إعادة تقييم المفاهيم العقائدية

دور أكبر لحركة كولن نحو تطوير الفهم الديني، مستمَدٌّ من القرآن والإسلام

تؤكد هذه الدراسة أن مبدأ الحوار بين أبناء الديانات الإبراهيمية يتماشى مع تعاليم القرآن والدور المحوري الذي يلعبه الإسلام في التطور الديني. ويقدم القرآن الدافع وراء تعاون أصحاب العقائد المختلفة ووسيلة القيام بذلك، بهدف تخفيف حدة الصراع الحالي بينهم. كذلك من الضروري وضع خطة لإعادة تقييم المفاهيم العقائدية الأساسية التي توجّه الفهم الذاتي لكل عقيدة.

وتركز الدراسة على الظروف المحيطة بسعي فتح الله كولن لإقامة حوار مع مجتمعات الأديان الأخرى بعيدًا عن المبادرات السياسية، بهدف حماية مجتمعات المسلمين وإفادتهم بشكل مقصود، وذلك في سياق العلاقة بين الإسلام والمسيحية واليهودية.

ويؤكد تاريخ العالم والنمو السكاني والعلوم أن المعتقدات والممارسات الدينية الحالية ليست مطلقة أو قاطعة. ومن ثم فإن كل أديان العالم تسعى إلى توجيه البشر للتعايش معًا في تناغم واستقرار. وتقع مسؤولية إضافية على عاتق أصحاب الأديان الإبراهيمية؛ تتمثل في مساعدة البشر على فهم علاقتهم بالخالق. لكن الصراعات الدائرة بينهم تحول دون تحقيق هذين الهدفين للأسف. إن التزام البشر بأداء واجباتهم الدينية بموجب العهد الإلهي قد يدفعهم إلى إجراء تغييرات تتماشى مع المقصود الإلهي، بالرغم من سعيهم وراء منفعة شخصية عبر ممارسة سلوكيات سلبية بإرادة حرة. ومتى حدث ذلك، فإن الظروف تشير إلى أنها ستكون متوافقة مع الإدانة الإلهية التي تنطبق عليهم. وما من شك أن التغييرات الناتجة عن عملية إعادة التقييم ستكون أفضل.

لقد جاء الإسلام لتحدي العقائد السابقة، وتشجيع إعادة تقييم ممارساتها وفهمها الذاتي. ولم يتغير هذا الدور الإصلاحي منذ ذلك الحين، ويجب ألا تتشتت رؤية قادته بسبب الصراعات الحالية. فلا بد أن يستمر الحوار متوازيًا مع برنامج تعاوني عالمي لإعادة التقييم. ومن الممكن أن تكون حركة كولن منصة انطلاق هذا البرنامج، بفضل ما أطلقته بالفعل من مبادرات، ولا سيما في مجالي التعليم والمؤتمرات، فضلاً عن مقترحات إنشاء جامعات مشتركة تضم مسلمين ومسيحيين.

لقد اكتسبت حركة كولن سمعة طيبة تؤكد على انفتاحها، وحفاوتها الدائمة، واستعدادها للحوار مع أصحاب الديانات الأخرى، سواء في مجتمعات إسلامية أو غير إسلامية في أوقات الأزمات الدولية المحتدمة. وقد شجعت سياسة الحركة الاستعداد لإقامة حوار مشترك، ونجحت في تنفيذ برامج تعليمية وثقافية لم يكن لها أي وجود منذ بضع سنوات. وهذا يتماشى مع المبادئ التي كثيرا ما نادى بها فتح الله كولن، وطبقها في تعاملاته وعلاقاته مع أتباع الأديان الأخرى على مدار مشواره، ومع إدراكه الواعي أن الإسلام جاء من أجل الإصلاح عبر الحوار.

ولقد أشار كولن في بحثه “دعوة الإسلام العالمية للحوار” (11 يونيو 2003) إلى أن الإسلام قدم أعظم دعوة شهدها العالم للتقريب بين اليهود والنصارى، عندما أسماهم “أهل الكتاب”، قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان. ثم أكّد على أهمية تلبية هذه الدعوة الآن أكثر من أي وقت مضى، فيقول: “أصبح الحوار بين الأديان ضرورة الآن، وأول خطوة لبدء الحوار نسيان الماضي، والتغاضي عن الخلافات الجدلية، والتركيز على النقاط المشتركة التي تزيد عن النقاط الجدلية بكثير” (“الحوار ضرورة”، 11 يونيو 2003).

غير أن التعايش السلمي موضوع هذا المؤتمر، ليس الهدف الأمثل، فلا بد أن يكون هدفنا التغلب على ظروف الأزمة الحالية، وإرساء أجواء التناغم والاستقرار والحفاظ عليها، فيما بقي من عمر البشر على الأرض. وهذا يتطلب فهْمَ الأساس التاريخي لظروف الأزمة الحالية.

لهذا فبالرغم من ضرورة تجاوز جراح الماضي عند السعي لإقامة حوار على المستوى المجتمعي، فلا بد من دراسة التاريخ وكل آفات الطبيعة البشرية والسلوكيات الدنيئة التي تتكشف لنا، والنظر إليها بانفتاح وشمول وصدق قبل الانتقال إلى المرحلة التالية، وهي مرحلة إعادة التقييم على يد العلماء والقادة الدينيين، لتيسير تحقيق الهدف على المدى البعيد.

