• بناء الجسور بين الإسلام و الغرب
ركزت تعاليم كولن بشدة على خلق جسور بين العالم الإسلامي و الغرب بجانب أهمية إدخال التقدم العلمي و التكنولوجي في العالم الإسلامي المعاصر، وهو يؤمن أنهم كأتراك لعبوا دورا حيويا دينيا و ثقافيا تحت حكم العثمانيين لقرون، و أن تركيا الآن مستعدة لقيادة العالم الإسلامي إلى القرنين العشرين و الواحد و العشرين مع التأكيد على مبدأ التسامح و الحوار و العلم و التعليم، بينما يؤمن كولن أنا هناك إسلاما واحدا حقيقيا وهو ذلك المبني على القرآن و السنة النبوية، فهو يدرك الاختلاف التاريخي و الثقافي و الاجتماعي حول تفسيرات الإسلام في العالم المعاصر.
و يدافع كولن عن معنى متطور لمفهوم الإسلام الذي يستطيع المسلمون و الدول الإسلامية الانخراط به في العالم مع أفضل العلوم و التعليم و الفلسفة و العلوم الاجتماعية و التكنولوجية، و يقول إنه ظهور الإسلام في القرن السادس الميلادي تفاعل مع الظروف المختلفة تاريخيا و ثقافيا، و إن المسلمين تخلفوا عن الركب عندما فشلوا في المنافسة المتزايدة في العالم في أواخر القرن التاسع عشر.
و لكي يتم استعادة دور محترم في العالم الحديث، فدائما ما يذكر كولن بالميراث العثماني في تركيا المعاصرة فهو لا يدعو لعودة الخلافة و إنما للتركيز على القيم و الممارسات الثقافية الأساسية للعثمانيين وهي :
1- روح الحوار.
2- تعدد اللغات و الأعراق و الأديان في الدولة العثمانية.
3- احترام المرأة.
4- التقارب الفكري و الثقافي بين المجتمع العثماني و الغرب بداية القرن لتاسع عشر.
و يدعو كولن لاستخدام النموذج العثماني كأساس لعودة العالم الإسلامي إلى قلب العالم الحضاري و لخلق علاقات مثمرة مع الغرب بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين الشرق و الغرب و نظام حكمها الديمقراطي، و يرى أيضا أن تركيا كقائد للعالم الإسلامي تسد الفجوة بين الشرق و الغرب.
و من كولن أن العالم الإسلامي المعاصر يواجه العديد من التحديات الصعبة وواحد منها غياب العقلية العلمية الصحيحة كما يتضح في العديد من الدول الإسلامية، و الثاني هو غياب الحوار الصحيح بين العالم الإسلامي و الغرب، و يعترف أن العالم الإسلامي يهيمن عليه الغرب و يخضع لسيطرته معظم التاريخ الحديث، و يشعر كولن أنه آن الوقت للعالم الإسلامي لتوضيح الجانب الإيجابي من الإسلام للغرب.
و إحدى الطرق التي يظهر المسلمون من خلالها الجانب الإيجابي للإسلام هو الإنخراط في العولمة و التواصل و التفاعل مع الشعور في جميع أنحاء العالم، و يدعو كولن لتشكيل ” الجيل الذهبي” وهم شباب متعلمون تعليما عاليا و مسئولون و يفكرون بشكل عالمي، و شجع ذلك الجيل الجديد على السفر على نطاق واسع و دراسة عدة لغات و العلوم الطبيعية و الاجتماعية في مؤسسات تعليمية مختلفة و الإنخراط بفاعلية في الحوار بين الأديان في كل مكان يوجدون فيه.
• التعليم
و طبقا لكولن فإن أحد أكبر المشاكل في العالم حاليا هو نقص المعرفة و التي تتضمن إنتاج المعارف و التحكم فيها بالإضافة إلى اكتساب المعرفة القائمة، فيمكن تحقيق إنتاج المعرفة و المحافظة عليها و نشرها من خلال جودة التعليم و ليس عن طريق السياسات أو القوة، فالحل عند كولن هو التعليم لصنع فرد منتج و مساهم في أي مجتمع. و يصر كولن على أنه لا يوجد فرد أو مجتمع قادر على أن يصل لأقصى إمكانياته بدون تعليم، و يرى أن التعليم وسيلة ليصبح الناس الكائنات الحقيقة التي أراد لها الله أن تكون و لذلك فالتعليم هو أهم مهمة في الحياة، و يقول كولن :
” إن الواجب و الغرض الأساسي لحياة الإنسان هو السعي للفهم، فالمجهود المبذول فيما يعرف ( بالتعليم) هو إتقان عملية نستطيع من خلالها الكسب على الصعيد الروحي و الفكري و المادي من كياننا وهي المكانة التي اختصصنا بها كوننا النموذج المثالي للخليفة”.
و هو يرى ثلاثة أشكال من التعليم ( علمي و إنساني و ديني) تعزز و تكمل أحدها الأخرى و تحتاج للعمل سويا لتشكيل إنسان كامل وشامل ( أسلندوغان و تشيتين 2006)، و دعا كولن لغرس القيم الأخلاقية جنبا إلى جنب مع التدريب الصحيح على العلوم العلمانية.
و يرى التعليم ضروريا للتحديث الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، كما يرى أن الأفراد سوف يحترمون القانون الديمقراطي و حقوق الإنسان فقط في حالة التعليم الصحيح، و يقول إن العدالة الاجتماعية و السلام سوف يتحققان من قبل شعب مستنير فكريا ولديه قيم أخلاقية قوية و إحساس بالإيثار، و يأمل كولن و الأشخاص الذين ألهمهم أن يعلموا جيلا مدربا على المعرفة الحديثة فضلا عن القيم الإسلامية، هذه الفلسفة هي الأساس في النظام التعليمي في كل المدارس الابتدائية و الثانوية و على مستوى الجامعة على الصورة المستوحاة من أفكار كولن.
