للعقيدة دور مهم في نشأة الحضارات الإنسانية في العصور المختلفة، ولا يخفى الدور المحوري الذي شكلته العقيدة الإسلامية في الحضارة الإسلامية على مدار تاريخها، ومن ثم اهتم المفكرون والمصلحون والمجددون ببعث الإيمان وإنقاذه في نفوس المسلمين لاستعادة إقلاعهم الحضاري من جديد كلما ألمت بالأمة أزمة كبيرة، فالعقيدة هي التي تشكل التصور الصحيح للإنسان عن الله تعالى وعن الكون، وعن حقيقة وجود الإنسان في هذه الحياة.

ومن هؤلاء المجددين الذين اهتموا بالعقيدة باعتبارها محركًا وفاعلاً مهمًّا في عمارة هذا الكون المفكر والمصلح التركي فتح الله كولن، وسوف تناقش هذه الدراسة العقيدة ودورها في البناء المعرفي لدى الأستاذ كولن، وأسباب محنة العالم الإسلامي من وجهة نظره، وأهمية الدين في بناء الحضارة، وكيف استطاع نقل هذا البناء المعرفي التصوري من عالم التصورات إلى واقع الحياة.

العقيدة في اللغة لا تخرج معانيها المتعددة عن أربع أصول أساسية، وهي: الشدة والتأكيد والربط والتصديق.

العقيدة في جانبها المعرفي هي التي تحدد الأهداف العامة لسلوك الإنسان في الحياة، وهي التي تحدد الأهداف لما سينجزه، وهي التي تحدد المنطلقات للقيام بهذه المنجزات وتحدد توجهها.

والعقيدة في الاصطلاح: “ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل” والسلوك العملي للإنسان من صلاة وصيام وغيرها هي جزء من مفهوم العقيدة وليست ركنًا من أركانها، والعقيدة التي هي التصديق القلبي، لا تشمل العمل فتارك العمل غير جاحد به لا يخرج صاحبه من الملة، وإنما هو عاص لله تعالى مستحق الوعيد، فالعمل هو مكمل وثمرة من ثمرات الإيمان. والمعرفة: هي اعتقاد جازم مطابق للواقع ناشئ عن دليل.

وبعد هذا التقديم نقول: يؤكد الكثير من المهتمين بفلسفة قيام الحضارات أهمية العقيدة في البناء المعرفي للحضارة الإنسانية وازدهارها، ومن أشهر هؤلاء «جوستاف لوبون» -مؤرخ الحضارة المشهور- الذي أوضح أن أهم المبادئ التي تسير عليها الأمم، والتي تعتبر عماد قيام الحضارات على مر التاريخ، تتمثل في المبادئ الدينية، التي كانت أهم عنصر في حياة الأمم والشعوب لقيام الحضارات، وقد احتل الدين هذه المكانة العظمى؛ لأنه هو العامل الوحيد الذي تتوحد به منافع أي أمة ومشاعرها وأفكارها، يقول لوبون عن تأثير المعتقدات الدينية في بناء الحضارة: «إنها كانت على الدوام الركن الأكبر في حياة الأمم، وإن أكثر الحوادث التاريخية والتنظيمات السياسية والاجتماعية مستمدة من المبادئ الدينية، فإنه يتولد مع كل مبدأ ديني جديد حضارة جديدة».

وذهب هنتنجتون إلى اعتبار الدين عنصرًا أساسيًّا في أي حضارة، مؤكدًا على عنصر التمايز بين الحضارات، والمتجسد في الدين، حيث يقول: «إن الفروق بين الحضارات ليست فروقًا حقيقية فحسب، بل هي فروق أساسية، فالحضارات تتمايز الواحدة عن الأخرى بالتاريخ واللغة والثقافة والتقاليد والأهم الدين».

وهكذا كان للعقيدة أثرها البالغ في نشأة الحضارة الإنسانية في عصورها المختلفة، وفيما يتعلق بالحضارة الإسلامية خاصة، فإن النجاح الذي حققته الدولة الإسلامية كان يرجع إلى العقيدة الإسلامية وحدها، قال سيدنا عمر بن الخطاب : «إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله». (رواه الحاكم في المستدرك)

فلم يكن غريبًا إذن أن يهتم مفكرو الإسلام بتأصيل هذه الفكرة، وتطبيقها على الحضارة الإسلامية التي كان الإسلام هو أصل نشأتها وباعث نهضتها، وإليه ترجع عوامل ازدهارها وقوتها، فإذا ضعف تأثيره في عقول أصحابها ووجدانهم وأخلاقهم، كان ذلك نذير ضعفها وتقهقرها، وربما أدى ذلك إلى انهيارها وفنائها.