وبعد دراسة الظروف التاريخية، نكتشف أن السبب الرئيسي وراء الأزمة الحالية هو اعتناق أشكال مختلفة من الفهم الذاتي للمجتمع مستمدة من تأويلات محددة للمعتقدات والتعاليم الدينية. وهذه الأشكال من الفهم الذاتي قد تؤدي إلى تبني توجهات معادية نحو أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى والسلوكيات الشخصية والعامة المغايرة. ومن ثم تؤدي هذه السلوكيات بدورها إلى ظهور مجموعة متوقعة من أنماط الصراع. لن يهم إن كان الأشخاص يتبنون معتقدات دينية مختلفة، ما دام فهمهم الذاتي وسلوكياتهم المترتبة على ذلك لا تؤدي إلى الصراع، وتشير فقرتان لاحقتان من نفس البيان الخاص بالحوار إلى أن كولن يدرك هذا الموقف بوضوح:

“هناك أشخاص اعتنقوا الإسلام بوصفه أيديولوجية سياسية، وليس عقيدة دينية بكل ما تحمل من معنى ووظيفة، وهؤلاء عندما يراجعون أفعالهم وتوجهاتهم التي يعتبرونها إسلامية، وخاصة السياسية منها، فسيكتشفون أن القوة المحرّكة في الأغلب هي مشاعر غضب أو عداء شخصية أو قومية، أو دوافع شبيهة. وإن كان الوضع كذلك، فينبغي لنا أن نقبل الإسلام ونعتنق التوجه الإسلامي باعتباره نقطة انطلاق أفعالنا لاستبدال الوضع الحالي المجحف، فيجب أن ترتكز نقطة انطلاقنا على أساس إسلامي. كما يجب ألا يتصرف المسلمون من منطلق عصبية أيديولوجية أو سياسية ثم يُلبسوا أفعالهم عباءة الإسلام، أو أن يطرحوا رغباتهم في صورة أفكار. فإذا نجحنا في التغلب على هذه النزعة، فسيظهر وجه الإسلام الحقيقي. أما صورة الإسلام المشوهة الحالية التي انتشرت بسبب إساءة استخدامه من قِبل المسلمين وغير المسلمين لتحقيق أهدافهم الخاصة، فإنها صورة مخيفة لكلٍ من المسلمين وغير المسلمين.

وتنطبق هذه العبارة على اليهود والنصارى كما تنطبق على المسلمين، فهناك علاقة وثيقة تربط بين الصراع الناجم عن السلوكيات والفهم الذاتي والعقيدة. لهذا، لا يمكن إنهاء الصراع ما لم تخضع جوانب عقائدية معينة لإعادة التقييم، وتغيير الفهم الذاتي والسلوكيات، ولقد ظهرت هذه الحقيقة جلية منذ بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه، لكنها تعرضت لحملة إنكار واسعة، مع إجهاض أي مناقشات لإعادة التقييم من شأنها تكوين فهم ذاتي جديد . [فراي 2000 (1) ص. 579] [ستورتن 1998، ص.ص. 37-40] [أريراجاه 1992]

فهناك تخوف من الإقرار باحتمالية وجود مبرر أو ضرورة لإعادة تقييم العقيدة، التي يعلّمها المرء أو يمارسها، لأنه قد يعني ضمنيًا الاعتراف بأن الفهم الذاتي الشخصي القائم على العقيدة قد يكون (أو ربما كان بالفعل) أحدَ عوامل نشوب الأزمة. بل إن مجرد التفكير في هذا الاعتراف صورة من صور تحدي الفهم الذاتي للجماعات الدينية المهيمنة، وتهديد لسلطة مؤسساتها. إن الحاجة الملحوظة للحفاظ على “النزاهة” المؤسسية والسلطة الشخصية مقدّمة على زيادة فرص السلام العالمي والاستقرار. ولعل ردود الفعل المتناقضة تجاه الصراع الناتجة عن هذا التعنت قد تفرز حاجة أكثر إلحاحًا لإقامة حوار.

وإن أحد ردود الفعل -الصادرة غالبًا عن أشخاص غير منخرطين في الشؤون الدينية بصورة مباشرة، وقد لا يكون لديهم أساس ديني بما تحمل الكلمة من معنى- قائم على إدراك أن المجتمع يمزق نفسه، وهو أمر يجب إيقافه، ويجب التغلب على الصراع بين المجتمعات الدينية من خلال محاولة إقامة حوار مشترك والتعرف على الآخر. في حين قد ينشأ رد الفعل الثاني عن إحساس بعدم الأمان والخوف على استقرار نظام عقائدي يُفترض به توفير الإطار العام للثقافة الاجتماعية والجماعية. ربما يدفع هذا الشعور بعدم الأمان الحوار للوصول إلى حل وسط لمنع عملية إعادة التقييم أو اعتبارها غير ضرورية. وربما ينشأ رد الفعل الثالث عن فكرة مناقضة؛ وهي الثقة في النظام العقائدي الذاتي، وإن أفرز الحوار عملية إعادة تقييم وأدى إلى تغيير، فإن اليقين أنه سيكون تغييرًا متوافقًا مع المقصود الإلهي.