مع الدعوة للمشاركة في التعليم والعلم و الحوار بين الأديان على الصعيد العالم فمع الدعوة للمشاركة في التعليم والعلم و الحوار بين الأديان على الصعيد العالم فإن كولن يصر على أن هذا لا يعني قبول التغريب في مجمله، و يقول إنه وبرغم هيمنة الحضارة الغربي على العالم في العقود الأخيرة و قيادتها للعلم و التكنولوجيا، إلا أن الرؤية العالمية للحداثة الغربية مادية و ينقصها التركيز على الأبعاد الإنسانية الأخرى خاصة البعد الروحي. و بشكل خاص منذ عصر التنوير فصل العديد من الأشخاص الدين عن أهداف العلم و اعتبروا الدين رجعيا و يمثل تهديدا للاكتشافات العلمية، و أصر كولن على أن العلم و الدين يسيران يدا بيد و يستطيع الدين بل و ينبغي أن يلعب دورا هاما في المجالات الأخلاقية و الفكرية و الاجتماعية.
و من وجهة نظر كولن، فالعلم و الدين ليسا فقط متناغمين بل مكملين لبعضهما البعض فهو يرى أن الرؤية العالمية القائمة على الإيمان توفر حداثة شاملة و صحيحة يمكن أن تدعم التعليم العلماني و تعطيه معنى، و يشير في كلماته ما نصه أن أفضل معرفة هي تلك التي تجعل التلاميذ يربطون الأحداث العالمية بخبراتهم الداخلية، و يرفض أيضا الدين كإيمان أعمى و ينتقد هؤلاء الذين يفشلون في استخدام عقولهم لاكتشاف و تحليل ظواهر الكون، و لذلك فهو يرى ضرورة للتوفيق بين الإيمان و المنطق بدلا من الاستخفاف بأي منهما.
وجه كولن انتقاداته للمدارس الدينية التقليدية و التكايا ( المؤسسات الإسلامية التقليدية للتعليم) لأنها لا تلبي متطلبات الحياة الحديثة حيث تنقصهم الطرق و الأدوات لإعداد طلاب يستطيعون تقديم مساهمة إيجابية في الحياة العصرية و ذلك بسبب فشلها في دمج العلم و التكنولوجيا في المناهج التقليدية، و ينتقد أيضا المدارس العلمانية لعجزها عن توصيل القيم الروحية و الأخلاقية للطلاب و لو كانت مجهزة تجهيزا جيدا لتعليم العلم و التكنولوجيا، و لحل هذه المعضلة يقترح كولن نظاما تعليميا يدمج بين المعرفة العلمية و القيم الأخلاقية.
و يري كولن أن التعليم العلمي و التعليم الإسلامي متناغمين و متكاملين، و بالرغم من تعلمه في مؤسسات إسلامية تقليدية، فإنه يطالب مستمعيه بفتح مدارس حديثة بدلا من التقليدية، بل ينصح بفتح مدارس بدلا من بناء المساجد، وهو يدعو لتعليم الجيل الشاب المعرفة الإسلامية من خلال المطبوعات غير الرسمية و الخطب في داخل العائلة بدلا من المناهج الرسمية في المدارس.
و يصر كولن على أن المدارس التي تتبنى فكر الحركة تتجنب التسيس، و بالرغم من اقتراب العديد من القادة السياسين من المدارس للمصادقة عليها، فقد حافظ كولن دائما على موقفه غير الحزبي و شجع أتباعه على البقاء خارج الانخراط المباشر بالسياسة، و يقول إن تركيا تعاني بالفعل من أشكال مختلفة من التقسيم و يجب الإبقاء على التعليم جزيرة للوحدة لا تشوبها الطموحات السياسة.
• تمويل المشروعات الخدمية يروح العطاء و الخدمة
تطلب إنجاز المشروعات التعليمية التي تصورها كولن موارد بشرية و مالية، فهناك حاجة لمدرسين و مديري مدارس ملتزمين و متفانين لتحقيق جودة التعليم و مستعدين للقيام بتضحيات لتعزيز تعليم طلابهم، و يجب على الآباء إبداء الرغبة للعمل مع المدرسين و إدارات المدارس لتحقيق أهداف التعليم المشتركة ، و لتحقيق تلك الأهداف الخيرية كان من الضروري التبرع من خلال إنشاء صناديق خيرية، و لذلك بدأ كولن، في بدايات الحركة، الحديث مع الناس من جميع طبقات المجتمع التركي، وزار جماعات في كل مكان استطاع الوصول إليه في المقاهي و المساجد و في البيوت و في جميع القرى الصغيرة و البلدان و المدن في جميع أنحاء تركيا. و بغض النظر عمن كان يخاطب كانت رسالته واحدة و هي تعليم صحيح في مدارس عالية الجودة، و لتحقيق ذلك فهناك ضرورة للخدمة التطوعية و المساهمات المالية.
و شجع باستمرار النخبة الاجتماعية و القادة و الأثرياء الصناعيين ورجال الأعمال الصغار على حد سواء على دعم التعليم الجيد، و بتبرعات من هؤلاء الأفراد تأسست صناديق تعليمية لدعم مئات المدارس في كل من تركيا و الخارج.