وقد انشغل بهذا الهم الكثير من مفكري الإسلام في أقطاره المختلفة رجال كثيرون وكان منهم على سبيل المثال رفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد إقبال، والشيخ عبد الحميد بن باديس، وسعيد النورسي،، وعلي عزت بيغوفتش، والمفكر التركي الكبير محمد فتح الله كولن.

إن الفروق بين الحضارات ليست فروقًا حقيقية فحسب، بل هي فروق أساسية، فالحضارات تتمايز الواحدة عن الأخرى بالتاريخ واللغة والثقافة والتقاليد والأهم الدين.

وقد جاءت العقيدة الإسلامية لتشكل التصور الصحيح للإنسان عن الله تعالى، وعن الكون والوجود، وعن حقيقة الإنسان، وعن الحياة التي يعيشها الإنسان، وتجيب عن أسئلة العقل حولهما، فأزالت ما به من غموض وشكوك، ووضحت له الحقائق الغائبة عنه، بغية الوصول إلى تصور كامل وشامل للوجود.

ولما كانت العقيدة الإسلامية بهذه المكانة، وتشكل المحور الأساس في إنشاء التصور الصحيح للوجود، فإنها هي المحرك الأساس للإنسان وهي التي تدفعه للعمل وتوجه سلوكه في الحياة وفقًا لها، وإذا كانت الحضارة الإسلامية في جوهرها منجزات إنسانية فالتصور العقائدي للإنسان يمثل أداة التوجيه الكبرى له في الحياة، ذلك أن العقيدة في جانبها المعرفي هي التي تحدد الأهداف العامة لسلوك الإنسان في الحياة، وهي التي تحدد الأهداف لما سينجزه من منجزات، وهي التي تحدد المنطلقات للقيام بهذه المنجزات وتحدد توجهها، والعقيدة بعد ذلك هي التي تعطي جملة المنجزات الحضارية سماتها الخاصة بها وتصبغها بصبغتها، وكذلك فإن الأفكار والمعتقدات تشكل جزءًا من مفهوم الحضارة الإسلامية، وإن أغلب العلماء والباحثين يعتبرون العقيدة عنصرًا أساسيًّا في تكوين الحضارات، بل إن العقيدة تمثل المفاعل الذي يدمج عوامل تشكيل الحضارة.

البناء المعرفي عند محمد فتح الله كولن

محمد فتح الله كولن من العلماء المسلمين الأتراك الذين ظهروا في القرن العشرين، وهو مفكر كبير ترجمت أفكاره إلى عدة لغات عالمية، مما أسهم في انتشار أفكاره في العالم أجمع، ولد عام (1938)، وكانت تركيا في تلك الفترة تعاني من انتشار الفكر العلماني الذي بشر به مصطفى كمال أتاتورك، وعزل الدين عن الحياة ومحا الشخصية الإسلامية، كما أن العالم الإسلامي كان خاضعًا لصراع مع الحضارة الغربية، التي جاءت إليه غازية مستعمرة تبتغي احتلال أرضه، ونهب خيراته وثرواته، وتقسيم شعوبه وبلدانه إلى شعوب وبلدان متناحرة، ليسهل عليها بعد ذلك فرض أفكارها وثقافتها وأنموذجها الحضاري عليه.

أسباب محنة العالم الإسلامي في نظر كولن

إن أسباب محنة العالم الإسلامي في نظر كولن هو تزعزع موقف المسلمين تجاه دينهم، معتقدين أن دينهم لم يعد يصلح لمواكبة التطور في هذا الزمان، ومنبهرين بما وصلت إليه الحضارة الغربية من تقدم مادي رهيب، فأدى ذلك ببعض المسلمين إلى الاستسلام لضغط الواقع، «والتضحية بالدين في سبيل الدنيا طمعًا في عمارة دنيانا، وتبنينا فهمًا يرجح الدنيا على الدين … فضاع الدين، وفرت الدنيا، وعاش العالم المجيد التعيس مرحلة التفريغ رفضًا لميراث مبارك من ألف عام».

أغلب العلماء والباحثين يعتبرون العقيدة عنصرًا أساسيًّا في تكوين الحضارات، بل إن العقيدة تمثل المفاعل الذي يدمج عوامل تشكيل الحضارة. 