وإن تعدد الدوافع وردود الفعل يعني أن أغلب الإرشادات -دون استثناء يُذكر- التي تنشرها برامج الحوار توجّه المشاركين نحو أن يتعرّف أحدهم على الآخر على صعيد شخصي، ثم التعرف على ممارسات الآخر الثقافية والدينية، وأخيرًا تكوين فكرة عامة عن العقيدة. كما تحاول إبعاد الأشخاص عن النظر إلى الاعتبارات العقائدية التي تشكّل أساس الفهم الذاتي، وبالتالي التوجهات والسلوكيات التي تؤدي إلى الصراع. يظهر ذلك في الملاحظتين 1 و4 من الإرشادات الصادرة عن “مؤتمر واشنطن للتحالف بين الأديان”. ويتمثل هدف الحوار بين الأديان في زيادة فهمنا واحترامنا للأنظمة والمؤسسات الدينية الأخرى، وبالتالي زيادة تقديرنا لمنظومة قيمها. ويجب أن يزيد الحوار حساسيتَنا تجاه مشاعر كل الأشخاص المتدينين في علاقتهم بالخالق.

كما يجب كذلك أن يؤدي الحوار الجيد إلى ترسيخ الإيمان في قلب كل شخص مشارك، وأن يحمل هدفًا نبيلاً يتعلق بموضوع قد يصبح مستحسنًا أو حتى ضروريًّا لاتخاذ أي إجراء نتيجة الحوار بين الأديان، وهناك هدف نبيل أيضًا للحوار القائم من أجل الحوار؛ لتبسيط الموضوعات والتقريب بين الأشخاص ومشاعر المشاركين، فيجب أن يقدم المشاركون في الحوار آراءَ المجموعة العقائدية التي ينتمون إليها، لكن باستطاعتهم أيضًا مشاركة آرائهم الشخصية. وبذلك يتجلى الإيمان الراسخ في أي جماعة دينية مع التشديد على ذلك. غير أن مستوى الأزمة الحالية يفرض علينا اللقاء في مؤتمرات متنوعة، ويبين لنا بوضوح أن هدفنا الرئيسي لن يتحقق ببرامج الحوار وحدها؛ بل من الضروري إعادة تقييم مبادئ العقيدة الأساسية، لمساعدة البشر على إدراك أن البشرية كيان واحد، وتكوين فهم مستنير للعلاقة بين البشر والخالق في ظل العهد الإلهي.

وتستقصي هذه الدراسة مفهوم العهد الإلهي، وكيف ظهر، وتقارب النبوءات الخاصة بالعهد، لإثبات أن حركة كولن أداة مناسبة لتحفيز عملية إعادة التقييم العقائدية، ونشرها، ودعمها. ونقطة انطلاقها هي مكانة البشر بين المخلوقات. لكن إذا كانت حركة كولن ستلعب دورًا جوهريًّا، فمن الأفضل إجراء استعراض سريع للظروف المحيطة بنشأتها.

لقد كان العالم يمر بأزمة عندما جاء فتح الله كولن إليه. فكانت الحكومات والشعوب مشغولة بالصراع الدائر بين الدكتاتور الألماني أدولف هتلر ومجموعة صغيرة من القادة الأوروبيين الذين قيل إنهم يحمون العالم من فظائع هتلر. كانت هذه الصورة مناقضة تمامًا لمشهد التزلف الذي استقبل به قادة الدول الصناعية هتلر قبل بضعة أعوام عندما حقق المعجزة الاقتصادية الألمانية. وأدرك القليلون أن الكارثة تكمن في انتهاك واجبات العهد الإلهي التي ادعت القوى المسيحية الالتزامَ بها. وأقل منهم من كان على استعداد لمناقشة ذلك. ونستعرض فيما يلي أهم الظروف التي تلخص الوضع.

اعتمدت القوى الأوروبية على تفسير الكنيسة المسيحية الخاص لمصطلح العهد الإلهي، ومبادئ عقيدته، وفهمه الذاتي لواجبه الديني، لإخضاع الشعوب وتسخيرها في جميع أنحاء العالم غير الأوروبي على مدار أربعمائة عام.

وخلال هذه الفترة، تدهورت أوضاع الإمبراطورية العثمانية، بسبب كلٍّ من سيطرة القوى الأوروبية، وفهم القادة المسلمين الذاتي لواجبهم الديني.

وقد عمدت القوى الأوروبية إلى انتهاك نفس مبادئ العقيدة بشكل ممنهج على مدى زمني أطول، بهدف إخضاع المجتمعات اليهودية في أوروبا وقمعها.

وقد وصل هذا القمع إلى مراحل متقدمة، أدت إلى قيام مجموعة من القادة اليهود بتأسيس حركة صهيونية تبحث عن وطن؛ هربًا من الاضطهاد في أوروبا. واستندوا إلى تأويلهم الخاص لمصطلح العهد الإلهي الذي ظن شعبهم أنهم يعيشون بموجبه، وسعوا إلى احتلال المنطقة التي طُرد منها أسلافهم قبل قرابة ألفي عام.