و جنح في خطبه و مناشداته نحو أفكار و قيم مشتركة في العديد من الأديان التقليدية مثل : الواجب و الالتزام الأخلاقي و المساهمات النزيهة و الخدمة التطوعية، و كما تبين سفندي : فكولن يؤمن بالمشاريع الحرة و يشجع على تنفيذها و يعظ في خطبه أن المؤمنين لا بد أن يكونوا أغنياء و يعملوا على نمو أعمالهم على قدر استطاعتهم خاصة على المستوى الكوني الذي يرى كولن فيه مستقبل الاقتصاد في العالم، و بالتالي فجزء من ثرواتهم المتراكمة يجب أن يذهب إلى دعم العديد من المشاريع التعليمية التي تعمل ضد الجهل و الفقر و الرذيلة، و يقول كولن دائما إن وجود سوق حر قوي أمر ضروري لإنتاج الثروة الاقتصادية و هذا بدوره يمكن أن يدعم نظام التعليم الحديث الذي في النهاية سوف يفيد المسلمين و الدولة التركية.
و في الثمانينات – و تحت حكم الرئيس أوزال- أدى تحرير الاقتصاد التركي إلى ظهور طبقة جديدة لتنظيم المشاريع التي راكمت ثرواتها من الاستثمار في الأعمال التجارية و المشاريع الرأسمالية في كل من تركيا و على مستوى العالم، و انجذب العديد من رجال الأعمال لأفكار كولن حول تنظيم المشاريع و تراكم الثروات بجانب المسؤولية الاجتماعية و الدينية لدعم المشاريع الخدمية خاصة فيما يتعلق بالتعليم الجيد و المشاريع التي سوف تساهم في تعزيز التعليم بين الشباب التركي،و بجانب تعليم المواضيع العلمانية في المدارس الملهمة بفكر كولن يأتي التعليم الأخلاقي و تطوير هوية قوية للأتراك المسلمين.
شجع كولن الطبقة الجديدة من أصحاب الأعمال للبدء في دعم بيوت الطلبة حيث يمكن للطلاب الإقامة فيها و الدراسة سويا تحت إشراف معلمين مختصين، و الخطوة التالية التي روج لها هي تمويل الدورات التحضيرية للجامعة لإعداد الطلاب لدخول الامتحان الإلزامي للكليات، و أخيرا شجعهم على تمويل المدارس الخاصة العلمانية المؤسسة داخل الإطار التعليمي للدولة.
و كان من توجيهات كولن أن لكل فرد دورا يلعبه لجعل مدارس تركيا من أفضل المدارس، و دعي القادرون لأداء هذا الدور و من لديهم الرغبة في ذلك ليكونوا إداريين و مدرسين في تلك المدارس، و كان على أصحاب الأعمال و من لديهم وظائف مهنية زيادة ثرواتهم على قدر الاستطاعة لكي يدعموا المشاريع التعليمية ماليا، إذ يجب أن يكون المؤمنون في تركيا و خارجها أثرياء ليس فقط لمنفعتهم الشخصية و لكن لكي يدعموا المشاريع الخدمية المفيدة، و حث رجال الأعمال على دمج مصادرهم و طاقاتهم في صناديق خيرية لا يستفيد منها أحد من المؤسسات غير الطلاب فحسب، و بالنسبة للعديد من رجال الأعمال فإن بناء المدارس يعادل حديثا بناء المساجد.
بينما ظل كولن نفسه فقيرا ماديا فإن زهده و إيثاره تحقيق الأهداف حفز المدرسين و الآباء و الداعمين للمساهمة في الصالح العام بكل الطرق و على قدر استطاعتهم، و بصرف النظر عن تحفيز الناس للتبرع ظل كولن بعيدا عن الإدارة المالية في كل المؤسسات المرتبطة بالحركة و بدلا من ذلك شجع كولن الداعمين لتلك المؤسسات على الإشراف الفعلي على توظيف أموالهم مما بنى ثقة كبيرة في نزاهة كولن و أمانته.
و يشير كولن دائما إلى قول علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين : ” كل البشر إخوة و أخوات و المسلمون إخوة و أخوات في الإسلام بينما المسلمون و غير المسلمين أخوة و أخوات في الإنسانية، فالبشر هم أشرف المخلوقات و هؤلاء الذين يريدون زيادة شرفهم يجب عليهم خدمة هذا المخلوق المشرف”، و بذلك فإن كولن يقول إن توفير التعليم الجيد من خلال المشروعات الإيثارية و الصناديق الخيرية واحد من أنبل الطرق لإظهار الاحترام و الإجلال للأخوة الإنسانية، و أصبح العمل جزء من عبادة الله حتى ولو كان ذلك العمل قليلا من مال يتبرع به أحدهم للخدمة، و تميز العمل التعليمي و دعم التعليم بالقيم الإسلامية الرفيعة.
و كما يظهر في الفصل الخامس ” ثقافة العطاء التركية- الإسلامية” فقد أحيت أفكار كولن الخدمية الديناميكيات الخيرية و الإيثارية و سمة الإحسان المتأصلة في الثقافة التركية و ملأت الفجوة التي تركتها السياسيات الحكومية، و حول كولن عقول الناس من خلال الإتيان بفهم جديد للدين و العلم و العلمانية و الخدمات الاجتماعية و التعليمية، و أكد على أن تركيا فضلا عن الإنسانية تحتاج إلى التسامح و إيثار الأفراد بقلوب رحبة و عقول متفتحة تحترم التفكير الحر و تنفتح على العلم و الأبحاث العلمية و تكون قادرة على تصور التناغم بين الشرائع الإلهية للكون و الحياة.

