ادعاء مخيف: تعقد مجموعة العمل السرية التي تم تشكيلها في داخل مديرية الأمن العام اجتماعًا مخزيًا من أجل فتح ملفات تحقيق بحق نحو 100 ألف شركة.
وبحسب الادعاء الذي أوردته صحيفة “طَرَفْ”؛ اتخذت جملة من القرارات في اللقاء الذي شارك فيه بعض المدعين العامين والبيروقراطيين يوم 26 يونيو/ حزيران 2014م، قرارات مثل ماذا؟ ستُهَاجَم الشركات غير الداعمة للحكومة، وسيُكتَب في حقها بلاغات، وسيتم ممارسة الضغط عليها من قبل المؤسسات العامة بحجة الفحص والمراقبة، كما ستقوم الصحف والقنوات التليفزيونية الموالية للحكومة بنشر أخبار سلبية حول هذه الشركات… وما هو الهدف من ذلك؟ الهدف هو إما جذب هذه الشركات إلى صفهم أو إجبارها على الإفلاس ومن ثم يستولون عليها ويشترونها، هل هذا شيء يعقل لا سيما في هذا العصر؟ مستحيل! إن تصنيف الحكومة مواطنيها على حسب انتماءاتهم وتمييزها بين أفراد المجتمع وتسببها في نشوب حالة من الخوف والكراهية هي جريمة لا تغتفر، وسيدفع من يرتكبون هذه الجريمة ثمن فعلتهم إن عاجلًا أم آجلًا.
عندما نشر الخبر في صحيفة “طرف” انتظر الرأي العام أن تخرج علينا مؤسسات الدولة المعنية لتكذبه بشكل حازم، لماذا؟ لأن الصحيفة أوردت جملة من التحديدات الملموسة، فعلى سبيل المثال تحدثت عن يوم الاجتماع، والوحدات المشاركة به، والقرار ذا المراحل العشر، الذي اتخذ خلاله، وما إلى ذلك، هذا فضلًا عن أن الخبر يورد تفاصيل حول أن المدعين العامين والمسؤولين الأمنيين والبيروقراطيين المشاركين في “الاجتماع السرّي” لم يحضروا إلى مكان الاجتماع بسياراتهم الرسمية.
وبحسب المعلومات المفصلة، الكثيرة، التي وردت حول الاجتماع الذي زُعم أنه عُقد في منشآت “جُومُوشْ دَرَه (Gümüşdere)” التابعة لوزارة المالية بإسطنبول، كان يجب على الأشخاص والهيئات ذات الصلة أن تصدر بيانًا حول هذا الموضوع، فهذا الاجتماع عُقد بشكل مخالف للدستور والقوانين المعمول بها بشكل واضح للغاية، ولا يمكن السكوت بشأن تفاصيله أو المرور عليه مر الكرام دون الحديث حوله.
لم يصدر أي تصريح أو بيان من مديرية الأمن العام أو وزارة الداخلية أو وزارة العدل حول هذا الاجتماع، فهل هذا شيء يعقل؟! وفي الوقت الذي ينشر فيه خبر يتضمن اتهامات عجيبة، نجد مؤسسات الدولة تصمت صمتًا غريبًا بعدما وقعت تحت أقسى التهم والظنون، وإذا كان يقال إن “الصمت يعني الإقرار”، فهذا معناه أن هناك موافقة على ارتكاب جريمة من قبل موظفي الدولة في سلسلة تمتد من الوزراء وحتى الموظفين العاديين، وأن تصنيف شركات أو أشخاص حسب انتماءاتهم جريمة في حد ذاته، فكل مرحلة من المراحل العشرة الواردة في الاجتماع تجرّ الدولة إلى دوامة جنائية، فلا يمكن لأية مؤسسة حكومية في أية دولة ديمقراطية أن تصنف الأشخاص وفق معتقدهم وأسلوب حياتهم وترجيحاتهم، ولا يمكنها التمييز بينهم وبين سائر المواطنين الآخرين، وإذا كان هناك موظف بالدولة (بغض النظر عن منصبه) يعتبر أن الفاشية أتت إلى هذا البلد وعطلت الديمقراطية وتحولت الاستبدادية إلى أسلوب لإدارة الدولة؛ فيجب عليه أن يعرف أنه سيحاسب على هذا الظلم أمام التاريخ والعدالة على حد سواء.
