استنكر أكرم دومانلى رئيس التحرير السابق لصحيفة “زمان” التركية صدور قرار قضائي جديد بمصادرة أملاكه.

وكانت محكمة تركية قضت بمصادرة أملاك كل من دومانلي والمدعي العام السابق زكريا أوز في إطار قضية مقتل هرانت دينك رئيس تحرير صحيفة Agos الناطقة بالأرمنية والتركية خلال هجوم مسلح عام 2007.

يشار إلى أن الحكومة التركية بدأت تحمل حركة الخدمة مسؤولية اغتيال الكاتب الصحفي المعروف أرمني الأصل هرانت دينك، بعد ظهور الخلافات بين الطرفين في أعقاب تحقيقات الفساد والرشوة عام 2013 والانقلاب المزعوم في 2016، وذلك على الرغم أن الحكومة وكذلك عائلة دينك اتهمت في ذلك تنظيم أرجنكون “الدولة العميقة” بالوقوف وراء هذه العملية البغيضة.

وكان المدعي العام زكريا أوز ينظر أخطر القضايا في تركيا، بما فيها قضية مقتل هرانت دينك وتنظيم أرجنكون الإجرامي، وكان أردوغان قد منحه سيارته الخاصة المدرعة من أجل حمايته تجاه محاولات الاغتيال المحتملة من قبل عناصر هذا التنظيم، لكن الأخير انقلب عليه لكونه الاسم الذي أطلق تحقيقات الفساد والرشوة في 2016 ضد أبناء أربعة وزراء.

هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها السلطات القضائية قرارا بمصادرة أملاك دومانلي، بل صدر أكثر من مرة قرار في هذا الصدد، لكن السلطات لم تستطع التنفيذ، نظرًا لأنه لا يملك أي عقار في تركيا، على حد تعبيره.

وعبر حسابه على تويتر نشر دومانلي تغريدة وضه فيها إشارة لحساب بي بي سي التركية وt24 الذين نشرا الخبر المعني، وقال: “طالما أنكما نشرتما خبر مصادرة أملاكي فإليكم تعليقي على هذا الأمر وانشروه أيضا حتى يرى الجميع الحقيقية”.

وتابع دومانلي: “ليس لدي أية أملاك لا داخل تركيا ولا في أي مكان بالعالم. هل تبحث المحكمة التي سبق وأن صدرت هذا القرار عدة مرات عن العدالة أم تسعى لخلق تصور أيديولوجي؟ كم مرة ستصدر المحكمة قرارا بمصادرة أملاكي!”.

واصل دومانلي قائلا: “أؤكد مرة أخرى أنه ليس لدي لا منزل ولا قطعة أرض في تركيا أو أي مكان آخر. لماذا تحاول المحكمة تشكيل رأي عام وكأنني أملك أموالا وتصادرها السلطات؟ هل هناك من يعرف السبب؟”.

وهنا ندرج ما ورد في كتاب “قصة تركيا بين أردوغان الأول”، لمؤلفه ياوز أجار، لتسليط الأضواء على الخلفية التاريخية لمقتل الصحفي أرمني الأصل هرانت دينك:

كانت تصريحات للصحفي والنائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري باريش ياركاداش في ديسمبر 2014 خلال برنامج على قناة “خلق تي في” كشفت أن أردوغان وضع خطة شاملة لتحميل حركة الخدمة مسئولية كل الجرائم المرتكبة طيلة فترة حكمه، في محاولة منه للتخلص من فضيحة تورط حكومته في قضايا الفساد والرشوة في 2013 من جانب؛ ولإشاعة مناخ من الخوف العام في البلاد قبيل الانتخابات الحاسمة في عام 2015. وقد واكبت هذه التصريحات الذكرى السنوية الأولى لانطلاق تحقيقات الفساد، حيث بدأ أردوغان حملته التي تستهدف حركة الخدمة من خلال توقيف كل من رئيسي مجموعتي “سامانيولو” و”فضاء” الإعلاميتين هدايت كاراجا وأكرم دومانلي، وعدد من قيادات الأمن، بتهمة نصب مؤامرة ضد أعضاء تنظيم “تحشية” المرتبط بتنظيم القاعدة.
وتابع ياركاداش في تصريحاته أن أردوغان قرر القضاء على الخدمة من خلال اتهامها بأنها من كانت وراء عديد من جرائم القتل التي قيدت ضد مجهول، ولم يعثر على مرتكبها في تاريخ تركيا الحديث، كاغتيال الصحفي أرمني الأصل هرانت دينك. وقد جاء الرد على مزاعم أردوغان من صحيفة “آغوست” ذاتها التي كان دينك رئيس تحريرها في خبر نشرته في 11 ديسمبر 2014: “السلطة الحاكمة في تركيا بقيادة أردوغان ترى قضية اغتيال دينك سلاحًا يمكن استخدامه ضد حركة الخدمة. هذه الخطوة ليست إلا خطة خبيثة تجعل إحدى أكبر قضايا العدل في هذه البلاد أداة لتحقيق مصالح سياسية”.
كما أوضح ياركاداش أن أردوغان كان يخطط لمزيد من عمليات الاعتقال في حق صحفيين عاملين لدى مؤسسات إعلامية مختلفة، غير أن تسريب هذه الخطة إلى وسائل الإعلام اضطره إلى أن تقتصر حملة الاعتقالات على الصحفيين المرتبطين بحركة الخدمة فقط، مؤكدًا أنه سيكمل في وقت لاحق هذه الخطوة باعتقال الصحفيين الآخرين.
وأضاف ياركاداش “أن أحد أهداف هذه العمليات هو السعي لإدراج حركة كولن ضمن التنظيمات الإرهابية المسلحة، تمهيدًا للاستيلاء على المؤسسات الإعلامية المحسوبة عليها كمجموعات سامانيولو وفضاء وإيباك الإعلامية”، وأشار إلى أن هناك قائمة تتضمن أسماء 4 آلاف شخص يتم التخطيط لاعتقالهم.
وقد جاءت تصريحات ياركاداش في وقت مبكر حيث كان أردوغان في بداية وضعه اللمسات الأولى لتفعيل خطته ضد حركة الخدمة ولم تتطور الأحداث بعد إلى الحد الذي وصل إليه في وقت لاحق.
ومن اللافت أن ياركاداش قد نبَّه إلى أن هدف هذه العمليات الأمنية لن يقتصر على الخدمة فقط وإنما ستشمل كل المعارضين لأردوغان وحلفائه الجدد من حزب الحركة القومية وتنظيم أرجنكون، بل سيتم اعتقال هؤلاء المعارضين بتهمة الانتماء إلى الكيان الموازي حتى ولو لم تكن لهم أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بحركة الخدمة، كما أوضح أن تطبيق هذه الخطة سيتم بعد تعيين قضاة ونواب عموم موالين لهم وفي أوقات وظروف مواتية بصورة تدريجية.
من جانبه قال نائب رئيس حزب الاتحاد الكبير رمزي جايير في مارس 2015: “أردوغان قال لي: لقد أجرينا تعديلات قانونية على محاكم الصلح والجزاء، وهي الآن أمام الرئيس عبد الله جول. وبعد نحو أسبوع أو عشرة أيام من التوقيع عليها سأطوي صفحة هذه الجماعة وأقضي عليها.. إنه استخدم هذه العبارات عينها تمامًا”.
هذه التصريحات من الأدلة التي تثبت أن أردوغان قرر أولا القضاء على حركة الخدمة ثم أعلنها تنظيمًا إرهابيًّا، وذلك بعدما هدد الحركةَ في وقت سابق قائلاً: “إنني قادر على إعلانكم منظمة إرهابية في يوم واحد من خلال نائب عام واحد وثلاثة شرطيين!”
وقد أثبتت الأحداث التي تلت هذه التصريحات المبكرة صحة ما ورد فيها حرفيًّا، فقد فعّل أردوغان كل ما ورد في خطة مكافحة الرجعية الدينية السالف ذكرها، حيث استهدف أردوغان بعد هذا التاريخ حركة الخدمة مباشرة بعد أن كانت حملاته تقتصر طيلة سنة كاملة قبلها على ما سماه الكيان الموازي، عقب فضائح الفساد والرشوة، ثم تطورت بعد الانقلاب الفاشل تحت مسمى تحقيقات “منظمة فتح الله كولن…” واعتقل مئات الصحفيين وعشرات الآلاف من المواطنين المدنيين والكتاب والأكاديميين بحجة الانتماء إلى هذه المنظمة حتى الذين عرفوا بعدائهم الشديد للخدمة على مدار حياتهم من أمثال صحفيي جريدة “جمهوريت” ذات التوجه العلماني المعروف عنها تطرفها ضد الجماعات والحركات ذات المرجعية الدينية.

المصدر: موقع زمان عربي