وعندما أدت المنافسة بين القوى الأوروبية إلى قيام الحرب العالمية الأولى، أدركت بريطانيا -وهي القوة الاستعمارية المهيمنة- أن احتمالات الهزيمة الفعلية أصبحت كبيرة. ورأت حكومتها والقادة الصهيونيون أن المصالحَ الكبيرة المشتركة المترتبة على عقد تسوية لا تتخذ صورة اتفاق رسمي وليست لها وثائق في البداية، سوى إعلان بلفور. شمل ذلك المزيدَ من الانتهاكات للفهم الذاتي للدور الديني من قِبل الطرفين.

ومن بين نتائج هذه التسوية دخولُ الولايات المتحدة في الحرب حليفًا لبريطانيا، واحتلالُ بريطانيا أهم حقول النفط في العراق قبل أن تسيطر عليها ألمانيا، واجتياحُ الحلفاء روسيا عندما فشل يهودُ روسيا الذين رعاهم إعلان بلفور في إبقاء الحكومة البلشفية في الحرب كحليف على الجبهة الشرقية وأضروا بموقف بريطانيا، واستمرار الحرب لوقت طويل جدًّا وما تلى ذلك من تبعات كارثية، وحصول بريطانيا على تمويلات إضافية هائلة ساعدت في صمودها، وتدهور أوضاع كلٍّ من ألمانيا والإمبراطورية العثمانية التي تحالف قادتُها مع ألمانيا مخافة التعرض لمجازفة روسية لدعم بريطانيا، وتوقع تأسيس دولة يهودية بعد منح بريطانيا حق الانتداب على فلسطين.

وقد وصل الحزب النازي للسلطة في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر الذي كانت لديه رؤى تبشيرية بعد التعرض لقنبلة موقوتة في أواخر أيام الحرب، وقد طارده شبح هزيمة ألمانيا نتيجة تدخل اليهود بسبب إعلان بلفور. وقد استغل فرصة قضاء تسعة أشهر في السجن، ليبدأ إملاء بنود سياسته في كتاب “كفاحي” Mein Kampf الذي أوضح فيه نواياه تمامًا.

“أنا مؤمن أنني أعمل وفق إرادة الخالق: عندما أحمي نفسي من اليهود، أنا أقاتل لأجل عمل الرب” [وات 1969].

وفي حين حاول مصطفى كمال أن يُعيد العزة والمكانة والأمان والاقتصاد إلى جمهورية تركيا المُعاد إعمارها من خلال تحقيق النجاح العسكري وإسقاط السلطان العثماني، حاولت القوى العظمى في أوروبا القارية، المشغولة بإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، أن تقنع نفسها أن هتلر وأفكاره الدينية ليست ذات تأثير يُذكر. وكافحت بريطانيا للحفاظ على سيطرتها على فلسطين -التي مزقها الصراع بين المهاجرين اليهود المستوطنين والمسلمين والمسيحيين العرب الذي رأوا وطنهم يُسلب منهم بالتدريج- لأن فقدان فلسطين يعني بالتأكيد فقدان إمبراطوريتها الشرقية. صاحبت عملية إعادة إعمار تركيا فصل الإسلام ودوره وتأثيره عن الهياكل التنظيمية للدولة، وإجراء مجموعة إصلاحات كمالية في الجوانب الاجتماعية والتعليمية والإدارية، وإضفاء الطابع الأوروبي على الثقافة واللغة، وإحلال القوانين المدنية محل الدينية، والقضاء على التفرقة العرقية.

واكتملت عملية إعادة الإعمار يوم 10 نوفمبر 1938 عندما فقدت تركيا مؤسِّسها، واستيقظت أوروبا على مرحلة جديدة في “المسألة اليهودية”. وربما كان فتح الله كولن يلتقط أولى أنفاسه في هذا العالم.

عُقد مؤتمر في مدينة إيفيان قبل بضعة أشهر، رفضت فيه القوى الغربية الموافقة على برنامج إعادة توطين اليهود لتخليص هتلر من “مشكلة اليهود” التي تواجهه. وسرعان ما تفاقم الوضع عندما نشرت الجريدة اليسوعية (Civilta Cattolica) دراسة مطولة، ذكرت فيها أن “سيادة” اليهود قد أصبحت ذات تبعات “كارثية على الحياة الدينية والأخلاقية والاجتماعية للشعب المجري”، وبالتالي فإنها ليست مسألة اقتراح فكرة من أجل العزل، بل “الموافقة على تطبيقها الفعلي في بلد يُعتبر “أهم وأقوى معقل للمسيحية””. [فراي 2000 (1) ص. 791]، ولقد أجاب هتلر موجهًا حديثه للحكومة البريطانية قائلاً إنه “إذا لم يكن هناك حل مُرضٍ في القريب العاجل، فسأضطر ببساطة لحل (مشكلة سوديتن) بالقوة”. [تولاند 1977، ص.ص. 637-638؛ وتشرشل 1948، ص.ص. 242-243]، وانصاعت بريطانيا، وأجبرت تشيكوسلوفاكيا على قبول معاهدة ميونيخ، والتخلي عن سوديتنلاند لهتلر، [بولوك 1993، ص. 633]، وفي يوم 9 نوفمبر 1938، أكّد هتلر رسالته لليهود والعالم عندما نفذ اجتياح “ليلة الكريستال”، وما تبع ذلك من عودة اليهود سريعًا إلى تشيكوسلوفاكيا وبولندا.

