعذبون الضحايا ربما يلجأون إلى التعذيب بنية إثبات وطنيتهم أمام زملائهم ويتوقعون المكافأة على ذلك أو الترقية من قبل رؤسـائهم، وحيث إن التعذيـب في حقيقتـه عمل مناف للإنسـانية فإنه يمثل تحديًا ٍّلكل من المعذب أو الضحية، حيث يعمد المعذبون إلى شرب الكحول أو مواد أخرى مخدرة أثناء عملية التعذيب.”
وفي سـياق التعذيـب الممنهـج والمنتـشر للذيـن يوصمـون “بالإرهـاب ،”تمـارس الحكومـة عـلى موظفـي الأمن والموظفـن العموم الذيـن يعترضون على التعذيب أسـاليب القمـع والعزلة، وتتعمد معاملتهـم كمنبوذين، “وربما وصفوا الممتنعـن عـن التعذيـب بأنهـم “إرهابيـون”، وربما قامـوا بمطاردتهم؛ وبسـبب تلك الضغوطات لم يجد ضباط الأمن مفرَّا من الانضمام إلى معسكر المعذِّبن،
بتصريح وفتاوى رجال الدين التابعين لـ”أردوغان”، تم تشجيع المتطرفين لممارسة العنف وتصعيده.
وبعـد مـرور فـترة من الزمن قد يبدأ هؤلاء الضبـاط في الاعتياد على ذلك ومن ثم لا يشـعرون أن مـا يقومـون بـه يسـمى تعذيبًا، حيث تمـارس كافة ألـوان وصنوف التعذيـب بإتقـان، إذ يقـوم الضبـاط ذوو الخـبرة في التعذيـب بمشـاركة خبراتهم لغيرهم من الضباط لضمان عدم موت الضحية أثناء التعذيب، وعدم إظهار آثار التعذيب على الجسد” هذا ما صرح به رئيس الشرطة السابق.
لم يقتصر التعذيب وسوء المعاملة على ضباط الشرطة ومسؤولي السجن
فقـط، ولكـن ظهرت فرق خارجيـة جلبتها الحكومة؛ لتـمارس مهمات محددة من التعذيـب ضـد المحتجزين كجانب من حملـة الترهيب والتخويف ضد المنتقدين ،فقـد تـم اختيار هـذه العناصر الخارجيـة ضمن مجموعة من المرشـحن من قبل وكالة الاستخبارات MİT، وهي عبارة عن قوات مشبوهة، ومليشيات اتفقت معها الحكومـة كشركـة SADAT المواليـة لأردوغـان، بالإضافة إلى الأفـراد المسرحن مسـبقًا مـن الشرطـة، بسـبب سـمعتهم السـيئة في التعذيـب. ومـن العجيـب أن المسؤولن الذين يقرون التعذيب وسوء المعاملة في حق المحتجزين ويحضون على ذلك، تكافئهم الحكومة بترقيات وبحصانة ضد أي محاكمات.
تحريض جديد على التعذيب من خلال الجهاديين
بخـلاف مـا سـبق مـن قضايـا التعذيـب التـي لعبـت فيهـا النزعـات القومية والوطنيـة دورًا في الحـث عـلى المعاملـة الوحشـية واللاإنسـانية للمحتجزيـن والسـجناء، أضافـت حكومـة أردوغـان إلى هيئـات إنفـاذ القانون في تركيـا عنصرًا جديـدًا شـديد الخطـورة ذا خلفيـة دينية، وذا قناعـات متأصلة عـلى فوبيا كراهية الأجانـب، فقد عملـت حكومة حزب العدالة والتنمية عـلى إقصاء عشرات الآلاف مـن ضبـاط الشرطـة ممـن تتهمهـم بالانتـماء إلى الخدمـة، بمـا في ذلـك العديـد مـن رؤسـاء الشرطـة الأكفاء ذوي الخـبرة، واسـتبدلتهم بالإسـلامين والقومين شديدي التعصب.
ونتيجـة لذلك يسـتمد المعذبـون في تركيا التحفيـز والتحريض من نزعات الجهاديـن؛ ولذلـك ربمـا يعتقـدون أو يتحيزون ضد المشـتبه بهـم الذين يجرون معهـم التحقيـق باعتبـار أنهم “كفار”، أو “أعداء للإسـلام”؛ ولسـوء الحظ فغالبًا ما ينشـأ هذا المفهوم المتشـدد من خلال ما يثيره أردوغان ومن على شـاكلته من القـادة الإسـلامين، فهم يحثون على التعذيب وسـوء المعاملـة في ما يبثونه في خطاباتهـم العامـة؛ ولذلك فـلا يعتبر المعذبون أن ما يقومـون به من أعمال يعد تعذيبًا ، بل يعدونها أعمالا مقبولة، ومبررة ينتظرون عليها الثواب في الآخرة.
فقـد أصـدر عالم الديـن المؤيـد للحكومة خير الديـن كارمـان، والملقب بـ”مفتـي أردوغـان”، في جريـدة يني شـفق اليومية فتـوى تقول: ب ـ “إن الضرر الذي

يلحـق بجماعـة صغيرة جائـزٌ في مقابل تحقيق المصالح العامـة للأمة”)1(، وبذلك يمنـح مباركتـه لإجراء المحاكمات الجماعية للمنتقدين والمعارضن السياسـين لحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد.
وكثيًرا ما يردد أردوغان، وشركاؤه، والموالون لحزب العدالة والتنمية، هذه الفتوى الجازمة والتأكيد الذي لا يأبه بحقوق الإنسان بشكل متكرر، وقد أصدر كارمان فتـوى أخـرى في أعقاب محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو 2016 تقول:
“بأن خرق القانون بشكل طفيف من جانب الجنود في حالة الحرب معفوٌ عنه”)2(.كما أفتى الفقيه الإسـلامي المبجل من جانب جماعات الإسـلام السـياسي كارمان بشكل فاضح “أن الفساد لا يعد سرقة في الشرع”)3(، جاء ذلك تعقيبًا على

(1) Türkiye” nin dostları ve düşmanları”, Yenişafak, December 19, 2013, http://www.yenisafak.
com/ yazarlar/hayrettinkaraman/turkiyenin-dostlar%C4%B1-ve-dumanlar%C4%B1-44456
(2) Zaman dostların çekişme zamanı değildir”, Yenişafak, February 2, 2017, http://www.yenisafak. com/ yazarlar/hayrettinkaraman/zaman-dostlarin-cekisme-zamani-degildir-2035923
(3) “Yolsuzluk başka hırsızlık başkadır”, Yenişafak, December 21, 2014, http://www. yenisafak.com/yazarlar/hayrettinkaraman/yolsuzluk-baka-h%C4%B1rs%C4%B1zl%C4%B1k-bakad%C4%B1r-2006694
أحداث الفسـاد في ديسـمبر عام 2013 التي أصابت بسهامها العديد من الوزراء ،مـن المسـؤولن العمومين، فضلا عـن رئيس مجلس الـوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، وأفراد من عائلته.
ويسـتخدم الرئيس أردوغان نمط خطاب الكراهية بانتظام وبشـكل متعمد ضد حركة كولن، واصفًا أعضاء الحركة والمشاركن والمتطوعن فيها بأنهم “ليسوا مسلمن”، أو “كفار”، مما أدى بدوره إلى تقديم ذريعة إضافية لممارسات التعذيب التي تتبناها الجهات الأمنية ضد المحتجزين، ومن ثم تفاقم الوضع بالنسبة لحملة
“صيد الساحرات” التي أعلن أردوغان إطلاقها بجرأة دون حياء ضد حركة كولن.
إخفاق محاولة الانقلاب وقانون الطوارئ
جـاء إطـلاق المحاكـمات ضد حركة الخدمـة بأمر من أردوغـان في أعقاب فضيحة الفسـاد والرشـوة في ديسـمبر عام 2013 ليكتسب زخمًا هائلاً بعد إخفاق محاولـة الانقـلاب في الخامـس عـشر مـن يوليـو عـام 2016، مـما جعـل أردوغان يصف هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة بأنها “هدية من الله”. وقد سارع أردوغان إلى اتهـام حركـة كولـن في السـاعات المبكرة من حدوث الانقـلاب دون تقديم أي دليـل، وفي الوقـت الـذي لم يتـم فيـه القبض بعدُ عـلى الجناة الذيـن يقفون وراء هـذه المحاولـة الفاشـلة التي قام بها مجموعة من الجنـود، والتي دفع ثمنها 142 ضحية، ومن جانبه أنكر كولن هذه التهمة بشدة، وطالب بعقد لجنة دولية تتولى التحقيق في مزاعم أردوغان.
وحسـبما ورد في تقارير اسـتخباراتية كل من الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحـدة، والولايـات المتحـدة الأمريكيـة، وألمانيـا، لم يكن هنـاك أي دليل على تـورط حركـة كولـن في محاولة الانقلاب الفاشـلة. غـير أن أردوغـان انتهز محاولة الانقـلاب فرصـة سـانحة للقضاء عـلى معارضيه، وخاصة الموالـن لحركة كولن ،فقام باتهامها بأنها منظمة إرهابية خططت للانقلاب .
كان أردوغـان وحكومـة حـزب العدالـة والتنميـة قـد اتهموا أعضـاء حركةكولـن “بتدبـير انقـلاب ضـد الحكومة”، عقب ظهور ممارسـات الحكومة الفاسـدةللعلن، والكشف عن مساعدة الحكومة للمنظمات الإرهابية المتطرفة في سوريا ،عـن طريق إمدادها بالسـلاح. وللتغطيـة على ذلك تم القبض على القضاة وضباط الشرطة الذين قاموا بإجراء هذه التحقيقات فيما يعرف إعلاميًا “بعمليات الانتقام.”
وبعـد مـرور أيـام قليلـة مـن محاولـة الانقـلاب تـم إعـلان حالة الطـوارئ ،حيث مدت الحكومة فترة الاعتقال من أربعة أيام إلى ثلاثن يومًا، وفقا لمرسوم قانـون الطـوارئ رقـم: 667، إذ قامـت الحكومـة خلال تلـك الفـترة بالتضييق على المحتجزيـن ومنعهـم مـن حقوقهـم في رؤيـة محاميهـم، وقـد كانت هـذه الفترة كافية لجهاز الشرطة حتى يقوم بإخفاء أدلة التعذيب. ومن جانبه أصدر أردوغان ومسـؤولو الحكومة إرشـادات شـجعت الشرطة وضباط الأمن على الاستمرار في معاملة المشتبه بهم بطريقة غير قانونية.
وبالتماشي مع نزعة أردوغان نحو الاستخفاف بحقوق الإنسان الأساسية ،والحريـات، ومبـادئ القانـون الرئيسـية، أصـدر حـزب العدالـة والتنميـة الحاكـم مراسـيم الطوارئ التي أرجأت العمل بمواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسـان ،والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) ICCPR(، واتفاقيات وعهود أخرى صدقت تركيا عليها كطرف فيها، إذ تنص هذه الاتفاقيات على حسن معاملة الإنسان واحترام كرامته، وتجرم التعذيب وسوء المعاملة، وتكفل حق الدفاع)1(.
وفي أعقـاب محاولـة الانقـلاب اتُخـذت القـرارات وأُصـدرت القوانـن ،لضـمان حمايـة ضبـاط الأمـن مـن المحاكمـة عـلى الجرائـم التـي يرتكبونهـا أثناء حالـة الطـوارئ، ومن ثم فقد أعطت الحكومة الضـوء الأخضر للتعذيب الممنهج والمنتـشر بعـد فـترة توقف قصيرة، هـذا على الرغم من أن القانـون الدولي يحظر تلك الجرائم تمامًا حتى في حالة الحرب.

(1) “OHAL ve Avrupa İnsan Hakları Sözleşmesi: Hukukçular ne diyor?”, BBC Türkçe, July 22, 2016,
http://www.bbc.com/turkce/36860670
عمليات الاعتقال الجماعي والقبض على المشتبه بهم وسط دعاوى التعذيب
اتخذت الحكومة محاولة الانقلاب الفاشـلة ذريعة لشـن حملات الاعتقال والقبض على المشتبه بهم على نطاق غير مسبوق من قبل، فلم تقتصر الحكومة عـلى اعتقـال مخططـي الانقـلاب المزعومـن في الجيـش، ولكـن امتـدت موجـة الاعتقـال العارمـة لتشـمل قضـاة ومدعـن عمـوم، ومحافظـن، ومدرسـن ،وصحفيـن، وعمالاً اتحادين، ونشـطاء، ومهندسـن، وطلابًا، حتـى طالت ربات البيـوت في المنـازل، إلى أن ضاقـت مسـاحات مراكـز الاعتقـال والسـجون عـن اسـتيعاب هـذا العـدد الهائـل مـن المحتجزيـن؛ مـما ألجـأ الحكومـة إلى تحويـل الصالات الرياضية، ومبانٍ أخرى إلى أماكن غير رسـمية للاحتجاز، حيث تمارس أساليب التعذيب والتنكيل وسوء المعاملة على نطاق واسع.
يذكر أن الحكومة قد أطلقت سراح ما يقرب من 30,000 مجرمًا من السجن لتوفير مساحة كافية للمشتبه بهم، وهم المسجونون الذين ينتظرون المحاكمة ،وبنهايـة شـهر مايـو لعام 2017، ووفقـا لوكالة الأناضول الإخباريـة التابعة للدولة فقـد أجـري التحقيـق مع 154,694 متهمًا بواسـطة السـلطات القضائيـة )الذين تم اعتقـال غالبيتهـم مـن قبـل الشرطـة(، ومنـذ الخامس عشر مـن يوليو عـام 6102 اعتقلـت جهـات الأمـن رسـميًا 50,136 شـخصًا في جميـع أنحـاء تركيـا بنـاء عـلى صلاتهم المزعومة بحركة كولن)1(.
وصرح وزيـر الداخليـة سـليمان صويلو في الثاني من أبريـل عام 2017 بأنه تم اعتقال 062,311 شـخصًا، والقبض على 47,155 شـخصًا على ذمة التحقيق في

(1) “FETÖ soruşturmalarının 10 aylık tablosu”, Anadolu Agency, May 28, 2017, http://aa.com.tr/tr/
turkiye/feto-sorusturmalarinin-10-aylik-tablosu/827667
عدد من جنرالات الجيش والقيادات العليا تم تصفيفهم لالتقاط صورة للجريدة القومية بعد تعذيبهم.
اتهامـات تتعلـق بحركـة كولـن، كـما أعلـن وزير العدل بكـير بوزداغ في السـادس مـن مايـو عـام 2017 أنه تم اتخاذ الإجـراءات القانونية ضد 149,833 شـخصًا، من بينهـم 48,636 شـخصًا تـم اعتقالهـم منـذ الخامـس عـشر مـن يوليو، وبنـاء على الإحصائيات التي ذكرها بوزداغ كان من بن المعتقلن 16 جنرالاً، و6,810 عقيدًا وضابطًـا عسـكريًا مـن ذوي الرتب العسـكرية الأدنى، و8,667 ضابط شرطة، بينما أُصـدرت قـرارات الرقابـة القضائية في حق 35,783 منهم، وأصـدرت أوامر القبض على حوالي 6,791 شـخصًا)1()2(. وقد وثق مركز سـتوكهولم للحريات 75 حالة موت مثيرة للريبة، تشـمل العديد من حوادث الانتحار التي وقعت إما في المعتقلات ،أو في السـجون، أو خارجها، بتورط من مسـؤولي الحكومة أو جراء ما يمارسـونه مـن ضغـوط، فبعض هـذه الحـالات يُعتقد أنها نتيجـة التعذيب الـذي يبلغ درجة القتل دون محاكمة، ولكن الحكومة من جانبها وصفت تلك الحوادث بأنها جرائم

(1) “Süleyman Soylu: 47 bin kişi FETÖ’den tutuklandı”, Aydınlık, April 2, 2017, https://www.aydin-
lik.com.tr/turkiye/2017-nisan/suleyman-soylu-47-bin-kisi-feto-den-tutuklandi
(2) Bozdağ: ABD’ye terörist başı Gülen’in tutuklanması için gidiyoruz, Sözcü gazetesi (Bozdağ: We are going to the US for the arrest of terrorist leader Gülen), May 6, 2017, http://www.sozcu. com.tr/2017/gundem/son-dakika-haberi/bozdag-abdye-terorist-basi-gulenin-tutuklanma-
si-icin-gidiyoruz-1834965/
انتحار دون إجراء أي تحقيق صحيح، أو تحريات حقيقية .
وحال ظهور المتهمن لأول مرة بعد فترة طويلة من الاعتقال في جلسات الاسـتماع، شهد العديد منهم أمام المحكمة أنهم يخضعون للضغط، والتنكيل ،والتعذيـب، والتهديـدات، وسـوء المعاملـة، أثنـاء فـترة إقامتهـم الطويلـة قيـد الاعتقال، ولكن تم منعهم من إثبات ذلك في السجلات الرسمية، فقد منع ضباط الشرطة المتهمن من إضافة تلك الزيادة -التي مفادها أنهم يخضعون للضغط- إلى السجلات، وتذرع ضباط الشرطة بأنه مؤخرًا صدرت المراسيم والقوانن التي تجعل من المستحيل تقديم أي شكوى ضد ضباط الشرطة الذين يرتكبون جرائم التعذيب والتنكيـل وسـوء المعاملـة في حـق المعتقلن، كـما منعت السـلطات المحامن أيضًـا مـن إضافـة تلـك الزيادة إلى السـجلات الرسـمية أثنـاء تحقيقـات الشرطة.
وفي سـياق تطـور جرائـم التعذيـب، وسـوء المعاملـة المنتـشرة، أغفـل الأطبـاء أيضًـا دليل التقصي والتوثيق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أوالمهينة، والمعروف بـ” بروتوكول إسطنبول ،”بـل إن بعـض الأطباء يقومـون بإصدار التقاريـر دون رؤية ضحايـا التعذيب، بينما منعت الشرطة آخرين من تسجيل ملاحظاتهم عن حالات التعذيب)1(.
وحسـبما جـاء في تقاريـر لبعض وسـائل الإعلام قام ضبـاط الشرطة بمنع تسـجيل دعـوى ضابـط ذي رتبـة عاليـة في محـاضر المحكمـة إذ قـال إنـه تعـرض للتعذيب، وحجتهم في ذلك أنهم يقومون بتعذيبه ولكن في حال وضع أسلحتهم على الطاولة، وقد بلغ من طغيانهم أن هددوا القاضي بقولهم: “من السهل أيضًا تدبير اعتقالك أنت أيها القاضي”)2(.
إعلام الحكومة التركية يكشف عن التعذيب دون قصد
على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات للتغطية على ممارساتها، إلا

(1) “Gözaltında işkence iddiaları: Yüreğimin en pis yerine yazdım”, BBC Türkçe, November 28, 2016
http://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-38126711
(2) “Avukattan acı itiraf: Korktum işkenceye sessiz kaldım”, Cumhuriyet, October 24, 2016, http:// www.cumhuriyet.com.tr/haber/turkiye/620855/Avukattan_aci_itiraf__Korktum__iskenceye_
sessiz_kaldim.html
أنه تم الكشف عن حالات تعذيب وسوء معاملة عديدة داخل المعتقلات، وعلىعكـس مـا هـو متوقـع فقد أذاعـت وكالـة الأناضـول الإخباريـة المملوكـة للدولة ،ومحطـة TRT الفضائيـة، صـورًا لجنود معذبن على أنهم مخططـو الانقلاب، فقد كان ذلك لأغراض الدعاية على ما يبدو، وكجزء من حملة الترهيب والتخويف.
كان ذلـك أول دليـل مباشر في أعقاب محاولـة الانقلاب، وحيث نشرت تلك الصور بواسـطة محطة مملوكـة للحكومة فإن ذلك يعتبر إقرارًا بالجريمة مـن قبـل السـلطات؛ إذ إن هذه القنـوات تقع تحت إدارة نائـب رئيس الوزراء ،وأثنـاء جلسـات اسـتماع المحاكمـة في مايـو عـام 7102 شـهد الضحايـا بأنهـم تعرضوا للتعذيب مما يؤكد مصداقية وصحة هذه الصور.
إن اسـتمرار إذاعـة تلـك الصور ومقاطع الفيديو بواسـطة وكالـة الأناضول الإخبارية، وعرض الجنرالات، واللواءات، وتصويرهم متأثرين بالجراح والكدمات وهـم قيـد الاعتقـال بعـد أحـداث الخامس عـشر من يوليـو، كان دليـلاً ليس فقط على انتشـار ممارسـة التعذيب والتنكيل وسـوء المعاملة، ولكنه أيضًا دليل على استخفاف الحكومة والشرطة بعمليات التعذيب وسوء المعاملة .
فقد كان من بن الجنرالات المعذبن الجنرال أكن أوزترك، وقد أظهرت الصـور أن أوزتـرك مـر بعملية تعذيب أليمـة، وتعرض للمذلة عـلى أيدي الشرطة مـدة اعتقالـه، وذلـك على الرغم مـن أن أوزترك كان من بن خمسـة عشر جنرالاً يحظـون بأعـلى رتب داخـل القوات المسـلحة التركية) TSK(، فقـد أُصيب أوزترك بجراح وكدمات في وجهه وجسـده حتى إنه كان يضع ضمادة وشاشًـا على أذنه؛ وذلـك فيـما يبـدو نتيجة لتأثـره بالضرب، وظهر جـنرالات آخرون بجـراح وكدمات مماثلـة، كانـت تلك الصـور قد التقطت عندمـا أحيل إلى المحكمـة، وعندما ألقي القبض عليه أشار إلى أن تعذيبه استمر في تلك الفترة البينية .
وقـد قـام ضباط الشرطـة على صفحـات التواصـل الاجتماعـي، متفاخرين بنشر صور لهم وهم يقومون بممارسة أشكال للتنكيل والتعذيب على جنود قاموا باعتقالهـم بتهمـة محاولـة الانقـلاب، مـما يعتـبر مـن أقـوى الأدلة عـلى التعذيب وسـوء المعاملـة، ويظهـر مـن بـن تلـك الصـور مشـهد لعـدة جنـود مقيديـن في الأصفـاد مـن الخلف، يجلسـون عـلى الأرض، وضبـاط الشرطة يهددونهـم بإزهاقأرواحهـم وباغتصـاب زوجاتهـم وبناتهـم، وتظهـر في الصـورة آثـار للدمـاء عـلى ملابس الضحايا وأجسادهم، وعلى الحوائط التي كانوا يستندون إليها)1(.
وقد ذكر المتهمون عددًا من أشكال التعذيب الأكثر شيوعًا ضمن شهاداتهم في محـاضر جلسـات المحكمـة، فقـد كان مـن بـن تلـك الأشـكال والأسـاليب: الضرب، وقذف الضحية بالماء البارد المضغوط، وإدخال عصاة في فتحة مؤخرة الضحيـة، والصعـق بصدمات كهربيـة، وعصر الخصيتن، وإغـراق رأس الضحية في دلو من الماء، ووضع الضحية في أوضاع التوتر والضغط العصبي، والحرمان مـن النـوم، وتقييـد اليديـن والقدمـن، وتعليق الضحيـة من يديها بوضـع مقلوب مـع ربـط اليديـن مـن الخلـف، والتهديد باغتصـاب أفـراد عائلة الضحية، والسـب بأفظع الشتائم، وغير ذلك من أساليب التنكيل التي تتعارض مع كرامة الإنسان.
وبسبب تلك الأساليب الوحشية للتعذيب، أزهقت أرواح عديد من الضحايا ،بينـما فقـد آخـرون اتزانهـم العقـلي، أو أصيبـوا باضطرابات نفسـية، وقـد أجريت تحقيقات بشأن بعض حالات الوفاة أثناء الاعتقال، ولكن لم يطلع أقرباء الضحية على أية معلومات تتعلق بنتائج التحقيقات بحجة الحفاظ على سرية التحقيقات.
غض الطرف عن التعذيب والحث عليه
لم تتخـذ حكومـة حـزب العدالة والتنمية أية إجـراءات فيما يخص دعاوى التعذيـب وسـوء المعاملـة المنتـشر في البـلاد، وذلـك منـذ اندلاعهـا في أعقـاب محاولـة الانقـلاب في الخامس عشر من يوليـو 2016، بل إنها لم تتوان عن إصدار بيانات فاضحة لا يمكن بأي حال التوفيق بينها وبن التزامات تركيا بمراعاة حقوق الإنسـان الأساسـية، والمبادئ الدولية للقانون، وفقا للدستور التركي، والمواثيق الدولية التي قامت تركيا بالتصديق عليها كطرف فيها.
لقـد كان أردوغـان هـو الزعيـم المحـرض عـلى التعذيـب وسـوء المعاملة لمنتقديـه، وخاصة المشـاركن منهم في حركة كولـن، فقد جاوز الحد بإعلانه أن

(1) “Images of tortured subversive soldiers published on”, YouTube, July 20, 2016, https://www.
youtube. com/watch?v=Racum9mZZx8
الموالن لحركة كولن ليس لديهم الحق في الحياة، وغالبا ما أعجبته فكرة إعادةصياغة عقوبة الإعدام خاصة في حق أولئك الموالن للخدمة ومن على شاكلتهم.
وقد صرح أردوغان أثناء خطاب له ألقاه على حشد في مقاطعة زونغولداك المطلـة عـلى البحر الأسـود، في الرابع من أبريل عام 2107 فقال: “سـوف نسـتأصل

