أولى ديننا الحنيف البعد الإنساني عناية خاصة، فكرَّم الإنسانَ على إطلاق إنسانيته بغض النظر عن دينه ولونه أو جنسه ولغته، فقال سبحانه في محكم التنزيل: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: ” يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ ربَّكم واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأحمَرَ على أسْوَدَ، ولا لأسْوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى، إنَّ أكْرَمَكم عندَ اللهِ أتقاكم”.

ولأن الأستاذ فتح الله كولن ملهم حركة الخدمة يستمد فكره وآراءه من القرآن والسنة؛ فقد أولى البعد الإنساني والكوني في دعوته وفلسفته الشاملة للتعليم والحوار والدعوة إلى السلام ونبذ العنف والتطرف والإرهاب أهمية كبرى.

وإيمانًا من القائمين على مشروع نسمات برسالتها الحضارية الإنسانية، فقد تمَّ تخصيص الإصدارة الثانية عشرة للحديث عن البعد الإنساني والكوني في حركة الخدمة، وكيف تجلَّت هذه القيم في صورة مبادرات حية على أرض الواقع يطبقها أبناء الخدمة، وقد عرض هذه الأفكار والرؤى نخبة من الكُتّاب والمفكرين متعددي الجنسيات والأفكار والأديان.

بدأت الإصدارة الثانية عشرة بكلمة افتتاحية لرئيس التحرير الأستاذ صابر المشرفي استعرض فيها جهود الأستاذ فتح الله كولن التي لا تقف عند حدود خطبه المؤثرة أو أفكاره الرائعة أو كتاباته الرائدة، بل تتجلى بصورة واضحة في حركة الخدمة التي تستلهم أنشطتها من أفكاره، وكذلك في المؤسسات العالمية التي تسهم في بناء الإنسان وتنميته روحيًّا وعلميًّا والارتقاء به ثقافيًّا وحضاريًّا، وفي تأييد كل مَنْ يُقدّم خدمة للأمة خاصة، وللإنسانية في تنوعها عامة، ويسعى لخيرها ومساندة ذلك الخير ومساعدته.

اضغط لتحميل PDF

احتوت الإصدارة الثانية عشرة على تسع مقالات وحوار للعديد من المفكرين ذوي المشارب والثقافات والأديان المختلفة تَصبُّ كلها في البعد الإنساني والكوني لحركة الخدمة، بدأت المقالات بمقال للباحث في الفكر النهضوي محمد ياسين بعنوان “فلسفة الهجرة في الخدمة بين النظرية والتطبيق”، التي أكّد فيها أن فكرة “الهجرة” من أهم الأفكار العبقرية التي تميّز بها فكر الأستاذ كولن، ومن أبرز معالم “التجديد” في الفكر الإسلامي المعاصر، حيث استطاع الأستاذ فتح الله كولن تحويل “الهجرة” من مفهوم تقليدي قاصر على معنى تاريخي محدد، أو ضرورة يلجأ إليها الفارُّون بدينهم من الفتن، إلى معنى جديد يعني التغرُّب لخدمة الناس في بلدان أخرى، فأصبحت “الهجرة” بذلك المعنى الجديد ”قَرارًا” لا “فِرارًا”، وأضحت هي السمة الأبرز من الناحية المرئية في حركة الخدمة.

وفي المقال الثاني للكاتب ديفيد تيتنسور الباحث والمحاضر في علم الاجتماع الديني، اعتبر أن سفر المعلمين للخدمة بالخارج نوع آخر من الحج، مؤكدًا أن أبناء الخدمة يحاولون الاقتداء بأسلافهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشروا مهاراتهم ومعارفهم في جميع أنحاء العالم.

وقد نقل الكاتب العديد من شهادات أبناء الخدمة، التي حكوا فيها تضحياتهم، حيث واجهوا ظروفًا صعبة في التكيف مع بيئات مختلفة وتعاملوا مع أبناء ثقافات مغايرة، ومرت عليهم شهور لم يتقاضوا فيها أجورًا، دفعهم لذلك تلك اللحظات الروحانية التي يعيشون من أجلها.

المقال الثالث سطره مداد الباحث علاء علي شكر المدرس في قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر بالمنوفية، والذي حمل عنوان “جمعية الإغاثة العالمية “كيِمْسَا يوكْ مُو نموذج تطبيقي للتنمية المستدامة في فكر الخدمة”، حيث أكَد فيه أنّ بناء الإنسان وتنميته روحيًّا وعلميًّا والارتقاء به ثقافيًّا وحضاريًّا هو أحد أهم الأهداف المحورية التي يدور حولها فكر الأستاذ فتح الله كولن، ولا شك أن الفقرَ يُعدّ من أكبر الأخطار التي تقف حجر عثرةٍ دون تحقيق ذلك الهدف، ومن ثم لم تكتف في مكافحتها للفقر بالتنظير، ولكنها اتخذت في هذا الشأن خطوات عملية من برامج ومشاريع خدمية وتنموية على المستويين المحلي والعالمي، ولم تدع بابًا لمكافحة الفقر إلا وطرقته لتوفر بذلك مناخًا صالحًا للنهوض الحضاريّ قوامه العمل لا الشعارات.

هذا إلى جانب جملة من الدراسات لمفكرين آخرين من جنسيات وأديان مختلفة كالكاتب الأكاديمي المرموق الأستاذ الدكتور توماس ميشيل الأستاذ الزائر في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما، الأستاذ الدكتور ياسين محمد الأستاذ في قسم اللغات الأجنبية في جامعة ويسترن كيب بجنوب أفريقيا، والتي جاءت بعنوان “فلسفة فتح الله كولن التعليمية وتطبيقها في جنوب أفريقيا”. وقد ختمت موضوعات الإصدارة الثانية عشر بحوار مع العالم الكبير الأستاذ الدكتور صلاح سليمان أستاذ كيمياء وسمية المبيدات بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ومستشار مدير مكتبة الإسكندرية، وخبير التنوع البيولوجي، والإعلامي الراحل الأستاذ هاني رسلان الذي كان يعمل مستشارًا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والرئيس الشرفي لمجلة حراء الدولية.

وختامًا نتمنى لقرائنا أن تسهم نسمات في إثرائهم معرفيًّا وفكريًّا، وأن تُنمّي ملكاتهم الإبداعية وقدراتهم في التأمل، وأن تكون عاملا مساعدًا في تغذيتهم روحيًّا وقلبيًّا.

لتحميل الإصدارة الثانية عشرة pdf، يمكن الضغط على الرابط التالي:

اضغط للتحميل