سرعان ما فقدت بريطانيا السيطرة على الأزمة في فلسطين، وضعفت قبضتها على إمبراطوريتها، وزاد هتلر الضغط من أجل إعادة توطين اليهود دون انصياع أي دولة. فهدد باجتياح بولندا، وتحت ضغوط شديدة من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية من أجل فلسطين، قدمت بريطانيا لبولندا ضمان وساطة. [فراي 2000 (2) ص.ص. 960-970]، وعندما بدأت قنابل هتلر تضرب بولندا، دخلت بريطانيا في حرب مع ألمانيا. وكان هتلر أقوى، وضغط لإجراء مفاوضات لحل مشكلة إعادة توطين اليهود. واجتاح هتلر هولندا وبلجيكا وفرنسا، وتوقع من بريطانيا أن تبدأ المفاوضات، لكنها لم تفعل. فقد قرر تشرشل إعادة تنظيم الصفوف ومواصلة الحرب، فأجلى القوات من مدينة دنكيرك. وعندما رأى هتلر آماله تتحطم، أصدر تعليماته بتنفيذ “الحل النهائي”.

بعد مرور أربعة أعوام، كانت الحرب قد انتهت ونُفذت محرقة اليهود. وبدأت أعمال إعادة الإعمار مرة أخرى. ونجح المجتمع اليهودي في استغلال مشاعر الذنب المسيحية الغربية النابعة من رؤية مصير اليهود، وتم الاتفاق على إعادة التوطين في فلسطين باعتبارها وطنًا لليهود. وبعد ثلاثة أعوام، أدركت الحكومة البريطانية أن قوتها الاستعمارية والاقتصادية ستنهار إذا نفذت الخطة ضد مصالح العرب. لكن الولايات المتحدة واتتها نفس الرؤية، وأدركت الفوائد الهائلة التي ستحصل عليها إذا لعبت دور الراعي والحامي للدولة اليهودية المقترحة، التي كانت سبب صدور إعلان بلفور قبل ثلاثين عامًا. وتوقعت زيادة قوتها السياسية والرأسمالية زيادة كبيرة، ولاحت لها فرصة مواتية لاستغلال جغرافيا الشرق الأوسط وموارده إن هي وضعت قدمها في فلسطين، بمساعدة جماعة ناخبيها اليهود. وارتأت الحكومة أن هذه الشراكة من شأنها تيسير إنشاء مؤسسات “بريتون وودز” وتنفيذ “مشروع مارشال”، المنتظر أن تساعدها في تأمين سيطرتها على النظام الاقتصادي العالمي، والموارد والأسواق المستقبلية، والهيمنة على الشؤون العالمية دون حاجة كبيرة للاعتماد على القوة العسكرية. [والا 1993، وبولارد 1985]

ولقد كان فتح الله كولن في آخر سنوات المدرسة الابتدائية عندما بدأ تقسيم فلسطين يوم 15 مايو 1948 وإعلان دولة إسرائيل. وفي أعقاب فساد سياسي وتلاعب غير مسبوق في تصويت الأمم المتحدة، تحرك 32500 جندي من خمس دول عربية مجاورة، عابرين الحدود لمواجهة 30000 جندي من الهاجاناه اليهودية في الحرب العربية الإسرائيلية. [فراي 2000 (2) ص.ص. 1474-1483] ونشبت أول حرب ضمن سبعة حروب كبرى تندلع خلال أقل من ستين عامًا بسبب تأسيس دولة إسرائيل. وقد تزامن ذلك مع حدث آخر أكثر أهمية، والذي كان في ظاهره مؤشرًا للآخر. كان الحدث الرئيسي هو تزامن تحقق تنبؤات من الديانتين الأخريين كانت الكنيسة قد قطعت باستحالتهما منذ وقت طويل؛ هما نبوءة سورة الإسراء، وتنبؤ موسى بن ميمون بظروف عودة بني إسرائيل إلى وطن أسلافهم.

يمكن إدراك أهمية الإسهامات التي قدمها فتح الله كولن وزملاؤه في الحركة عند ربطها بالظروف التي دفعته للانخراط في العمل.

فخلال الفترة التي ترك فيها كولن المدرسة الابتدائية وبدأ يتعلم الدين بمساعدة والده والحاج صدقي أفندي، كانت الجهود تُبذل في تركيا للرجوع في بعض الإصلاحات الكمالية، والتأكد من تماشي القوانين المحلية مع الحريات والحقوق التي قبلتها البلاد عبر تبني ميثاق الأمم المتحدة، التي كانت تركيا عضوًا فيها؛ بعد تخليها عن حيادها في المراحل الأخيرة من الحرب ضد ألمانيا للانتفاع من الوقوف في صف القوى الغربية المنتصرة بعد الحرب. نتيجة لذلك، استعادت البلاد قدرًا كبيرًا من الحرية الدينية، وسُمح بالتعليم الديني في المدارس الحكومية عند الطلب، وتأسست كلية إلهيات في جامعة أنقرة، وعادت الأخوة الصوفية إلى الحياة مرة أخرى.