هذا السرطان ]حركة كولن[ من جسـد العاصمة ومن جسـد البلاد، فلن ينعموا بحق الحياة، ولسـوف تسـتمر معركتنا ضدهم حتى نجهز عليهم، فلا نترك منهم مصابن أو جرحى”)1(.
وقـد أعلـن محمـد متينر رئيـس اللجنـة الفرعيـة للسـجون في البرلمان أن اللجنـة لـن تـزور أولئـك المعتقلـن على ذمـة تحقيقـات بشـأن التورط مـع حركة كولـن، وأنهـا لـن تقوم بإجراء أيـة تحقيقات أو فحص بخصـوص دعاوى التعذيب وسـوء المعاملـة التي يعانـون منها)2(، وقـد انتقدت الجمعيـة البرلمانية لمجلس

(1) “Cumhurbaşkanı Erdoğan’dan IKBY’ye bayrak tepkisi”, TRT Haber, April 4, 2017, http://www.
trthaber.com/haber/gundem/cumhurbaskani-Erdoğandan-ikbyye-bayrak-tepkisi-307472.
html
(2) “AKP’li Metiner’den vahim sözler: İşkence’ye inceleme yok”, Cumhuriyet, October3, 2016, http:// www.cumhuriyet.com.tr/haber/turkiye/608880/AKP_li_Metiner_den_vahim_sozler__
iskenceye_inceleme_yok.html
أوروبا) COE( محمد متينر بشـدة على هذه التعليقات الفاضحة في قرار أصدرتهفي الخامس والعشرين من أبريل عام 2017)1(.
وفي خطـاب ألقـاه وزيـر الاقتصـاد السـابق نهـاد زيبكجـي، الـذي تـولى عـددًا مـن المناصـب في حكومـة حـزب العدالـة والتنميـة السـابقة، وسـط جمـع مـن الموالـن للحـزب، صرح بقولـه: “إننا سـوف نذيقهـم مـن كأس العقاب حتى يقولـوا “نتمنـى الموت”، فلن ترى أعينهم وجوه البشر، ولن تسـمع آذانهم صوت الآدمين، ولسـوف يموتون كما يموت فئران المصارف في زنزانة مسـاحتها لا تزيد عن 1.5–2 متر مربع.
وقـد أعلـن بهـذه التصريحات أنهم سـوف يتعاملـون وفق مشـاعر الانتقام والكراهيـة التـي تحركهم ضـد الضحايا؛ وبهذا قام حزب العدالـة والتنمية بتحفيز ضبـاط الشرطـة الذيـن تحجـرت قلوبهـم بممارسـة التعذيب عـلى الاسـتمرار فيه بإعطاء هذه الرسائل الواضحة التي تجعلهم يغضون الطرف عن التعذيب)2(.
يتزامـن ذلـك مـع إعـادة تشـكيل السـلطة القضائيـة في تركيـا بمـا قـام بـه أردوغـان مـن “مـشروع المحاكـم”، مـما جعـل الأمـر أكـثر تعقيـدًا، وهو مـا أتاح الفرصـة للحزب الحاكم أن يتحرر بأفعاله من المراجعة القضائية، وتتم التغطية على الشـكاوى المقدمة بشـأن التعذيب وسـوء المعاملة بقرارات عدم الاضطهاد أو الإقصاء، فلم يقم حزب العدالة والتنمية بحظر جميع أنشطة منظمات حقوق الإنسـان الدولية فحسـب، ولكنه أيضا اتخذ ما يلزم من التدابير لإعاقة أية حقائق تثبت عن حدوث جرائم التعذيب داخل المعتقلات.
وكشـفت وثيقة رسـمية تـم تسريبها للصحافـة عن مدى اهتـمام الحكومة بالحقيقـة التـي توصلت إليهـا لجنة منع التعذيب) CPT( بمجلـس أوروبا) COE(، في الفـترة مـا بن الثامن عشر من أغسـطس والسـادس من سـبتمبر عـام 2016، حيـث طلبـت اللجنـة مـن الشرطـة وقـف اسـتخدام مراكـز الاعتقال غير الرسـمية

(1) “The functioning of democratic institutions in Turkey”, Parliamentary Assembly, April 25, 2017, http://assembly.coe.int/nw/xml/XRef/Xref-XML2HTML-en.asp?fileid=23665&lang=en
(2) “Ekonomi Bakanı: Bu darbecilere öyle bir ceza vereceğiz ki ‘Gebertin bizi’ diye yalvaracaklar!”, T24, August 1, 2016, http://t24.com.tr/haber/ekonomi-bakani-bu-darbecilere-oyle-bir-ceza-verecegiz-ki-gebertin-bizi-diye-yalvaracaklar,352845
كالصالات الرياضية على سبيل المثال)1(.
فقد أرسلت إدارة الشرطة الوطنية خطابًا سريًا لكافة وحدات الشرطة في إحـدى وثمانن مقاطعـة، بتعليمات واضحة تنبههم إلى إخفـاء أية آثار للتعذيب في كافـة مراكـز الاعتقـال، جـاء ذلـك قبـل زيـارة وفـد تفتيـش رسـمي مـن لجنـة التعذيـب) CPT(، ولم ينـشر تقريـر لجنـة التعذيب) CPT( علانية إلى الآن بسـبب حق الفيتو من قِبَل الحكومة التركية.

(1) “Turkey removes evidence of torture, maltreatment in prisons ahead of CPT visit”, Turkish Minute, September 8, 2016, http://www.turkishminute.com/2016/09/08/turkey-removes-evidence-torture-maltreatment-prisons-ahead-cpt-visit/
مراكز الاعتقال غير الرسمية
أطلقـت الحكومـة التركيـة تحقيقـات غـير رسـمية عـلى مسـتوى البـلاد ،واتخذت لذلك مراكز غير رسـمية للاعتقال، حيث تمارس فيها بوحشـية عمليات التعذيـب والتنكيـل وسـوء المعاملـة، فقـد أصبح مـن المعروف جمـع المتهمن وتعذيبهـم بطـرق ممنهجـة ومنظمـة في أماكن لا يمكـن أن يُجرى عليهـا التفتيش مثل صالات الرياضة، ومباني المصانع.
ويمنـع المحامـون وأفـراد عائـلات الضحايا مـن زيارتهم في تلـك الأماكن ،وذلـك عـلى الرغم من كون تلك المراكز هـي أماكن عامة ومعروفة لدى الجميع ،وخاصـة في المقاطعـات الصغـيرة، ويحـرم المتهمون في تلك المراكز من أبسـط حقوقهم الآدمية الأساسية، مثل دخول دورات المياه، واستعمال الماء النظيف ،أو توفير الخدمات الطبية للحالات الطارئة.
وكان من بن تلك المراكز غير الشرعية للاعتقال، مصنع النسيج التاريخي المؤسس عام 1950 في أنطاليا، فقد أشارت وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة أن هـذا المصنع يسـع خمسـمائة شـخص، وبـدأت الحكومـة في اسـتخدامه نظرًا لامتلاء منشـآت الاعتقال في تسـع عشرة مقاطعة بالمدينة، حيث مكث أكثر من مائتي رجل وامرأة في مساحات محدودة جدًا داخل مبنى ذلك المصنع القديم ،وفي تلـك الأثنـاء كانـت تُجـرى عمليـات اسـتجواب الضحايـا التي اسـتمرت طوال أيام، وهم يتجرعون من صنوف التعذيب النفسي والجسدي)1(.

(1) “Dokuma gözaltı merkezi oldu”, Sabah, August 13, 2016, http://www.sabah.com.tr/akden-
iz/2016/08/13/dokuma-gozalti-merkezi-oldu

استخدام صلات الرياضة كمراكز اعتقال غير رسمية وتعرية المحتجزين وإجبارهم على التقاط صور لهمفي أوضاع غير إنسانية.
وباقـتراب موعـد محاكمـة الجنـود الذين تـم اعتقالهم في أعقـاب محاولة الانقلاب، والتي بدأت بعدها بأشـهر، كشـفت مصادر عن إعداد غرفة اسـتجواب في مقـر هيئـة الأركان العامـة حيث تؤخذ فيها شـهادات الضبـاط المتهمن تحت وطأة التعذيب، ومرارة الإكراه.
وصرح الملازم أول كوبرا يافوز الذي كان يخدم في مقر هيئة الأركان العامة في شـهادته أمـام المحكمـة، أنـه تـم اسـتجوابه في مقر هيئـة الأركان العامة وسـط تهديـدات بالقتـل، وقـال يافـوز: “عندمـا ذهبـت إلى هيئـة الأركان لأداء مهام عمليالمعتـادة في الثـاني مـن أغسـطس، أخُـذت إلى غرفـة الأمـن العـام، وقـد كان فيالغرفـة قائـد القـوات الخاصة الجنرال زكاي أكسـكالي وثلاثة مسـاعدين، وقال لي:
“لـدي صـور أنـت تظهر فيها، أخبرني بما تعرف، لقد كنت مشـاركًا بشـكل واضح في تلك الأحداث”، ثم بدأ يضغط علي ويهددني بقوله: “إنك ستعدم أو يتم تسريحك ،”لقد قمت بالإدلاء بشهادتي في هيئة الأركان تحت وطأة التهديد بالموت”)1(.
وعـلى مـا يبدو فقـد كان مقـر وكالـة الاسـتخبارات القوميـة) MİT(، ومقر هيئـة الأركان، وأكاديميـة الشرطة، وإسـطبل الخيل التابع لقصر الرئاسـة بمدينة بيسـتيبي بأنقرة هي أماكن اعتقال تلك الأعداد الغفيرة لاحقًا، كما اشـتملت أيضًا عـلى غـرف تحقيـق مجهـزة لذلـك، ومـن المعتقـد أن ضبـاط الجيـش ذوي الرتـب العاليـة مثـل العقيـد ليفينـت تـركان، مسـاعد رئيس هيئـة الأركان هولـوسي آكار تم اسـتجوابهم تحت التعذيب في قصر الرئاسـة في بيسـتيبي، وتظهر الصور التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي كيف تم تعذيب الجنود في المساجد، ولكن تلك الدعاوى لم تثبت بالبرهان لعدم إجراء أية تحقيقات بشأنها)2(.
1- الكشف عن الصالة الرياضية في أنقرة كمركز اعتقال غير رسمي
في السـابع مـن مايـو كشـف مركـز سـتوكهولم للحريـات) SCF(كيـف اسـتخدمت الشرطـة التركيـة مبنـىً تابعًـا لشركـة أعـمال الميـاه) DSİ( التابعـة للدولـة، كمركـز اعتقال حيث يعاني الضحايا من مـرارة صنوف التنكيل والتعذيب اللفظي والجسدي، بما في ذلك تهديدات بالقتل، والاغتصاب، والضرب، وتعليق الضحية من يديها بوضع مقلوب مع ربط اليدين من الخلف، والرش بماء مثلج.
وقـد صرح بعـض المتهمـن لمحاميـه بقولـه: “لقـد سـمعتْ أذنـاي جميـع أنـواع السـباب والشـتائم في حـق عائلتي أثنـاء التحقيق ،كـما هددوني باغتصاب أفراد عائلتي، لقد خضعنا لكافة أنواع التنكيل، والتعذيب، والعنف

(1) 15Temmuz Gecesi Fidan’ı uğurlayan Yavuz: Genelkurmay’daki ifademi ölüm tehditleri altında verdim, Sputnik Türkiye, March 7, 2017, https://tr.sputniknews.com/turkiye/201703071027523444-darbe-gecesi-mit-mustesari-fidani-ugurlayan-kubra-yavuz-genel kurmaydaki-ifademi-olum-tehdidi-altinda-verdim/
(2) “Askerlere camide işkence”, soL, July 16, 2016, http://haber.sol.org.tr/toplum/asker-
lere-camide-iskence-162145

الجسدي هنا، ورأيت رجلا أصيب بالعمى في عينيه الاثنتن، ورأيت رجلاً آخر يعـاني مـن صعوبـة في المشي؛ لأن أفـراد الشرطة أقحموا عصًـا في مؤخرته ،وتظهر علامات التعذيب على كثير من أجسـاد الضحايا نتيجة سـوء المعاملة والتعذيـب، وقـد حدث أن طبيبًا كتب تقريرًا يوثـق فيه التعذيب ولكن الشرطة كانت تحاول تزوير تاريخ التقرير.”
وأضاف المتهم أيضًا قوله: “لقد سمعنا أن مدة التعذيب وسوء المعاملة سـوف تطول، ولكننا أخبرنا أن الشرطة في عجلة من أمرها حيث إنهم يسـتعدون لقدوم المئات من المعتقلن في الأسابيع المقبلة، ويحتاجون إلى توفير الأماكن للسـجناء الجدد؛ فلهذا السـبب كانوا يتعمدون أن يشـددوا علينا فترة التعذيب ،وسوء المعاملة، حتى يتمكنوا من تحويل المتهمن إلى مخبرين.”
ففـي الأسـبوع الأول مـن مايو عام 2017 أصدر المدعـون العموم في تركيا 4,900 مذكرة اعتقال بحق أشخاص بتهمة صلاتهم المزعومة بحركة كولن، بينما تـم اعتقـال 1,009 من أولئك الأشـخاص في مداهمات فوريـة عبر 72 مقاطعة في تركيا، في بداية شهر مايو .
وبحسـب المعلومـات الـواردة في هـذا الصـدد أنَّ مـن قـام بإعـداد قائمـة الأشـخاص المطلوبـن للاعتقـال هـي وكالـة الاسـتخبارات الوطنية التركية سـيئةالسمعة) MİT(، حيث إنها قامت بإعطاء معلومات عن أشخاص غير متهمن بناءعـلى توجهاتهـم السياسـية، ومعتقداتهم، إذ إنه لم يثبت أي دليل راسـخ لإصدار أمـر باعتقالهـم، ومـن جانبهـا كانـت الشرطـة تسـتخدم سـوط التعذيب الغاشـم لاسـتخلاص اعترافات من المتهمن بالقوة، وفي كثير من الحالات كانت الشرطة تجبر الضحايا على التوقيع على أوراق الاستجواب التي تم إعدادها مسبقًا.
ومن بن أولئك الضحايا كثير ممن كانوا يمتهنون مهن التدريس، والتربية ،حيـث وجهـت إليهم تهمة العضويـة في حركة كولن التي كانت تنتقد بشـدة نظام أردوغـان القمعـي الاسـتبدادي، فقـد كانـوا يعتقلـون دون معرفـة محاميهـم ،ويستجوبون دون حضورهم في التحقيقات.
وتسلَّم مركز ستوكهولم للحريات) SCF( خطابًا من محامٍ ـ-يحتفظ المركز باسـمه لأسـباب أمنيـة- عدَّد فيه كيـف أن موكله تحمل سـوء المعاملة على أيدي وحدات الشرطة، في الصالة الرياضية) )DSİ أولاً والتي استخدمته الشرطة مركز احتجاز غير رسمي للمعتقلن، وتعرض للتنكيل ثانية في مركز اعتقال الشرطة .
وقد بدأ الخطاب بقوله: “إنني أشعر بالخزي الشديد بصفتي محاميًا بشأن الانتهاكات المشينة لحقوق الإنسان وممارسات التعذيب الوحشية، التي اطلعت عليها طوال فترة مزاولتي مهنة المحاماة”، وقد طلب المحامي عدم الكشـف عن اسـمه أو هويـة موكلـه بدافـع الخوف على حياتهـم ،فضلاً عن العواقـب الوخيمة نتيجـة مشـاركة معلومـات عـن التعذيب، وأضاف أنـه يرغب في أن يعـرف العالم أجمـع كيـف تجـرع موكله الذي يمتهـن التدريس ويـلات التعذيـب حينما كان في حوزة الشرطة في أنقرة، عاصمة تركيا.
فقد اعتقل المدرس في أكبر موجة اعتقالات فردية في تاريخ تركيا، أسفرت عـن القبـض على قرابـة 1,000 شـخص واعتقالهـم باتهامات الإرهـاب المزعومة ،واسـتهدفت الموجـة المشـاركن في حركـة كولـن كجـزء مـن اضطهـاد الحكومـة للجمعيـات المدنيـة، بينـما حبـس المئـات في مراكـز غـير مـصرح بها رسـميًا فيمنشـآت DSİ التابعـة للحكومة على طريق أسـي شـهر القريب مـن أنقرة، وأخبرالمحامي أنه علم بشأن منشأة DSİ عندما زار موكله في دائرة شرطة أنقرة.ووفقًا لأقوال الضحية فقد أخذتهم الشرطة إلى ذلك المكان أولاً، وأبقتهمهنـاك حيـث خضعوا لسـوء المعاملة، ثـم أخذوا بعد ذلـك إلى مركز الشرطة في مجموعات، وقال الضحية للمحامي: “حينما اعتقلتنا الشرطة أخذتنا إلى الصالة الرياضيـة، فقـد كنـا قرابـة 150 شـخصًا، ولم يكـن هنـاك إلا دورة ميـاه واحـدة ،وحـوض غسـيل واحـد، وأجبرنا على افتراش الأرض ينـام بعضنا فوق بعض لعدة أيـام، ثـم نُقلنـا إلى مركز اعتقال دائرة شرطة أنقرة، أمـا الآن فأنا أمكث مع أربعة عشر شخصًا في زنزانة تبلغ مساحتها ستة أمتار مربعة.

وبعد انتهاء ساعات العمل، وعندما لا يتبقى إلا أفراد قليلون في المبنى ،تـأتي الشرطـة لحجراتنا، في منتصـف الليل غالبًا، وتنادي على اسـم ليؤخذ بعيدًا في غرفـة مظلمـة، فيجردونه من ملابسـه ليبقى عاريًا، ثـم يطلبون منه أن يعترف ويعطيهم أسماء أناس آخرين، وإذا لم تعطهم ما يريدون سماعه يغطون رأسك بكيـس أسـود، ويقيـدون يديـك بالأصفـاد مـن الخلـف، وفي هـذه الأثنـاء يقومون بإيذائـك بوضـع كأس زجاجيـة على قضيبـك، وينهالون أيضًا عليـك بالضرب حتى تذكر لهم بعض الأسماء.
وغالبًا ما كنا نسـمع الصرخات العالية، والضوضاء الصاخبة عندما يؤخذ
زملاؤنـا في الزنزانـة إلى الاسـتجواب، واسترسـل قائـلاً: “إن الأشـخاص الذيـنيؤخـذون إلى من يسـمونهم بالمحققـن يعودون إلى غرفهم بعد سـاعات قليلة ،وبشـكل عـام فإنهم يشـعرون بالخـزي حيال حكايـة التفاصيل الفظيعـة التي قام بهـا المعذبـون في حقهـم، وكان مـن بـن الضحايا زميـلي في الغرفـة، حيث أخذ للاستجواب في إحدى الليالي، وعندما رجع كان فاقدًا للوعي، واستمر في القيء عـلى مـدار يومـن؛ نتيجـة التأثير القـوي للصدمة التـي تعرض لها في رأسـه أثناء عمليـة الـضرب، ولكنـه لم يُنقـل إلى المستشـفى، وفي نهاية اليـوم الثاني جاءت وحدة الاسـتجابة للطوارئ، وحقنوه ببعض العقارات المنومة، ولا يزال في حالة مريعة في غرفته.”
وقـال الضحيـة غـير معلـن الهوية: إنه لم تعُـدْ حياة أي أحـد في مأمن في معتقلات الشرطة، وعبَّر عن شـعوره بالرعب بأنهم سـوف ينادون اسـمه في ليلة من الليالي، ليقاسي آلام التعذيب والضرب، وأضاف قائلاً:” إنني خائف جدًا، فلم أرتكـب أي جـرم لأعترف به، فهم لا يظهرون الرحمة للمعتقلن، ولا يرفقون حتى بأشخاص يعانون من أمراض القلب، وآلام الظهر، أو مرض الفتق.
وقـال الضحيـة للمحامي: إنه في حالة عدم اعتراف السـجناء وفق ما تراه الشرطة مناسـبًا، وعدم تكرار تلك الأقوال في حضور المحامي أثناء الاسـتجواب الرسـمي، أو خـلال جلسـات الاسـتماع في المحكمـة، فـإن الشرطـة تتوعدهـم بالمزيد من ألوان التعذيب الشديد والضرب المبرح، وذكر الضحية: “وقد أخبرتنا الشرطـة أن القضـاة سـوف يأمـرون بالقبـض علينـا عـلى أية حـال، وإذا لم نشـهد حسـبما تـراه الشرطة، فلسـوف تقوم الشرطـة بأخذنا من داخل السـجن وتتعدى علينا بزيادة جرعة التعذيب.”

اللواء زكائي أكساكلّ
وشرح الضحية أن عملية التعذيب تبدو في غاية الاحترافية، فيحرص ضباط الشرطـة عـلى عـدم تـرك أي علامـات دائمـة تظهر عـلى أجسـاد المعتقلـن، وطلب الضحيـة مـن محاميـه عـدم الإفصـاح عـن تفاصيـل تلـك الفظائـع التي قصهـا، حتىيحـضر إلى جلسـة الاسـتدعاء في المحكمـة، وقـال محـذرًا: “لا تفعـل وإلا يفتكـونبحيـاتي”، وفي هـذا الخطـاب اعـترف المحامـي بأنـه بعـد سـماعه عـن التعذيب منموكلـه، كان مـن الواجب عليـه أن يثبت ذلك في المحاضر الرسمية عن طريق التحدث إلى ضباط الشرطـة، ولكنـه قـرر ألا يفعـل مخافـة أن يواجه موكلـه المزيد مـن التعذيب والتنكيل وهو ما زال في حوزة الشرطة)1(.
2- التعذيب في قيادة العمليات الخاصة
شـهد مقـر قيـادة القـوات الخاصـة في أنقـرة ممارسـة صنـوف التعذيـب كواحـد مـن أماكـن التعذيـب في تركيـا، ومن صـور ذلك ربط الأيـدي والأقـدام، والإغـراق إلى حـد الاختنـاق ،والصعـق بصدمـات كهربية، وطمـس الرأس في ميـاه المرحـاض، وهـو مـن أكـثر أنـواع التعذيب شـيوعًا وفقًـا لشـهادات الضحايـا في المحكمـة ،حيـث وصـف المتهمـون كيـف كانـوا يعانـون مـن مرارة التعذيب وهم قيد الاعتقال، خلال جلسـة الاستماع بالمحكمة الجنائية العليا الرابعة عشر في أنقـرة، والمنعقـدة بشـأن اتهامـات محاولـة الانقلاب في الثاني من مارس عام 7102.
وأوضح فاتح أويسال الذي قبض عليه بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب ،أثناء فترة خدمته كضابط صف يعمل تحت إمرة رئيس أركان قيادة القوات الخاصة ،عـن نظـام التعذيـب الخاص المسـتخدم داخـل قيادة القـوات الخاصـة، حيث قال:
“لقـد غضـب الجنرال زكاي أكسـكالي غضبًا شـديدًا عندما رآني في موقع الحراسـة ،إذ كُـسرت أنفـي وضلوعي إثر ذلـك، وقد فعلوا ذلك معي خصيصًا، فهم يكرهون أن نكون في مقر القيادة لأننا نعرف مواطن الخلل عندهم)2(.

