وقفة تأمل
عالمنا اليوم في حاجة مُلحِّة إلى وقْفة للتأمل، بل في حاجة إلى وقفات تأمُّلية وتفكُّرية كثيرة، وإلى تدبر عميق في حال إنساننا ومآله، وإلى تشريح نفَّاذ عبر مِسبار التعقُّل والحكمة، لتشخيص حقيقة الداء العضال الذي أصاب روح الإنسان فينا في مقتل، فالفوضى والتنازع والفرقة والصراع تكاد تكون هي العملة السائدة في كل مكان.
عالمنا اليوم في حاجة لأن ينصت لصوت العقل والحكمة، ولصوت قادر على النظر إلى ما حولنا من مقام يتيح رؤية كل شيء، واستيعاب كل ما يجري برؤية أخرى ومنطق مختلف، لأنه استطاع رصد مقدمات الأزمة وحذَّر منها ومن الانخراط فيها، بل وكان قادرًا على توقع طبيعة النتائج التي ستسفر عنها ودعا إلى تغليب صوت العقل والحكمة وعدم الانجرار إلى دوامة الفوضى لأن دخولها أيسر بكثير من الخروج منها.
إنَّ حالَ مَنْ في قرار دوامة الفوضى لا يتيح لمن انخرط في الفتنة أن يصف لنفسه العلاج ويتصور الحلول، لكن هناك من اختار بوعي الابتعاد عن رياح الفوضى، وأعدَّ العدة الفكرية والمنهجية والروحية لمرحلة ما بعد الإعصار، كمعالج يقف أمام بناء تلتهمه النيران؛ يمدُّ الخارجين منه بجرعات هواء نقية، تعيد له توازنه وتمسح عن عينيه غشاوة دخان الفوضى.
من وسط هذا الركام تهبُّ نسمة “نسمات” منبرًا للتأمل الفكري والمنهجي والأكاديمي في فكر الخدمة والأستاذ كولن، منبرًا موجَّهًا لمن يريد تجديد رحلة التجديد والإصلاح والإقبال على الحياة بروح مفعمة بالأمل والثقة في الذات وفي رصيدها الديني والتاريخي والحضاري والثقافي. فكل من أشاد بفكر فتح الله كولن وبما قدمته الخدمة من منجز يبرز الوجه المشرق للإسلام من علماء ومفكرين ومثقفين؛ لم تكن أقلامهم وأقوالهم مأجورة، بل كانت تعبيرًا عن ذلك الهاتف الداخلي المتطلع إلى رؤية الانبعاث الحضاري وقد صار فعلاً وليس مجرد قول.
لقد رأى هؤلاء كلهم أن تنزيل الأفكار وتطلعات الإصلاح أمر ممكن وليس مستحيلاً، وأدركوا مع ذلك كله أن هناك همة رجل نذر حياته كلها لرؤية روح الدين وقد تحولت إلى منجز، فاكتشفوه مرة من خلال ما أَنْجَزَ في مجالات كثيرة، واكتشفوه أخرى من خلال مؤلفاته الكثيرة، التي لم تترك مجالاً إنسانيًا إلا ورصدته بوعي وذهنية متقدمة جدًّا كأنها آتية من المستقبل، واكتشفوه مرة ثالثة عندما اجتمع من اجتمع على تشويه صورته، فما غيَّر مواقفه وظلَّ صامدًا يردُّ هجمات الخصوم بالحكمة والتعقل، ولم يبهت لونُ خطابه كما بهت لونُ خطابهم.
تريد نسمات أن تكون منبرًا فكريًّا أكاديميًّا يقدَّم -من خلاله- كلُّ من استوعب فلسفة الخدمة ورؤية الأستاذ كولن في مجال الإصلاح والانبعاث، لتكون مُعينًا لمن يريد مراجعة منهجه ومواقفه وتصوراته خلال هذه المرحلة الحرجة والمرحلة المقبلة، ولتكون مَعينًا لمن يريد إشباع العين والرؤية بالمنجز، لا إشباع السمع فحسب. وبالله التوفيق.
Leave a Reply