كانت وزارة المالية هي المؤسسة الحكومية الوحيدة التي لم تصمت أمام ادعاء تصنيف 100 ألف شركة في تركيا، وأصدرت بيانًا، وللأسف فإنها لم تردّ (أو لم تستطع الردّ) بإجابات شافية على هذه الادعاءات الملموسة، وإنما استعملت عبارات توبيخية ومتسلطة، ووزارة المالية تعمل بشكل مشبوه بسبب المراقبات الموجَّهة التي سُمع عن انتشارها بشكل كبير في الأسواق في الآونة الأخيرة، وفي الوقت الذي ألغيت فيه ديون بعض الشركات المشبوهة ولم تخضع فيه لأي نوع من أنواع الرقابة وغير ذلك من الإجراءات، هناك أدلة قوية للغاية تشير للأسف إلى التضييق على بعض الشركات ظلمًا، وأعتقد أن وزير المالية السيد “محمد شِيمْشَكْ” إنسان دقيق في مثل هذه الموضوعات، ومع ذلك، فهناك معلومات خطيرة تشير إلى أن “المعايير الرقابية” التي ظهرت مؤخرًا لم تعدها وزارة المالية، وأن بيروقراطيي الوزارة أُجبروا على إعداد قوائم التصنيف التي تم تجهيزها في هيئة أخرى.
إن تغاضي وزارة المالية عن إجراءات من شأنها قلب الحياة التجارية في تركيا رأسًا على عقب والإخلال حتى بحقوق الأشخاص، لا يفضي إلى أن تكون، أي الوزارة، شريكة في هذه الجريمة، فحسب، بل إن ذلك يمسّ وحدة البلاد ورفاهيتها، ويقودنا إلى ظلم مواطنينا، ويا للأسف!
لم يذكر التاريخ بخير أي حزب أو حكومة أو شخصٍ استخدم آلية الدولة التي أؤتمن عليها كأداة للضغط، ولا يمكن ذكره بخير أيضًا! ذلك أنه عندما تعود الأوضاع إلى طبيعتها سيظهر كل خطأ ارتكب، وسيصل كفاح المظلومين من أجل حقوقهم إلى القانون، وسيُخذل بعض الأشخاص، هل أصبح من اشتكى بالأمس من هجمات وظلم الإعلام يلجأ اليوم إلى الأسلوب نفسه مستكبرًا ومستعليًا؟
اجتماع في مستودع البيانات! والمدلولات تذكرنا بمستودع الذُرة، ويقول أحد أمثالنا الشعبية الوجيزة: “الجوعان يحلم بسوق العيش”، وإن الذين استخدموا جميع إمكانيات الدولة منذ الكشف عن فضيحة الفساد يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013م لم يجدوا دليلًا ملموسًا لاتهام حركة “الخدمة”، ولن يتمكنوا كذلك من إيجاده في المستقبل، ذلك أن هذه الحركة لم ترتكب أي جرم يخالف القانون، وعندما لا توجد جريمة، يبادرون إلى تلفيق جريمة لا أصل لها، وهذه هي إحدى مساوئ الدول الفاشية، لا يوجد في دولة القانون الديمقراطية ما يسمى بـ “مطاردة الساحرات” أو الضغوطات التعسفية.
يبدو أن الذين لم يصلوا إلى أية نتيجة قانونية من وراء اتهام “الكيان الموازي”، الخيالي، يخططون للخروج على إطار القانون، لكنهم نسوا شيئًا.. ألا وهو أن الذين لا يخافون إلا الله في هذه الحياة الدنيا، لا يحنون جباههم لأحد سواه سبحانه وتعالى، ولا يحنون رؤوسهم أبدا للظلم والظالمين! وسيكتب التاريخ قصتهم الملحمية الشجاعة في كفاحهم من أجل إقرار القانون، وستصفق لهم الأجيال القادمة، ولا داعي للشكّ في هذا مثقال ذرّة.
كما أنه لا داعي لأن يخاف أحد، فهناك شيء واحد في الدنيا يمكن أن نخاف منه، ألا وهو الخوف، يجب أن يخاف المجرمون، ومن يقومون بأعمال مخالفة للقانون، ومن ضربوا بالدستور والقوانين عرض الحائط، والكاذبون، والمفترون، والسارقون، والذين سولت لهم أنفسهم الفساد، والذين يختلقون الاتهامات والجرائم، والذين يصدرون أوامرهم بشكل مخالف للقانون، ومن ينفذ هذه الأوامر، لا بد أن يخاف هؤلاء جميعًا.
“وإن من يعجب بنفسه لا يعجب بأحد، ومن يحب نفسه لا يحب أحدًا، وهناك معيار واحد للظالمين، وإن تظاهروا بأنهم يحبون من أعماق قلوبهم، ضابطه الوحيد المودة والتعاطف الموجّهان نحوه، وإذا خرج أحدهم ليعترض عليه كالملاك، يقول عنه إنه شيطان ويفتري عليه بأشياء لا تخطر على بال ولا خاطر من أجل تشويه صورته، وإذا قرع الشيطان بابه يومًا ومدحه، فإنه يصور هذا الإبليس وكأنه ملاك، ويتمسك به، ويتعاون معه“.