ولكن الأستاذ كولن كان ينظر إلى عوامل القوة التي ما تزال كامنة في العالم الإسلامي رغم ما يبدو عليه من ضعف، ولهذا يقول: «وما زالت الأرض بعد الدوار الطويل والتزلزل الشديد، ورغم أنف الأشياء، قادرة على تحقيق هذا التكوين في الحاضر، ومالكة لطاقة تحقق بعثًا جديدًا بعد الموت، وإن أمتنا تمتلك تراكمًا علميًّا يجعلها قادرة على الريادة فيما حولها من التكوينات الجديدة، وزد على ذلك أن قيادتها للأمم آمادًا مديدة، تركت فرصًا مكتسبة من القبول الكامن تحت الشعور في الشعوب المنقادة لها منذ الزمن الغابر، وهي مقتدرة على استعمالها اليوم».

ولم يغب عن فكر الأستاذ كولن أن هناك محاولات للنهضة والإصلاح والبعث، تشهدها تركيا وأماكن أخرى في العالم الإسلامي كمصر والجزائر، ولكنه نظر إلى بعض هذه المحاولات نظرة نقدية اتسمت بالصراحة؛ ولذلك وصف بعض هذه المحاولات بأنها تجديد شكلي، وظهر فيما يقال إنه تجديد تلبس الفكر المِلِّي الديني بلبوس الفسق وتخريب روح الملة، وما كان لمثله أن يهادن مثل هذا الفكر، وهو يرجو للأمة كلها إصلاحًا حقيقيًّا، يعيد لها مجدها العلمي والفكري والسياسي الذي كان لها من ألف عام.

ويركز المفكر التركي الكبير في كتاباته على مفهوم الذات والهوية والثقافة الذاتية للأمة الإسلامية، وتصدى لدعوات التغريب التي كانت تروج للنموذج الغربي، على الرغم من سيئاته الكامنة في بنيته الأخلاقية وسلوكه العلمي واستعلائه على الشعوب، يقول كولن: «وقد اعترى الغرب في القرون الماضية نسيان لقيمه الدينية، ووصايا السيد المسيح u، فشن أهله الحروب في القارات، وأشاعوا الرق والاستغلال أينما حلُّوا، فلطّخوا وجه العالم بالسواد»، ثم يضيف قائلاً: «إن هذا العالم يحاول أن يسلي نفسه بالمنجزات العلمية والتكنولوجيا هنا وهناك، أو يسري عن غمه بالثروة والراحة أحيانًا، لكن من البدهي أنها لن تمنح الإنسان سعادة مستمرة أبدًا، ولن تلبي رغبة البقاء والخلود المكنونة في أعماقه، ولذلك ما من شيء يتخذه دواء وعلاجًا إلا ويزيد في قتام أفق الأمل الإنساني، ويضيف بؤسًا إلى بؤسه الروحي».

ويحدد كولن ما نأخذ من الفكر الغربي وما ندع منه، بوضعه أسسًا لذلك، فلا يجب أن نقبل كل شيء وافد إلينا، أو ندع كل ما هو غريب عن المجتمع الإسلامي، بل نأخذ ما هو موافق لثقافتنا بعد أن ننقيه من الأفكار الضارة والمنكرة، يقول كولن: «والآن جاء أوان ترويض ما ألهمته المدارس من العلوم والتجارب، بعجنها في معجنة أرواحنا نحن، وتغذيتها بأسس ثقافتنا نحن، ذلك بأننا إن كنا عازمين على المضي قدمًا نحو المستقبل، فلا مناص من أن نكون ذاتيي المنطق، والمحاكمة العقلية، والأسلوب، باستثمار تراكمنا العلمي والتجريبي في مواقعه المناسبة».

ويؤكد كولن أن العالم لم يعرف حتى اليوم أيديولوجية نجحت في جمع البشر في ظلها زمنًا طويلاً، وأن الدول الغربية لم تستطع رغم الادعاءات الكثيرة أن تحقق الأمان للعالم، ولا أن تحقق السعادة له، ولم يفلح في ذلك دعاة الرأسمالية في الغرب ولا دعاة الشيوعية في الشرق، وأن هذا الإخفاق زعزع أركان الثقة في هذه النظم أمام العالم، إضافة إلى عجز الحلول المطروحة وقصورها عن احتضان البشرية، ومخالفتها للطبيعة الإنسانية؛ ولهذا تقف الإنسانية اليوم مع كل نظام يعرض عليها موقف الشك والقلق، ثم بين أن من أهم عيوب هذه النظم إغفالها مجموعة من القيم الإنسانية، «فذلك جميعه قوض أركان الأيديولوجيات كلها، فخلفت خرائب وأنقاضًا فكرية».

أمتنا تمتلك تراكمًا علميًّا يجعلها قادرة على الريادة فيما حولها من التكوينات الجديدة، وزد على ذلك أن قيادتها للأمم آمادًا مديدة، تركت فرصًا مكتسبة من القبول الكامن تحت الشعور في الشعوب المنقادة لها منذ الزمن الغابر، وهي مقتدرة على استعمالها اليوم.