حينها بدأ كولن يهتم بأعمال سعيد النورسي، الذي قيل إنه أول من دعا إلى الحوار بين الأديان كما نرى في رسائله إلى البابا والبطريرك الأرثوذكسي، في محاولة للتقريب بين المسلمين والمسيحيين في مواجهة الشيوعية. وعندما مات أستاذه عام 1960 وبدأ كولن يعطي المحاضرات بنفسه، كان الشرق الأوسط قد دخل في حرب أخرى بين العرب وإسرائيل بمعاونة القوى العظمى بسبب أزمة قناة السويس.

ولقد سافر كولن للحج مرتين، مرة عام 1968 ومرة أخرى في يناير عام 1973. وكانت تجربته في المملكة العربية السعودية وإقليم شرق البحر المتوسط خلال رحلة الحج الثانية حية في عقله عندما اندلعت حرب أكتوبر بعد تسعة أشهر، لكن يبدو أن اهتمامه الرئيسي في تلك الفترة انصب على التعافي الديني والإصلاح الداخلي في وطنه، وظلت خطاباته تركز بشدة على الحب، والسلوك القويم مع الله، وأوامر القرآن، والتسامح، وحقوق الإنسان، والعدل، وترابط المجتمع، والمشاركة الديمقراطية، وضرورة أن يحقق الدين الإسلامي المكانة التي يستحقها باعتباره أداة مؤثرة في حياة المجتمع وتثقيفه.

غير أنه بعد حرب أكتوبر، يبدو أن علاقاته الخارجية واهتمامه بالشؤون الخارجية قد زاد زيادة مطردة، وعندما عاد إلى تركيا من رحلة الحج الثالثة عبْر البَر في أغسطس 1986، ظهر بوضوح كم كان غارقًا في الأزمة الدولية. كانت الثورة الإيرانية أمرًا من الماضي، وظلت مشاهد قيام إسرائيل بتدمير منظمة التحرير الفلسطينية وبيروت حية في مخيلته، وكانت الأردن على وشك تحمل مسؤولية الضفة الغربية، وقام أسامة بن لادن بدعم أمريكي بمساعدة الأفغان في إذلال الاتحاد السوفييتي الذي كان يستعد للانسحاب.

بدأت خطابات كولن تركز على نقطة جديدة

علم كولن أن الكنيسة الكاثوليكية قد غيرت موقفها، وأنها كانت تنظر إلى بعيد وتشجع المسيحيين على إقامة حوار مع أصحاب الأديان الأخرى. وأشار إلى أن الكنيسة “تتوجه نحو الأديان الأخرى التي تتمسك بمفهوم ومعنى الإله الواحد، المتعالي، الخالق، المتصرف، العليم”. وسرعان ما أصبح مستعدًّا أن يقول: “يسعى الحوار بين الأديان إلى إدراك وحدة الأديان الأساسية وعمومية العقيدة. يحتضن الدين كل العقائد والأجناس ويعتبرهم إخوة، ويعلي من شأن الحب، والاحترام، والتسامح، والعفو، والرحمة، وحقوق الإنسان، والسلام، والأخوة، والحرية بمساعدة الأنبياء” [2/5/2002]

كان كولن يدرك تمامًا وجود معارضة من جهات معينة، ولا سيما الخوارج والقرامطة والفوضويين، لكنه أبدى التزامًا فعليًّا عندما سعى لعقد لقاءات مع البطريرك اليوناني بارثولوميوس في أبريل 1996، والبابا يوحنا بولس الثاني في فبراير 1998، والحاخام الأكبر ديفيد أسيو في يوليو 2006.

وتبين كتابات كولن حول العلاقة بين الحضارة والتجديد أنه يتمتع بمعرفة عميقة بعمليات التطور الإنساني على اختلافها، والتطور المادي، وتطور التاريخ والفكر الفلسفي والديني، والعلاقة بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة تحديدًا. وهذه المعرفة هي التي أهّلته أن يقول ما يلي عقب أحداث 11 سبتمبر المؤلمة، وما أعقب ذلك من غزو صادم ومروع للعراق:

