أظهرت دراسة أجراها 12 أكاديمياً من جمعية حقوق الإنسان التركية أن ستة آلاف و81 أكاديمياً فُصلوا من الجامعات التي كانوا يعملون فيها في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو 2016.

وقالت الدراسة إن حجم الأثر الذي وقع على القطاع الأكاديمي في البلاد كان أكبر بكثير من حالات الفصل تلك، وهو الأمر الذي خلق حالة من الخوف فرضت قيوداً على استقلال القطاع وحرية التعبير.

وأُغلقت 15 جامعة خاصة، ونُقلت ملكية أصول تلك الجامعات إلى مديرية الجمعيات والخزانة بموجب مرسوم رئاسي صدر في الثالث والعشرين من يوليو عام 2016.

ونص المرسوم على أن الجامعات المذكورة كانت “مصصمِّة على الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن، التي تأسست على حد قول الحكومة التركية لتشكّل خطراً على الأمن القومي”.

وتُصرّ الحكومة التركية على أن أتباع فتح الله كولن، رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. بيد أن الأستاذ كولن والمؤمنون بأفكاره ينفون أي علاقة لهم بأي تنظيم غير قانوني، أو ضلوع في أي محاولة انقلابية.

وكان ثلاثة آلاف و41 أكاديمياً – يشكلون 13 في المئة من إجمالي عدد الأكاديميين في تركيا – يعملون في الجامعات التي أُغلقت، والتي كان يدرس فيها 65 ألفاً و216 طالباً، يشكلون 12 في المئة من إجمالي عدد طلاب الجامعات في البلاد.

وقالت نيلغون توكر كيلينج، وهي من مجموعة الأكاديميين الذين أجروا الدراسة، “بهذا، فقد أكثر من ستة آلاف شخص وظائفهم في الجامعات، نصفهم من الأكاديميين. لم يتم تعويض هؤلاء الناس، ولم يتم وضعهم في وظائف مماثلة، ولم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني لحماية حقوقهم كموظفين”.

وقال أحد الأكاديميين الذين خسروا وظائفهم في تلك الجامعات الخاصة، طالباً عدم نشر اسمه، “لا أحد يريد العمل معنا. ليس فقط الجامعات، بل إننا نواجه الأمر ذاته في القطاع الخاص. عندما نقدم طلبات للتوظيف، ينظرون أين كنّا نعمل”.

وخلصت الدراسة إلى أن خريجي هذه الجامعات أيضاً يعانون من المشكلة ذاتها، ووصفت هذا الوضع بأنه تكلفة اجتماعية غير متوقعة، تُفرض على أساتذة وخريجي مؤسسات كانت تعمل بشكل قانوني لفترة طويلة من الزمن.

ووفقاً للدراسة، فإن حالة الطوارئ التي فُرضت على مدى عامين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، نتجت عنها أكبر موجة طرد من الوظائف في تاريخ القطاع الأكاديمي في تركيا.

وذكرت الدراسة أن “ستة آلاف و81 أكاديمياً، وألفاً و427 إدارياً، في المجمل طُردوا من وظائفهم في 122 جامعة. وحُرم هؤلاء الأكاديميون مدى الحياة من العمل في الجامعات أو في القطاع الخاص بشكل عام. طُرد أيضاً ثلاثة آلاف مرشح ومرشح واحد لنيل درجة الدكتوراة، كانوا يتلقون منح دراسة في الخارج للعمل في الجامعات التركية بعد إتمام دراساتهم”.

ستون في المئة من حالات الطرد حدثت في الأشهر الثلاثة الأولى التالية على إعلان فرض حالة الطوارئ، بينما تقسّمت النسبة المتبقية على فترة العامين التي عاشت البلاد فيهما تحت حالة الطوارئ.

وخلصت الدراسة أيضاً إلى أن المجموعة الأكبر من الأكاديميين المطرودين من وظائفهم هم بدرجة أستاذ مساعد وأستاذ مشارك.

وقال سردار تكين، أحد المشاركين في إعداد الدراسة، إن “أكثر من تعرّضوا للطرد هم من مجموعة الأكاديميين الذين أكملوا دراسات الدكتوراة. كان هؤلاء في منتصف حياتهم المهنية، وهو ما يجعلهم العمود الفقري للأبحاث والتدريس في الجامعات… يمكن اعتبار هذا عاملاً من العوامل التي فاقمت تخريب المجتمع الأكاديمي”.