أهمية الدين في بناء الحضارة عند كولن

إن الدين واكتشاف حقيقة الإيمان، هو المخرج في نظر كولن الذي نشأ وتربى في بيئة محافظة على الإسلام، وإن «اكتشاف حقيقة الإيمان من جديد، واستشعاره في وجدانه، وتغذية إرادته بالعبودية لله، حتى تبقى منفتحة ومستعدة للإقبال على الخير والصلاح هو المخرج»، لأن هذا المخرج مجرب على مدى تاريخ طويل، وهو صالح لإعادة النهضة من جديد للعالم الإسلامي، الذي فقد روحه، وتخلى عن عوامل قوته.

ويبين كولن أهمية الدين وأثره في التكوين النفسي والخلقي والاجتماعي للمؤمنين به، بما يسمح بتقدم المؤمنين به على نحو لا يحققه غيره؛ لأن الدين إذا تغلغل في الضمير وفي الشعور، يؤدي إلى ما يشبه أن يكون ولادة جديدة للإنسان، فهو «ليس منحصرًا على العبادات فقط، بل يحتضن الحياة الفردية والاجتماعية معًا، ويتدخل في كل شيء لنا عقلي وقلبي وروحي ويصبغ بصبغته كل تصرف لنا»، وأنه كلما تغلغل في القلوب فسيمتد «تأثيره على أنشطته الذهنية والفكرية والعلمية، وبعد مدة سيحقق حصول طبع ثانٍ فيه، هذا الطبع سيستحكم تأثيره من الأعماق رويدًا رويدًا، في كل صفحات حياة المؤمن: معتقداته وعباداته وأخلاقه وعلاقاته الاجتماعية، وارتباطه بربه وسلوكياته».

وتأثير الإسلام في تكون الإنسان نفسيًّا وخلقيًّا واجتماعيًّا أكثر قوة بسبب شمول الإسلام؛ فهو شمول يجمع بين العقيدة والعبادة والشريعة والأخلاق، وشمول يمتد تأثيره إلى الحياة الاجتماعية، فيقيم حياة الأفراد والجماعات على العدل والاستقامة والحرية، ويحرر البشر من سلطة الأقلية، وينقلهم إلى العالمية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾(الأعراف:158) .

والإسلام يدعو إلى تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الناس، ويقاوم الإقصاء والإبعاد لأصحاب الكفاءات لأسباب عنصرية أو سلطوية، ويراعي خصوصيات الإنسان الأساسية مراعاة تامة، فلا يحصر توجهه في العقل والفكر، ولا يهمل أحاسيسه، ولا يغض الطرف عن وجدانه كما تفعل بعض المدارس الفلسفية، «بل إن الإسلام ينظر إلى الإنسان بعين الخالق تعالى، فيضعه في قالب متين بكله الذي لا يقبل التجزؤ والانقسام، ويستجيب لمطالب أحاسيسه الداخلية والخارجية، ويعده بعناصر وجوده المادية والمعنوية كلها، ليكون جاهزًا للسعادة الدنيوية والأخروية، وأهلاً لدخول الجنة”.

الدول الغربية لم تستطع رغم الادعاءات الكثيرة أن تحقق الأمان للعالم، ولا أن تحقق السعادة له، ولم يفلح في ذلك دعاة الرأسمالية في الغرب ولا دعاة الشيوعية في الشرق.

ويكتسب حديث كولن عن الإسلام مسحة روحية وجدانية ليزداد حديثه عن الإسلام قوة في بيان تأثيره في الفرد والمجتمع، ويتجلى هذا في بعض الأوصاف التي وصف بها هذا التأثير، يقول كولن: «الإسلام هو مصدر غذائنا الأصل كحليب أمهاتنا، وكان له الدور الأساس في توجيه مشاعرنا وأفكارنا وتقويماتنا».

ويتحول هذا كله في النفس الإنسانية إلى نوع من العشق والاشتياق، الذي يجعل من الإنسان المؤمن إنسانًا جديدًا قائمًا على محور الوجدان، ثم يمتد التأثير إلى كل سلوكيات هذا الإنسان العاشق المشتاق، فتصير عباداته وطاعاته وحركته كلها انعكاسًا لتأثير الدين في نفسه، «وتتمحور حركاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية كلها حول قوة الجذب المركزي هذه، فتتشكل فعالياته الفنية وأنشطته الثقافية بهذه المقومات الداخلية وتتوسع بها»، ويصير هذا الإيمان بمثابة شجرة طوبى.