(1) “Horrific Torture Details Emerge in Turkey’s Capital”, A Lawyer Reveals To SCF, May 10, 2017, http:// stockholmcf.org/horrific-torture-details-emerge-in-turkeys-capital-a-lawyer-reveals-to-scf/ (2) “Sorguda kaburgamı kıran asker bir ay sonra FETÖ’den tutuklandı”, ODATV, March 2, 2017, http:// odatv.com/genelkurmayin-listeyi-yeniden-kontrol-etmesini-istiyorum-0203171200.html
وفي دفاعـه قـال المـلازم أول مشـاة جوخـان مـيركان: “لقـد اسـتدعوني ،وأخـبروني أن أذهـب لمقابلـة الجـنرال زكاي أكسـكالي، فلـما ذهبـت قيـدوني بالأصفـاد عـلى الفـور، ولن أصف ما مـررت به من التعذيـب لأن عائلتي هنا، وكان فولكان فورال بال يعرفني وهو من هاجمني بأبشع صور الانتقام والكراهية، حتى كسرت ضلوعي، إننا لم نصل إلى هذا الحد من الوحشية في المعاملة مع أعضاء حـزب العـمال الكردسـتاني) PKK(]المحظـور[، وقـد اعتقل فولكان فورال نفسـه بعد شـهر أيضًا، لقد بدا الأمر كما لو أنه يحاول أن يثبت شـيئًا، وفي اعتقادي أنه كان معهم لفترة من الزمن .”
وقـد تذكـر الضابط جوخان أنـه عندما قال: إن الأصفـاد كانت ضيقة جدًا ،وطلب توسـيعها قليلاً في محكمة غولباشي، قام ضابط شرطة بطعنه بسـكن من الخلـف، وظهـر القلق على رؤسـاء الشرطة بسـبب تسرب تلك الكميـة الكبيرة من الدم المتدفق، ثم جاء طبيب ليقوم بخياطة جرحه.
كما ذكر ضابط الصف جوربوز ترك في شهادته أمام المحكمة: “أنه كان في بيته ليلة الانقلاب، ولكن تم استدعاؤه لأداء مهام عمله المعتادة في السابع عشر مـن يوليـو، ولم يسـمح لهـم بمغـادرة أماكن عملهم حتـى إنهم اضطـروا إلى النوم على الكراسي حتى السـابع والعشرين من يوليو، وذكر الضابط: “أنه تم اسـتدعاؤه إلى المقـر الرئيـسي لـلإدلاء بشـهادته في الثامـن والعشريـن مـن يوليـو، ثـم قاموا بالقبض عليّ وقالوا: “أنت مقبوض عليك بناء على أمر من المدعي العام.”
بعـد ذلـك قيدوني بالأصفـاد، ووضعوا غطاء على عينـي، ثم وضعوني في حجرة، وقالوا: “لدينا أسماء بحوزتنا، فلا تحاول المراوغة، وإذا لم تقم بالتأكيد على تلك الأسماء، سوف نرميك إلى قسم العمليات الخاصة بالشرطة فقد فقدوا خمسن رجلاً من زملائهم، ]جراء أحداث محاولة الانقلاب[، ونحن على ثقة أنهم سوف يمزقون جسدك إلى قطع من الأشلاء.”
ويواصـل جوربـوز وصـف مـا لاقـاه مـن تعذيـب فيقـول: “خضعـت للتعذيببالإغـراق إلى حـد الاختنـاق عـدة مرات، لقد كان أمرًا شـاقًا لا يطـاق لدرجة أنني قدبللت ملابسي، وكانوا يقولون: “سنظل هنا حتى الصباح، فليس هناك مفر ولا سبيلللخـروج”، قبلـت الاعـتراف على الأسـماء التي فرضوهـا عليّ من أجـل إنقـاذ نفـسي منهـم، ثـم هددوني بقولهم: “لو كنت تحب أطفالك سـتدلي بنفس الشهادة أمـام الشرطـة، ولشـدة خـوفي مـن أن يرسـلوني إلى قيـادة القـوات الخاصـة مـرة أخـرى شـهدت بنفـس الشـهادة أمـام الشرطـة، وأردف قائـلا: ” وأنـا أتـبرأ مـن تلـك الشـهادة الآن.”
وفي جلسة الاستماع الرابعة للقضية المتصلة بالقوات الخاصة المنعقدة في محكمـة الجنايـات العليـا الرابعة عـشر بأنقرة في الرابـع والعشرين من أبريل عـام 2017، اسـتمر الجنـود المتهمـون في الكشـف عـن جرائم التعذيـب والتنكيل التـي كابـدوا فظاعتها، وأوضح المتهمون أن قائد القوات الخاصة زكاي أكسـكالي قام بركلهم، وسبهم بنفسه بأقذر الشتائم، وأمر مرؤوسيه أن يعذبوهم.)1(
وذكـر المتهم قادر أسـلان عـلى الرغم من كونه ليـس متورطًا في الانقلاب بأي شـكل من الأشـكال، فقد تم تصنيفه “كإرهابي”، أو الإشـارة له بأنه “حقير ،”وهـو مقيـد اليديـن والقدمن، وقال أسـلان في شـهادته: “لقد انتـشر خبر وصول القائد زكاي أكسكالي إلى مقر قيادة القوات الخاصة، وفور دخوله قام بركل أحد الأشـخاص، وصـاح قائـلاً: “كان بإمكاني إقصاء هؤلاء الأوغـاد، ولكنك وقفت في طريقي”، ثم سأل: من الذي كان في الخدمة؟ واستمر في ركله ثم قال: “لقد عملت عـلى أن يكـون هـذا المـكان مرصـودًا، لمـاذا لم تقم بعملـك حيال ذلـك؟”، وبعد تعذيبي بتقييد يديّ وقدميّ، أزيلت عني عصابة العينن في غرفة المدعي العام.”

(1) “Domuz bağı, suyla boğma, elektrik, kafanın klozete sokulması”, Shaber, April 4,2017, http://www.shaber3.com/domuz-bagi-suyla-bogma-elektrik-kafanin-klozete-sokulma-
si-haberi/1284758/
بينـما صرح الرقيـب أول محمد دورمـاز أنه لم يكن له أي علاقة بالانقلاب ،وأنـه خضـع للتعذيـب بربط اليديـن والقدمن بعدما تم اعتقالـه، ومن جانبه قال المـلازم أول إمـداد محمد كوتش: إنه كان في إجازة مع زوجته وطفله في أنطاليا عندمـا اتصـل به صديقه محمد رايدمير من قيـادة القوات الخاصة ليخبره أنه قرر الانتحـار، فرجـع كوتـش إلى أنقـرة ليجـد نفسـه واقعًـا في الأسر على يـد رايدمير وبضع رجال آخرين.
وقـد اسـتطاع كوتـش أن يهـرب ليعـود إلى أنطاليـا مـرة أخـرى، ثـم رجـع بزوجتـه وطفلـه إلى أنقـرة في الخامـس عـشر من يوليـو، ثم ذهب إلى سـفرنبلو ،وهنـاك سـمع بمحاولـة الانقـلاب، وبعدهـا حـضر تجمعـات الديمقراطيـة لمـدة يومـن، وأوضـح كوتـش قائـلاً: “وحيـث إنه تم اسـتدعائي من قبل رؤسـائي عدت إلى عملي في صبيحة اليوم الثامن عشر من يوليو، إلا أنهم ألقوا القبض عليّ بعد ممارسة عملي من ساعتن إلى ثلاث ساعات.
وقـد لاقيـت مـن ألـوان التعذيـب الكثـير والكثـير ومـن ذلـك تقييـد اليدين والقدمن، والإغراق إلى حد الاختناق، والصعق بصدمات كهربية، وطمس الرأس في مياه المرحاض، ولو أنني شاركت مع من قاموا بخطفي في ليلة الخامس عشر من يوليو، لشغلت منصب مشرف شرطة بدلاً من فولكان فورال بال، وعلى الرغم من كل ذلك فهو مازال حرًا وأنا قيد الاعتقال.”
بينـما صرح المتهـم عـلي تشـلك أنـه تعـرض للتعذيـب وقد كـسرت أنفه ،وذكـر المتهـم المقـدم محمد علي أنـه كان في إجازة في باليكيسـير أثناء محاولة الانقـلاب، وأنـه عـاد إلى أنقـرة بعدمـا تلقى اتصالاً هاتفيًا من رؤسـائه في السـابع عـشر مـن يوليو، وقال المقدم: “بمجـرد أن خطوت نحو المدخل الرئيسي أجبرت على الرقود على الأرض؛ ليتم تقييدي بالأصفاد، ولم يعطني أحد شربة ماء حتى الصبـاح، ولكنهـم لم يبـدأوا بضربنـا، إلى أن وصل الجنرال أكسـكالي في الصباح فانهالوا علينا بالضرب.
وفي نفـس السـياق ذكـر المقـدم مـرات أيديـن مـا حدث لـه بعـد اعتقاله فيالخامـس عـشر مـن يوليـو، فهـو القائـد الـذي كان مسـؤولاً عـن أنظمـة المعلوماتووسـائل الاتصال الإلكترونية، والدفاع السيبراني بالقوات الخاصة، فيقول: “عندما اعتقلت في مقر قيادة القوات الخاصة، خضعت لتحقيق لاإنساني، وقد زادت شدة التحقيق عندما طلبت حضور صلاة الجمعة، فقد قاموا بوضع ورقة مقاسها A4على رأسي وثبتوهـا بشريـط لاصـق، وقـد أخُـذت في الممـرات وأنا على هـذه الحال، ولم يحدث أن قام طبيب بفحصي طوال فترة اعتقالي إلى فترة دخولي السجن.”
بينـما التـزم المتهـم البالـغ من العمر سـبعة وعشرين عامًـا أحمد موفيت برتبـة مـلازم ثـاني بشـهادته التي مفادها أنـه لم يعرف أحد قـط بمحاولة الانقلاب مسبقًا، وأنهم نفذوا أوامر قادتهم في الخدمة، فقال: “لقد أراد مخططو الانقلاب استخدامنا كبيادق الشطرنج، ولو علمت بأن ما يجري هو محاولة انقلاب لأبلغت عنها في أقرب مركز للشرطة، ولكنني اعتقلت في مقر قيادة القوات الخاصة.
وقـد سـألوني ما معرفتي بسـميح ترزي، وأجبتهم بأننـي لم أعرفه قط، ثم وضعـوا عصابـة على عيني، وقيـدوا يدي وقدمي، ولا يأتي أحد إلا ركلني وسـبني ،وكلـما حاولـت الحديـث، يضربني أحدهم برجلـه على رأسي ثم أُصبـت بحالة من الإغـماء، بعدهـا أخـذوني عـن طريـق الخطـأ مـع مجموعـة قادمـة مـن المدخـل الرئيسي، وبعد ذلك أخذونا إلى مكان ليس فيه كاميرات، فخطر ببالي أنهم سوف يقتلوني، ولم ينفك الكابتن فولكان عن ضربي فقد ركلني من 40 إلى 45 مرة، وقد لكمت مرات عديدة لدرجة أنني لم أتذكر اسـمي عندما كنت أدلي بشـهادتي أمام المدعي العام، وأردف قائلاً: “لم أكن لأخون بلادي”)1(.
3- اختفاءات بالإكراه
بـدأت الحكومـة التركيـة مـرة أخـرى في اللجـوء إلى أسـلوب الاختفـاءات القسريـة، والاختطـاف غير الشرعي، الأمر الذي يذكرنا بفترة التسـعينيات حالكة السواد، في ظل انتهاك سافر منها وتجاهل لالتزاماتها بموجب قوانن حقوق الإنسان.
وعـلى مـا يبدو فإن تلـك الاختفاءات خططهـا عناصر على صلـة بالحكومة التركيـة كجـزء مـن حملـة التخويـف التـي تقوم بهـا الحكومـة مسـتهدفة منتقدي

(1) PKK’daki darbe girişimi davası”, Habertürk, February 28, 2017, http://www.haberturk.com/
yerel-haberler/haber/11094976-okkdaki-darbe-girisimi-davasi

ومعـارضي الرئيـس التركي، إذ إن معظم الضحايـا في موجات الاختطاف الأخيرة تربطهـم صلة بحركـة كولن، فقد وصلت حالات الاختطاف إلى إحدى عشرة حالة وثقها مركز ستوكهولم للحريات، الذي يقوم بتحديث البيانات من خلال موقعه:
وبحسـب مـا صرح بـه مركـز سـتوكهولم للحريـات) SCF(، فـإن أحـد المختطفـن ظـل محبوسًـا كرهينـة، يعـذب لمدة اثنـن وأربعن يومًـا، في موقع غـير معـروف على أيـدي رجال عرَّفوا أنفسـهم على أنهم من رجـال الشرطة، وقد سلموه للشرطة ليكون على ذمة الاعتقال الرسمي، ثم قاموا بإجباره على التوقيع على جريمة لم يرتكبها، بينما يشـير التصوير بواسـطة كاميرات المراقبة إلى نمط مماثل لما سبق في قضايا كثيرة، حيث تستخدم مركبة من نوع فوكس فاجن في أخذ أناس أبرياء بسرعة خاطفة.
ولم يحـدث أن اهتمـت الحكومـة التركيـة لذلـك، ولم تقـم حتـى بإلقاء بيـان عـن هـذه التقاريـر، وذلـك على الرغـم من تقديمهـا في البرلمـان على يد نائـب مـن المعارضـة، يـأتي ذلـك في ظـل شـكوى أُسر الضحايـا بـأن الشرطـة والمدعـن العمـوم لا يلقـون بـالاً إلى شـكاواهم، ويدعـون أن السـلطات غـير مستعدة للتحقيق في تلك القضايا.
المدعون العموم يتجاهلون دعاوى التعذيب
أصـدرت السـلطات القضائيـة قـرارات تشـجع ضبـاط الأمـن المتهمـن بارتكاب جرائم التعذيب على التمادي فيما يرتكبون من فظائع، جاء ذلك في ظل الشكاوى المقدمة من المتهمن الذين يعانون من فرط التعذيب وسوء المعاملة في حالة كونهم رهن الاعتقال أو في السـجن، وقد قام السـيد عبد الله ب، الذي كانت الشرطة قبضت عليه لاتصاله بحركة كولن في طرابزون، بتقديم شكوى إلى مكتـب المدعـي العام بطرابزون، قال فيهـا إنه تعرض هو وزوجته التي لم تتجاوز مدة حملها شهرين للضرب، وسوء المعاملة، والتهديد طوال فترة الاحتجاز.
بينما قرر المدعي العام أشرف أكتاش “عدم التحقيق في الشـكوى”، فقد أحـال الشـكوى إلى المـادة 9 مـن المرسـوم رقـم: 667، الـذي أصدرتـه الحكومـة بموجـب قانـون الطـوارئ، وقد ختم المدعي العام أكتاش قـراره بقوله: إن ضباط الشرطـة ليـس عليهم أي مسـؤولية جنائية فيما يتعلق بما يصـدر منهم أثناء أداء واجبهـم المهنـي، ولا يمكـن مقاضاتهم طبقًا لما ورد في المرسـوم سـالف الذكر ،وعـلى ذلـك يشـير القرار إلى أن ضبـاط الشرطة لا يمكـن اتهامهـم ولا محاكمتهم على جرائم التعذيب التي وصفها قضاة مستقلون بأنها “فاضحة”)1(.
ومـن جانبهـا ذكـرت وسـائل الإعـلام التركيـة أنـه عندمـا أخـبر الضحايـا في زونجولـداك ضبـاط الشرطـة الذيـن قامـوا بتعذيبهـم، أنهـم سـوف يتخـذون الإجـراءات القانونيـة ضدهـم، رد عليهـم ضبـاط الشرطـة بأنهـم يـؤدون مهامهم الوظيفيـة بنـاء عـلى أوامـر مـن المدعـي العـام، فيقولـون: “قـال المدعـي العـام

(1) Savcı işkence suç duyurusunu KHK’ye dayanarak reddetti”, Evrensel, January 16, 2017, https:// www. evrensel.net/haber/304217/savci-iskence-suc-duyurusunu-khkye-dayanarak-reddetti
هوسنو هاكان ياجيز، إذا استطاعوا المشي فإن ذلك كافٍ بالنسبة لهم، والفضل يرجع لحالة الطوارئ، فلا يمكنكم فعل أي شيء حيالنا”، بل وزيادة على ذلك لم ينكر الأطراف المشتركون في تلك الواقعة ما جاء في هذا التقرير)1(.
ولسوء الحظ فإن الأمر قد تفاقم ليبلغ من السوء ما يزيد على مقولة: “إذا اسـتطاعوا المشي فإن ذلك كافٍ بالنسـبة لهم”، فمن الضحايا من ابتلي بإصابات خطيرة، بل إن بعضهم قد مات بالفعل أثناء التعذيب، ومن ذلك المعلم جوخان أشيكولو، وضابط الصف أوندر إيرماك حيث لقي كل منهما حتفه نتيجة التعذيب ،والتنكيـل، وسـوء المعاملة التي تجرعوا مرارتها وهم قيـد الاعتقال، فقد انتزعت أرواحهم، وقضوا نحبهم، في دائرة شرطة إسطنبول.
الحرمان من حق الدفاع أو إنكاره
في ظل ما تشهده البلاد من تداعيات إعلان حالة الطوارئ، زادت الحكومة فـترات الاحتجـاز إلى ثلاثـن يومًـا، ليس ذلـك فقط ولكـن أيضًا منعـت المتهمن مـن رؤيـة محاميهـم خـلال الأسـبوع الأول من الاحتجـاز، وحرموا مـن حقهم في الجلـوس إلى محاميهـم في جلسـة خاصـة، بـل إن إطالـة مـدة الاحتجـاز ليسـت لممارسـة التعذيـب النفـسي على الضحايا فقـط، ولكن أيضًا لإزالة آثـار التعذيب الوحـشي من على أجسـاد الضحايا، كما أشـار بعض المتهمـن إلى أن المحامن المعينن من قبل نقابة المحامن تواطأوا مع الشرطة وقاموا بتضليل الضحايا.
فقـد امتنـع بعـض المحامـن بالفعـل عـن الدفـاع عـن الضحايـا الذيـن صنفوهـم عـلى أنهـم “إرهابيـون” مسـبقًا، وعلى سـبيل المثال فقـد صرح ملتم بانكـو المحامـي المعـن من قبـل نقابـة المحامن بأنقرة ـ بقولـه: “بالنظر إلى حقيقـة كـون هـذه القضيـة قضية خيانـة عظمى، فإننـي بصراحة أعتقـد أنه من الخيانة أن يدافع محامٍ عن موكل مثل هذا، فإنني لا أستطيع أن أخالف ضميري حيـال ذلـك، وإنني شـخصيًا لا أوافق على كوني جـزءًا من لجنة الدفاع في هذه المحاكمـة، إذ إن العلاقـة بـن المحامـي وموكله أو موكلتـه دائمًا ما تقوم على

(1) “Muşta ile dayak, copla tecavüz girişimi, eşe tecavüz tehdidi!”, Shaber, February 16, 2017, http://www.shaber3.com/musta-ile-dayak-copla-tecavuz-girisimi-ese-tecavuz-tehdi-
di-haberi/1280700/

الثقة، فكيف لي أن أثق بموكل قد خان أرضه وبلاده؟”)1(.
بينـما قـال رئيس رابطة القضاة الموالية للحكومة المحامي محمد سـاري:
“إن كثيرًا من الناس يحاولون الحصول على محامن بشـكل خاص؛ يدافعون عن ذويهم المحتجزين على خلفية اتهامات بالمشـاركة في الانقلاب، وفي نظري فإن ما نسـميه حق الدفاع ينجم عن حقيقة كون المتهمن أناسًـا يستطيعون التفكير ،ففـي الأدب الغـربي يطلقـون عـلى ذلك مصطلـح الكرامة الإنسـانية، أما بالنسـبة لمخططـي الانقـلاب فعليهـم أن يكتسـبوا صفة الإنسـانية أولاً، ومن ثـم يكون من حقهم أن يحظوا بالكرامة الإنسانية، وفي حالة كوننا لا نعدهم آدمين، إذًا فإننا نعلن عدم قبولنا لتلك الدعاوى ونرفضها”)2(.
وبالإضافـة إلى المثـال السـابق لنقابـة المحامـن المنوط بهـم الدفاع عن المتهمـن، فإنهـم التزمـوا الصمـت مقابـل الشـكاوى المقدمة مـن المتهمن عما يلاقونه من التعذيب وسوء المعاملة في المعتقلات، وقد اشتكى المتهمون أيضًا مـن الأطبـاء الشرعين الذيـن يعتقد تواطؤهـم مع الحكومة لطمـس ملاحظاتهم

(1) “Avukatlar darbecileri savunmak istemiyor”, Sabah, July 24, 2016, http://www.sabah.com.tr/ gundem/2016/07/24/avukatlar-darbecileri-savunmak-istemiyor
(2) “Aradığınız insana şu an ulaşılamıyor”, Evrensel, August 9, 2016, https://www.evrensel.net/
haber/287253/aradiginiz-insana-su-an-ulasilamiyor
عـن آثـار التعذيـب في التقارير التـي يكتبونها، أثنـاء الفحوصات الطبيـة اليومية ،بينـما كشـف التفتيـش بصـورة متعاقبـة عـن نتائـج التعذيـب الشـديد التـي تعمد الأطبـاء إهمالهـا وغـض الطرف عنهـا في تقاريرهم، وذلك عـلى الرغم من أن تلك الفحوصات الطبية إنما تهدف في المقام الأول إلى منع جرائم التعذيب.
ومـن جانبه قام سلشـوك كوزاغاشـلي رئيـس رابطة القضـاة المعاصرين ،التـي راقبـت الانتهـاكات والتجـاوزات مـن خـلال وفـود الرابطة ـ بإعلان مـا توصل إليـه من نتائج خلال جلسـة الاجتـماع العام لنقابة المحامـن بأنقرة، فقد أوضح كوزاغاشـلي أن المتهمـن قـد تعرضـوا للتعذيـب الشـديد بمـن فيهـم القضـاة ،والمدعـون العمـوم، وضبـاط الشرطة، ومواطنـون عاديون، وغيرهـم، ممن ألقي القبـض عليهـم باتهامـات العضويـة في حركـة كولـن، فمنهـم من اغتصـب بمواد صلبـة، ومنهم من كابد عنـاء تمزق الأمعاء جراء التعذيب، ولم يقتصر التعذيب على غرف الاحتجاز، ولكنه تعدى ليصل إلى السجون أيضًا.
وذكـر ذلـك في قولـه: “إن أولئـك الذيـن يـؤدون الصـلاة سـويًا في مسـجد المحكمة يغتصبون زملاءنا في السجن، إذ ينتزعون أظفارهم في أقسام الشرطة ،ويغتصبونهـم داخـل السـجن، فقـد رأيت بعيني مـن الضحايا من يخضـع لعملية جراحية في أمعائه الغليظة نتيجة الأشياء التي أدخلوها في مؤخرته…بالإضافة إلى انتحـار ثمانيـة عـشر شـخصًا، مـن بينهـم مدعون عمـوم، ورؤسـاء للشرطة ،ومحافظون، انظروا في ذلك أيها السادة، كيف يستطيع شخص أن يوجه السلاح إلى رأسـه ويطلق النار على نفسـه/ نفسها؟ ونقابة المحامن تقف عاجزة عن منع التعذيـب حتـى داخـل مبنـى المحكمـة…”، وبعدهـا أطلع المحامي كوزاغاشـلي الصحافة على تفاصيل التعذيب الوحشي المنظم)1(.
وأضـاف كوزاغاشـلي قائـلاً: “ونسـتطيع القـول فعليًـا إن جميـع المعتقلـن يكابـدون مأسـاة التعذيـب، التـي تسـتخدم فيهـا كافـة وسـائل التعذيب، وقـد أعيد تفعيـل اسـتخدام الوسـائل القديمة مرة أخرى، فعلى سـبيل المثـال: الجلد بالعصا على أخمصي القدمن، يفعلون ذلك ثم يقومون بأخذ الأطباء إلى المعتقلات ومراكز

(1) “ÇHD: FETÖ zanlıları arasında tecavüze uğrayıp bağırsak ameliyatı olanlar var!”, YouTube, Octo-
ber 16, 2016, https://www.youtube.com/watch?v=o9S3u8mQ4LM
التعذيـب، إنهـا حقًا لجريمة يعاقب عليها القانـون، وإذ لم يُجر الأطباء الفحص في غـرف الاحتجـاز فإننا ليس في مقدورنا أن نتعقب آثار التعذيب، فالأشـخاص ليسـوا فقط محتجزين، ولكن فرض الحظر على زيارة مراكز الحجز أيضًا .
ويبقى الوضع قائمًا، فلا نستطيع أن نتعقب آثار التعذيب، على الرغم من هـذه الطلبات العديدة لدينـا، ولا يقوم ذوو الضحايا بإطلاع الصحافة على الأمر؛ لأن حملة صيد السـاحرات تقف بالمرصاد، ولا شـك أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقـادم، ولسـوف نسـتمر في سـعينا وراء هـذا الأمـر”، وقـد سـلط كوزاغاشـلي الضوء أيضًا على الواقع الذي تعانيه كثير من السـيدات اللاتي يقبعن تحت وطأة الاعتداء الجنسي .
ظهور أساليب التعذيب القديمة مجددًا
أشـارت المحاميـة جولـسرن يوليري عضـو جمعية حقوق الإنسـان) İHD(إلى أنهـا قامـت بزيارة منطقتـي شرناق، ومنطقة نصيبن، في وفد مكون من ثمانية عشر شـخصًا في أواخر شـهر أغسـطس في أعقاب محاولة الانقلاب في الخامس عـشر مـن يوليـو، ورأت أن وسـائل التعذيـب قـد عـادت مـرة أخـرى في مراكـز الاعتقال، وقالت المحامية: “لقد سـمعنا عن ممارسـة جرائم التعذيب في مراكز الاعتقال، فقد أعيد اسـتخدام أسـاليب التعذيب مرة أخرى، وكأن آلات التعذيب القديمـة كانـت مخبـأة لفـترة، ثم اسـتخرجت الآن لتقـوم بعملها، فمنهـا التعليق على الطريقة الفلسطينية )تعليق الضحية من يديها بوضع مقلوب مع ربط اليدين من الخلف(، ومنها الصدمات الكهربية”)1(.
وقالـت يولـيري لصحيفة جمهوريت: “دعيني أقتبـس نصًّا من كلام معلمة اسـتعانت بجمعية حقوق الإنسـان) İHD(، قد قمنا بتحرير شـكواها حيث قالت:
“إننـا ليـس لدينـا أي علاقـة بمنظمـة )فتح اللـه كولن الإرهابيـة( فيتـو FETÖ، إننا فقط عائلة محافظة، وقد سُرح زوجي من وظيفته، ولم يسمح لي برؤيته إلا بعد مـرور أربعـة أيام من احتجازه، وقد ظهرت على وجهه علامات الضرب، فسـألته: ما الذي حدث؟ ولكن شرطيًا تدخل قائلاً: “إذا سـألت عن أي شيء سـوف نأخذك أنـت أيضًـا، لا تتحـدثي معـه، انظـري إليـه فقـط”، وهـدد زوجـي أيضًا بقولـه: “لو أخبرتهـا أي شيء فسـوف تمكـث في السـجن لمـدة ثلاثن عامًا”، لقـد كان زوجي مرتعبًا ورد عليه: “لا تأخذني إلى الحبس الاحتياطي، أفضل الحبس لمدة ثلاثن