“ليس الهدف وراء الحوار بين أديان العالم هو تدمير المادية العلمية والنظرة العالمية المادية المدمرة؛ بل إن الدين بطبيعته يفرض هذا الحوار. اليهودية والمسيحية والإسلام، وحتى الهندوسية وغيرها من الأديان في العالم، تتلقى مبادئها من نفس المصدر، وتسعى لتحقيق نفس الهدف، متضمنة البوذية. وبوصفي مسلمًا، أؤمن بكل الأنبياء والكتب المرسلة إلى مختلف الأشخاص على مدار التاريخ، وأعتبر الإيمان بها مبدأ أساسيًّا من مبادئ الإسلام. المسلم الحقيقي يؤمن بإبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى، وكل الأنبياء. وعدم الإيمان بأحد الأنبياء أو الكتب السماوية يُخرج الشخص من الإسلام. لهذا نقر بوحدة الأديان الأساسية –التي ترسم لوحة متناغمة من نِعم الله ورحماته– وعمومية الإيمان بالأديان. وبالتالي فإن الدين نظام عقائدي يحتضن كل الأجناس وكل العقائد، أو طريق أخوة يجمع الكل”. [11/6/2003]

للأسف كان رد فعل حكومة الولايات المتحدة وبعض حلفائها إدانة الإسلام وأتباعه، في محاولة لعزلهم سياسيًّا واجتماعيًّا وتقليل أثرهم في المحافل الدولية. غير أن هذه السياسة انقلبت عليهم، وحدث العكس. استطاعت مجتمعات الأقليات المسلمة، عقب فترة من التردد والصدمة، أن تعيد تنظيم أمورها، وبفضل مساعدة ودعم العديد من المجتمعات والمؤسسات غير المسلمة، أصبحت أفضل حالاً، وأكثر تنظيمًا من حيث برامج العبادة والتعليم والرعاية الاجتماعية. تم تنظيم برامج حوار ومشاورات مجتمعية مكثفة مع الكنائس، والمعابد اليهودية، والجامعات، والحكومة المحلية. وبفضل زيادة التفاعل وسهولة التعرف على الآخر، استطاعت الأقليات المسلمة أن تحقق قبولاً كبيرًا، وتحظى بمشاركة وتأثير كبيرين في مجتمعاتها الواسعة، أكثر مما أمكن في أي وقت مضى. ووجدت بعض الحكومات والأحزاب السياسية أنه من الضروري تعديل ممارساتها الخاصة بالإدماج الاجتماعي لتجنب أن ينقلب عليها المجتمع.

ومن المؤسف عدم تبني اقتراح كولن بتأسيس جامعة تضم الأديان الثلاثة، على أن يكون مقرها المنطقة التي هاجر منها إبراهيم؛ مهد الأديان. ويبدو أن بعض السلطات مستعدة لأخذ خطوة إضافية عبر تخصيص مقاعد للدراسات الإسلامية في الجامعات، مثلما حدث في الجامعة الكاثوليكية الأسترالية، غير أن هناك حاجة ملحّة إلى أن يتحرك قادة الأديان، وأن يشرعوا في عملية إعادة تقييم ممنهجة لمعرفة أسباب وصولنا إلى هذه المرحلة من الأزمة، ودراسة تأثير تعاليمهم الدينية، واكتشاف أفضل طريقة للمضي قدمًا؛ لأن الجهود المبذولة لوضع برامج تعليمية وبحثية تعاونية يجب ألا تتوقف.

ولقد أثبتت حركة كولن، بتوجيه وإلهام من قائدها، أنها قادرة على بذل هذه الجهود إذا توفرت لديها الإرادة. ويجب تشجيعها استنادًا إلى المستويات الأربعة للحوار بين الأديان التي حددها إم توماس تانجاراي. [تانجاراي 1999]

الحوار حول شؤون الحياة.

الحوار حول الأفعال.

الحوار حول التبادل العقائدي، حيث يسعى الخبراء لتعميق فهمهم لتراثهم الديني وتقدير القيم الروحية لأحدهم الآخر.

الحوار حول التجربة الدينية.

ونظرًا لأن كل ديانة كبرى تقر حاليًا بصحة الأديان الأخرى، فإن المنطق يفرض عليها أن تقر أيضًا بصحة كتبها المقدسة. ولا شك أنه على مستوى التبادل الأكاديمي للمعلومات الدينية قد حان الوقت للانتقال من مرحلة الحوار إلى مرحلة إعادة التقييم. لهذا يجب التخلي عن الشروط التي تفرض على المؤمنين أن “يقفوا أيضًا، بالحوار الصادق والصبور، على الكنوز التي وزعها الله في جودِه، على الأمم” ويجب عليهم في الوقت نفسه “أن يعملوا على إنارة هذه الكنوز بنور الإنجيل، وتحريرها، وإخضاعها لسلطان الله المخلّص” . ما زال يُطلب من بعض المجتمعات أن تنظر للحوار من هذا المنظور. الموقفان متناقضان. لهذا فإن محاولة وضع برنامج إعادة تقييم تعاوني للمفاهيم الدينية الأساسية ليس بالمهمة السهلة، لكن يجب تشجيع حركة كولن استنادًا إلى أن “أول صورة من صور الحوار بين الإسلام والمسيحية يمكن العثور عليها في القرآن، الذي يشير إلى العقيدة المسيحية بكلمات صريحة” (ألاتاس 2006، ص. 125). حدثت مناقشات عديدة، سواء وجهًا لوجه أو عبر المراسلات، خلال القرون الثلاثة التي تلت ظهور الإسلام. لكن الأهم من المناقشات والمناظرات كانت التطورات اللاحقة، التي تضمنت قيام المسيحيين باستعارات ثقافية من المسلمين، تمحورت في مجملها حول الجامعات الإسلامية في الماضي، والتي تركت أثرها على حياة الغرب في العصور الوسطى. تشير السجلات إلى ظهور ثلاثة موضوعات للحوار بين الأديان في القرن الثالث عشر أثناء بداية نهوض الجامعات الغربية: (1) الأصول متعددة الثقافات للحضارة الحديثة، و(2) لقاءات التعلم المتبادل بين الحضارات، و(3) وجهة نظر الآخر. (ألاتاس 2006، ص. 126)