وفُصل 820 أستاذاً و967 أستاذاً مشاركاً، وألف و679 أستاذاً مساعداً، و662 محاضراً، وألف و671 باحثاً مساعداً، و194 مُدرّساً مساعداً، و88 خبيراً، بموجب قرارات تنفيذية صدرت خلال فرض حالة الطوارئ.

أضاف أن جامعة البوسفور في إسطنبول، وجامعة العلوم الاجتماعية في أنقرة، هما الجامعتان الوحيدتان اللتان لم يُطرد أي من موظفيهما بين الجامعات العامة في تركيا. أضاف “يمكننا القول إن كل الجامعات العامة نالها جزء مباشر من عمليات طرد الأكاديميين، وتأثرت بشكل مباشر بها في وقت واحد”.

ووفقاً لتكين فإن جامعة غلطة سراي في إسطنبول طردت أكاديميّاً واحداً، بينما طردت جامعة سليمان دميريل في مدينة إسبرطة جنوب غربي البلاد 271 أكاديمياً.

وبينما خسرت بعض الجامعات، مثل جامعة معمار سنان للفنون الجميلة في إسطنبول، جزءاً صغيراً من فريق عملها الأكاديمي، فإن جامعة علوم الصحة في إسطنبول فقدت نحو 70 في المئة من هيئة التدريس بها، بينما خسرت جامعة ألانيا علاء الدين كيكوبات – الواقعة في مدينة أنطاليا جنوبي البلاد – 37 في المئة من فريقها الأكاديمي.

وقالت لولوفار كوروكماز، من أكاديمية جمعية حقوق الإنسان التركية إن الممارسات الأكاديمية والإدارية في الجامعات صارت تحكمها القرارات التنفيذية، التي عدّلت أيضاً الكثير من الأحكام في قانون التعليم العالي.

أضافت كوروكماز أن “بهذا، صارت إدارات الجامعات خاضعة للحكومة… الخطوة الحاسمة في خضوع الجامعات للحكومة بشكل رسمي، وليس فقط من الناحية العملية، كان القرار الرئاسي رقم 676 بتاريخ 29 أكتوبر 2016، والذي ألغى نظام انتخاب رؤساء الجامعات”. وكان أردوغان أصدر مرسوماً في يوليو 2018، جعل سلطة تعيين رؤساء الجامعات له وحده، وبشكل دائم.

وقالت كوروكماز إن الأكاديميين غير قادرين على دراسة موضوعات حساسة، أو تدريسها، وإن الحكومة تستغل الكثيرين منهم للمساعدة في بسط سيطرتها على الجامعات.

وقالت كيلينج إن الأخطر من عمليات الطرد هو مناخ الخوف الذي خلقوه، والذي أسهم في تخريب القطاع الأكاديمي التركي وفرض الرقابة الذاتية عليه.

أضافت “السؤال الأهم من كم عدد الأكاديميين الذين طُردوا من الجامعات هو كم من الأكاديميين في الجامعات التركية يعتقدون أنهم من الممكن أن يتعرضوا للطرد بسبب آرائهم، أو دراساتهم الأكاديمية، أو تصريحاتهم العلنية، أو ما يقولونه في محاضراتهم؟”

وتساءلت “كم عدد من يخشون أن يكون تلامذتهم وزملاؤهم يراقبونهم لصالح الحكومة، أو من احتمال أن يكون قد تم اعتبارهم على اتصال بإرهابيين؟ كم عدد من تجنبوا الدراسات التي كانوا يريدون إجراءها، أو أحجموا عن قول ما كانوا يريدون قوله في المحاضرات؟”

وتقول توكر كيلينج إن الضغوط السياسية على الأكاديميين ليست بالأمر الخارج عن المألوف في تركيا. أضافت “قبل كل شيء، فإن تاريخنا في الجامعات هو تاريخ الإقصاء السياسي.

“لكن مناخ الضغوط السياسية التي أحاطت بجامعات تركيا بشكل كامل خلال فرض حالة الطوارئ، يشكل أحد النقاط الأكثر سواداً في هذا التاريخ، ليس فقط بسبب انتهاك الحقوق بشكل جماعي، وإنما أيضاً بسبب الضرر الذي وقع على القطاع الأكاديمي”.