(1) “Eski işkence aletleri geri döndü”, Cumhuriyet, September 13, 2016, http://www.cumhuriyet.
com.tr/ haber/turkiye/599848/Eski_iskence_aletleri_geri_dondu.html
عامًا في السـجن”، وقد حققت الشرطة معي هناك بشـكل غير رسـمي، فضلاً عن التهديد الذي وجه إليّ”.
وأضافـت يوليري: “لقـد واجه المتهمون ألوانًا مـن التعذيب منها: الحبس ثلاثـون يومًـا رهن الاعتقـال، والحرمان من أي مسـاعدة قانونية، بينـما يمثل قرار السريـة تعذيبًـا في حـد ذاتـه، دعـوني أخبركم عن سـجن سـيليفري والـذي قمت بزيارته مؤخرًا، في اليوم الحادي والثلاثن من أغسـطس، إذ اندلعت الانتهاكات في أعقـاب محاولـة الانقـلاب.. وقـد واجهنـا صعوبـات في الزيـارات، والرعايـة الصحية، في حن قالت الشرطة للسـجناء: “لا نسـتطيع أخذكم إلى المستشـفى بسـبب حالة الطوارئ”، وقد اكتظت السـجون بالنزلاء، ونحن نعرف أن السـجناء يتبادلون النوم في العديد من السجون بما في ذلك سجن سيليفري.
ففـي سـجن سـيليفري تحولـت زنزانات التعذيـب إلى زنزانـات إقامة، وهي حجـرات صغـيرة ليـس لها تهويـة، وفيها تغسـل الأواني في حوض غسـيل الوجه بـدورة الميـاه، كـما أخبرنا النزلاء أنهـم لا حيلة لهم إلا تبـادل الأدوار في الوقوف إلى جانـب النافـذة حتى يمكنهم التنفس، وبعضهم تدهورت حالة الصحية؛ نظرًا لفـترة الإقامـة الممتـدة، بينـما تقوم سـلطات السـجن بتغيير أيـام الزيارة بشـكل عشوائي، فيضطر حينئذ ذوو السجناء القادمون من أماكن نائية إلى الرجوع دون زيارة أقاربهم، هذا بالإضافة إلى ارتفاع العقوبات التأديبية بشكل متزايد، وإجبار الزائريـن عـلى خلـع ملابسـهم للتفتيش قبـل الدخـول إلى زنزانات السـجن، وإذا رفض الزائر ذلك التفتيش يعتدون عليه بالعنف.”
وصرحـت سـيفيم هالمـان عضـو بعثـة السـجون التابعـة لجمعيـة حقـوق الإنسـان İHD، وخالـة عـلى جوميـز الـذي حكم عليـه بعقوبة السـجن مـدى الحياة بقولها: “تعتقد السـلطات أن السجناء السياسـين يستحقون انتهاك الحقوق بكافة الأنـواع، بدايـة من الحبـس الانفرادي للسـجناء، ومرورًا بإجبارهم عـلى التحلل من إنسانيتهم، وانتهاءً بحرمانهم من الزيارات لمدة أعوام، أما الآن فلا يسمح بالزيارةإلا مـرة واحـدة كل شـهرين، وبالمقارنـة بمـا مـى فقد كانـت الزيارات مـرة في كلشهر، فضلاً عن ترحيل المسجونن إلى سجون بعيدة عن محل إقامة أقاربهم .وقـال عـلى جوميـز: “كنـا نسـمع تأوهـات السـجناء مـن داخـل الزنزانـات يتمتمـون: “إن مـا نحـن بصـدده هو محاولة انقلاب…إن الأشـخاص المسـجونن عـلى خلفيـة اتهامـات بالتـورط في عمليـات “منظمـة فتـح اللـه كولـن الإرهابيـة “FETÖ، يخضعـون لأشـد أنـواع التعذيـب”، فنعطيهم المـاء، والسـجائر، ونرمي لهم مكعبات من الثلج، وقد أجري معنا تحقيق بشأن معارضتنا للتعذيب.”
بينما قامت نزيلات في السجن بإرسال خطابات يرجون فيها سماع أصوات اسـتغاثتهن، حيث تم ترحيلهن كإجراء تأديبي لهن، من سـجن سنكان إلى سجن سـليفيري التاسـع، وأثنـاء عمليـة الترحيـل أجبرتهـن الشرطـة عـلى الخضوع إلى تفتيـش ذاتي يُجـردن فيـه مـن الملابـس، ولا يقابلن إلا بالـضرب إذا اعترضن على ذلـك، وقالـت ريزيمـي فاتنسـفر، ودينيـز تيبيلي: “وضعـت كامـيرات المراقبة في مواجهـة دورات الميـاه الخاصـة بنـا، وعندمـا نسـدل السـتائر عـلى النوافـذ يـأتي الحـراس مـن الرجـال فيقومـون بإزالتها، ولا يجـاب عن أي التـماس نقدمه”، كما يأملن أن نقدم لهن يد العون ضد الاعتداءات الجنسية.
بعض قضايا التعذيب الموثقة في العشرة شهور الأخيرة
1- قضية رجب شلبي
أثناء جلسـة الاسـتماع المنعقدة بمحكمة الجنايات العليا بمدينة كريكال في السـادس عـشر مـن فبراير عـام 2017، وصف المعلم رجب شـلبي الذي قبض عليه بتهمة العضوية في حركة كولن، ما كابده من قساوة التعذيب، وقد سمحت هيئة المحكمة بتسجيل نسخة مختصرة فقط من شهادته.
وخـلال دفاعـه لم يكـن هنـاك تسـجيل للصـوت والصـورة، وحسـبما ذكـر مراقبـون في قاعـة المحكمـة قال في شـهادته: “لقد جردوني مـن ملابسي إلى أن أصبحـت عاريًـا، ثـم تركوني لأنتظـر في مياه مثلجة، واغتصبـوني بعصا غليظة في مؤخـرتي، ولم يتوقفـوا عـن ضربي، ومـا وقعـت على شـهادتي إلا بالإكـراه”، كما وصـف ثمانيـة وأربعـون متهمًا بنفس القضيـة ما تعرضوا له مـن التعذيب، عندما أدلوا بشهادتهم في محكمة الجنايات العليا بمدينة كريكال.
2- قضية أردن أييلدز
طلب البرفسـور وطبيب الأسـنان إردن أييلدز من هيئة المحكمة إرسـال ضباط الشرطة خارج قاعة المحكمة قبل أن يبدأ بالدفاع عن نفسه، ولم ينطق أييلـدز بشـهادته إلا تحـت وطأة الحـزن، تغلب عينيه دمـوع الأسى فقال: “لقد عُذبـت وأنـا رهـن الاعتقـال لمدة ثلاثـة عشر يومًـا، وكنت بمفردي لمدة أسـبوع مـن تلـك الفـترة، كـما عاملـوني أسـوء معاملة لدرجـة أنني لم أعـد أعرف كيفأتعامل مع الناس بشـكل طبيعي، إنني عملت طبيب أسـنان في مدينة كريكالوالمناطـق المجـاورة منـذ عـام 2008، كـما خدمـت كأسـتاذ مشـارك في الفترةمـا بـن 2008 و 2013، ولم أتـوان عـن تقديم خدماتي ولم أتوقـف عن معالجة الآلاف من المرضى.
ويعرفنـي أغلب سـكان مدينة كريكال، وقـد ذقت من الألم ما لا أقدر على نسـيانه، وحينـما لم أعـترف، قالـوا: “لم تفلـح معـك الخطـة أ، ولكـن الخطـة ب سـوف تناسـبك تمامًا”، وفي غرفة التحقيق قام أحدهم بالتحرك بطريقة مفاجئة مـن خلفـي، وانتـزع قميـصي ليجعله عـلى رأسي، ثـم سـحبوني إلى دورة المياه ،ويمكنك التحقق من سـجلات كاميرات المراقبة إذا شـئت في ظهيرة يوم الأربعاء الموافـق 24 مـن أغسـطس عام 2016، وسـوف ترى أنهم سـحبوني وأنـا نصف عارٍ إلى غرفـة أخـرى، فهي غرفة دورة المياه.)1(“ثم صبـوا عليّ الماء في دورة المياه ،بواسـطة خرطـوم الحديقـة، وذلـك بعـد أن قيدوني مجـردًا عن ملابـسي، ورأسي مغطـاة بقميـصي الداخـلي، ولا أريـد أن أصف مدى بشـاعة الشـتائم التي نعتوني بهـا، وهـم يصبون عليّ المـاء في حالة من الضحك، فظننت أنهم سـوف يتوقفون بعـد هـذه الجلسـة مـن الماء البـارد، ولكنهـم طلبوا من شـخص أن يحضر سـائل الصابون وعصا غليظة، ثم قاموا بإدخال تلك العصا في مؤخرتي.
وفي تلك اللحظة رضخت لما يطلبونه مني فقلت لهم: “حسـًنا أوافق على مـا تريـدون”، ثم توقفوا عن تعذيبي…لقـد كان بإمكاني تحمل التعذيب، ولكنهم هـددوني بزوجتـي وطفلي، وقالوا: “سـوف نقبـض على زوجتك أيضًـا”، وقد كانت زوجتـي حامـلاً في هـذا الوقـت، فمن الذي يكون مسـؤولاً إذا فقـدت جنينها؟ فلم أتحمل هذه المخاطرة.
وحتـى قبـل أن يأخذوننـي إلى المحكمـة قـال لي ضبـاط الشرطـة: “سـوف نقبـض عليـك”، وبعـد ما لاقيت مـن محنة التعذيـب، ومرارة التنكيـل، فعلت كل شيء أراده مني ضباط الشرطة، حتى إنني قمت برسم مخطط لهم، فلو سألوني “أأنت من فجر البرلمان؟” لأجبتهم بقولي: نعم أنا من قام بتفجيره، وبالطبع في ظل ما مررت به من ظروف وملابسات كنت سأعترف.”

(1) Kırıkkale High Criminal Court’s 35-page hearing minutes for the 3rd session dated, February
16, .7102
3- قضية هارون أوزدمير
قـص هـارون أوزدمـير الذي أدلى بشـهادته في نفس الجلسـة مـا حدث له كما يلي: “اعتقلت في الثاني من أغسـطس عام 2016، حيث عصبوا عينَّي وقالوا:
“هـل مـا تقـول هـو كل ما تعرفـه؟ أخبرنـا”، فأجبتهـم: “ما الـذي يتوجـب عليّ أن أخبركـم بـه، إننـي لا أعرف أي شيء، وبمجرد أن سـمعوا ذلـك تلقيت صفعة على وجهـي، مـع أني كنـت معصوب العينـن في ذلك الوقت، ثم صاحـوا فيّ بقولهم:
“تكلم”، ثم طمسوا رأسي في دورة المياه، إنني أشعر بالخزي عند التحدث بهذا.
فقـد ذقـت عـلى أيديهـم معاملـة أقـل مـا توصـف بـه أنهـا غـير آدميـة، ثم أجبروني على التجرد من ملابسي، وذلك أثناء سيل من السباب والشتائم، وكلما قاومـت رمـوني بأفظعهـا، ثـم قذفوني بالمـاء البارد، مـع أني كنت عاريًـا تمامًا إذ ليـس عـلى جسـدي إلا عصابة العينن، فقد قذفوني بسـيل من المـاء المضغوط على منطقة فخذي
لقـد اغتصبـوني بعصًـا في مؤخرتي، ثم قـام أحدهم بعصر خصيتـيّ، بعدها فقـدت الوعـي وظننـت أنني أشرفت على المـوت، ولكنهم أجبروني عـلى أن أخبرهم بعـض الأسـماء، وهم يقولون: “أخبرنا وسـوف ننقذك من التعذيـب”، وخطر لي أن الله لن يسامحني إذا افتريت على شخص آخر، ولما أحجمت عن الكلام لكموني في معدتي، ثم بدا لهم أنني سوف يصيبني الإغماء فتنحوا عني، ولما جاء طبيب إلى سجن الحبـس الاحتياطـي لكتابـة تقريره المنوط به، قصصت عليه مـا حدث لي من تجريد الملابس، والماء البارد الذي قذفوني به، واللكمات التي أوجعوني بها في معدتي.”
4- قضية حسن كوبلاي
أخـبر هـارون كوبـلاي -الـذي يعمـل مديـر مدرسـة- تفاصيـل ممارسـات التعذيـب التـي لاقاهـا حـال فـترة الاحتجـاز، حيـث قـال في شـهادته الموثقـة في محـاضر المحكمـة: “إنني لا أقبل أي تهمة من الاتهامات الموجهة إليّ، كما أدين محاولة الانقلاب الشـنيعة، وأنا لسـت عضوًا في أي منظمة إرهابية، فقد اعتقلتفي نازيلـلي أيطـن، في الحـادي والثلاثـن مـن أكتوبـر عـام 2016، فسـألت ضباطالشرطـة: “لمـاذا تعتقلونني؟” فسـألوني: “مـا مجال عملك؟” ثم قالـوا لي: “أنزلبنطالك إلى الأسـفل”، فأطعتهم، فقالوا: “سـوف نقدم لك معاملة خاصة جدًا ،”ثم عصبوا عيناي وقيدوني بالأصفاد.
وبعـد ذلـك أخرجوني من تلـك الغرفة ليذهبوا بي إلى غرفـة مقابلة لدورة الميـاه، كان ذلـك في غضـون السـاعة: 30: 17، وهـم قـد جـردوني مـن بنطـالي مسبقًا، فلما وصلت إلى تلك الغرفة أزالوا عني كل ملابسي، بما في ذلك ملابسي الداخليـة، فرجوتهـم ألا يفعلـوا فقلـت لهـم: “مـن فضلكـم لا تفعلـوا ذلـك” وأنـا أصرخ مقيد اليدين معصوب العينن لا حول لي ولا قوة، ولكن صوتي لم يخرج ،إذ أغلقـوا فمـي بقطعـة مـن القـماش، وبعدهـا أخـذوني إلى دورة الميـاه وأنا عارٍ تمامًـا، ثـم صبـوا المـاء البارد على كل قطعة من جسـدي، ولكنهـم تعمدوا تركيز المـاء المندفـع بشـدة ليصيب خصيتّي وفخـذيّ، ومازلت أعاني مـن الألم الناجم عن ذلك، وأريد أن أعالج خصيتيّ إذ ما زال الألم يضرب جسدي.
لقـد عبثـوا بـكل جزء في جسـدي، لقد فعلوا شـيئًا في مؤخـرتي ولكنني لا أدري ما هو، ثم مكثت هناك لمدة سـاعة، بعدها قالوا لي: “سـوف نحضر امرأتك ونفعـل بهـا مثلـما فعلنـا بـك”، فـكان ذلـك مـا أسـقطني أرضًا، ]ثـم انهمـرت عينا المتهم بالبكاء[؛ لأن زوجتي وأطفالي الثلاثة هم كل ما أملك في هذا العالم، ثم أخذوني إلى غرفة، وشرحوا لي ما الذي يجب عليّ فعله، فقد كنت أرتعش عندما ذهبـت إلى المستشـفى، وقـد حاولـت أن أخـبر الطيـب عما جـرى لي ولكن ضباط الشرطة الذين كانوا معي منعوني من ذلك.
وعندمـا ذهبـت لأرى الطبيـب للمـرة الثانيـة أخبرتـه بمـا أعانيـه مـن مرارة التعذيـب، فقـال لي: “ليـس هنـاك أيـة آثار على وجهـك”، ثم قامـوا بحقني، وفي يـوم الجمعة أخذوني إلى قسـم الشرطة، الذي تعرضـت فيه للضغط مرة أخرى ،ولكنه كان ضغطًا نفسـيًا تلك المرة، ولا يقارن ما مررت به أول يوم بما لاقيته من فظائع أخرى، فقد بدت خفيفة جدًا بالنسبة لأول يوم.”
ثم أدليت بشـهادتي في قسـم الشرطة يوم الأحد في السـادس من نوفمبر عام 2016، ولقد أثرت هذه التهديدات على حالتي النفسية، وذهب بي الخوف كل مذهـب حتى خفت على حيـاتي، ولا يمكن لكلمات مثل: “التعذيب، والتهديدات ،والأسى وأي كلـمات مشـابهة إلا أن تبقـى قـاصرة عـن وصـف معانـاتي، فأنـا الآنأشعر بالخزي من كوني إنسانًا، ]واستمر المتهم في البكاء أثناء نطقه بالشهادة[ ،وإنني أتبرأ من شهادتي أمام الشرطة.”
بينـما قـال مراقبـون ممـن حـضروا جلسـة الاسـتماع أنهم سـمعوا كوبلاي يقـول: إن ضبـاط الشرطـة وضعوا عصًا في مؤخرته، وهددوه بقولهم: “إننا سـوف نعتقـل زوجتـك ونفعـل بهـا مثلـما فعلنـا بـك، ونـزج بأطفالـك إلى مراكـز حماية الأطفال التابعة للحكومة.”
رسائل من السجناء للمدعي العام، تقصّ ما تعرضوا له من شتى أنواع التعذيب.
وصـف زد جـي) Z.G.( بالتفصيـل التعذيـب الـذي قاسـاه أثنـاء فـترة احتجـازه في قسـم شرطـة أنطاليـا، حيـث تقـدم بشـكوى رسـمية إلى مكتـب المدعـي العـام، وقـد حصل مركز سـتوكهولم للحريـات) )SCF على صورة من نسخة الشكوى التي كتبها بيده، حيث قال فيها: “إنه في يوم الخميس الموافق الخامـس مـن يناير عام 2017، تناولت وجبة غـذائي مع صديقي طالب الدكتوراه ،ومستشـاري في مطعـم بالقرب من متجر ياقوت بجامعـة أكدنيز، وبعدما غادرنا المطعـم، أوقفنـا اثنـان مـن ضباط الشرطة يرتديـان الزي المدني، ثـم طلبا منا أن نظهـر بطاقتـي الهويـة، دون إبـداء أي تفسـير لمـا يحـدث، ثـم أجـبراني وصديقي لنركب سيارة واقفة، وفي السيارة أخذا هاتفينا رغمًا عنا.
ثـم أُخذنـا إلى ملحـق ذي طابقـن في الجانـب الشرقـي مـن دائـرة شرطـةأنطاليـا الخاصة بمكافحة التهريـب والجريمة المنظمة، وبمجرد أن دخلنا المبنىتسـارع ضباط الشرطة هناك إلى ركلي على رأسي ومن خلفي، وانهالوا على ضربًاإلى أن سـقطت عـلى الأرض في دورة الميـاه، ولم يتوقفـوا عـن ضربي أيضًـا، وقداشـتدت وطـأة هجومهـم واعتدائهـم عـلى جسـدي، لدرجـة أننـي أردت أن ألقـي بنفسي خارج المبنى، وقد هممت أن أفعل ذلك بالفعل.
وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف ضباط الشرطة خارج المبنى عن مهاجمتي ،وتوجيـه اللكـمات، والركلات إلىّ، ليدفعـوا بي إلى الداخل مجـددَا، وفي الداخل تكاثـرت أعـداد الضبـاط من حولي وهم لا يقومون بشيء سـوى ضرًبي، ثم تمكنوا مـن إسـقاطي عـلى الأرض، وقامـوا بـضربي عـلى رأسي بعنـف وبشـدة، وقد كنت مستلقيًا على الأرض من أثر الصدمة، فقد تمكن الألم من جميع أجزاء جسدي ،فضلاً عن شعور الرعب الذي تملكني.
وفي تلك الأثناء تناولتني ألسـنتهم بأشـنع الشـتائم وأقبح الأوصاف مثل:
“ابـن العاهـرة، و…”، وقـام أحـد الضبـاط بخنـق رقبتـي إلى أن انحنيت بجسـدي إلى موضـع قدمـيّ، وفي تلـك اللحظـة فقـدت القـدرة عـلى التنفـس، فقـد كنـت عـلى وشـك المـوت، ثم قالـوا: “لا يزال يتـصرف بجنون”، ثم دفعـوني إلى الطابق العلـوي، وحينئـذ بـدأت أختـبر أصعـب لحظـات حياتي، حيـث قامـوا بوضعي في غرفـة بالطابـق العلوي، وفي داخـل الغرفة طاولة وعدة كراسي، ثم دخل الغرفة كثـير مـن الضبـاط الذين يرتـدون زيًـا مدنيًا، وطلبوا منـي أن أنحني أسـفل الجدار الذي يقع في مقابل الباب.
وعندمـا اسـتمروا في ضربي حاولـت جاهـدًا أن أحمـي رأسي بيـديّ، بينـما أخذ ضباط الشرطة الذي لم يضربونني بالسخرية مني، ولا يدخل أحد الغرفة إلا ضربنـي أو لكمنـي، وكنت قـد بلغ بي النّصَب مبلغه نتيجـة للضرب المبرح لدرجة أنني هويت إلى الأرض من التعب، ثم حملوني من على الأرض، وأمروني أن أقعد “كما يقعد الكلب”، وفي هذه الأثناء قام شخص بإحضار عصا، وبدأ يهددني بها ،وقد عرفت اسمه أثناء المحادثة بينهم إذ يدعى “رافيت”، وأستطيع التعرف عليه إن قابلته شخصيًا.
وحينـما كانـت ركبتـاي مثنيتن ووجهـي إلى الأرض، بدأ يحـرك العصا إلى
الأمام وإلى الخلف بن إصبعيه الإبهام والسـبابة، ثم قال بنبرة التهديد: “سـوفأدخـل هـذه العصـا في مؤخرتك طوال الثلاثـن يومًا القادمة، ولسـوف أقذف بكإلى المخنثن في مجاورة ييل رقم 100، بأنطاليا.”
“لقد كان هدفي الوحيد أن أكون قائدًا لحياة شريفة بشرف وكرامة، ولكنني مـررت بأصعـب لحظـات قـد تمـر على إنسـان في حياته، ففـي الحقيقـة كنت على وشـك خسـارة شرفي وكرامتي، وزيادة على ذلك أنهم هددوني بزوجتي وأبنائي ،حيث هددني أحدهم بقوله: “سوف أحضر زوجتك، وأفعل بها ما أفعله بك نصب عينيك، ثم أغتصبك أنت وزوجتك، ولسوف أدخل هذه العصا في مؤخرتك.””ثـم وجـدت مـن الصعب عـليّ قبول هـذه الفظائـع الصادمة عقـلاً، والتي بـدأت في تجربتهـا بشـكل غـير متوقـع عـلى الإطـلاق، فسـألتهم: “لمـاذا تفعلون ذلك؟”، أجابوني بقولهم: “إنك إرهابي” فنفيت ذلك عن نفسي، ولكنهم استمروا في إلصاق تلك التهمة بي، فقالوا: “إنك إرهابي فأخبرنا كيف تعمل المنظمة؟ وما هي مهامكم؟ ومن هم الأعضاء الآخرون؟
ثـم جاء شـخص لا أعرفه )ولكن أسـتطيع تمييزه بسـهولة( فأمـر الضباط أن يجردوني من ملابسي، وقلت لهم راجيًا: “لا تفعلوا ذلك، لدي أطفال، أرجوكم إنها خطيئة”، ولكنهم جردوني من ملابسي بالقوة، ولم يتركوا لي إلا سروالي الداخلي ،وقـد حاولـوا خلعـه أيضًـا ولكننـي قاومـت بشـدة إلى أن استسـلموا، ثـم ثبتوني في وضعيـة المسـتلقي عـلى ظهـره، فقـام أحدهـم بالضغط عـلى وجهي بقدمـه، بينما ضغـط آخـر عـلى قدمـي، ليجعلنـي مسـتلقيًا عـلى الوضـع مائـلاً، ثم ضغـط ضابط ثالـث عـلى قدمـي الأخرى بنفس الطريقة، وقـام ضابط رابع بتثبيـت إحدى ذراعيّ، وقام ضابط خامس بالركوب علىّ، وأمسـك سـادس بذراعي الأخرى وجذبها بشـدة للخلف عن طريق لويها، والتوى ذراعي بشـدة لدرجة أنني ظننت أنه قد كسر، ولم أستطع فعليًا الالتفات يمينًا أو يسارًا، وكنت أصرخ من شدة الألم.
واعتقـدت أني لم أعـد أطيـق المزيـد مـن هـذا الألم، وقـد أصروا عـلى أن أعطيهـم أسـماء أنـاس لا أعرفهم افـتراءً عليهم، ثم قاموا بزيـادة وتيرة التعذيبعندمـا قلـت لهـم ليس لي أي علاقـة بأي منظمـة إرهابية، وفكرت أننـي بلغت منالتعـب منتهـاه، ولكنهم قاموا بالضغط على ذراعي إلى الخلف، حتى أوشـكت أنأصـاب بالإغـماء، وهم ينطقون أسـماء أناس لا أعرفهـم ويحثونني على أن أفتريعليهـم، وبالرغـم مـن شـدة التعذيب ومرارتـه، فقد أخبرت ضبـاط الشرطة مرات عديـدة أني لا أعـرف هـؤلاء النـاس الذيـن ذكروهـم، وأننـي لسـت عضـوًا في أي منظمة إرهابية.
وحينما كنت مسـتلقيًا على الأرض، وكنت أتنفس بصعوبة، قام الشـخص الـذي يدعـى “رافيـت” وأسـتطيع التعـرف عليـه، بتحريك رجـليّ ثـم ركل أعضائي الجنسـية عـدة مرات، وحينئذ شـعرت بالرعب، وبدأت في الدعـاء: “يا رب اقبض روحي وأنقذني من هذا التعذيب”، ثم أجلسوني على الأرض، وقد كنت منهكًا في غاية التعب، فلا أقدر حتى على التحدث، بينما كان الضابط الذي أستطيع تمييزه يصرخ فيّ بشدة.
ثم عاود تهديدي مرة أخرى بأنه سـوف يفعل كل هذه الفظائع مع زوجتي وأطفـالي، وأمسـك بالعصـا مجـددًا وهـددني قائـلاً: سـوف أدخلهـا في مؤخرتك ،وأوسـعها ثم أقوم بتمزيقها، وحاول أن ينزع سروالي الداخلي مرة أخرى، ونزعه إلى النصف، ولكني استجمعت كل قواي لألبس سروالي مرة أخرى.
وكنـت جالسًـا عـلى الأرض في حالـة وهـن شـديد، وعندمـا لاحـظ ضبـاط الشرطـة الذيـن التقطـت أسـمائهم أثنـاء الحـوار وهـم عمـر وبكـير حالـة الإرهاق التي وصلت إليها قالوا: “كفى، إنكم سـوف تقتلون رجلاً، وتجلبون لنا المتاعب ،”وتركوني على تلك الحالة، بينما رآني ضابطان وأنا أستجمع قواي وأرتدي ملابسي ،أخـذاني إلى الأسـفل، وجعلـوني أنتظر بالقـرب من دورة المياه، ثـم أخذوني إلى غرفـة أخـرى، وهناك وجدت ضابطًا لم أره من قبل، وسـألني عن شيء ولكنني لا أتذكر ما هو نظرًا لأنني كنت مسـتنفذًا نفسـيًا وجسـديًا، فلما لم أسـتطع الإجابة لأني كنت أشـعر بتشـويش شـديد، لكمني بقوة في صدري ليجبرني على الإجابة ،ويمكنني التعرف على ذلك الشرطي أيضًا.
بينـما بـدأ الضابـط الآخـر في إجبـاري على الركـوع ثم الوقـوف، وكنت غيرقادر على تنفيذ ما يطلبه، فقد كنت أشعر بشعور سيء جدًا، وقد جاهدت نفسيعـلى أن أقـوم بذلـك، إلى أن اجتذبنـي شـخصان مـن ذراعي، ثم جراني شـخصانكأنهم يجران جثة حيوان ووضعاني بالقرب من دورة المياه، وفي المساء أخذونيإلى مستشـفى سـيما يـازار، ليكتـب لي الطبيب شـهادة خلو من الأمـراض دون أن يفحصنـي، إذ إن ضابـط الشرطـة كان يقـف إلى جوارنـا، وفي تلك الليلة أرسـلوني إلى السجن الاحتياطي، وقد شهد كل المتهمن على ما لاقيت من تعذيب.
وفي السجن الاحتياطي، لم أستطع النوم لمدة ثلاثة أيام بسبب ما أقاسي مـن ألم، فقـد كانت ظـروف السـجن الاحتياطي قاسـية جدًا، وهي مضـاءة طوال الوقـت بمصابيـح شـديدة الإضاءة، وكانـوا يقومون بتشـغيل جهاز تكييـف الهواء باسـتمرار، حتى أصابني المرض بسـبب البرد القارس، وكنا أحد عشر شـخصًا في غرفة لا تتسـع إلا لخمسـة فقط، إذ توجب علينا أن ننام على الأرضية الإسـمنتية ،وعندمـا يـأتي ضبـاط الشرطـة إلى السـجن الاحتياطـي في أوقـات مختلفـة، كانوا يجبروننا على الوقوف والجلوس، ويقولون: “يبدو أنكم نسـيتم ما كنا نفعل بكم ،إن ما فعلناه في الماضي يظل تذكيرًا بما نستطيع أن نفعله في المستقبل، انهضوا أيها الأوغاد”، وأثناء إقامتنا، لم يسمح لنا بالاستحمام على الإطلاق.
ومن بن المتهمن في السجن الاحتياطي كان هناك متهمون من منظمات إجراميـة، حيـث أخبرونـا أن ضبـاط الشرطـة يضغطـون علينـا لنقـوم بتعذيبكـم ،ويهددوننـا بالتعذيـب إذا لم نقـم بمضايقتكـم وتعذيبكـم، وبالرغـم مـن وجـود سـيدات في السـجن الاحتياطـي، لم يتوقـف ضبـاط الشرطـة عـن السـباب بصوت مرتفـع، فقـد كانـوا يجبروننـا عـلى الوقوف والمشي تجـاه القضبـان، ولم يكن من السجناء إلا أن قالوا لنا: “افعلوا ما يطلب منكم، ولا تضعونا في موقف حرج.”
ولم يكـن في اسـتطاعتي إلا أن أفعـل كل شيء كـما فعـل مانكـورت )وهـو مسـجون تحول إلى عبد ذليل بسـبب ما يلقاه من التعذيب الوحشي من سـيده( ،وبالرغـم مـن زيـارة الطبيـب بصفـة يوميـة ليقوم بالفحـص إلا أنني لم أسـتطع أن أتحـدث عـما أعانيه مـن التعذيب بسـبب التهديدات، وخفـت أن يعذبوني مجددًا بعد مغادرة الطبيب، إذ تجرعت مرارة هذه المأسـاة وأنا قيد الاعتقال لمدة اثنيعشر يومًا.
وفي يـوم السـبت الموافق الرابع عشر من ينايـر 2017 أعادوني إلى المبنىالـذي عذبـوني فيـه لأدلي بأقـوالي، وقـد اسـتجوبت مـرة أخـرى قبـل شـهادتي ،حيـث خاطبنـي ضبـاط الشرطـة بقولهم: “انطـق بالحقيقة أيها الحقـير، ولا تخبرنا بالأكاذيـب”، وقـد كان هذا الاسـتجواب بمثابة التعذيب النفسي، ثم أصررت على أن أرى المحامـي المـوكل عني، ثم طلبـوا المحامي، وعندما جاء المحامي أخذوا أقوالي، وعندئذ كتبوا كل ما أقول حرفيًا؛ نظرًا لوجود المحامي.
وفي يـوم الاثنن الموافق السـادس عشر مـن يناير، أخذت إلى المحكمة ،وقبـل ذهـابي أخـذوني إلى طبيـب، وفي حضـور عـدد مـن ضباط الشرطـة أخبرت الطبيـب بآثـار التعذيـب التـي كانـت على جسـدي، ولكننـي لا أدري هـل وثق ذلك في سـجل الصحـة الخـاص بي أم لا، كـما شـهد على حالات التعذيب في السـجن الاحتياطـي أنـاس قابلتهم هناك، وشـهد عليهـا أيضًا متهمون لا أعرف أسـماءهم داخل السجن الاحتياطي .
وقـد تقدمت بشـكوى رسـمية أطالب فيها باتخاذ الإجـراءات القانونية ضد ضبـاط الشرطـة الذيـن أسـتطيع التعرف عليهـم، وهم مـن قاموا بتعذيبي بشـكل وحـشي، وقامـوا باسـتجوابي بطريقة مجحفـة غير شرعية، في فـترة احتجازي ثم فترة إقامتي بالسجن، وقد تأخرت في تقديم هذه الشكوى الرسمية، بسبب أنني لم أتعافَ مما فعلوه بي إلا الآن، كما أطلب من سـيادتكم إجراء تحقيق رسـمي ،آخذين في الاعتبار ما قامت كاميرات المراقبة بتصويره.
6- قضية جوكخان أشيكولو
في الثالـث والعشريـن من يوليو 2016 اعتقلت الشرطة جوكخان أشـيكولو البالـغ مـن العمـر اثنـن وأربعـن عامًـا، والـذي كان يعمـل مدرسًـا للتاريـخ في مدرسـة أتاتـورك الثانوية الفنيـة الصناعية في منطقة عمرانية بمدينة إسـطنبول ،وقامـت الشرطـة بتهديد زوجتـه أمام أفراد أسرتها، وذلـك وزوجها قيد الاعتقال ،فقد أصيب بالإغماء أولاً في الثامن والعشرين من يوليو، ثم أقلته سيارة الإسعاف إلى مستشفى هِسي للتعليم والبحث العلمي.
فعلى الرغم من إصابته بمرض مزمن، أُصدر في حقه شـهادة صحية تفيد
بأنـه خـالٍ مـن الأمـراض ،ومـن ثـم يمكنـه الإقامـة في السجن الاحتياطي، وبعدما أتم فترة علاجه إثر الإغماء ،أعيد أشيكولو مرة أخرى إلى السـجن الاحتياطـي التابـع لدائـرة شرطـة إسـطنبول لإجـراء التحقيـق معه، ولم يسـتطع أقربـاؤه أن يعطـوه
الدواء إلا بعد مرور ثلاثة أيام من احتجازه علمًا بأنه مصاب بمرض السكري، وفي ظل معاناة التعذيب ووطأة الضغط الذي يمارس على المحتجزين، ساءت حالته في الثالـث عشر، ليسـقط جـراء ذلك مغمىً عليه في دائرة الشرطـة للمرة الثانية في الخامس من أغسطس، ثم أقلته سيارة الإسعاف مرة أخرى إلى المستشفى ،ولكنـه قـى نحبـه متأثـرًا بمرضـه، فرغم مـا بذله الأطبـاء من جهـود إلا أنهم لم يستطيعوا إنقاذ حياته.)1(.
ومـن جانبهـا أنكـرت السـلطات التركيـة حقـه في أن يدفـن وفقًـا للشـعائر الدينيـة، ولكنهـم سـمحوا لأفـراد عائلتـه أن يدفنـوه دون أداء هـذه الشـعائر الدينية، ولم يسمح لهم بإقامة أية مراسم شرعية للدفن بمنطقة تسمى “مدافن الخائنن”، لذلك قررت عائلته أن تدفن جثمان أشيكولو في مسقط رأسه، الكائن بحي بويوكوز، بمنطقة أهيرلي التابعة لمقاطعة قونية.
وقد امتنع إمام المسجد من أداء صلاة الجنازة عليه، ليقوم أحد الجيران بالصـلاة عليـه بـدلاً من الإمام، وقـد أجرى مكتـب المدعي العـام تحقيقًا في وفاة أشيكولو حالة كونه تحت حماية الدولة، ومع ذلك لم تعلن نتيجة هذا التحقيق ،طبقًا لقرار سرية التحقيقات.