• الحوار بين الأديان و الثقافات
و غالبا ما يشير كولن في تركيزه على الحوار بين الأديان و الثقافات إلى تناغم العلاقات بين الأديان التي كانت موجودة في الإمبراطورية العثمانية التي لم تكن تتكون من المسلمين فقط بل كان فيها مسيحيون ويهود بالإضافة إلى بعض الزرادشتيين، و حتى بداية ظهور الدولة القومية الحديثة، كانت تلك المجموعات الدينية تعيش مع بعضها حياة مثمرة و في سلام إبان الفترة العثمانية، و لقد روج الكثير من مشايخ الطرق الصوفية التركية – الذين تبنوا أفكار التسامح بين الأديان – هذا التعايش السلمي ودرس كولن فكر العديد من هؤلاء المشايخ و بلا شك تأثر بهم في إصراره على أهمية الحوار بين تلك المجتمعات الدينية.
و كانت مفاهيم مثل الشفقة و الحب أساسية في تعاليم كولن، فكان يدعو باستمرار للتسامح و العفو كقيم إسلامية جوهرية متأصلة في قيمة التواضع، و يرى أن من يؤمنون بتفوقهم الشخصي لا يستطيعون الدخول في حوار حقيقي على عكس الشخص المتواضع فهو أكثر استعدادا للحوار مع الآخرين بشكل منفتح و ذي مغزى، و أظهر كولن تواضعه عندما تقابل مع البابا جون بون الثاني بابا الفاتيكان في فبراير عام 1998، و انتقده بعد اللقاء مجموعة مع الشباب الإسلاميين الذين احتجوا بأن كولن قد أذل نفسه بالذهاب إلى الفاتيكان و مقابلة البابا، ورد كولن أن التواضع صفة المسلمين و أن الحوار مع أشخاص لهم تقاليد دينية مختلفة هو جزء لا يتجزأ من الإسلام، وكرر قوله بأن التواضع ضروري لحوار حقيقي و أنه يجب على الناس ألا يفكروا في تفوقهم الشخصي بل يجب أن يتواضعوا أمام الأشخاص الذين لهم تقاليد دينية مختلفة، و يرى كولن أن كل البشرية عباد لله بغض النظر عن خلفيتهم العرقية و القومية و الدينية و اقتبس من الرسول صلى الله عليه و سلم قوله : ” لا فضل لعربي على أعجمي و لا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى” بل يعطي الدين الإسلامي نفس القدر من القيمة لكل البشر و يسميهم عباد الرحمن أرحم الراحمين.
و طلب كولن أيضا من المسلمين عدم جعل الإسلام فكرا أيديولوجيا لأن إدخاله في الساحة السياسية يمثل خطرا عليه مما يمنع المسلمين من الدخول في حوار مع الأديان الأخرى، و قال إن الأيديولوجيات تفرق بدلا من أن توحد، و يرى أن الإسلام دين و يجب أن لا يكون أداة للتحزب أو الكراهية القومية أو لإثارة مشاعر العداء بين الناس، و يعطي مثالا على قناعاته تلك بتأسيس علاقات طيبة مع قادة الأقلية في تركيا، و في أواخر الثمانينات بدأ حوار مع البطريك اليوناني الأرثوذكسي بارثولوميو في محاولة لتحسين صورة اليونانيين في تركيا الذين طالما انتقدهم الساسة، و عمل كولن أيضا – وسط معارضة كبيرة- على إنشاء مدارس ثانوية في يريفان عاصمة أرمنيا .
و تلك الأفعال السابق ذكرها تدل على إصرار كولن على المضي في الحوار بين الحضارات و تقدم التعليم جنبا إلى جنب مع الحوار بين الأديان، و قال ما نصه : ” إن أنشطتنا المستمرة هي لصالح الإنسانية جمعاء و يجب ألا تقتصر على تركيا فقط”، و عملا بنصيحة كولن تلك وسع رجال الأعمال و المعلمون المدارس و المستشفيات إلى خارج حدود تركيا.
و كثير ما كان يكرر كولن حقيقة أن حوار الأديان ليس رفاهية بل إنه أصبح ضرورة في العالم الكوني اليوم، و أدرك أن تعددية العالم المعاصر سوف تستمر و تبرز تحديات أصعب و أصعب و قد أصبح العالم قرية صغيرة، و قال ما نصه :
” سوف تستمر العقائد و الأعراق و التقاليد و العادات المختلفة في التعايش في هذه القرية الكونية، فكل فرد فيها يمثل عالما فريدا من نوعه و لذلك فإن الرغبة بأن تصبح البشرية متشابهة هو ضرب من المستحيل و لهذا السبب فإن السلام ف هذه القرية الكونية يكمن في احترام تلك الاختلافات و اعتبارها جزء من طبيعتنا، و في التأكد من أنا الناس يقدرون تلك الاختلافات و إلا فإنه لا مفر من أن العالم سوف يقضي على نفسه بسبب شبكة الصراعات و النزاعات و المعارك و الحروب الأكثر دموية التي سيقع فيها، و بالتالي يعد الطريق لنهايته”.
و يضيف في نفس الرسالة قائلا :
” إن الإسلام و المسيحية و اليهودية جميعا لهم نفس الجذر و يملكون نفس المبادئ و يتغذون من نفس المنبع، و لذلك فقد عاشوا كأديان حية لقرون و بينهم نقاط مشتركة و مسؤولية مشتركة ألا و هي بناء عالم سعيد لكل مخلوقات الله، و جعل حوار الأديان بينهم ضروري إذن وقد توسع هذا الحوار ليشمل الأديان في آسيا و مناطق أخرى”.