وتتكامل كل صفات الكمال للإسلام، فهو يجمع بين العقل والقلب، والدين والعلم، والفكر والعمل، والاعتقاد والسلوك، والمنطق والشعور، دون صراع أو تنافر، ثم هو يقدم للبشرية كلها نظامًا للحياة جديدًا وفريدًا، يقيم الوشائج بين الكائنات وخالقها، ويقطع دابر التناقضات في الإلهيات، ويسد كل الثغرات العقلية والمنطقية والفكرية والعاطفية في قلوب المخاطبين وعقولهم.

وهذا طبيعي للغاية «لأن مصدره الأول هو الوحي الصافي النقي، وتفسيره الأول هي السنة، فكما أن القرآن معجز، كذلك نظامه المنبثق والمكوَّن من خطاباته وتعاليمه معجز، وكما أن القرآن لا مثيل ولا شبيه له، فلا مثيل ولا نظير للإسلام الذي يعد من آثاره».

وإن كولن عندما يتحدث عن الإسلام، يقصد به إسلام العصر النوراني الأول في عهد النبي  وفي عهد الصحابة الأبرار، ولكنه يلفت النظر إلى أن الإسلام بسبب حفظ مصادره؛ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، صالح لإعادة النهضة مرة أخرى والقضاء على مشكلات العالم الإسلامي، لكن هذا الأمر مرهون «في حال التمسك بالقرآن والسنة وإدراكُ مراميهما، بالدرجة التي كان عليها المخاطبون بهما في العصور الأولى».

إن المقصود بالإسلام إذن هو الإسلام الأول عند منابعه الأولى، وليس هو الإسلام الذي يبدو في واقع المسلمين المعاصر باهتًا ذاويًا فاقدًا لبريق جاذبيته السماوية، ولذلك فإن النموذج الذي يصلح للاقتداء به في الواقع، هو نموذج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، أو ما يطلق عليه أصولنا الذهبية، التي حملت الرايات في مراحل الارتقاء كافة، وفي المقدمة رجال عصر السعادة النبوية، وهؤلاء هم المهندسون العظام لتاريخ الأمة الإسلامية، وهم الذين مثلوا الإسلام حق التمثيل، وهم يقدمون مثالاً نموذجيًّا لتأثير الإسلام، إذ كان العرب قبل الإسلام مجتمعًا صلبًا للغاية، بل وحشيًّا متعصبًا لعاداته، ومعاندًا أشد العناد، متهاويًا في أخلاقه السيئة وعاداته الفاسدة، لكن الإسلام حولهم عن هذا كله، لأنهم «أنصتوا للقرآن، وتربّوا بغذاء القرآن، وعشقوا صاحب القرآن، فإذا بهم يجدون أنفسهم في صعيد البناء والإعمار والإحياء، بعوالمهم الشعورية والفكرية والحسية».

وقد حملهم الإيمان على أن ينقلوا «إلهامات إيمانهم الفوارة في قلوبهم إلى صدور الآخرين، فبجملة واحدة بدَّلوا مصير الدنيا من النحس إلى السعد، وبنفخة واحدة صاروا صوت الأمل ونفسه في ثلاث قارات».

الدين إذا تغلغل في الضمير وفي الشعور، يؤدي إلى ما يشبه أن يكون ولادة جديدة للإنسان، فهو ليس منحصرًا غلى العبادات فقط، بل يحتضن الحياة الفردية والاجتماعية معًا ويتدخل في كل شيء لنا عقلي وقلبي وروحي ويصبغ بصبغته كل تصرف لنا.

وعلى هذا لن يتم الإحياء والتجديد والنهضة في العالم الإسلامي، إلا بأن يكون الإسلام في قلب الحركة التجديدية ومركزها، وإذا كان الأمر كذلك فلسنا بحاجة إلى أن نقدم «فهمًا جديدًا للإسلام، ولا إلى إعادة تعليم الإسلام للمسلمين، وإنما المطلوب هو العمل على تفهيم المسلم الأهمية الحيوية لما يعرفه عن الإسلام فعلاً، وقوة تأثيره، وديمومته الأبدية».

ثم ينبغي أن يكون هذا الفهم مشروطًا، بأن يتشبع المسلمون بروح الكفاح، من أجل تحقيق هذا الإسلام، ويتخلصوا من الفتور، ويتصرفوا بوعي وانتباه، ويتعالوا على الشهوات النفسية والجسمانية، وأن يعيشوا حسب أفق القلب والروح، وألا يدعوا مجالاً لظهور أي فكر سلبي في عوالمهم الداخلية.