(1) “Gözaltında ölen öğretmenin babası gözyaşları içinde anlattı”, May 2, 2016, http://www.
cumhuriyet. com.tr/haber/turkiye/580062/Gozaltinda_olen_ogretmenin_babasi_gozyaslari_
icinde_anlatti.html
7- قضية بوراك أشيكلين
أعلنـت وسـائل الإعـلام المملوكـة للدولـة انتحار بـوراك أشـيكلن الذي كان يعمـل مهندسًـا للحاسـب الآلي، بـإدارة التخابر التابعة لرئاسـة مجلـس الوزراء، إذ إنـه انتحـر في السـجن بعـد مـا تـم القبض عليـه في أعقـاب محاولة الانقـلاب، بينما صرحـت عائلتـه أنـه مات نتيجة للتعذيـب، حيث قالوا: “إن ابننا مهندس الحاسـبات عُذب حتى الموت، ولكنهم دبروا الأمر ليبدوا كأنه انتحار”، وذكروا أن الجناة الذين قاموا بالتعذيب أُرسلوا إلى سجن كيريكال من الخارج، وأن هناك شهودًا على هذه الحقيقة، وسوف يتم حل هذا الأمر في النهاية بمحاكمة المجرمن الذي قاموا بذلك.
وأشـارت عائلة أشـيكلن إلى وجود جراح على جثة ابنهـم، ويعتقدون أنه ربمـا كان يعـاني من النزيف الشـديد مـما أودى بحياته، ولكن دبـرت جريمة موته لتبـدو وكأنهـا جريمة انتحار، وشـددوا على أنهم لن يتوقفوا عـن تعقب هذا الأمر حتـى ينتهـي، وقالـوا بأن دائـرة الشرطـة، ومكتب المدعـي العام يحاولـون إخفاء الحقيقة وراء هذا الحادث)1(.
8- قضية قدير إيجا
عمـل قديـر إيجـا البالـغ مـن العمـر ثلاثـة وثلاثـن عامًـا ضابطًـا للشرطـة متخصصًـا في مـسرح الجرائم، لمـدة ثمانية أعوام، وقد عانى إيجا من مشـكلات صحية نظرًا للضغوطات النفسـية والجسـدية وسوء المعاملة في المعتقل، ومع أنـه كان معـافى البـدن وفي حالـة صحيـة جيدة عندمـا ألقي القبض عليـه، إلا أنه خـرج مـن السـجن في حالـة عجـز غير قـادر عـلى المـشي، معتمدًا عـلى الآلات ،وسرعان ما فقد حياته، وانقى أجله.
ويذكـر أن إيجـا لم تتـم إحالتـه إلى المستشـفى في الوقت المناسـب كلما اسـتدعت حالتـه ذلـك، فقـد تحـول إلى مشـلول فاقـد الوعـي، يحتـاج إلى عملية القسطرة، حيث كان إيجا يقوم بعمله في منطقة زارا بمدينة سيواس عندما ألقي القبـض عليـه، لإجراء التحقيـق معه بتهمة العضوية في حركـة كولن، في أكتوبر

(1) “Bilgisayar mühendisi oğlumuz işkenceyle öldürüldü”, Mağduriyetler, February 9, 2017, http:// magduriyetler.com/2017/02/09/ailesi-iskenceyle-olen-oglumuza-intihar-susu-verildi-dedi/

عـام 2016، ثـم أرسـل إلى محكمة السـلام للعدالـة الجنائية، التي قـررت القبض عليـه بتهمـة “امتـلاك حسـاب في بنك آسـيا” وهي مؤسسـة ماليـة مرتبطة بحركة كولن، وانتهى به الأمر في سجن سيواس )إي( المغلق.
وعندمـا اعتقـل إيجا كان بصحة ممتازة؛ حيث كان يربو وزنه على تسـعن كيلو جرامًا، وأثناء اعتقاله أجبر على الإخبار عن الأشـخاص الذين يعرفهم ممن هـم عـلى صلة بحركة كولن، وعـلى الرغم مما ذاقه إيجا من ويلات التعذيب، وما مـر بـه من قسـاوة الضغوطات النفسـية الجسـدية إلا أنـه كان متمسـكًا بقوله إنه بريء من الاتهامات المنسوبة إليه.
كما عانى إيجا في المعتقل من مشكلات غذائية، فقد أُرغم على النوم في درجة حرارة باردة، ولم تنقطع عنه الضغوطات النفسية التي يتعرض لها، وأكره على خوض حالات التوتر الشديد، ونتيجة لذلك بدأ إيجا يقاسي آلامًا شديدة في بطنه، فلم تقدم له أي مساعدة طبية على الرغم من تقدمه بطلب للحصول عليها.
وفي داخل السجن اشتدت وتيرة الألم الذي يشعر به إيجا في بطنه؛ فتقدم بعشرات الطلبات ليحصل على أية مسـاعدة طبية، ولكن لم تقابل هذه الطلبات إلا بالرفض، )وكأنه ينادي في أموات(، وقد كان يزداد هذا الألم حينما يذهب إلى دورة المياه، حتى فرغت من بن يديه الحلول، فلم يجد إلا أن يأكل قليلاً فقليلاً)1(.
وبعد مرور عدة أشهر، لم يعد إيجا قادرًا على المشي وحده، وفي النهاية قـررت سـلطات السـجن أن تحيلـه إلى المستشـفى، فأُرسـل أولاً إلى مستشـفى

(1) “Sağlam girdiği cezaevinde felçli çıktı ve öldü”, Kronos, April 12, 2017, http://www.kronos.
news/tr/ saglam-girdigi-cezaevinden-felcli-cikti-ve-oldu/
نوميـون سـيواس، ثـم إلى مستشـفى جمهوريت الجامعـي للبحـث العلمي، ومعذلـك -وكـما أخبر إيجـا- لم يقدم أطباء مستشـفى جمهوريت العـلاج الملائم له ،فضـلاً عـن عدم اسـتكمال الفحـص التفصيـلي لحالتـه، وبالتالي لم يبـدأ العلاج ،ومـن ثـم حُرم من حقـه في الرعاية الطبيـة، من خلال تأجيل الفحـص ليوم آخر ،كـما أخـبر إيجا مؤخرًا عائلته ومحاميه، “إنني لا أقدر على الذهاب للخلاء، ولهذا إنني لا أقدر على النوم، وكأنني بن نارين: نار الجوع ونار الألم.”
وبعـد إطـلاق سراحـه في الثامـن عشر من ينايـر أخذته زوجتـه إيميل إيجا وعائلتـه إلى مستشـفى جامعة ميرسـن، وهنـاك أظهرت الفحوصـات وجود ورم بـن المعـدة والأمعاء، ولكن الوقـت كان قد فات؛ فلا يجدي التدخل الطبي نفعًا حينئـذ، ولم يعـد التدخـل الطبـي اختيـارًا، ولكنه صار حتـمًا لازمًا، فقـام الأطباء بفتـح فتحتـن في بطن قديـر إيجا، لإخراج البول، ولإخـراج الغائط، وقد خصص له الأطباء طعام الأطفال ليكون غذاؤه الذي يعيش عليه.
وأوضح الأطباء أن إصابته بدأت بورم صغير كان يسـهل تدميره بالأدوية ،ولكنـه انتـشر بسرعة ليهدد جهازه الهضمي نظرًا لعدم التدخل الطبي المناسـب ،بالإضافة إلى سوء التغذية، والعوامل النفسية، وبالتدريج فقد إيجا الوعي تمامًا ،فوضعـه الأطبـاء على الأجهزة الطبية للمحافظة على حياته، حيث كان يعاني من الألم الشـديد الذي لا يتوقف، وسرعان ما فقد وزنه، وتوفي في الحادي عشر من أبريـل 2017، ويذكـر أن عائلة إيجـا فقدوا ابنًا صغيرًا لهم أيضًا يدعى مراد طلحة ،كان يبلغ من العمر ثلاث سـنوات، إثر إصابته بمرض السرطان، قبل ذلك بسـنة.
9- قضية مصطفى زمرة
اعتقل مصطفى زمرة الذي يعمل مهندس حاسب آلي بتهمة العضوية في حركة كولن، وبعد إطلاق سراحه أخبر أقاربه بكافة أساليب التعذيب التي تعرض لها، ولم يكد ينعم بالحرية إذ أصدرت محكمة السلام للعدالة الجنائية في إزمير أمـر اعتقـال حديـث في حق زمرة، ولكنه كـره أن يرجع للتعذيب مـرة أخرى، فقد أخبر أقاربه واتخذ الخطوات ليهرب من تركيا، حيث قال: “لو أخذوني مجددًا لن أخرج حيًا”. فقرر أن يدخل اليونان عن طريق نهر ماريج، بصحبة زوجته وطفليه ،اللذيْـن بلغا من العمر سـنة ونصف ،وثـلاث سـنوات، وفي العشريـن مـن ديسـمبر 2016 رآهـم رجـال الشرطة يحاولـون عبـور النهـر، فـما كان مـن زمـرة إلا أن ودع أسرتـه سريعًـا، ثـم قفز إلى النهر، ولم يقبل الغطاسون أن يبحثـوا عـن جثتـه، وبعـد مـرور ثلاثـة أشـهر وفي الثامـن مـن مـارس 2017، وجد بعض القروين في قرية سـوباشي بمدينـة تكـير طـاغ جثمانه متحللاً إلى جانب الشاطئ)1(.
10- قضية أيوب برنيسي
أيوب برنيسي، معلم تم اعتقاله من قبل دائرة شرطة أنطاليا، وهو ضحية أخـرى مـن ضحايـا جرائـم التعذيـب الوحشـية، اعتقـل برنيـسي بواسـطة ضبـاط الشرطة الذي يعملون في قسم مكافحة التهريب والجريمة المنظمة بأنطاليا، في الرابـع والعشريـن مـن يوليـو 2016، وقد حرم من حقه في رؤيـة المحامي، وحقه في رؤية عائلته، مما أدى إلى القلق الشـديد الذي أصاب أسرته، فقد تقدموا إلى دائرة الشرطة بعدة طلبات زيارة، ولكن بلا جدوى.
وبعـد مـرور أيـام، أسرع رجـال الشرطـة مـن قسـم مكافحـة التهريـب والجريمـة المنظمـة ب ـ برنيـسي إلى المستشـفى، ولم يخـبروا عائلتـه بـشيء ،فقـد خضـع لعمليـة جراحية في أمعائه، وبقي في العنايـة المركزة دون معرفة عائلته، ويُذكر أن الأطباء قد اسـتأصلوا جزءًا يقدر طوله بعشر سـنتيمترات من أمعائه الممزقة.
وحينـما علمـت أسرة برنيسي مؤخرًا أنه كان في جناح الجراحة العامة في

(1) “Turkish IT Technician Found Dead While Fleeing to Greece”, The Globe Post, March 15, 2017, http://theglobepost.com/2017/03/15/turkish-it-technician-found-dead-while-fleeing-to-
greece/
مستشـفى أتاتـورك، ذهبـوا إلى المستشـفى لزيارتـه وعـلى الرغم من ذلك سـارعضبـاط الشرطـة ليخرجوهـم مـن الغرفة، ومـما هو معلـوم أن أيـوب برنيسي كان يؤخذ إلى مستشـفى سـيما يازار كل يوم في الفترة من 24 إلى 29 من أغسـطس ،وفي شهادته أمام المدعي العام أوضح برنيسي كيف كان ضباط الشرطة يعاملونه فقـد عصبـوا عينيـه، وجـردوه تمامًـا مـن ملابسـه، وضربوه عـلى وجهـه، وأصابع قدميه، وبطنه، وقاموا بعصر خصيتيه، وقذفوه بالماء، وضربوه بالعصا.
وأشار برنيسي إلى أن الطبيب الذي قام بفحصه في اليوم الذي اعتقل فيه عالـج آثـار التعذيـب التي في جسـده على أنها “جـروح عادية، وليسـت خطيرة ،”ولكن عندما أصابه الإغماء أثناء التحقيق لاحقًا شخص الطبيب حالته بأنه يعاني من نزيف داخلي، وأُرسل إلى المستشفى، ومن ثم خضع لعملية جراحية هناك)1(.
وقامت زوجة أيوب برنيسي بكتابة خطاب رسـمي وصفت فيه الحادث من وجهـة نظرهـا، حيـث قالـت فيـه: “اعتقل زوجي الـذي كان يعمل مدرسًـا في بيتنا بأنطاليا، في شهر يوليو، إذ قبض عليه رجال الشرطة من قسم مكافحة التهريب والجريمـة المنظمـة، التابع لدائرة شرطة أنطاليا، ولم نجـد محاميًا نوكله للدفاع عنه، ولم نستطع التواصل معه أثناء فترة اعتقاله.
“وذات يوم، أذهلتنا صدمة المفاجأة حينما اتصل شـخص ليقول بأنه رأى برنيـسي في المستشـفى، بعدهـا توجهنـا إلى دائـرة الشرطـة لنسـأل عـن حالته ،ولكنهـم طردونـا مـن القسـم بشـتائم شـديدة الوقاحـة، وقالـوا: “ليـس لديـه أي مشكلة”، وقد هموا بضربنا إلا أن قام بعض الناس المتواجدين هناك بتهدئتهم ،وعـلى مـا يبدو أنهـم كانوا قلقن أن أعرف أي شيء عن حالـة زوجي، وزيادة على ذلك فقد طلبوا مني إحضار خفن لزوجي في نفس اليوم، وكان أبي وأخي معتقلن أيضًا، ولكنهم لم يطلبوا خفًا لهم، وطلبوا ذلك لزوجي مما زاد الشك في نفوسنا.
وعندما ذهبنا لرؤية المدعي العام، وشرحنا له ما حدث اتصل بدائرة الشرطة وأخذ منهم بعض المعلومات، ثم أخبرنا أن زوجي كان في المستشـفى، ولكننا لم

