فقدت اليوم 30/ 6/ 2018 الأمة الإسلامية بل والعالم أجمع، العالم والمؤرخ التركي الشهير فؤاد سزكين، أحد أبرز المؤرخين والعلماء على مستوى العالم، ورائد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، وأحد مؤسسي معهد دراسات تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة “جوته” بألمانيا والمدير الفخري له، وأول من أعاد تصنيع الآلات التي صنعها المسلمون في التاريخ الإسلامي وذلك من خلال المعلومات التي حصل عليها من المخطوطات القديمة، عن عمر ناهز 93 عامًا.
ولد البروفيسور فؤاد سزكين عام 1924 في بطليس بتركيا لأسرة محافظة تمسكت بانتمائها الحضاري الإسلامي رغم كل السياسات الرامية إلى تغيير قبلة تركيا من الشرق إلى الغرب، في بطليس أكمل دراسته الابتدائية والثانوية، وكان في نيته الدراسة في الجامعة التكنولوجية، إلا أن أحد أقربائه أخذه الى المستشرق “Hellmut Ritter” الذي كان يدرس هناك منذ عام 1926، وهو من أنشأ سلسلة (النشريات الإسلامية) التي نشرت عيون التراث العربي.
أقنع “ريتر” “سزكين” بدراسة التاريخ العربي الإسلامي، فضلاً عن الرياضيات. فبدأ “سزكين” سريعًا بتعلم اللغة العربية وأجادها، وكان من ثمار تعلمه العربية إعداده لرسالة دكتوراه في تاريخ العلوم العربية في جامعة فرانكفورت بألمانيا تحت إشراف هلمونت ريتر، الذي التحق بهذه الجامعة الألمانية بعد أن قضى قرابة عشرين سنة في اسطنبول أستاذا في جامعتها وباحثا عن المخطوطات ومحققا للتراث العلمي العربي. وناقش سزكين أطروحته في عام 1954، وهي دراسة عميقة موثقة حول كتاب “صحيح الإمام البخاري” ومصادره.
عاد سزكين إلى تركيا في العام نفسه والتحق بجامعة إسطنبول، حيث عمل بالتدريس في معهد الدراسات الإسلامية
. وفى عام 1960، اضطر البروفيسور فؤاد سزكين إلى الخروج من تركيا إلى ألمانيا لأسباب سياسية فاتخذها موطناً له. حيث بدأ العمل على تحقيق حلمه في جمع وإعادة نشر تاريخ العلوم العربية. وأصبح، بعد سنوات قليلة، أستاذاً لتاريخ العلوم الطبيعية في جامعة فرانكفورت.
في عام 1963 أصدر سزكين أول مجلد من مجلدات “تاريخ التراث العربي” التي وصل عددها إلى 12 مجلداً، في هذه المجلدات سجل سزكين المخطوطات العربية المهمة، وعلق عليها من منطلق تاريخ الفكر، واشتملت المجلدات على مجالات تمتد من العلوم الأدبية إلى الطب ومن الكيمياء إلى الجغرافيا، وتعد تلك المجلدات أساسا لفهم أفضل الإنجازات العربية.
في عام 1978 كان أول شخص يحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية من المملكة العربية السعودية، وتلا ذلك عام 1979 حصوله على ميدالية جوته من مدينة فرانكفورت.
سعي سزكين لدى جميع الدول العربية إلى تطبيق فكرته الداعية إلى تأسيس معهد دولي متخصص بتاريخ العلوم العربية والإسلامية يكون بمثابة جمعية مستقلة وحيادية سياسيًّا تهدف بالدرجة الأولى إلى تصحيح الأخطاء السابقة الشائعة حول العرب والمسلمين، ويصبح مركزاً للبحث العلمي الموضوعي وميداناً للنشر والترجمة.
وفي عام 1982 تم تأسيس “معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية” في إطار جامعة فرانكفورت. ومنح الرئيس الألماني البروفيسور فؤاد سزكين وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى في نفس العام.
رحم الله البروفيسور فؤاد سزكين وجعل الجنة مثواه، فقد قضى حياته كلها يبحث في تاريخ العلوم العربية والإسلامية منذ نصف قرن من الزمان، يريد بها إيقاظ المسلمين من سباتهم بوصف الدواء الناجع لهم ولمجتمعاتهم والذي سماه “ترياق الحياة”، وهو معرفة مساهمة العلوم العربية والإسلامية في تاريخ العلوم العالمي.