الانتقال من الفكر إلى العمل

إن كولن يقدر قيمة الفكر، ويرى أنه هو السبيل إلى فتح القلوب، وهو البديل عما كانت تقوم به الجيوش قديمًا، ولذلك كان من صفات إنسان الفكر، أنه «وليّ الحق اللدني الذي يعد قادة أركان الروح ومهندسي العقل وعمال الفكر، بدلاً من استخدام القوة المادية لفتح البلاد ودحر الجيوش».

لأن الفكر في نظر كولن يمثل الخطوة الأولى للتغيير، وهو يمثل بالتعبير الشائع هذه الأيام خريطة الطريق التي تحدد المنطلقات، وتضع البرامج، وتصور المشكلات، بناء على فهم الواقع، والمعرفة بالتحديات والصعوبات، ثم تضع الحلول والبدائل التي تؤدي إلى تحقيق الغايات المرجوة من وراء هذا الفكر.

لكن هذا الفكر لا يثمر، ولا يحدث التغير المنشود إلا إذا انتقل من عالم الأفكار إلى التطبيق العملي، أو إلى المنطق العملي الذي سبق مالك ابن نبي إلى الحديث عنه، ولذلك يتحدث الأستاذ كولن عن علاقة الفكر بالحركة، وخطر افتقاد الفكر للحركة، ثم خطر الوقوف عند الفكر وحده دون انتقال إلى العمل، لأن هذه الأفكار لا يمكن أن تلقى القبول لدى الآخرين ما لم يطبقها أصحابها، يقول كولن: «من المحال طلب استقرار فكر لم يستقر في وجدان صاحبه»، لذلك يحث المسلمين على تقديم الإسلام للآخرين، متمثلاً في سلوك عملي، وليس مجرد أفكار نظرية.

ويتحدث عن نوعين من البشر، يعيش أحدهما من غير ممارسة للفكر، ويتصف ثانيهما بأنه يفكر ولكنه لا يعكس فكره على واقع الحياة، فأما الذين يعيشون بلا فكر، فهم دمى تقلّد الآخرين وتردد أفكارهم، وهو يشبههم ببرك الماء العقيمة الآسنة الخامدة، وهم يتحولون بمرور الزمن إلى مجمع للفيروسات، كما يتهمهم بالضحالة والسطحية والطفولية، ومن ثم كان من الواجب تجنب مثل هذا الموقف، يقول كولن: «أما ما ينبغي فهو أن يعيش الإنسان وهو يفكر، وأن يبتكر أنماطًا فكرية جديدة إذ يعيش، فيتفتح على آفاق مركبات فكرية مختلفة».

ومعنى ذلك أن هناك علاقة بين الفكر والعمل، فالفكر يتحول إلى عمل، والعمل يلهم المفكر أفكارًا جديدة، تضيف إلى الفكر أبعادًا جديدة، لم تكن ملحوظة لصاحبه قبل البدء في العمل، كما يمكن أن يؤدي العمل إلى تصويب الفكر أيضًا، ويتحدث كولن عن تداخل الفكر والحركة في وقائع التاريخ العظيمة، فيقول: «تداخل يتربى ويتبرمج فيه العمل الحركي بالفكر من جهة، وتهيئ فيه الحركة والجهد الحركي أرضية لأفكار وبرامج جديدة من جهة أخرى، فكأن الفكر بهذا المعنى سماء ومطر للعمل الحركي، أو فضاء وهواء له، وكأن الحركية أرض وسندان للفكر، أو تراب وقوة الإنبات فيه، فلا أحسب هذا الأداء المتقابل غلطًا، ذلك بأن كل جهد حركي هو تحقق فكر وبرنامج، وكل فكر هو بداية ووتيرة للعثور على أُطُره الحقيقية وبلوغ مراميه في ثنايا التحركات الملتزمة به».

الإسلام يدعو إلى تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الناس، ويقاوم الإقصاء والإبعاد لأصحاب الكفاءات لأسباب عنصرية أو سلطوية، ويراعي خصوصيات الإنسان الأساسية مراعاة تامة.

ويضع كولن هذا الترابط بين الفكر والحركة على قمة مشروعه وجهوده الإصلاحية، يقول كولن: «يمكن تلخيص خط كفاحنا كورثة الأرض بكلمتي الحركة والفكر، وإن وجودنا بوجهه الحقيقي يمر عبر الحركية والفكر، حركية وفكر يغيران الذات والآخرين».