(1) İşkenceden Bağırsak Ameliyatı Oldu”, Zulme Dur De! November 15, 2016, https://www. zul-
medurde.com/iskenceden-bagirsak-ameliyati-oldu/
نسـتطع أن نعرف مكان المستشـفى، فقمنا بالبحث عنه في جميع المستشـفيات ،وأخـيراً عرفنـا أنـه بجناح الجراحة العامة بمستشـفى الولايـة، فأسرعنا في الذهاب إلى هنـاك، وعثرنـا على غرفته، ثم دخلنا أثناء جلسـة العـلاج في العناية المركزة ،ولم يسـتطع أن ينطـق إلا بجملـة واحـدة “لقد أجريت لي عمليـة جراحية”، وعندما شعر ضباط الشرطة بوجودنا أرغمونا على الخروج من الغرفة.
وفي هذه الأثناء، علمنا شيئًا مهمًا، وهو أن زوجي كان يُرسل إلى مستشفىً خاص بصفة يومية تقريبًا أثناء الخمسة أيام الأولى من فترة اعتقاله، حيث تمكنا مـن الاطـلاع عـلى سـجلات إقامته بالمستشـفى، حيـث أجريت له عمليـة جراحية سرية في أمعائه، وإننا نعتقد أنه تعرض للعنف الجسـدي أثناء التحقيقات، وأنه تم تعذيبه بواسطة إدخال جسم صلب إلى جسده .
وقامـت زوجـة أيـوب برنيسي بإجـراء مقابلة مع أحـد المواقـع الإخبارية ،وصفـت فيهـا تفاصيل التعذيب التي مر بها زوجهـا حيث قالت: “لقد قاموا بضربه عـلى وجهـة بلفة سـميكة مـن الجرائد، فأصابوا عينيه، ورأسـه بمنتهـى الكراهية ،وأدخلـوا عصيهـم إلى فمـه، ودفعوها بشـدة حتـى فقد قدرته عـلى التنفس، ولم يتوقفـوا عـن صفـع وجهـه حتى اتشـح بالدمـاء، وقامـوا بتحطيـم يديـه وذراعيه ،وقامـوا بـركل بطنـه، حتـى إنه كان يصرخ مـن الألم، وقد كان ينـزف الدم بغزارة ،من فمه وأنفه.
وعـلى الرغـم من أنه كان يتنفس بصعوبة، وجه إليه ضابط الشرطة محسـن توكيـس -وغـيره مـن الضبـاط عديمـي القيمـة الذيـن لم نعـرف أسـمائهم- الشـتائم بقوله: “أيها الحقير سوف نجعلك تندم على كونك حيًا”، وقد صبوا الماء البارد على جسـده العـاري، بالإضافـة إلى التهديد المسـتمر بقولهم: “سـوف نجعلك تتوق إلى الموت، وليس أمامك إلا أن تتحدث أو تموت، أيها الكلب الحقير”، وقد عذبوه كلما أجابهـم بقولـه لا أعـرف، ولم يلبـث أن تحولت أيامه ولياليه عـلى أيديهم إلى جحيم من التعذيب؛ فقد اضطهدوه وعذبوه في كل لحظة قضاها في المعتقل .
وأجـبروه عـلى أن يركـع عـلى ركبتيـه، وسـألوه: “مـاذا كنـت تفعـل في أنطاليـا؟ ثـم ضربـوه من الخلف عـلى فخذيه لتمزيـق أربطته، وقامـوا بالضغط على منطقة غطاء ركبتيه حتى يجعلوه يصرخ من الألم، ثم ضربوه على أصابعأقدامـه بهراوة حتى تورمت بالبثور، وكانوا يقولون له: “سـوف نقتلع أظفارك ،”كـما قامـوا بعـصر خصيتيـه، وقـد أغلظـوا عليـه في التهديـد بقولهـم: “سـوف نحضر زوجتك، وابنتك التي لم تتجاوز التسـع سـنوات إلى هنا، ونجردهما من ملابسهما أمام عينيك، ثم نأخذهما إلى بيت الدعارة.”
ولم يطق زوجي مجزرة التعذيب وأغشي عليه، فأخذوه أولاً إلى مستشفى التعليـم والبحـث العلمـي، وحينهـا ضغـط عليه ضابـط الشرطة المدعو سـليمان بقولـه: “لا تجلـب لنـا المتاعـب، ولكن قـل: إني سـقطت وأصبت بهـذه الجروح ،”ووافـق زوجـي عـلى ذلك مخافـة أن يقتلوه، ولكـن إصابته لم تبدُ كإصابة شـخص وقـع عـلى درجـات السـلم، إذ كان يتحتم عندئـذ أن يخضع لعمليـة جراحية على الفـور، في ظـل مـا يعانيـه مـن النزيـف الداخـلي، وذلـك على حـد قـول الطبيب ،ولكـن ضبـاط الشرطة الذين يعملون بقسـم مكافحة التهريـب والجريمة المنظمة رفضوا ذلك، وقالوا: “ألا يوجد هناك حل آخر سوى إجراء عملية جراحية؟” ولم يسمحوا له بالإقامة في المستشفى ليتلقى العلاج.
وفي الفـترة مـن 26 إلى 28 يوليـو أخذوه إلى مستشـفى سـيما يازار لإجراء الفحـص الطبـي عليـه، في تلـك الأثنـاء تسـارعت وتـيرة الألم، إثـر مـا يعانيـه من النزيـف الداخـلي، ولم يأبه طبيب الجناح بمتابعة حالتـه على الإطلاق، بينما قال زملاؤه في السـجن سـوف نشـهد جميعًا بما حدث له من سـوء المعاملة في حالة موتـه، ومـن ثم شـعر ضبـاط الشرطة بـضرورة معالجتـه، وفي الثلاثن مـن يوليو تلقينـا اتصـالاً مـن مستشـفى أنطاليـا يطلبون إحضـار ملابس داخليـة وخف، وفي نفـس اليـوم خضع برنيسي لعمليـة جراحية طارئة، في مستشـفى ولاية أتاتورك ،فقـد اسـتأصل الأطباء جزءًا يبلغ طوله عشر سـنتيمترات مـن أمعائه الدقيقة، ثم مكث بالمستشفى لمدة عشرين يومًا)1(.
11- قضية فيليز يافوز
ولم يتوقف التعذيب عند قضية أو قضيتن فقط، بل تعدى ليشمل العديد

(1) “İşkence Tutanağı (Çınar Ağacı Serisi-2)”, Mağduriyetler, January 22, 2017, http://magduri-
yetler. com/2017/01/22/iskence-tutanagi/
والعديد مـن ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، ومن هؤلاء: امـرأة حامـل عذبَّهـا رجـال الشرطـة تدعـى فيليـز يافـوز ،التـي أقيلـت مـن عملهـا حيث كانت تعمل معلمة في مدينة مرسـن، وقـد اعتقلـت يافـوز بعـد مـرور أربـع وعشريـن سـاعة من وضعها لمولودها ،
وعـلى الرغـم مـن اعتراضـات الطبيـب على رجـال الشرطـة، إلا أن رجـال الشرطة قبضوا عليها، واقتادوها على كرسي متحرك، بينما قام أقاربها بنشر الواقعة على صفحات التواصل الاجتماعي بعنوان: “الشرطة تحتجز أمًّا فور ولادتها بعد عملية قيصرية، وتضعها على مقعد في دائرة الشرطة)1(.
كـما اعتقلـت سـيدات كثـيرات مـن غرفـة الـولادة باتهامـات العضويـة في حركة كولن، ومنهن سيدات اعتقلتهن الشرطة بعد يوم واحد من الولادة، وقاموا بإجـراء التحقيـق معهن وإسـاءة معاملتهن في مراكز الاعتقال، ولم يسـمح لهن بإرضـاع أطفالهـن، أو إكـمال إرضاعهـم في حينها، وذلك بالإضافـة إلى عديد من النساء الحوامل اللاتي اعتقلن قبل حلول موعد الولادة بوقت قصير.)2(
12- قضية السيدة التي وضعت وليدها وحدها في المعتقل
اضطـرت سـيدة حامل إلى الولادة وهـي وحيدة في زنزانتها، بعدما رفضت السـلطات أن تأخذهـا إلى المستشـفى لتلـد، حسـبما روت إحـدى النزيـلات التـي شهدت الواقعة في السجن الاحتياطي، بدائرة شرطة أنقرة، جاء ذلك على لسان زوجها نقلاً عنها)3(.

(1) “Bu sefer zulmün adresi Mersin. Yeni doğum yapmış anneyi, tekerlekli sandalye ile gözaltına aldılar”, TR724, February 7, 2016, http://www.tr724.com/sefer-zulmun-adresi-mersindogum-yapmis-anneyi-gozaltina-almak-polis-kapida-bekliyor/
(2) “Doğum yaptıktan 1 gün sonra gözaltına alındı”, Cumhuriyet, January 30, 2017, http://www.
cnnturk. com/turkiye/dogum-yaptiktan-bir-gun-sonra-gozaltina-alindi
(3) “Hamile kadın hücrede kendi kendine doğum yaptı”, Siyasi Haber, March 27, 2017, http://
إذ صرح بقوله: “اعتقلت زوجتي في الثلاثن من أغسطس 2016، وأرسلتإلى سـجن سـيكان، والسـبب وراء اعتقالهـا أنهـا كانت تعمل في مكتب استشـارة لديه حسـاب في بنك آسـيا، وكانت تتبرع بخمس ليرات تركية لمؤسسـة “هل من أحـد؟” الخيريـة، وفي الأسـبوع المـاضي سـنحت لي الفرصـة لمقابلـة زوجتي في زيـارة حـرة، إذ وصفت لي حالة رأتها في السـجن الاحتياطـي بدائرة شرطة أنقرة؛ فقالت: “لن أنسى ما رأيت قطّ ما حييت”، مشيرة إلى المأساة التي رأتها، فعندما كانـت تنتظـر في السـجن الاحتياطي، ضرب المخاض أحشـاء سـيدة حامل، وهي وحيـدة تـصرخ دون أي مسـاعدة طبية من ممرضة تخفـف عنها، أو طبيب يمد لها يـد الغـوث، في بيئـة لا يتوافر فيها حتى الماء للتطهـير والنظافة، فقد كانت تقيم في زنزانـة ونزيـلات السـجن يقمن في زنازين أخرى، يشـاهدنها تـصرخ من ويلات الألم، وفي تلـك الليلـة ارتفعـت صرخاتها في كافة جنبات السـجن، ولم نسـتطع أن نفعـل لهـا أي شيء، وكعـادة ضبـاط الشرطة تعاملوا مع الأمر بوحشـية، فلم يأخذوها لطبيب النساء، وبعدما قامت بإجراء عملية الولادة لنفسها بمدة قليلة ،شعروا بأنهم لابد أن يأخذوها إلى الطبيب.
13- قضية الضحية التي كانت تعاني من حالة الهوس الاكتئابي نتيجة التعذيب
تقـول السـيدة زوجـة السـجن الـذي فقـد اتزانـه العقـلي نتيجـة التعذيب الشديد: “تعرض زوجي للتعذيب الشديد لمدة خمسة أيام منذ اعتقاله في دائرة شرطـة أنقـرة، فقد أصيب بمرض الهوس الاكتئـابي، فما قصَّه عليّ وهو يبي كان مثـيرًا للرعـب، حيث قـال: “لقد ظننت أنني مـت، واعتقدت أني لـن أراكِ مجددًا ،كـما أنهـم هـددوني بـكِ كثـيرًا، وقالـوا إنهـم سـوف يأخذونـك لـو لم أدلهـم عـلى الأشـخاص الذيـن يريدونهـم. فقـد كان في أتم حالـة من الصحـة والعافية حينما أخذته الشرطة، وهم من أوصلوه إلى تلك الحالة، وفي كل مرة أزوره لا يستطيع أن يتحكم في فمه، ويقوم بهز رأسه بطريقة مستمرة، وقد كان يحاول تثبيت رأسه بواسـطة يديه، لدرجة أنني بالكاد تعرفت عليه في أول زيارة، فقد مرّ بضغوطات نفسـية شـديدة القسـوة، وخضع لألوان من التعذيب أثناء فترة اعتقاله، أما الآن

siyasihaber3.org/hamile-kadin-hucrede-kendi-kendine-dogum-yapti
فيرسلونه إلى طبيب نفسي لتلقي العلاج كل أسبوع.
وعـلى الرغـم مـن تشـخيص الطبيـب لحالتـه بأنـه مصـاب بحالـة مـن الهـوس الاكتئـابي، إلا أن الطبيب النفسي بالسـجن يتجنب إصـدار تقرير طبي يصـف الحالـة التي وصـل إليها المريض؛ بدافع الخوف، ورغم تسـليمه تقارير الفحص ومستندات أخرى خاصة بالحالة إلى المحامي المعن بموجب قانون الإجراءات الجنائية) CMK(، لم يسلم تلك الأوراق إلى مكتب المدعي العام.”
14- قضية توغبا يلديز
اعتقلـت توغبـا يلديـز في الخامـس عـشر مـن ينايـر2017 في مقاطعة تكير داغ، مـع زوجهـا، وقـد مارسـت عليهـا الشرطـة جرائـم التعذيـب وهددتهـا بأخذ أطفالهـا، وفي النهايـة ظهـرت عليهـا أعـراض الاضطـراب النفسي، وفقـدت عقلها أثنـاء فـترة إقامتهـا غـير العادية في المعتقـل لمدة أربعـة وعشريـن يومًا، وعلى الرغـم مـن أن تقاريـر الأطباء كشـفت عن خضـوع الضحية إلى التعذيب الشـديد لأيـام؛ مما عرَّض سـلامة عقلها للخطر الشـديد، إلا أن محكمـة تكير داغ أصدرت قرارًا باعتقالها وإرسالها إلى السجن، وهي مازالت قيد الاعتقال منذ ذلك الحن، ويذكر أن الضحية لها من الأبناء ابن يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، وبنتان تبلغ إحداهما عشرة أعوام وأحد عشر عامًا، من بينهما طفلة مصابة بمرض السرطان ،وبحاجة إلى الرعاية الدائمة، وليس للأطفال من يرعاهم إلا أجدادهم .
ويذكـر أن يلديـز كانت تتحدث إلى ابنتها المريضـة بالسرطان أثناء نومها ،وبـدأت في منـاداة أطفال لأمهات مسـجونات معها في الزنزانة بأسـماء أطفالها ،وفقـدت قـدرًا كبـيرًا مـن الـوزن، وأصابهـا الإعيـاء نتيجة سـوء التغذيـة؛ إذ كانت تعاني من اضطراب في الأكل نتيجة توهمها وخوفها من أن يقوم أحد بتسميمها ،بينما أكد الأطباء النفسيون بمستشفى باكير كوي أن يلديز مصابة بمرض انفصام الشـخصية، بعـد تعرضهـا لمسـتوى عـالٍ مـن الصدمـة في حينهـا، وهـي لا تـزال حبيسة القضبان في السجن إلى الآن .)1(

(1) “Gözaltında akli dengesini yitiren öğretmen cezaevine kondu”, Mağduriyetler, February
27, 2017, http:// magduriyetler.com/2017/02/27/gozaltinda-akli-dengesini-yitiren-ogret-
men-tekrar-cezaevine-kondu/
15- قضايا كل من مورات كيه، وسيمي سي، أبوزر واي.
اعتقـل مـورات كيه عـلى أيدي شرطـة مكافحة الإرهـاب التابعـة لدائرة الشرطـة بمدينـة كارس، وفقـد عقله بانتهـاء مدة اعتقاله، حيـث قى ثلاثن يومًا تعرض فيها لأقسى ألوان التعذيب النفسي، فضلاً عن العنف الذي تعرض لـه، ومـن بـن السـجناء المعذبن في نفس المكان رجل يسـمى سـيمي سي ،لديـه كسـور في وجهـه نتيجـة الـضرب، ومـن المؤكـد أن وجه سـيمي قد تغير نتيجـة الجروح والشـقوق التـي أصيب بها في وجهه ولم تتـم معالجتها، حيث كان ينزف بشـكل متكرر من أذنه؛ مما جعله يعاني من مشـكلات في السـمع.
وبالمثـل فقـد قـاسى أبـوزر واي مـن الإصابة المفرطـة في أذنيـه؛ مما نتج عنها انفجار في طبلتي الأذن، كما كان لديه كسور في وجهه، ولم تنفِ السلطات إلى الآن ممارسات الضرب، والتهديدات، واغتصاب زوجات السجناء، والتعذيب النفسي، في دائرة شرطة كارس)1(.
16- قضية كامل أولوش
اعتقـل كـمال أولـوش على خلفية اتهامـه بالتورط في علاقـة بحزب العمل الكردسـتاني) PKK( المحظـور، في شـهر أغسـطس، ولكنـه أطلـق سراحـه لعدم كفاية الأدلة، وقد مارسـت الشرطة عليه أفظع ألوان التعذيب في المعتقل لمدة ثمانية عشر يومًا، كما أوضح أولوش أن ضباط الشرطة في دائرة شرطة إسنلر في إسـطنبول وجهـوا بندقياتهم صـوب المحتجزين، لدرجة أنهم لم يسـتطيعوا منع أنفسهم من التبول في ملابسهم، وأضاف أنه ضُرب بشكل متكرر في دائرة شرطة فاتان، وأفاد أولوش أنه عرض عليه من 150 إلى 200 شـخص طلبت الشرطة منه اتهامهم، ولما رفض قاموا بتعذيبه على ذلك)2(.
كـما صرح أولـوش لوكالـة بي بي سي الإخباريـة BBCبقولـه: “لقد كانوا يقومـون بعمليـات التعذيـب ليلاً حتى لا يسـمعهم أحد، وقامـوا باختيار غرفة

(1) “Cezaevleri işkence merkezlerine dönüştü: İşkenceden akıl sağlığını yitirdi”, Haberdar, January 5, 2017, http://www.haberdar.com/gundem/cezaevleri-iskence-merkezlerine-donustu-iskenceden-akil-sagligini-yitirdi-h38753.html
(2) “Gözaltında işkence iddiaları: Yüreğimin en pis yerine yazdım”, BBC Türkçe, November 28,
2016, http://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-38126711
مخصصـة للتعذيـب، وكانوا يسـتخدمون مـن وسـائل التعذيب أشـنعها وأقساها ،مثـل التقييـد بالأصفـاد ،والتعليـق عـلى الجـدار ،والجَلـد بالعصـا عـلى أخمـصَي القدمـن، إلى غير ذلك، بل إنهم كانوا يربطون الأثقـال بالأعضاء الجنسـية
للضحايا، ويتركوننا نتلوى من الألم لسـاعات، وكانوا يقولون: “لا تتحدثوا عما رأيتم من التعذيب، ولا ينطق أحد بأسمائنا.”
لقـد جردونـا مـن ملابسـنا تمامًـا وصبـوا علينـا المـاء وانهالـوا علينـا ضربًـا بالعصيـان الخشـبية والألواح، بينما قـال أحدهم: “أنت متـزوج، أليس كذلك؟ إذا لم تخبرنـا عـما نريـد، سـوف نـأتي بزوجتـك ونغتصبهـا أمام عينيـك، إننـا في الأيام الأخيرة للحساب، وسوف نزيد من جرعة التعذيب والتنكيل.”
وبعدهـا أوقفونـا عـراة كيـوم ولادتنـا والتقطـوا لنـا صـورًا ونحـن عـلى هذه الحالة، ثم أخذوني إلى غرفة مظلمة، حاولوا فيها أن يغتصبوني عن طريق إدخال عصا في مؤخرتي، ومازلت أعاني من عظمة مكسـورة، فلا أسـتطيع الجلوس إلى الآن، كـما أننـي لا أسـتطيع التعـافي مـن صدمـة الاعتـداء الجنـسي، فربما أنسى ممارسـات التعذيب، ولكني لن أسـتطيع نسـيان الاعتداءات القذرة على أعضائي الجنسية، فقد نقشت ذكراها في أقذر جزء من قلبي.”
17- قضية رازيت أوزانتي
اعتُقلـت أعـداد غفـيرة مـن الأشـخاص ذوي الاحتياجـات الخاصـة الذيـن يحتاجـون إلى رعايـة خاصة، حيث ألقي القبض عليهم في حملة صيد السـاحرات التي أطلقها حزب العدالة والتنمية الحاكم ضد حركة كولن، ومع كثرة المعاقن إلا أن الحكومة لم تطلق سراح أي منهم رغم إعاقتهم، ومن بينهم رازيت أوزانتي المدرس المعاق بنسبة 75 بالمائة، والذي عمل لصالح وزارة التربية بمدينة دينيزلي.
فقـد سُرِّح أوزانتـي مـن وظيفتـه بشـكل نهـائي كغـيره مـن مئـات الآلاف مـن الموظفـن العاملـن بالقطاعـات العامـة في الدولـة، وذلك عقـب أحداث الخامـس عـشر من يوليو، ويذكر أن أوزانتي خضع لعملية جراحية قبل القبض عليه بوقت قصير، حيث كان يعاني من مشكلات في الغدة النخامية، بالإضافة إلى إصابتـه بانقطـاع النفـس أثناء النـوم، كما أنه احتاج إلى آلة حتى يسـتطيع النوم، هذا إلى جانب إعفاء زوجته أيضًا من وظيفتها كمسـؤول طبي، إذ كانت تمثـل لـه الدعـم الأكـبر والرعايـة المثـلى، فقـد حرمـا مـن كافـة امتيازاتهم في التأمن الاجتماعي.
وبعـد تسريحهـما مـن العمـل، داهـم ضبـاط الشرطـة منزلهـما واعتقلـوا المدرس المعاق، باتهامات العضوية في منظمة إرهابية، وقد حكم القاضي أتيلا كايـا بحبسـه، وإرسـاله إلى سـجن دينيـزلي كوكابـاس )دي(، دون اعتبـار لحالته الصحية من الإعاقة أو احتياجه الدائم للرعاية ومساعدة الآخرين)1(.
18- قضية أو كيه
اعتقل أو كيه )O.K.( إثر بلاغ في زانغولداك في غرة شهر أغسطس 2016، وقد بقي قيد الاعتقال لمدة اثنن وعشرين يومًا، وذلك قبل الحكم عليه وإرساله إلى السـجن، وقـد قـام أو كيـه )O.K.( بكتابـة مـا مـر بـه خـلال تلـك الفـترة داخل المعتقـل، كـما تقـدم بشـكاوى رسـمية للسـلطات المختصـة، سرد فيهـا تفاصيل ممارسة فظائع التعذيب.)2(
وبعـد القبـض عـلى أو كيـه )O.K.( مـن قبل فـرع الأمن العـام بمقاطعة كايدامـار، ودائـرة شرطـة سوجكسـو لمدة أسـبوع، غُمِّيـت عينـاه في اللحظة الأولى مـن القبـض عليـه، بعدهـا انفجرت طبلة أذنه بسـبب تلقـي ضربة قوية

(1) “Engelli öğretmeni cezaevinde ölüme terk ettiler”, Aktif Haber, April 4, 2017, https://6a3nny-
6zpg23dj7g.onion.to/gundem/engelli-ogretmeni-cezaevinde-olume-terk-ettiler-h94054.html
(2) “Çırılçıplak soyuldu, 22 gün dövüldü, eşine tecavüzle tehdit edildi”, Shaber, February 20, 2017 http:// www.shaber3.com/cirilciplak-soyuldu-22-gun-dovuldu-esine-tecavuzle-tehdit-edil-
di-haberi/1280839/
عـلى أذنـه في مركـز الشرطـة، ومـن ثـم أرسـلته الشرطـة ليتلقـى علاجـه في المستشفى، وبعدها كتب الأطباء تقريرًا طبيًا يشهد بذلك الاعتداء ويعد دليلاً عليـه، ومـع ذلـك لم يعامـل بشـكل جيـد، ولكنه أرسـل إلى مركـز الشرطة ثم أرسل إلى دائرة شرطة زونغولداك.
ثم اشتدت عليه وتيرة التعذيب في غرفة بالطابق العلوي بدائرة الشرطة غير مزودة بكاميرات تصوير، وقد وجه إلى أو كيه )O.K.(في بادئ الأمر تهمة “التجمهـر لأداء شـعائر دينية مع مواطنن مدنيـن”، ولكن سرعان ما تغيرت إلى “إمامة ضباط الشرطة” في دائرة الشرطة، وفي اللحظة الأولى من القبض عليه غُمِّيت عيناه، وجردوه تمامًا من ملابسه، وقد أرغمه ضباط الشرطة على البقاء في وضع الركوع لمدة سـاعات، بمعنى الانحناء بزاوية تسـعن درجة ،كـما حـاول ضبـاط الشرطـة أن يتعـدوا عـلى رجولته مـن خلال كشـف أعضائه الجنسـية، حيـث ظـل عاريًـا، بالإضافـة إلى إخضاعـه لأوضـاع التوتـر الشـديد لعدة سـاعات، حتى سـقط هاويًا على الأرض نتيجة الإعياء والإرهاق الشديد ،وفي هـذه الأثنـاء لم تـزل ألسـنتهم تقدح في عرضه، بأبشـع الشـتائم، وأقبح الألفاظ، حتى إنهم كانوا ينادونه بقولهم: “أيها الوغد الحقير.”
ولم يسـلم أو كيـه )O. K.(أيضًا من القـدح في زوجته، إلى أن اضطربت حالته النفسية حتى ظل يكرر قوله: “أنا لست وغدًا حقيرًا”، كما أوضح أو كيه )O. K .(أن ضباط الشرطة كانوا يقدمون له مشروب الشاي أحيانًا، وفور شربه لا يمكنه التركيز، مما جعله يعتقد أن الشاي يحتوي على عقار مخدر.
ورغم الضغط والتعذيب رفض أو كيه )O.K.(أن يوقع على بيان مكتوب مسـبقًا، أعـده لـه ضبـاط الشرطـة، وعندما رفـض التوقيع بـدأوا في النيل منه بزيـادة الاعتـداء، وحسـبما جـاء عـن أو كيه )O.K.(فقـد كان يرتـد إلى الحائط من قوة الركلات واللكمات الشـديدة، فيترك أثرًا في الحائط، وبسـبب الركلات المسـتمرة على رجليه، وتعرضه لأوضاع التوتر عاريًا؛ بدأ يعاني من مشـكلات في أوردة رجليـه، وحيـث لم تعالـج هـذه الكدمـات، ولم يتوقـف الضبـاط من تجديـد الـضرب على تلك الكدمـات، أصيب أو كيه )O.K.(بانسـداد في الأوعية الدموية في رجليه، وبالتالي أسفر ذلك عن تدهور إيقاع ضربات القلب .كما اضطربت حالة أو كيه )O.K.(النفسـية أيضًا بسـبب تهديدات ضباط الشرطـة لـه بأنهـم “سـوف يأخذون زوجتـه إلى الصخـور ويغتصبونهـا”، وغير ذلك من سوء المعاملة، ولكنه صبر على ذلك، وفي اليوم الحادي والعشرين مـن التحقيقـات، أكـره أو كيه )O.K.(على كتابة قائمة بأسـماء سـتة أشـخاص ووقـع عليهـا، وذكـر أنه مكتـوب فيهـا: “لقد شـاركت في محاولـة الانقلاب مع هـؤلاء السـتة المذكوريـن”، وقـد تعـرض عديـد مـن الأشـخاص للتعذيـب في مراكـز الاعتقـال، ووقَّعـوا عـلى مذكرات معدة مسـبقًا مثل التي وقـع عليها أو كيه )O.K.(مجبرين تحت آلة التعذيب الغاشمة.
وبسـبب التعذيـب المكثـف، والحرمـان مـن الرعايـة الطبيـة، وسـوء التغذية، أصيب أو كيه )O.K.(باضطراب في نظامه القلبي، وتصلب في شراين رجليـه، وانسـداد أوعية دموية في ذراعه، وفي السـجن تقـدم بطلبات للعلاج بشكل متكرر، ولم يسمح له بتلقي العلاج في المستشفى إلا لعدة أسابيع في وقت متأخر، وقد انتظمت حالته الصحية ببطء بسـبب فقدان الوزن، وضعف بنيته الجسـدية، إذ كان يتلقى العلاج من انسـداد الأوعية، كما أصيب بفقدان دائـم للسـمع، بينـما واظـب أو كيه )O.K.(على تسـجيل كل شيء مر به، حيث ذكر أن شهادته لم تكتب كاملة في مكتب المدعي العام، كما أوضحت عائلة أو كيه )O. K.(أنه يتعاطى أدوية الاضطراب النفسي بسبب التجربة القاسية التي خاضها، كما تأثرت الحالة النفسية لأطفاله، ومستوياتهم التعليمية تبعًا لذلك.
19- قضية أبدي أيكوت
عندما أعلن حظر التجوال في قرية كوروكوي، في مقاطعة نصيبن التابعة لمدينة ماردين، في الحادي عشر من فبراير 2017، وقطعت وسـائل الاتصال عن القرية لعدة أيام، ذكرت مصادر أنه ألقي القبض على 39 قرويًا بتهم العضوية في منظمة إرهابية، وقامت الشرطة بتعذيبهم في المعتقل، بينما قتل ثلاثة أشخاص أثناء تلك المداهمات.)1(