و منذ استقال كولن من الوعظ و التدريس رسميا، تركزت معظم جهوده على إنشاء حوار بين الثقافات و الأديان و المجموعات العرقية المختلفة في تركيا و في جميع أنحاء العالم،و ذلك من خلال زياراته المتقطعة لأشخاص ذوي خلفيات متفاوتة يأتون للقائه في منزله في بنسلفانيا و من خلال البث عبر شبكة الإنترنيت و لقطع مستوحاة من أفكار كولن التي تنشر في صحيفة ” زمان” و العديد من الرسائل الإخبارية الأخرى، و ما زال يدعى بكل احترام و مودة ” بالخوجة أفندي” و التي تعني المعلم المحترم من قبل مستمعيه و قرائه.
• الإسلام لا يروج للإرهاب و لا يتسامح معه
في 12 سبتمبر 2001 اشترى كولن صفحة كاملة في صحيفة نيويورك تايمز ليعبر عن إدانته الصريحة للهجمات الإرهابية التي وقعت في اليوم السابق و التأكيد على أن الإرهاب يتنافي مع تعاليم الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم و مع الدين الإسلامي، و أعلن مرة أخرى في 21 سبتمبر 2001 موقفه في الواشنطن بوست بالعبارات الآتية :
” نحن ندين بأشد العبارات الهجمات الإرهابية الأخيرة على الولايات المتحدة الأمريكية، و نشعر بألم الشعب الأمريكي في أعماق قلوبنا، إن الإسلام يمقت أعمال الإرهاب فالدين الذي يصرح ” من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا” لا يتغاضى عن القتل عديم الإحساس للآلاف، أفكارنا و دعواتنا للضحايا و أحبائهم”.
و في مقال لاحق ذهب إلى أبعد من ذلك ليعلن بوضوح أن الإسلام لا يوافق على الإرهاب بأي شكل من الأشكال، فإن الإسلام لا يمكن أن يستخدم العنف لتحقيق أي هدف إسلامي،
و استخدم عبارة استخدمها اتباعه من بعده مرارا في السنوات التي أعقبت11 سبتمبر و هي ” لا يمكن أن يكون الإرهابي مسلما و لا يمكن أن يكون المسلم الحقيقي إرهابيا”.
و ناشد كولن الولايات المتحدة الأمريكية بعدم الرد بأي نوع من أنواع القوة التي قد تؤذي جماهير من الأبرياء من أجل معاقبة قلة قليلة من المذنبين، و حذر من مثل تلك الأفعال التي سوف تجعل الإرهابيين أكثر قوة و ذلك بتغذية أي استياء موجود مما يولد إرهابيين جدد و ينتج مزيدا من العنف.
و انتقد كولن أيضا القادة المسلمين الذين يستخدمون الإسلام لمصالحهم الشخصية و سلطانهم، و قال إن هناك بعض القادة الدينيين و ” المسلمين غير الناضجين” يستخدمون التفسيرات الأصولية للإسلام ليدخلوا الناس في نزاعات تخدم أغراضهم الشخصية، ويقول كولن إن الإسلام يقر أنه تماما مثلما يجب أن يكون الهدف شرعيا كذلك يجب أن تكون جميع وسائل تحقيقه شرعية و بالتالي لا يمكن دخول شخص الجنة عن طريق قتل شخص آخر، فالشخص الذي يفهم الإسلام لن يشارك في أي عمليات إرهابية.
و شدد كولن على أن العديد من الشباب قد خسروا روحانيتهم، و استغل بعض القادة ذلك بتجنيد هؤلاء الشباب الساخطين في الأنشطة الإرهابية و استغلالهم، و ذهب لأبعد من ذلك قائلا إن هؤلاء القادة ” خدروهم” و تلاعبوا بأفكارهم و التزاماتهم، و إن السبيل الأساسي في رأيه لمواجهة تلك النشاطات هو توفير تعليم جيد كبديل للتجنيد المحتمل للشباب.
و يعد التعليم، في إطار عمل كولن، أقوى علاج مباشر للإرهاب. و يؤكد كولن أن المبادئ الأساسية للدين هي ضد الأفعال السياسية و الأيديولوجية و ضد التفسيرات التي تؤسس للأعمال الوحشية الإرهابية و تروج لها، و يجب أن تدرس تلك المبادئ الأساسية للمسلمين و غيرهم أيضا من خلال النظام التعليمي، و ذلك بتوفير تعليم جيد للشباب يجعلهم يرون الإرهاب كعمل مدمر و غير أخلاقي و ضد الإنسانية.
• العلاقة بين الدولة و الدين
لا يؤيد كولن تأسيس نظام سياسي إسلامي ينصح قراءه باستمرار بعدم الوقوع في معترك السياسة، و هي في الوقت ذاته يؤمن بشدة أن الدين لا يجب أن يقتصر على الأفراد المتخصصين فيه بل يجب أن يكون جزء من الحياة العامة، كما يؤيد الفصل التام بين الدين و السياسة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، و من وجهة نظره فإن سيطرة الدولة على الشؤون الدينية يضر بالإسلام، لذا يجب أن يحرر الإسلام من سيطرة الدولة.
و تعد حركوك ولن الحركة الإسلامية الأولى على الإطلاق في تركيا و التي تقبلت شرعية الدولة العلمانية صراحة بينما تطالب بتحرير الدين في ظلها، و في عام 1998 شرعت مؤسسة الصحفيين و الكتاب ( مؤسسة غير ربحية للحوار بين الثقافات مرتبطة بحركة كولن ) في مقابلة بعض علماء الإلهيات و علماء الدين الإسلامي الأكثر احتراما في تركيا، و كان الإعلان الذي نتج عن هذه المقابلات مؤشرا لقبول الدولة العلمانية التي من شأنها الوقوف على مسافة واحدة من كل المعتقدات و الفلسفات.