إن كولن يقدر الحركة على نحو مماثل للفكر، وذلك عندما يقول: «وإن أهم شيء وأشده ضرورة في حياتنا هو الحركية، فمن الضروري أن نتحرك على الدوام … ونفتح صدورنا أمام معضلات الحركية المستمرة، والفكر المستمر، ومهما ضحينا في هذا السبيل»، ويعلل ذلك بقوله: «فإن لم نتحرك نحن، فسندخل في تأثير الدّوَّامات الفكرية والبرامجية لأمواج هجمات الآخرين وأعمالهم الحركية، ونضطر إلى تمثل فضول حركاتهم»، ومن ثم الذوبان في الآخرين كقطعة جليد تسقط في الماء، والتسليم لأي تكوين يناقض ذاتنا، ويضاد جوهرنا.

وإن كولن لم يغفل الجانب الروحي في بناء فكره عند معتنقيه، إذ إن من خصائص منهج كولن التخلص من هذه الثنائيات المتضادة، كالقول بالتناقض بين الدين والعلم، أو بين الفكر والعمل، أو بين العقل والروح، بل إن كولن يعمل على مزج هذه الأمور ويستخلص من كل جانب منها ما يؤدي إلى التكامل مع الجانب الآخر، فالثنائيات -في فكره- تتكامل ولا تتناقض، يقول كولن: «إن حركية حياتنا الدعوية والفكرية هي حياتنا الروحية، في حال لا يمكن به فصل حياتنا الروحية عن فكرنا الديني، فقد تحقق كل صراع من أجل الوجود والحضور خاصة لدى شعبنا باللجوء إلى المعنى والروح الإسلامية، وظهر بارزًا بالأعماق التي يختزنها في ذاته كلما توجه إلى الإسلام».

والتكامل بين العقل والروح يؤدي إلى تكامل في الشخصية الإنسانية، وينبه كولن إلى أهمية الإيمان والعقيدة وأثرها في تحويل الفكر إلى عمل، لأن الفكر وحده ليس بإمكانه أن يتحول إلى عمل من غير دافع داخلي للإنسان، ولذلك تبقى الأفكار حبيسة الكتب أو العقول، بعيدة عن التأثير الفعلي في حركة الحياة، ولا يتحقق لها ذلك إلا إذا تحولت إلى عقيدة أو أيديولوجية تحرك الإرادة الإنسانية، وتمنحها الصلابة والقدرة على التحمل، وهذا دور الدين الذي يخاطب عقل الإنسان ووجدانه، ويؤثر في شعوره وإرادته، ويغير فكره وسلوكه.

ولذلك كان من الواجب في التربية أن يتحقق الجمع بين إشراقات العقل وإلهامات الروح، والمزج بين الفكر والذكر، وبين التأمل والعبادة، وأن يتهيأ الإنسان للانتقال من المنطق والمحاكمة (الفلسفة)، إلى تلقي الإلهام والواردات الإلهية، وبهذا يكون «كل تصرف للمؤمن الحقيقي عبادة، وكل فكر منه مراقبة، وكل كلام له مناجاة وملحمة معرفة»، أو بعبارة أخرى -كما يقول: «من العسير الارتقاء إلى هذه الذروة ما لم تمرر التجربة في مصفاة العقل، وما لم يسلم العقل نفسه للفطْنة العُظمى، وما لم يقع المنطق في الحب عينه، وما لم ينقلب الحب أيضًا إلى عشق إلهي»، فإذا تحقق هذا كان العلم» بعدًا من أبعاد الدين وخادمًا له، العقل طيف نور يصل به الإلهام أينما يشاء، وأصبحت المكتسبات التجريبية منشورًا يعكس روح الوجود، ويصدح كل شيء بصوت أناشيد المعرفة والمحبة والذوق الروحاني».

ولذلك يتحدث عن مقامات التصوف وأحواله ويستخلص منها ما يؤدي إلى ترقية النفس وتهذيبها، واكتسابها لأخلاق التواضع والتضحية والفناء عن الشهوات والرغبات، كما يتحدث عن رياضة الأوراد والأذكار، ويتحدث عن صفات ورثة الأرض فيجعل من عناصرها الإيمان الكامل والعشق الذي يعد أهم إكسير للحياة، وأن الذي يؤمن بالله ويملأ قلبه بمعرفته، يعيش عمره كله وسط حالات المدّ والجزر للعشق والمواجد والجذبات والانجذابات والأذواق الروحية، ومن ثم فنحن في الحاضر وفي كل مناسبة «بحاجة إلى أن تفيض القلوب من العشق، وأن تطفح من الشوق في فهم جديد لتحقيق انبعاث عظيم»، ويتحدث عن ضرورة الفكر الرياضي لورثة الأرض، فيقول: «إن أصحاب الفكر الرياضي يجمعون بين الرياضيات وقوانينها فكريًّا… ويصاحبونها دائمًا من الفيزياء إلى الميتافيزيقا، ومن المادة إلى الطاقة، ومن الجسد إلى الروح، ومن الشريعة إلى التصوف، إننا مضطرون إلى قبول الأسلوب المزدوج لفهم الوجود فهمًا شاملاً، وأعني الفكر التصوفي والبحث العلمي».