(1) “Nusaybin Koruköy 9 gündür abluka altında: 39 gözaltı 2 kayıp 3 ölüm”, Siyasi Haber, February
19, 2017, http://siyasihaber3.org/nusaybin-korukoy-9-gundur-abluka-altinda-39-gozalti-2-
kayip-3-olum
وقد ذهب وفد حزب الشعب الديمقراطي )HDP(إلى القرية للتحقيق في دعاوى التعذيب ،ولكن لم يسـمح لهم بدخـول القرية، وقال نائب حـزب الشـعب )HDP( بمحافظـة بطـمان محمـد عـلي أصـلان: “فـرض حظـر التجـول في القريـة منذ أسـبوع، وهناك تقارير تفيـد بأن أهل القرية يخضعـون للتعذيـب، وعندما ذهـب وفد منا إلى هناك لمنع التعذيب لم يسمح له بالدخول، وقد وردت إلينـا أخبـار بـأن هنـاك مواطنـن مـرضى ،وفي حاجة إلى الطعام والشراب.”
وأوضـح إن دي )N.D( وهـو رجـل مـن
القرية بأن خمس طائرات هليكوبتر طافت حول القرية لمد 75 دقيقة في مساء يوم السبت الموافق الحادي عشر من فبراير، وأنه ذهب إلى مستشفى نصيبن ليزور مريضًا هناك في نفس اليوم، ولكن لم يسمح له بالعودة إلى القرية.
كـما قـال إن دي) )N. D لصحفـي: “ولم أكـن أعرف الجرحـى، ولا القتلى ،ولا الأشخاص الناجن، وفي يوم الإثنن، ذهبت مع أقارب مريض إلى مستشفى نصيبن، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أتواصل مع أقاربي في القرية عن طريق التليفـون، وفي القريـة أنـاس مسـنون يعانـون مـن ضغط الـدم المرتفـع، وهناك أطفـال مـرضى، وفي أغلب الوقت يكون الاتصال مقطوعًا، ولا يمكننا أن نتصل إلا بالسيدات في القرية دون الرجال، فقد أخذوهم جميعًا قيد الاعتقال.
كان أهـل القريـة يشربـون من ميـاه البئر الملوثـة لمدة ثمانية أيـام، إذ إن مشـكلة الميـاه هـي المشـكلة الكـبرى، ففي المـاضي كنا نحـضر الماء مـن القرى المجاورة، أما الآن فلا يسـتطيع أحد الخروج من القرية بسـبب الحظر، وقد أدى ذلك إلى تكدس الشوارع بآلاف الحيوانات النافقة، مما قد يؤدي بدوره إلى زيادة احتمالية انتشار الأوبئة قريبًا داخل القرية، نظرًا لانعدام المياه النظيفة.”وأوضحت إتش إيه) H.A( أن الجنود اقتحموا منازلهم في اليوم الأول من الحظر، فقالت: “في اليوم الذي أعلن فيه الحظر داهمت الشرطة جميع المنازل تقريبًا، ومنزلنا أيضًا، حيث قاموا بتفتيش المنازل ولكنهم لم يجدوا أي شيء مما كانـوا يبحثـون عنه، وفشـلوا في إيجاد أي شيء بعد أن حولـوا المكان إلى فوضى عارمـة، ولمـا لم يجـدوا أي شيء أخـذوا الجميع حتـى الأطفال إلى الفنـاء، وقام الجنـود بـضرب زوجـي أمام أطفالي دون أي سـبب، فلا يوجد أي سـبب لذلك، ثم ذهبوا بعدها إلى منازل أخرى.)1(
وقـام سـيزغان تانريكولـو نائب حـزب الشـعب الجمهـوري) CHP( برفع أمـر تعذيـب أهـل القرية إلى أجندة أعـمال البرلمان، كما نـشر تانريكولو على صفحـات التواصـل الاجتماعي صـورة القروي أبدي أكيـوت الرجل الذي خضع للتعذيـب، حيـث وجـه بذلك تسـاؤلاً لرئيـس الـوزراء: “هل سـتفعل أي شيء بشأن أبدي أكيوت، الذي عذب في قرية كوروكوي التابعة لمدينة نصيبن؟ ،”وعـلى الرغـم مـما يعانيـه أبـدي أكيـوت من مشـكلات صحيـة فقد قبـض عليه بتهمة “معاونة منظمة إرهابية.”
20- قضية ناجيهان كوكشك
في الثالـث والعشريـن مـن ينايـر 2017 اعتقلـت ناجيهان كوشـك، وهي أم لخمسـة أبنـاء، أحدهـم مصـاب بمتلازمـة داون للمـرة الأولى، ثـم اعتقلـت مـرة أخـرى عندمـا كانـت في السـجن تـزور زوجهـا عبـد اللـه كوكشـك، لتـترك أبنائهـا الخمسـة ينتظـرون وقتًـا طويـلاً في موقـف السـيارات التابـع للسـجن، إلى أن أتى أقاربهـم ليأخذوهـم، حيـث يظهر الفيديو بقـاء الأطفال وحدهـم يذرفون الدموع أمـام السـجن، بعدمـا احتجزت والدتهم، وسرعـان ما انتشر هذا الفيديو انتشـارًا فيروسيًا على صفحات التواصل الاجتماعي، مما أثار حالة من الاحتجاج.
وصرح محمد تانال عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي، ونائب حزب الشـعب الجمهوري) CHP(، وهو حزب المعارضة الرئيس في البلاد بقوله:
“إن تـرك الأطفـال وحدهـم في هـذا الموقـف ضـد معاهـدة حقـوق الطفـل وكافـة

(1) “Nusaybin Koruköy’den yardım çığlığı: Bize ses verin”, BirGün, February 22, 2017, http://www.
birgun.net/haber-detay/nusaybin-kurukoy-den-yardim-cigligi-bize-ses-verin-147828.html
القوانن الأخرى، إننا سوف نتتبع هذه المسألة.”)1(
كما جاء في الفيديو طفل يفتح باب السـيارة في موقف السـيارات الخاص بالسـجن، مـما أظهر إخوته يبكون، ويقول: “نحن خمسـة إخـوة ليس معنا أحد ،ولدينا أخ معاق، حسـبنا الله ونعم الوكيل، هو يعاقب هؤلاء الناس”، بينما ظهر الطفـل المصـاب بمتلازمـة داون وهو يجلـس في المقعد الخلفي للسـيارة، وعلى وجهه علامات الخوف والفزع، إذ لا يتجاوز سنه الخمس أو الست سنوات.
وقـد نُقلـت الأم لاحقًـا إلى سـجن آخر في توكات الذي يبعـد مئات الأميال عـن أبنائهـا في أنقـرة، وقـد أطلقـت حملـة لجمـع الأمـوال في الولايـات المتحدة الأمريكية لمساعدة تلك العائلة، ثم أطلق سراح الأم مقابل كفالة قدرها 000.05 ليرة تركية) ،14.000 دولار(، ومازالت قضيتها قيد النظر.
21- قضية عائلة بونلو
تعـاني عائشـة سـينا بونلـو الطفلة ذات الخمسـة عشر شـهرًا مـن متلازمة داون، إذ ابتليـت بمشـكلات صحية، فأبواها كانـا يعملان ضابطي شرطة، ولكنهما أقيلا من وظائفهما، وسجنا على خلفية اتهامات مثيرة للشك، وقد كان أبو عائشة سـينا يعمـل رئيسًـا للشرطـة في مقاطعـة أفيجـلار بإسـطنبول، وسرعـان مـا أقيل مـن منصبه، ليسـجن في أعقاب محاولـة الانقلاب، بينما أقصيـت أمها روكاي من وظيفتها أيضًا في ديسمبر الماضي، ولم تجد تلك الطفلة الصغيرة من يحنو عليها ويرعاها سوى جديها، في ظل غياب والديها خلف قضبان السجن.
وقالت بيلور يلديز جدة عائشة: “إن الطفلة ليست مريضة بمتلازمة داون فحسـب، ولكنهـا أيضًـا تكابد مشـكلات في القلب، بـل إنهم كانوا يلجـأون لغرفة الطوارئ كل يوم تقريبًا منذ احتجاز والديها، وذكرت يلديز: “إننا نطالب بالإفراج المشروط لأمها ووضعها تحت المراقبة القضائية على الأقل، وإننا بذلك لم نحكم بكونهـا مذنبـة، أو العكـس، ولكنهـا في حاجـة لأن تبقـى مـع طفلتهـا”، وأضافت الجـدة أيضًا أن “عائشـة سـينا يجب أن تخضـع للعلاج الطبيعي، ولكن يسـتحيل

(1) “Babalarını ziyarete gittikleri cezaevinde anneleri de gözaltına alındı; 5 çocuk ortada kaldı!”, T24, January 23, 2017, http://t24.com.tr/haber/babalarini-ziyarete-gittikleri-cezaevinde-anneleri-de-gozaltina-alindi-5-cocuk-ortada-kaldi,384702
الحصول على التقرير الذي يمكنها من هذا العلاج في ظل غياب أبويها.”
وأضافت يلديز: “لا نعرف ماذا نفعل، ولكننا نريد أن نجد حلاً لتك المعضلة ،إننـا نعتنـي بهـا ولكـن كيـف لنـا أن نوفر لها حنـان الأم؟ وعـلى الرغم مـن كونها لا تقدر على نطق أي كلمة بشـكل عادي، إلا أن عائشـة سـينا تصرخ قائلة: “أماه.”)1(
22- قضية بلال كونكاشي
توج كونكاشي باعتباره بطلاً عندما استدعي لقيامه بواجبه باعتباره خبير القنابل الوحيـد في إزمير الشـمالية، على خلفية بلاغ مـن مواطن عن قنبلة في الخامس من فبراير 2009، ولكن القنبلة انفجرت أثناء تدخل كونكاشي لإبطالها، مما أسـفر عن إصابتـه بشـكل بالـغ، وقـد أخـذ كونكاشي إلى العناية المركـزة في كليـة الطـب بجامعة إيجـي أي) EGE(، وهـو الآن معاق بنسـبة 89 بالمائـة، ثـم جـاء القبـض عليه بعدها بسـبع سـنوات عـلى خلفيـة اتهامـات ملفقة، ليثير حنقًا عامًا في البلاد، مما عجل بإطلاق سراحه في الخامس والعشرين من يناير 2017، بسبب عدم أهليته طبيًا للإقامة في السجن، ومع ذلك منع من “السفر خارج البلاد أو مغادرة منزله.”)2(
23- قضية جهاد ساعاتْجي أوغلو
في السـادس من نوفمبر 2016 اعتقل جهاد سـاعاتْجي أوغلو ابن نائبة حـزب الشـعب الديمقراطـي) HDP( هـدى كايـا، في أعقـاب تجمـع للاحتجاج

(1) “15 aylık down sendromlu Ayşe Sena’nın çığlığına ses verin”, Shaber, March 23, 2017, http://www.shaber3.com/15-aylik-down-sendromlu-ayse-senanin-cigligina-ses-verinhaberi/1283325/
(2) “Bilal Konakçı tahliye edildi”, Yeniçağ, January 25, 2017, http://www.yenicaggazetesi.com.tr/
bilal-konakci-tahliye-edildi-155620h.htm
عـلى اعتقـال نـواب حـزب الشـعب الديمقراطـي ،وقـد ذكـر سـاعاتْجي أوغلـو أنـه تعـرض للتعذيـب أثنـاء فـترة اعتقالـه قائـلاً: “لقـد تعرضـت للـضرب الشـديد في المعتقـل، إذ تلقيـت الضربـات المتواصلـة حتـى أخـذوني إلى المستشـفى ،
فقد كان ضباط الشرطة جميعًا ينهالون علينا باللكمات والركلات بشكل عشوائي ،وكنوع من التعذيب جعلونا نصطدم بالجدران في مركز الشرطة، ثم نَحُّوني جانبًا ،وقـد خطـر إلى ذهني أنهم سـوف يعاملونني بـشيء من الرحمة لأننـي ابن عضوة في البرلمـان، ولكـن مـا حـدث كان على النقيض مـن ذلك، إذ إنهـم صعَّدوا وتيرة التعذيـب، لدرجـة أننـي أعـاني من الآلام في كل جزء من جسـدي مـن الفخذ إلى الرقبة، وقد تضررت كل عظامي ،فضلاً عن الكدمات والخدوشـات، ولا يحتسـب أي من ذلك على أنه جريمة تعذيب إذا لم يحدث كسر بالعظام.
ولكننـي كسرتُ عظمة بجسـدي مـما جعل ضباط الشرطـة يخافون، حيث جاء في التقرير الطبي عن حالتي: كسر في الفقرة الرابعة بالعمود الفقري، وفقا لما ظهر في صور أشعة إكس، والأشعة المقطعية، وأشعة الرنن المغناطيسي ،وقـد حـاول ضبـاط الشرطـة جاهديـن إخفـاء ذلـك الأمر، ولكنهـم أخفقـوا، إذ إن الأمر لو كان مقتصرًا على قلة منهم، لكان ذلك من قبيل الاسـتثناء، ولكن جميع وحـدات الشرطـة قامـت بتعذيبنـا بوضوح، وعلانيـة، وفي كل مـكان، مما يعكس ثقة شديدة في النفس من جانبهم”)1(.
24- قضية أعضاء مجموعة مخترقي الشبكات الإلكترونية “ريد هاك”
أعلنـت مجموعة مخترقي الشـبكات “ريـد هاك” حصولها على الحسـابات

(1) “Gözaltında işkence iddiaları: Yüreğimin en pis yerine yazdım”, BBC Türkçe, November 28,
2016, http://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-38126711
الإلكترونيـة لوزيـر الطاقـةوالمـوارد الطبيعيـة بيريـتألبـيراك، صهـر الرئيـسأردوغـان، وذكـروا أنهـمسوف ينشرون تلك الرسائل الإلكترونيـة للعامـة، في حالـة عـدم إطـلاق سراح سـياسي المعارضـة ألـب ألتينـورس، والكاتبـة أسـلي أردوغـان، وقـد احتجـزت الشرطـة سـبعة أشـخاص باتهامات العضوية في الجماعة سالفة الذكر، في أغسطس وسبتمبر عام 2016، كما ذكر محامو المتهمن أن السبعة قد تعرضوا للتعذيب في المعتقل.
فقـد أعلـن فـيرات دوراك المحامـي المـوكل عـن تايـلان كولاكوغلو-أحـد المتهمـن- أن السـبعة أكرهـوا عـلى الجلـوس عـلى الأرضيـة الإسـمنتية الباردة ،وقيدوهـم في الأصفـاد مـن الخلف، وهم يحنون رؤوسـهم إلى الأمـام، ولم يقدم لهم الطعام، ولم توفر لهم احتياجاتهم الأساسية، وقد تعرضوا للضرب في دائرة شرطـة أنقـرة، كما أوضح دوراك أن المحتجزين خضعوا للضرب المسـتمر فقال:
“لم يدخـل أحـد عـلى الغرفـة إلا أوجع أجسـادهم ضربًا، وليس لديهـم دليل في أيديهـم عـلى الإدانة؛ لذلك يحاولون تلفيق تلك الاتهامات، ويسـعون لاسـتخراج تلك المعلومات عن طريق الاعتداء)1(.
كـما أشـار المحامـي دوراك أنهـم اسـتطاعوا رؤيـة كولاكوغلـو واثنـن آخريـن، فقـط في الثامـن والعشريـن مـن سـبتمبر، فقـد اعتقـل في الخامـس والعشريـن مـن سـبتمبر في تمـام السـاعة: 30: 02 بدائـرة شرطـة إسـطنبول ،وأرادوا أن يفتشـوه تفتيشًـا ذاتيًـا، ولم أسـتطع رؤيتـه عندمـا كان محتجـزًا في إسـطنبول، وقـد صرح لي أنهـم أخضعـوه للتعذيب الممنهـج في دائرة شرطة أنقرة، بعدما نقلوه إلى هناك .

(1) “RedHack’ten gözaltına alınanlara soğuk beton üzerinde işkence”, Diken, September 28, 2016 http:// www.diken.com.tr/redhackten-gozaltina-alinanlara-soguk-beton-uzerinde-iskence/
وقد استخدمت حالة الطوارئ كذريعة )للتقييد(، إذ إنني لاقيت صعوبة فيمقابلته حتى بصفتي محاميه، فقد أخبرني بأن معذبيه قالوا له: “لديك حسـاباتالرجل الإلكترونية، وركزوا في محادثتهم على حياته الخاصة”، كما أوضح دوراكأنه منع من رؤية موكله لمدة ثلاثة أيام، وعندما سأل عن السبب في دائرة شرطةأنقـرة، أجابـوه بأن ذلك بسـبب “تعليـمات المدعي العام المشـددة”، ولما أطلق سراح تايلان كولاكوغلو بعد ما قى اثني عشر يومًا في الحجز، وصف ممارسات التعذيـب التـي خضع لها، كما أوضح كيف هدده ضباط الشرطة بالاغتصاب، وقد أجبروه على الإبلاغ عن أناس آخرين، حيث قال كولاكوغلو:)1(
“كنـا ثلاثـة عشر رجلاً، وقد أرغمونا عـلى الانتظار وقوفًا على أقدامنا لمدة سـاعات، في زنزانـة حبس انفرادي، ودائمًا ما كانـوا يهاجموننا ويوجهون الركلات إلى رؤوسـنا، كـما أنهم خططـوا لينالوا مني بالتعذيب بعد شـخص يدعى أوغور ،بالإضافة إلى التهديد المتكرر، وبعدها تمكنت من رؤية المحامي، والفضل يرجع إلى ضغـط الـرأي العـام، إذ قام المحامي بالكشـف عما يحـدث في الداخل، فلم أقع تحت طائلة التعذيب مجددًا ولكن تهديداتهم لي لم تتوقف.”
كـما ذكـر كولاكوغلـو أن أوغـور سـيهان أوكوتولمـوس البالـغ مـن العمـر خمسـة وعشريـن عامًا وُضع على الفلقة )حيث تـضرب أصابع قدميه(، وقالوا له:
“إنك سـتكون زوجة لكل واحد هنا، ولسـوف نقص شـعرك، ثم يتعامل معك كل واحـد منا بشـكل منفرد، فليسـت الإقامة هنا كالإقامة بالخـارج، فأنت لا تدري ما يحدث بالداخل، فلم نعد في عام 2013 بعد .”
25- قضية هانم بشرى أردال
ألقـي القبـض على بشرى هانم أردال _ التي عملت محامية أيضا على خلفية اتهامـات بالعضويـة في منظمة إرهابية، بالإضافة إلى عمودها الصحفي، وقصصها الإخبارية، وتغريداتها على حسابها في تويتر، لتقبع حبيسة بن جدران السجن، إذ أقام المدعي العام دعوى قضائية يطالب فيها بالحكم عليها بعقوبة السـجن لمدة

(1) “Taylan Kulaçoğlu gözaltında gördüğü işkenceyi anlattı: Tecavüzle tehdit ettiler”, Cumhuriyet, May 7, 2017, http://www.cumhuriyet.com.tr/haber/turkiye/611114/Taylan_Kulacoglu_gozaltinda_gordugu_ iskenceyi_anlatti__Tecavuzle_tehdit_ettiler.html
عـشر سـنوات، وقـد كانـتأردال ضمـن سـتة وعشرينصحافيًا كانـت المحكمة قدأطلقـت سراحهـم بصـورةمؤقتـة إلى حن محاكمتهم أثنـاء جلسـة الاسـتماع الأولى.
ولكـنّ الصحفيـن المؤيديـن لحـزب العدالـة والتنمية، ومتصيدي أخبار وسـائل التواصل الاجتماعي الموالن للحكومة، سـارعوا إلى تهديـد القضـاة والمدعـن العمـوم؛ حتى يحولـوا دون تنفيذ حكـم إطلاق سراح الصحفيـن، بينـما هـدد البعض بانتظـار الصحفين خـارج السـجن وإعدامهم دون محاكمة، يأتي ذلك في ظل تطورات غير عادية تبعت حملة خطاب الكراهية، وعلى الرغـم مـن اعتقـال الصحفيـن لمـدة تسـعة شـهور، والإفـراج عـن ثلاثة عـشر فقط منهـم، صـدم الصحفيـون لمـا علمـوا بقرار إجـراء تحقيق بشـأن اتهامـات أخطر من سابقتها، تصل عقوباتها إلى السجن المؤبد، ولما قضت المحكمة باحتجازهم فورًا ،لم يسمح لهم بمغادرة السجن، ولكنهم أخذوا إلى غرف التحقيق في دائرة الشرطة.
وفيـما يخـص ثمانية صحفين من بينهم أردال، أُعلـن أن المدعي العام تقدم باعتراضات على إطلاق سراحهم، وأصدرت المحكمة مذكرات اعتقال في حقهم، دون أن تنظر في ملف القضية، من جانبها قامت أردال بإعداد ترتيبات لتغـادر السـجن؛ إذ كانـت تتوقع الإفراج عنها، فهي لم ترَ عائلتها لمدة تسـعة شـهور مـن الحبـس، ولكنها علمت أنها سـوف تحبـس مرة أخـرى، وحتى يطبق قـرار الحبـس توجـب عليهـا أن تذهـب مـع الشرطـة إلى المحكمة ،ليُقرأ سـبب إصدار قرار حبسـها في حضورها، وذلك قبل أن ترسـل مرة أخرى إلى السجن ،وبعدمـا اضطربت حالتها بسـبب هـذه الإجراءات غير العاديـة، ابتليت بصدمة نفسية مرة أخرى .
وعـلى الرغـم مـن أنهـا لم تلبـث أن تفـارق السـجن إلا أنهم طلبـوا منها أن
تتجـرد مـن ملابسـها؛ لتخضع للتفتيش الـذاتي، ولما رفضت وقاومـت قام ضباطالشرطـة بإزالـة ملابسـها عنها بالقـوة، فلم يتركوا لهـا إلا ملابسـها الداخلية، وقدخضعـت مـن جديـد لكافة ألوان إسـاءة المعاملة في يوم واحد مـن الاعتقال، ثمحكمت عليها المحكمة بالسجن وأرسلتها إلى سجن باكير كوي.
وصرح محاميهـا أوميـت كارداس لمركز سـتوكهولم للحريـات )SCF(أن موكلته لم تستفق من تلك الصدمة النفسية التي أصابتها حتى بعد مرور شهر مـن صـدور الحكـم، وذكـر كارداس: “بعدما جهـزت أردال ترتيباتهـا وانتظرت الإفـراج عنهـا، عـارض المدعي العـام ذلك القـرار، فقد انتظرت قـرار المدعي العام لمدة ست ساعات.”
وبينـما هـي تنتظـر أن تنعـم بالحريـة مجـددًا وتجتمـع بعائلتهـا، إذ صعقـت بإصدار مذكرة اعتقال جديدة، لتسـجن مرة أخرى حتى قبل أن تغادر السـجن الذي مكثت فيه لمدة تسعة أشهر، فقد أخذوها إلى شرطة مكافحة الإرهاب، بدائرة شرطة إسـطنبول، وهناك منيت بالمعاملة اللاإنسـانية، التي تسمى تعذيبًا أو سوء معاملة فالأمر سيان، حتى إن موكلتي غير قادرة على تجاوز تلك الصدمة النفسية إلى الآن.
26- قضية عائشَنور باريلداك
اعتقلت عائشَنور باريلداك وهي صحفية تبلغ من العمر سبعة وعشرين عامًا للمرة الثانية، بعد ساعات من إطلاق سراحها في الثاني من مايو 2017 بموجب حكم محكمة أنقرة، بعد قضاء تسعة شهور قيد الاحتجاز قبل المحاكمة، فيما فسر بأنه شـكل جديد من أشـكال القمع ضد الصحفين المنتقدين والمسـتقلن في تركيا.
وأثنـاء جلسـة المحاكمـة بالمحكمـة الجنائيـة العليـا الرابعـة عـشر في أنقـرة، في الثـاني مـن مايو، اسـتجوبت المحكمة عائشَـنور باريلداك بشـأن صحة المنشـورات عـلى وسـائل التواصل الاجتماعي، والمقدمة مـن قبل المدعي العام كدليل جنائي ضدها، وادعى المدعي العام أيضًا أن الصحفية اسـتخدمت تطبيق “بايلـوك” الخـاص بالهواتـف الحديثـة، وهـو برنامـج حاسـوب يتيـح التواصـل عن طريق الرسـائل بشـكل علني، وقد أخبرت باريلداك القضاة أثناء جلسة الاستماع أنها فكرت في الانتحار عدة مرات في السـجن، عن طريق شـد حبل غسـيل حولرقبتهـا، ولكنهـا كانـت تمتنع عن ذلك بتأجيل الفكـرة إلى وقت لاحق، ثم انفجرتعيناها بالدموع عندما سمعت بقرار إطلاق سراحها في محاكمتها المؤجلة.
كانـت المحكمـة قضـت بالإفـراج عـن باريلـداك في محاكمتهـا المؤجلـة؛ بالنظـر في جميـع الأدلـة التـي جمعـت ضدها، إذ تبـن أنها ليس لديهـا أي فرصة للتلاعـب بالأدلـة، وجـاء حكم المحكمة بمنعها من السـفر، وعليها أن تذهب إلى مركز الشرطة كل أسبوع لتسجيل تواجدها في البلاد.
وبينـما كانـت باريلـداك وعائلتهـا في انتظـار الإفراج عنهـا، تقدم مكتب المدعـي العام في أنقرة بعريضـة يطالب فيها بإعادة اعتقالها، مدعيًا أن هيئة الاتصـالات وتقنيـة المعلومـات )BTK(أرسـلت دليـلاً جديـدًا توصلـت إليه عن طريق هاتفها المحمول، ومن ثم أصدرت المحكمة حكمًا بإعادة اعتقالها قبل إطلاق سراحها من السجن في المقام الأول.
وقد انتابت الصدمة كلاً من أفراد العائلة والأصدقاء بعد سماعهم قرار إعادة الاعتقال في حق باريلداك، التي قضت بالفعل تسعة أشهر قيد الاحتجاز دون البـت في قضيتهـا، الأمـر الـذي أقلقهـم حيال تدهـور حالتها النفسـية، إذ تلقـت صدمـة الاتهامـات الكاذبة التي ألصقهـا بها المدعي العـام كأنها صاعقة حلت بها.
ويذكـر أن باريلـداك اعتقلـت في الحـادي عشر من أغسـطس 2016، أثناء حضورها الامتحانات في كلية القانون، بموجب قوانن مكافحة الإرهاب والإساءة إلى البلاد في تركيا، وذلك بناء على تغريداتها على تويتر، إذ كانت تغطي قصص المحكمـة لصالـح جريـدة زمـان اليومية -المغلقـة حاليًا-، وهي لا تـزال طالبة في كليـة القانـون بجامعة أنقـرة، حيث خططت للتخرج بحلول الصيف، لتسـتمر في مهنتها كمحامية بعد طردها من الجريدة على يد الأوصياء الجدد على الجريدة ،الذين قامت الحكومة بتعيينهم .
وفي خطـاب أرسـلته باريلـداك إلى جريـدة جمهوريـت اليوميـة من داخل السـجن في شـهر أكتوبـر مـن السـنة الماضيـة، قالـت باريلـداك: “لقـد خضعـت للعنـف والاعتـداء الجنسي، ويسـتجوبني ضبـاط الشرطة ليلاً ونهـارًا لمدة ثمانية