و مما لا شك فيه أن كولن لديه مشاعر قوية نحو تراثه الوطني و فخر بتركيته، فهو يشير باستمرار إلى جذوره التركية و إلى التاريخ العثماني في تركيا و إلى العالم التركي الأكبر، و لهذا تشكل مفهومه عن الهوية بواسطة التراث العثماني الإسلامي ، و بسبب الخصائص القومية التي تميز بها مجتمع كولن فقد طور توجهاته الخاصة و ميز نفسه عن المجموعات النورسية و الإسلامية الأخرى، و ذلك بالتأكيد على القومية و السوق الحرة و التعليم، هي القوى المحركة للإسلام “جديد” في تركيا يتسم بمنطق السوق الحر و يتميز بالتراث العثماني وله رؤية قومية شاملة و ليست مبنية على أساس العرق أو الدم، بل على التجارب التاريخية و الحقائق السياسية المشتركة، لذا فإن مجتمع كولن يرى أن الإسلام دين الأمة و لا يجوز تقليصه ليكون هوية لأي من الأحزاب، و بالنسبة لكولن فالإسلام ليس مشروعا سياسيا يمكن أن ينفذ بل هو مستودع المعارف و الممارسات من أجل تطوير مجتمع عادل و أخلاقي.
و يتجنب كولن أي شكل من أشكال المواجهة مع الدولة و لم يكن هدفه الأساسي إعادة توجيه الدولة نحو المبادئ الإسلامية بل التأكد أن الدولة لا تتدخل في حرية ممارسة الدين مع استفادتها من طاقة الإيمان في مكافحة الآفات الاجتماعية مثل المخدرات و العنف، يصرح كولن دائما ” أنه في جانب الدولة و الجيش، فمن دولة ستسود الفوضى و الغوغائية”، و يشجع كولن باستمرار مستمعيه على احترام الدولة و على عدم التورط في السياسات الحزبية، و يعد كولن من المدافعين عن الحكم الديمقراطي و يؤكد أنه الشكل الأكثر ملائمة و فعالية للحكومة في ظل عولمة العالم، كما يقول صراحة :
” إن الإسلام و الديمقراطية متوافقان، و إن 90% من الأحكام الإسلامية تتناول الحياة الخاصة و الأسرة و أن الخمسة في المائة فقط منها تتناول شؤون الدولة التي يمكن ترتيبها فقط في إطار الديمقراطية، و إذا كان هناك من يرى غير ذلك، كإقامة دولة إسلامية مثلا، فإن تاريخ هذا البلد و أوضاعه الاجتماعية لن تسمح بذلك فالديمقراطية عملية لا رجعة فيها في تركيا”.
و يؤكد باستمرار أن مستمعيه يحترمون الحكومة و يعبرون عن معارضتهم لها تماما مثلما يحدث في الدول الغربية المتقدمة و الديمقراطية من خلال التصويت.
• تطور حركة كولن
يتفق العلماء الذين يدرسون الحركات الاجتماعية على أن مكونات أي حركة يجب ” احتضانها” لفترة قبل أن تظهر علانية كحركة اجتماعية معروفة، و بسبب خطب كولن ورسائله المسجلة أصبحت أفكاره و إلهاماته معروفة في تركيا في أوائل الثمانينات، و انضمت أعداد متزايدة من الناس إلى الصحب الملهمة بأفكار كولن و إلى حلقات الدرس المحلية التي يلتقون فيها بانتظام لمناقشة أفكاره ليبدؤوا في إنشاء بيوت للطلبة و عقد الدورات التحضيرية للجامعة التي اقترحها كولن و ليمولوا تلك المشروعات الخدمية و غيرها من المشروعات و لتأسيس شبكة من العلاقات المجتمعية غير الرسمية بين المواطنين متشابهي التفكير، و بدأت تلك الشبكات من الأفراد – و تشمل رجال أعمال لديهم الموارد المالية اللازمة لدعم المشروعات الخدمية – تتشكل ببطء في القرى و المدن التي ألقى كولن خطبه فيها.
و بحلول عام 1980 استجاب العديد من رجال الأعمال و المعلمين الذين ألهمهم كولن بأفكاره لحل أزمة التعليم في تركيا بإنشاء مؤسسات مثل بيوت الطلبة و عقد الدورات التحضيرية للدخول للجامعة و تأسيس جمعيات للمدرسين دور للنشر و صحيفة، و مع منتصف الثمانينات أصبحت هناك موارد كافية تتضمن شبكات غير رسمية من الأفراد المتحمسين و المساهمات المالية الضرورية لتسريع المشاريع الخدمية الموجودة بالفعل و البدء في بناء المستشفيات و المدارس في تركيا، و في هذه المرحلة أصبحت وسائل الإعلام على علم بالحركة و ألقت المقالات الصحفية عن الحركة و أنشطتها بالمزيد من الوعي العام، و عند هذا الحد أفسحت مرحلة ” الخفاء” التي مرت بها أنشطة الشبكة المجال لمرحلة أكثر وضوحا و نموا، و بدأ الأعضاء في التوحد حول فكرة الحركة الاجتماعية، و بدأ الجمهور يشير بالبنان إلى مدارس كولن و إلى أتباعه و لكن كولن شخصيا لم يشر إلى الحركة باسم حركة كولن و لا باسم مجتمع كولن و لم يقبل تلك المسميات بل فضل أن يشار للحركة باسم ” متطوعي الخدمة” أو ” هزمت” و تعني خدمة الآخرين أو حركة البشر المتحدة حول القيم الإنسانية السامية.