وكما سبق بيانه لم ينحصر مشروع هذا الأستاذ في نطاق الفكر، بل إنه خرج إلى نطاق الحركة والتأثير، وتمثل هذا في جماعة الخدمة الإيمانية التي اعتنقت أفكاره، وهي «مشروع حضاري شمولي عالمي ذو طابع أخلاقي تربوي يترك لكل منتمٍ إليه حرية الإبداع والحركة والتطبيق».

وقد سلكت الخدمة عدة طرق لتحقيق أهدافها، كالعمل على إغاثة المنكوبين في الحروب والكوارث، وإنشاء المدارس ذات الجودة العالية في جميع أنحاء العالم، فهي تمتلك أكثر من ألف مدرسة موزعة في دول العالم، وعدد من الجامعات، ومئات المدن الجامعية، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية، كالصحف والمجلات، والمحطات الإذاعية، والقنوات الفضائية التي تبث بعدة لغات، وعشرات المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت تبث بـ «22» لغة وتنشر مقالات كولن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

الجرجاني، السيد الشريف علي بن محمد، شرح المواقف، ضبطه وصححه محمود عمر الدمياطي، دار الكتب العلمية، لبنان،ط1، م1، 1998، ص43.

جوستاف لوبون، سر تطور الأمم، تعريب أحمد فتحي زغلول، المطبعة الرحمانية، ط2، ص 155.

هنتجتون، صامويل، صدام الحضارات، ترجمة طلعت الشايب، دار سطور، القاهرة، 1998، ص 20.

مدكور عبد الحميد، أثر العقيدة في بناء الحضارة لدى مالك بن نبي ومحمد فتح الله كولن، نسمات، ع 1، https://nesemat.com

انظر: المرجع نفسه.

كولن، ونحن نقيم صرح الروح، تر. عوني عمر لطفي، دار النيل للطباعة والنشر، ط4، 2008، ص 15.

كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 29.

انظر: كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 113.

كولن، ونحن نبني حضارتنا، تر. عوني عمر لطغي أوغلو، دار النيل، ط2،2011، ص8.

المرجع نفسه، ص 8-9.

كولن، ونحن نبني حضارتنا، مرجع سابق، ص 25.

انظر: كولن، ونحن نبني حضارتنا، مرجع سابق، ص 38-39.

المرجع نفسه، ص 39.

المرجع نفسه، ص 9.

كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 24-25.

كولن، ونحن نبني حضارتنا، مرجع سابق، ص 53-54.

كولن، ونحن نبني حضارتنا، مرجع سابق، ص 112.

المرجع نفسه، ص 99.

انظر: المرجع نفسه، ص 52.

المرجع نفسه، ص 52-53.

انظر: كولن، ونحن نبني حضارتنا، المرجع نفسه، ص 57.

المرجع نفسه، ص 106-107.

المرجع نفسه، ص 99.

انظر: المرجع نفسه، ص 98-104.

المرجع نفسه، ص 104.

كولن، ونحن نبني حضارتنا، مرجع سابق، ص 45.

المرجع نفسه، ص 48-49.

انظر: المرجع نفسه، ص 110.

المرجع نفسه، ص 63.

كولن، طرق الإرشاد في الفكر والحياة، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، دار النيل،ط4، 2010، ص 123.

انظر: كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 120.

المرجع نفسه، ص 120.

المرجع نفسه، ص 80.

المرجع نفسه، ص 57.

كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 57.

المرجع نفسه، ص 57.

انظر: المرجع نفسه، ص 57.

المرجع نفسه، ص 59.

انظر: المرجع نفسه، ص 59.

كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 59.

المرجع نفسه، ص 59.

المرجع نفسه، ص 59.

انظر: كولن، التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح، تر. إحسان قاسم الصالحي، دار النيل للطباعة والنشر، ط3، 2006، ص133.

انظر: كولن، ونحن نقيم صرح الروح، مرجع سابق، ص 35.

المرجع نفسه، ص 35.

المرجع نفسه، ص 43

تشتين، محمد، حركة كولن خدمة مدنية بلا حدود، تر. بهاء نعمة الله، ص89

انظر: النعيمات، أمل عبد الله محمد، محمد فتح الله كولن وجهوده في العقيدة والأخلاق، رسالة دكتوراه، جامعة العلوم الإسلامية، الأردن، 2014، ص 30.