الانفرادي.. وإنني أخشى أن أُنسى هنا” )1(.
ويضـاف إلى ذلـك أن المدعـي العـام طالـب بتوقيـع عقوبـة السـجن لمدة خمسـة عشر عامًا في عريضة الاتهام، وذكرت باريلداك في خطابها أنها شـاهدت امـرأة مسـنة تبلـغ من العمر سـتن عامًا وهي تجـرد من ملابسـها لتفتش مرتن، كـما قامـت قاضيـة بجرح رسـغي المرأة من خـلال الضغط عليهـما، وقد اعترفت باريلداك في جلسة الاستماع في المحكمة أنها أيضًا فكرت في الانتحار.
27- قضية عدنان موميك
ذكـرت جريـدة آزاديـا ولات أن عدنـان موميـك اعتقـل في سـيارته بعدمـا أوقفه ضباط الشرطة وهو مسافر من بدليس إلى سِعرت، في السابع من سبتمبر 2016، وذكـر موميـك أنـه خضـع لممارسـات التعذيـب أثنـاء فـترة اعتقالـه لمدة يومـن، كـما أوضـح أن ضباط الشرطـة تحفظوا عليه داخل مبنـى مهجور بدلاً من دائـرة الشرطـة، وقاموا بصهر بطاقتي الصحفية، حيث جعلوا البلاسـتيك المذاب يتساقط من البطاقة على رجليّ.
ويصف موميك الحادث بقوله: “لقد وضعوني داخل سيارة شرطة وشرعنا في السـفر إلى بدليـس، وخـلال الرحلـة تناولتني ألسـنتهم بكافة أنواع الشـتائم ،ولم يتوقفوا عن ذلك، واعتقدت أنهم سوف يأخذوني إلى دائرة الشرطة، ولكنهم

(1) ‘Darp edildim, tacize uğradım”, Cumhuriyet, October 4, 2016, http://www.cumhuriyet.com.tr/
haber/ turkiye/610115/_Darp_edildim__tacize_ugradim_.html
أخذوني إلى مبنى مهجور في أطراف مدينة بدليس بدلاً من ذلك، وقد أخضعوني للتعذيـب، حتـى إن آثـار التعذيـب والحـروق لا تـزال عـلى جسـدي، وقـد تورمـت رجلاي إلى رضفات ركبتي”)1(.
28- قضية أسلي أردوغان
في السـابع عـشر مـن أغسـطس 2016 قـام عـشرات مـن ضبـاط الشرطـة الملثمـن بالأقنعـة والمسـلحن بالبنـادق الآليـة بمداهمـة منـزل الروائيـة التركيـة المشـهورة أسـلي أردوغان ،عـلى خلفيـة المقـالات التـي نشرتهـا في جريـدة أوزغـور غونـدم، وقـد وضعـت في الحبـس الانفـرادي لمـدة ثمانيـة أيـام، بعدمـا صـدر قـرار اعتقالهـا رسـميًا في التاسـع عشر من أغسـطس 2016، وقد وصفت أسلي ما كابدته من عناء وشقاء خلال خمسة شهور قضتهم في المعتقـل قائلـة: “لقـد كانت الزنزانة قذرة للغاية، إذ اتسـخ السريـر بالبول، ومنعوا عني الماء لمدة ثمانية وأربعن ساعة، وبما أنني ليس لدي أخ أو أخت، اعتقدت أن الزنزانـة المنفردة أفضل من الجناح المشـترك بالنسـبة لي، وفي تلـك الأجواء يفقد المرء قدرته على نطق العبارات بشـكل صحيح، وإذا ما أخرجوك تكاد تفقد قدرتك على التنفس بعد المشي لمدة عشر دقائق بسبب عدم الحركة، وقد رأيتني قد تقدم بي السن خمسة عشر عامًا بعد قضاء ثمانية أيام فقط في الحجز”، وأوضحت أسلي أنهـا فقـدت قدرتهـا على الكتابـة منذ إطـلاق سراحها، وقالـت: “إنني أشـعر بالرعب عندمـا أتذكـر مـا حدث لي، إذ إن التجربة التي مـررت بها تذخر بالكثير من الأحداث التي يجب أن تسجل.”)2(

(1) “Azadiya Welat muhabirine işkence iddiası: Polis kartımı eritip bacaklarıma damlattı”, Diken, October 8, 2016, http://www.diken.com.tr/azadiya-welat-muhabirine-iskence-iddiasi-polis-calisma-kartimi-eritip-bacaklarima-damlatti/ 8.10.2016
(2) “Erdoğan’s blacklist, Voices of Turkey”, Turkey Purge, May 4, 2017 https://ig.ft.com/vj/tur-
key-purge-victims-voices/
29- قضية مظفر بيرم
مظفـر بـيرم كان الأمـن العـام للهيئـة العليـا للقضـاة والمدعـن العموم HSYK((، والمجلـس القضـائي الـتركي، والمدعـي العـام السـابق وقـد أقيـل من منصبه في أعقاب فضيحة الفساد والرشاوى في السابع عشر من ديسمبر 2013.
اعتقـل بـيرم في الثالـث والعشريـن من نوفمـبر 2016، ووضـع في الحبس الانفـرادي رغـم كسر ذراعيه من جهة الرسـغ، وطالبت عائلتـه أن يوضع بيرم في زنزانة مشـتركة، أو يوضع معه سـجن آخر إذ إنه غير قادر على الاعتناء بنفسـه ،ولكن طلبهم قوبل بالرفض .
كـما قـام نائب حزب الشـعب الجمهـوري) CHP( باريس يـاركاداس بكتابة بيان عن حالة بيرم، مشـًيرا فيه إلى أن انتهاك حقوق الإنسـان داخل السـجن قد فـاض عـن الكيـل، وناشـد وزارة العـدل أن تضمن تمكـن بيرم من قضـاء حاجاته اليومية، ومع ذلك لم يحدث أي تغيير بشأن حالة بيرم، يأتي ذلك في ظل ما ذكر مـن الادعـاءات بـأن ذراعي المدعي العام السـابق مظفر بيرم قـد كسرتا نتيجة ما لاقاه من التعذيب في السجن)1()2(.

(1) “Eski HSYK Genel Sekreterinin iki kolu kırılıp tek kişilik hücreye konuldu”, Haberdar, April 7,
2017, http://www.haberdar.com/gundem/eski-hsyk-genel-sekreteri-nin-iki-kolu-kirilip-tek-kisilik-hucreyekonuldu-h48056.html
(2) “Eski HSYK Genel Sekreteri Muzaffer Bayram, tek kişilik hücrede”, Justice Held Hostage, April
23, 2017, http://justiceheldhostage.blogspot.se/2017/04/eski-hsyk-genel-sekreteri-muzaffer.
html
تدهور الظروف داخل السجون
تكتـظ سـجون تركيـا في الوقـت الحـالي ب ـ 221.607 نزيـل، بزيـادة تسـعة بالمائـة عـلى قدرة اسـتيعاب السـجون التركية التي يمكنها أن تتسـع ل ـ 203.000 نزيـل، حسـبما ورد عـن وزارة العـدل، بينـما أقر بـصري باجسي نائـب وكيل وزارة العدل بأن المشـكلة تكمن في ذلك، حيث اعترف أثناء جلسـة استماع في تحقيق باللجنة البرلمانية المعنية بحقوق الإنسان في التاسع عشر من مايو 2017، وأخبر واضعـي القوانـن بقولـه: “هذا هو سـبب حـدوث المشـكلات، وأرى أن المنتقدين محقـون تمامًـا بشـأن هذا الأمـر، أقصد أنه نظـرًا لاكتظاظ بعض السـجون يضطر نـزلاء السـجن إلى النـوم بالتنـاوب”، وأوضح باجـسي أن الاكتظاظ له آثار سـلبية عـلى المراكـز الصحية، والتعليمية، والصالات الرياضيـة، وغير ذلك من الأماكن المخصصة لاستيعاب أعداد السجناء الغفيرة)1(.
لا تزال مشكلة ازدحام السجون قائمة لم تحل، رغم قرار الحكومة التركية بإطلاق سراح 38.000 مجرم مدان من السـجون في أغسـطس 2016، وذلك حتى يتسـنى إخلاء مكان للمسـجونن السياسين، حيث قامت الحكومة بإطلاق حملة تطهـير واعتقـالات غـير مسـبوقة، في أعقـاب محاولة الانقـلاب في الخامس عشر مـن يوليـو، فقـد ألقت الحكومة القبض على 50.000 شـخص في تركيا، في حملة صيـد السـاحرات التـي أُطلقـت بدوافع سياسـية، وذلك في العشر شـهور الأخيرة فقـط، مـما من شـأنه أن يعطـي الحـق في الانتهـاكات، ويصير من المسـتحيل أن يحصل نزلاء السجن على حقوقهم الأساسية مثل حق النوم والطعام.

(1) Türkiye Büyük Millet Meclisi İnsan Haklarini İnceleme Komisyonu tutanak dergisi, Sayfa: 19, May 17, 2017, https://www.tbmm.gov.tr/develop/owa/komisyon_tutanaklari.goruntule?pTutanakId=1898
وبعـد وصـول نسـبة الزيـادة في أعـداد السـجناء إلى 207 بالمائـة دون محاكمتهم؛ أوقفت الحكومة التركية نشر أي إحصاءات تتعلق بأعداد المحتجزين والسجناء على موقع وزارة العدل الذي كانت تنشر عليه تلك الإحصاءات بشكل يومي حتى الثامن عشر من مارس 7102.
وعلى ما يبدو شعر مسؤولو الحكومة بالخزي بسبب الارتفاع غير المسبوق في عـدد المحتجزيـن، الذيـن لم توجـه لهـم التهم فضـلاً عن عـدم إدانتهم، وقد توقفـت الحكومـة التركيـة عـن نشر الأرقـام الرسـمية لأعـداد السـجناء الواقعية داخل سجون تركيا، إذ كانت تنشر تلك البيانات على صفحة الإحصائيات بواسطة جهاز النظم المعلوماتية للقضاء الوطني التي تديرها وزارة العدل.
وكان آخـر تحديـث في الثامـن عـشر مـن مـارس 2017، عندمـا أظهـرت الإحصائيات أن هناك 80,482 شـخصًا قيد الاحتجاز لم يحاكموا بعد، و108,734 مدانًـا يقضـون العقوبـة في السـجن، كـما أوضحـت البيانـات أنه تم إطـلاق سراح 401,942 وفـق آليـات الرقابـة القضائية، مما يعني أنه يتوجـب عليهم التوقيع في مركز الشرطة بصفة منتظمة، وقد يطبق عليهم المنع من السفر.
وهـذا يشـير إلى قفـزة كبـيرة في أعـداد السـجناء بالمقارنـة مـع الأرقـام المنشـورة عـلى الموقع منذ سـنة ماضية في الثامن عشر من مـارس 2016، حيث تظهر البيانات أن هناك 26,257 شخصًا محتجزين في انتظار المحاكمة، و141,739 متهـمًا محكـوم عليـه، مـما يوضح أن هنـاك ارتفاع بنسـبة 207 بالمائة خلال سـنة واحدة بالنسبة لعدد الأشخاص المقبوض عليهم ولم يحاكموا بعد.
وفي مسـودة تقريـر بعنـوان: “الإسـاءة الناجمـة عـن الاحتجـاز السـابق للمحاكمـة، في البـلاد الأطـراف في الاتفاقيـة الأوروبيـة لحقوق الإنسـان”)1(، التي صدقـت عليـه الجمعيـة البرلمانيـة لمجلـس أوروبـا) PACE( في يونيـو 2015، تصدرت تركيا كل البلاد فيما يخص عدد المحتجزين غير المحكوم عليهم بمعدل
100,000 بنسـبة 89.2، وتبعتها ألبانيا بنسـبة) 86.1(، ثم روسـيا بنسـبة) 6.56(.

(1) Türkiye Büyük Millet Meclisi İnsan Haklarini İnceleme Komisyonu tutanak dergisi, Sayfa: 19, May 17, 2017, https://www.tbmm.gov.tr/develop/owa/komisyon_tutanaklari.goruntule?pTutanakId=1898
وقـد ورد نفـس الشيء في تقرير أعده ربورتيور بيـدرو أجرومنت، الرئيس الحالي للجمعيـة البرلمانيـة لمجلـس أوروبـا) PACE(، كما ذكر أيضًـا أن تركيا قد احتلت المركـز الثـاني بنسـبة 49.6 بالمائـة من حيث نسـبة المحتجزيـن المحكوم عليهم بعقوبة غير نهائية كجزء من العدد الإجمالي لنزلاء السجون.
وبالنظـر في الحملـة الضخمـة التـي تشـنها الحكومة عـلى منتقديها في تركيا في العشرة شـهور الأخير، التي تسـتهدف بشكل خاص الجمعية المدنية المعروفة باسم حركة كولن، والحركة السياسية الكردية، فقد ارتفعت نسبة الأرقام لتصبح أسوء مما جاء في تقرير أجرومنت في 5102.
وفي أوائـل شـهر مايـو أصدرت لجنة تحقيقات معنية بممارسـات السـجون ،وتتبـع حـزب الشـعب الجمهـوري) CHP( تقريرًا عن تدهور حالات النزلاء في سـجن سيليفري، حيث جاء في هذا التقرير أن الظروف المطبقة بموجب حالة الطوارئ من الصعب جدًا وصفها بأنها إنسانية، كما يشير التقرير أن القانون المتبع في السجون هو القانون العرفي منذ إعلان حالة الطوارئ في أعقاب محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو، ومما ورد فيه أيضًا: “وقد لاحظنا أن الضغوطات التي يمارسها مديرو السجون على السجناء قد تفاقمت بشكل غير مسبوق من قبل، ونود أن نؤكد على أن ظروف السجون بالكاد توصف بأنها آدمية، بالإضافة إلى تكرار تطبيق عقوبة الحبس الانفـرادي في الوقـت الحـالي، فضـلاً عـن التضييـق الشـديد عـلى الزيارة الحـرة.”)1(
وفي شـهر مايـو أعربـت نائبـة حزب الشـعب الجمهـوري سـافاك بيفي عن انطباعاتهـا عـن الزيـارات التـي قامت بها لعدد من السـجون المعروفـة في تركيا ،حيـث ذكرت أن هناك انتشـارًا لسـوء المعاملة، والسـب والتعذيـب في حق نزلاء السجون.
كـما قالـت نيفـي: “بناء عـلى ما رأيت )أثنـاء زياراتي( لم يشـهد تاريخ تركيا فـترة تنتهـك فيها حقوق السـجناء، والمدانون بهذه الفظاعـة من قبل، إذ يمارس الضغط الاجتماعي، والإداري، وغير الشرعي )على السجناء( بشكل غير مسبوق ،

(1) “CHP’den Silivri raporu”, Hürriyet, May 4, 2017, http://www.hurriyet.com.tr/chp-
den-silivri-raporu-40447673
ويرجع سبب اختلاف هذه الفترة عن باقيالفترات التي أعلنت فيها حالة الطوارئ ،أن انتهاكات حقوق الإنسـان التي حدثت فيها قد اتخذت الشـكل المؤسـسي، هذا بالإضافـة إلى سـعي الحكومـة لإضفاء الشرعية على الممارسـات في تلك الفترة ،ليس فقط على المستوى السياسي ولكن أيضًا على المستوى الاجتماعي .”
ويعتـبر سـجن طرابـزون أحـد السـجون التـي شـهدت انتشـار ممارسـة الانتهـاكات عـلى السـجناء، حيـث ثبـت إقامـة اثنـن وثلاثـن سـجينًا في زنزانـات مشـتركة بنيـت لِتَسَـعَ عـشرة نزلاء فقـط، وفي ظـل اكتظـاظ الزنازين بالسـجناء ،بمقـدار ثلاثـة أضعـاف عـن طاقتهـا الاسـتيعابية العاديـة يلاقـي النـزلاء صعوبـة شديدة في إيجاد مساحة للنوم، إذ ضاقت الأرضية بالسرائر، لتوضع أمام دورات المياه، فضلاً عن ضيق الأماكن المخصصة للجلوس بسبب ذلك.
وحسبما ورد في التقارير بلغ الوضع من التردي أن اضطر أربعة أشخاص للنـوم عـلى سريـر واحـد بالتنـاوب، مـما أدى إلى تعـرض السـجناء إلى اعتلالات جسـدية عديـدة، يأتي ذلك وسـط مزاعم بمنع السـجناء من النـوم في بيئات غير صحيـة، كـما لا يوفـر الطعـام بكميـات تكفـي عـدد الأفـراد في الزنزانـة الواحدة ،ونتيجـة لذلـك يخضـع السـجناء لحالـة من المجاعـة داخـل السـجون)1(، ولا تأبه إدارة السـجن بالشـكاوى التي تقدم إليها، ومن الجدير بالذكر أن الطعام المقدم للسجناء لا يكفي إلا لإبقائهم على قيد الحياة.
بينـما تتفاقـم المشـكلات في ظـل وجـود دورة ميـاه واحـدة في الأجنحـة التـي تـأوي عـشرات الأفـراد، إذ يشـتي النـزلاء مـن مشـكلات الطهـارة والنظافة الشـخصية، فضـلاً عـن إجبارهـم عـلى الانتظـار لسـاعات طويلة حتى يسـمح لهم باسـتخدام دورة المياه، ومن الممارسـات اللاإنسـانية أن المسـؤولن في سـجن طرابزون يتعمدون تقصير مدة إتاحة الماء الساخن بشكل تعسفي.

(1) “Trabzon cezaevinde insanlık dışı muameleler devam ediyor”, Mağduriyetler, April13, 2017, http://magduriyetler.com/2017/04/13/trabzon-cezaevinde-insanlik-disi-muameleler-de-
vam-ediyor/
خاتمة
صـارت جرائـم التعذيـب وإسـاءة المعاملـة تمثـل نظامًـا ممنهجًـا، منـذ محاولة الانقلاب العسكري في الخامس عشر من يوليو 2016 على وجه التحديد ،تلك المحاولة التي وصفها حزب المعارضة الرئيسي بأنها “انقلاب منظم” على يد أردوغـان والحكومة التركية. فباسـم قانون الطـوارئ علقت حكومة حزب العدالة والتنمية AKP بعض الحقوق الأساسـية والحريات التي تكفَّل الدستور بحمايتها ،إلى جانـب القوانـن التركيـة، والمواثيـق الدولية، والسـوابق القضائيـة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وذلك رغم ما أشار إليه رأي خبراء القانون الدستوري لمجلـس أوروبـا -بلجنـة البندقية- مـن أن السـلطات التركية قد تخطـت حدود ما نص عليه الدستور التركي، والقانون الدولي)1(.
بينما لا تمثل القضايا التي اشتمل عليها التقرير إلا جزءًا صغيرًا من حجم الانتهـاكات واسـعة الانتشـار، ولسـوء الحـظ لم يبلغ عنهـا أو قلمَّا تنـشر علانية ،ومما لا شك فيه أن ما تقوم به الحكومة التركية يمثل خرقًا للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسـان، التي تحظر العقوبة أو المعاملة اللاإنسـانية والمهينة للكرامـة، فـلا يجوز ذلك حتى بموجب قانـون الطوارئ، ولا يمكن لتركيا أن تهضم هـذا الحـق، وعليها أن تجري تحقيقًا فعليًا دون تأجيل، في أي ادعاء بشـأن سـوء معاملة المعتقلن؛ حتى لا يتسنى لأحد أن يفلت من العقوبة .

(1) Turkey – Opinion on Emergency Decree Laws Nos 667-676 adopted following the failed coup of
15 July 2016, adopted by the Venice Commission at its 109th Plenary Session, December 9-10
2016, http:// www.venice.coe.int/webforms/documents/?pdf=CDL-AD(2016)037-e
إن مـا ترتكبـه الحكومـة التركيـة مـن اعتقـال منـاصري حقـوق الإنسـان ،والمحامن، والصحفين الذين يلعبون دورًا بارزًا في الدفاع عن ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، وما تقوم به من إغلاق منظمات حقوق الإنسان بموجب القانون ،لهـو خـير دليـل على أن أردوغـان وحكومته ليس مـن مصلحتهم الحـدّ من جرائم التعذيـب وسـوء المعاملة في مراكز الاعتقال والسـجون، بـل إن الحكومة عملت على إرسال إشارات تشجع الشرطة على اللجوء إلى التعذيب.
وقد مررت الحكومة المراسـيم التي تمهد السـبيل لقرارات المحكمة بمنع إنزال العقوبة بأفراد الشرطة إذا لجأوا إلى العنف أو أي موظف آخر، وفي قضايا عديدة علمت فيها الحكومة أسماء الضحايا وأسماء معذبيهم، وأماكن إقامتهم ،وعلى الرغم من المخاطرة بزيادة حدة جرائم التعذيب وإثارة حنق السـلطات لم تقم الحكومة باتخاذ أي إجراء قانوني، إذ تنتهي التحقيقات قبل أن تبدأ الحكومة في التحري بشكل حقيقي أو فعَّال في الادعاءات القائمة.
ويضـاف إلى ذلـك أن تركيـا عرقلـت عمـل مجموعـات المراقبـة التابعة للأمـم المتحـدة والمجلـس الأوروبي) COE(، وغير ذلك مـن الهيئات الدولية ،من خلال عدم الالتزام بطلبات إتاحة المعلومات، وإلغاء أو تأجيل الزيارات ،وعدم تلبية طلبات مقابلة الضحايا أو زيارتهم، وفرض الحظر على نشر تقارير المراقبـة، وحينئـذ يصـدق في تركيا أنها دولة أبعد مـا تكون عن حكم القانون ،إذ تجتمـع خيـوط القوة في يد رئيس اسـتبدادي كأردوغان يسـيطر على جميع أشكال السلطة بما في ذلك السلطة القضائية وهيئات التشريع.
وعـلى الصعيـد الإعلامـي فقـد أُبيد الإعـلام المعارض؛ إذ يقبـع ما يزيد عـن 052 صحفيًـا خلـف القضبـان، وأُغلقـت مـا يقـرب مـن 002 نافـذة إعلامية ،بينـما يعـاني المجتمع المدني من القمع الوحشي، تحت حكم النظام القمعي العازم مسبقًا على إبادة المجتمع التركي المتنوع والنابض بالحياة.
وعـلى الرغـم مـن توافـر البراهـن المؤكـدة مـن منظـمات حقـوق الإنسـان
الموثوقة،والتي تؤكد انتهاج الحكومة التركية نهج التعذيب، والمعاملة القاسـية ،واللاإنسانية، والمهينة للكرامة، أو إنزال العقاب، تستمر مع ذلك الحكومة التركية في إنكار أي ادعاءات بشأن التعذيب وفقًا لما ورد في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ولسـوء الحظ فإن ذلك يكشـف عن عدم وجود إرادة سياسـية على الإطلاق من جانب الحكومة التركية للحد من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.