و بحلول منتصف الثمانينات عرفت مدارس كولن في جميع أنحاء تركيا بأنها توفر تعليما جيدا للشباب التركي، و أن التلاميذ من تلك المدارس يتمكنون من اجتياز امتحان القبول في الجامعات الوطنية بمعدلات أعلى بكثير من عامة الشباب الذين يخضعون لتلك الامتحانات حتى و لو حضروا دورات تحضيرية أخرى، كما يفوز أيضا العديد من طلاب تلك المدارس في المسابقات العلمية الوطنية و الدولية، و بدأت مدارس كولن و الحركة التي خلفها تعرف على المستوى العام الخارجي و تجذب المزيد من المشاركين الذين أدركوا قيمة الأفكار التي تعرب عنها الحركة و من نقطة خلال نجاح المدارس تلك بدأت النشاطات المدفوعة بأفكار كولن عن التعليم و الخدمات غير المسيسة تتوحد فيما يعرف الآن بحركة كولن.
وفر انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 و حصول الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى على الاستقلال السياق لحركة كولن لتصبح ” عابرة للحدود القومية”، و في خطبه في أواخر الثمانينات، نصح كولن بشكل متزايد جمهوره بالاستعداد لمساعدة البلاد التي ستنال استقلالها قريبا و التي معظمها تركي اللغة و الأصل، و في عام 1992، و بعد فترة قصيرة من انهيار الاتحاد السوفيتي، أنشأ مجموعة من رجال الأعمال و المدرسين الملهمين بأفكار كولن أول مدرسة في أذربيجان، و في نفس العام افتتحت أول مدرسة مستوحاة من أفكار كولن في كازاخستان و في العامين اللاحقين افتتحت 28 مدرسة أخرى في البلاد، و بين عامي 1992 و 1994 و افتتح المشاركون في الحركة مدارس في قيرغيزيستان حيث يوجد فيها الآن 12 مدرسة ثانوية و جامعة واحدة، و في نفس الوقت افتتحت 20 مدرسة في تركمانستان.
بينما كان بعض المشاركين في الحركة مشغولين بفتح مدارس في الجمهوريات التركية، انشغل البعض الآخر في فتح مدارس شبيهة في الدول غير المسلمة في أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفيتي السابق مثل : بلغاريا ورومانيا و مولدوفيا و أوكرانيا و جورجيا، بينما قام متطوعون آخرون بإنشاء مدارس في دول آسيا و المحيط الهادي مثل الفليبين و كمبوديا و أستراليا و أندونيسيا و تايلاند و فيتنام و ماليزيا وكوريا الجنوبية و اليابان، و المدهش في تطور حركة كولن أنها ليست نشطة فقط في الدول ذات التراث الإسلامي التركي و لكن أيضا في الدول ذات التقاليد المسيحية و البوذية و الهندوسية، يرى كالينجو أن أحد أسباب ذلك الواقع هو أن الحركة بدأت في تركيا تستخدم الخطاب الإسلامي ، و لكن بمرور الوقت بدأت بالتأكيد في خطابها على العناصر العلمانية و الإنسانية مثل التعليم الجيد و قبول الآخرين و التعاطف معهم و القيم الأخلاقية العامة، و يلخص رأيه في قوله إنه بالرغم من أن الحركة ظلت إسلامية على المستوى الفردي إلا أنها تعد حركة اجتماعية علمانية بشكل عام.
وطوال فترة الثمانينات بدأ أعضاء البرجوازية الأناضولية الجديدة الملهمين بتعاليم كولن في الاستثمار في بناء مؤسسات التعليم في جميع أنحاء تركيا. و في التسعينات مهدت التنمية السياسية و الاقتصادية في تركيا، في ظل سياسات أوزال، مع الأحداث السياسية العالمية، المزيد من الطرق لتوسيع الأعمال التجارية. وزاد سقوط الاتحاد السوفيتي و ضعف سيطرة الدولة التركية على المعلومات و تدفقات رأس المال من الهجرة التركية إلى أوروبا، كما ساهمت التطورات العالمية في تحول حركة كولن من مجتمع صغير في تركيا إلى حركة ناشطة دوليا مدعومة من طبقة نامية من رجال الأعمال الأثرياء الملتزمين بالمثل العليا لحركة كولن.
و بحلول التسعينات، لم يكن هناك شك بأن الملايين من المواطنين الذين تجمعوا حول أفكار كولن مع مئات من المشاريع الخدمية التي يدعمونها قد شكلوا حركة اجتماعية تعد أكبر حركة دينية في تركيا، و المدهش هو حقيقة أن الحركة متجذرة في الهوية التركية الإسلامية إلا أنها كانت و ما تزال نشطة في العديد من الدول الإسلامية تماما مثل نشاطها في الدول غير الإسلامية، وربما يكمن تفسير ذلك في حقيقة أن البنية التحتية للحركة، من ناحية القيادة التنظيمية و المتطوعين و المتبرعين و فكر الحركة الملهم، قد نقلت مع الأتراك في مناطق شتاتهم في أنحاء دول العالم حيث استقروا كطلاب و مهنيين ورجال أعمال. و قد هاجر بعضهم عن قصد لتأسيس المؤسسات المستوحاة من فكر كولن في دول أخرى و هاجر البعض الآخر للتعليم أو التجارة و استمروا في الحركة مشاريعها الخدمية عندما استقروا في البلدان الجديدة، و باستقرار الأتباع و المشاركين في الحركة في جميع أنحاء العالم و بتأسيسهم مشروعات مرتبطة بكولن حيثما كانوا، أصبح غير الأتراك يتعلمون عن الحركة و يشاركون فيها بشتى الطرق، و كانت النتيجة بأن أصبحت حركة كولن الآن حركة عالمية في توسعها و تأثيرها.
• نظرة عامة مختصرة على حركة كولن
حركة كولن مبادرة مدنية و هي حركة مجتمع مدني غير حكومية و ليست مدعومة من الدولة، و لم تنشأ نتيجة لسياسة حكومية أو أيديولوجيا الدولة، و بدأت كحركة قائمة على الإيمان و غير سياسة و هي ثقافية و تعليمية كرست لتوفير الفرصة لشباب الجيل الجديد في تركيا، و تتمركز حول تغيير الفرد و تعليمه، كما تركز الحركة على الوعي الروحي و الفكري للفرد من أجل تشكيل السريرة التي من شأنها تمكين الشخص من إحداث تغيير في المجتمع، و تشدد على الدور الذي يمكن أن تقوم به التكنولوجيا و الشبكات العالمية الحالية في التعبير عن الوعي المسلم. لذلك فإن حركة كولن تتميز عن الحركات الإسلامية الأخرى بتأكيدها على الشكل غير الحصري للقومية التركية و على السوق الحر و الانفتاح على العولمة و التطوير في دمج التقاليد بالحداثة و نظرتها الإنسانية.
يعد كولن شخصا حداثيا متدينا و مبتكرا اجتماعيا و ذلك بسبب جذوره المتأصلة في كل من التقاليد الإسلامية و العثمانية و في الجوانب المفيدة للحداثة، و يسعى جمهوره لترويج فكرة أن الإسلام ليس مناقضا للحداثة بل يمكن استخدام التعليم و العلوم و التكنولوجيا مع الإسلام لبناء و تعزيز مجتمع أخلاقي و عادل، و نتيجة لذلك فإن الحركة أكثر حداثة و أكثر تأثيرا من أي حركة إسلامية أخرى في تركيا اليوم.
و تقدم حركة كولن مثالا للعالم الإسلامي ليس فقط في أنشطتها بل و في كيفية إيجاد الدعم المالي لتمويل تلك الأنشطة، و قد عزز استخدام المثل العليا الإسلامية – و نماذج من حياة الصحابة و القيم التركية التقليدية وروح العطاء و حسن الضيافة – موقف حركة كولن و تأثيرها في العالم الإسلامي، و بالرغم من أن الحركة بدأت في تركيا لكنها و بعد مرور فترة قصيرة نمت في أجزاء أخرى من العالم وسط شعوب غير أتراك ليس فقط بالمشروعات التعليمية و لكن أيضا من حيث أنشطة الحوار بين الأديان.
و لم توافق الحركة أبدا على إقناع الناس بالتحول عن دينهم أو الإكراه أو الإرهاب أو العنف بل أكدت على تغيير عقلية الأفراد من خلال العلوم و التعليم و الحوار و الديمقراطية، و شجعت التفاهم و الاحترام المتبادل و شجعت التفاهم و الاحترام المتبادل و شجعت الالتزام التطوعي للأفراد في التعليم الملائم و الإيثار في المساهمات و الخدمات.
أوجدت الشبكات غير الرسمية من الأشخاص الملهمين بأفكار كولن و المشاريع الخدمية التي يرعونها شعورا لدى هؤلاء الأشخاص بأنهم أصحاب قضية مشتركة و بأن هناك تضامنا غير معلن بين هؤلاء الأشخاص بالإضافة إلى حالة التباهي بالمؤسسات المرتبطة بحركة كولن، و النتيجة هي الاعتراف المتبادل و المعلن بهوية حركة كولن. و لا يوجد في الحركة طقوس احتفالية أو رموز أو شعارات رسمية أو ز موحد يميزها، بل تأخذ الحركة شكل الحلقات القائمة على الصداقة التي تشجع الدور الحيوي في العمل الجماعي، و على عكس العلاقات العائلية او القبيلة فإن أعضاء الحركة مشاركون طوعيون و نشطاء و أفراد مستقلون نسبيا، و تسهل شبكات الصداقة تلك و تزيد من استعداد الفرد للمشاركة في المشاريع الخدمية من خلال علاقتهم بأشخاص متشابهي التفكير و النية. و النتيجة هي تكون عدد هائل من الشبكات الفضفاضة لأشخاص ألهمتهم مثل كولن العليا و حفزتهم لدعم المشاريع الخدمية الواسعة و المتنوعة بأي طريقة يستطيعون بها تقديم هذا الدعم في تركيا و في أنحاء العالم.
تعمل شبكات الخدمات ذاتيا و ليس من خلال منظمة مركزية مع الحفاظ على الروابط مع الأشخاص الآخرين في الحركة من خلال تبادل المعلومات و الأشخاص المدربين مهنيا و تعميم المعلومات و الخبرات و المشروعات من خلال شبكات و تحقيق قدر من الهوية الجماعية للحركة. و تجذب حركة كولن مؤيدين و أنصارا لكونها من الشبكات و ليست من المنظمات الرسمية فهي لا تشترط عضوية أو تسجيل عضوية، لذلك فمن المستحيل حساب حجم كولن.
و تعتبر الحركة مجموعة شبكات تتركز حول أربعة أنشطة رئيسية و هي : المشاريع الاقتصادية و المؤسسات التعليمية و المطبوعات و الإذاعة و التجمعات الدينية. و يعتبر الأفراد المشاركون في تلك المشاريع المحددة و يحل أحدهم محل الآخر، و لكن تستمر المشاريع الخدمية، و لذلك فإن استمرارية حركة كولن يكمن في الحفاظ على المشاريع الخدمية و استدامتها، كما أن المشاركة في المشاريع الخدمية حول هدف محدد و النتائج الملموسة للمشاريع من شأنهما تعزيز التماسك و التضامن و الثقة الاجتماعية.

مقدمة الكتاب