من المنطقي أن تقود عملية إعادة التقييم هيئة دولية دائمة، تضم أشخاصًا بارزين متبحرين في حياة كل دين من الأديان الكبرى، بمن فيهم أساتذة جامعيون على أعلى مستوى، من كل الأديان. ويجب أن تكون هذه الهيئة مدعومة بموارد كافية، وتمويلات متاحة لإدارة شبكة من برامج البحث بالتعاون مع جامعات ومؤسسات بحثية في عدد من الدول، والتي لا يُشترط أن تكون في حرم الجامعة.

من المتوقع أن يتم تنفيذ البرامج البحثية بالتعاون مع مرشحين من حملة شهادة الدكتوراه أو ما بعد الدكتوراه، يعملون في فِرق من ثلاثة (على الأرجح أحدهم مسلم والآخر مسيحي والثالث يهودي) تحت إشراف فِرق تتبع نفس التشكيل. ليس هناك حاجة أن يقيموا جميعًا في نفس المؤسسة، في ظل توفر وسائل التواصل الفوري. على أن يتم نشر نتائج أعمالهم البحثية، وإتاحتها للمؤسسات التعليمية والهيئات القيادية الكبرى في كل عقيدة، وإعدادها للنشر العام.

يتطلب البرنامج على الأرجح تأسيس هيئتين متوازيتين: واحدة لإدارة البرنامج وضمان تدفق التمويل، والأخرى لاتخاذ قرارات بشأن كل الجوانب الأكاديمية؛ وتشمل تحديد أولويات البحث، والإشراف على عملية اختيار لجان أساتذة البحث والمشرفين والممتحنين وتعيينها، وتحديد سياسات منح الدرجات وسياسات النشر في حالة عدم اتفاق فريق البحث بالإجماع على النتائج (يجب تسليم بيان أقلية حول بعض الموضوعات).

من المتوقع أن تُستخدم المطبوعات، أو الكتب، أو الأبحاث، أو المقالات المتفرقة بكثرة في برامج الحوار والمؤسسات التعليمية. أما إذا كانت هناك رغبة في إدخال تغييرات على التعاليم، أو المذاهب، أو المعتقدات، أو الطقوس، أو أنظمة الأوامر، أو أنظمة الهيكل التنظيمي والسلطة، أو العلاقات التنظيمية لأي مؤسسة دينية، فهذه موضوعات راجعة لهذه المؤسسة الدينية وحدها لاتخاذ قرار بشأنها.

إن إعادة تقييم الجوانب التي اختلفت حولها الأديان الإبراهيمية مبادرة مطلوبة منذ وقت طويل. بل إنها حاجة ملحّة إذا أردنا بدء عصر مثالي يسوده السلام والاستقرار والتناغم، كما ينشد كل دين من الأديان الإبراهيمية، وكما توقع أتباع موسى بن ميمون “الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر” عقب عودة بني إسرائيل إلى أرض أجدادهم. لكن كل ذلك لن يتحقق إلا إذا انخرط علماء وقادة كل دين في جهود تعاون وثيقة.

قد تكون نقطة الانطلاق المنطقية هي عقد اجتماع يضم ثلاثين أو أربعين شخصية بارزة، في جلسة عمل متعمقة تستمر عدة أيام لمناقشة المناهج البديلة لتأسيس هيئة دولية دائمة، والموارد المطلوبة، وطريقة الحصول عليها، والإجراءات والتسهيلات الإدارية والتنسيقية اللازمة. كل هذا بمثابة تحدٍ، وفرصة، والتزام بموجب العهد، وأنا واثق أن حركة كولن على أتم استعداد لقبوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) المقصود هو “المؤتمر الدولي للتعايش السلمي: مبادرات فتح الله كولن للسلام في العالم المعاصر” وهذا المقال مقتطف من ورقة بحثية قدمت في هذا المؤتمر الذي عقد في جامعة إيراسموس في روتردام في الفترة من 22 إلى 23 نوفمبر 2007م .

تعرض المجلس التبشيري الدولي في عام 1928 لانتقادات واسعة، عندما أعلن عقب اجتماع عقده في القدس أن المسيح تجسُّد لماهية الرب وتجسُّد لما يمكن أن يكون الإنسان من خلاله، وفي إشارة إلى أديان أخرى لا تعتبر المسيح ابن الرب، أضاف أن “الأب لم يترك نفسه بلا شاهد”

في عام 1964، اضطر مجمع الفاتيكان الثاني لمراجعة مسودة “بيان في الحرية الدينية” Dignitatis Humanae الصادر عن الكنيسة الكاثوليكية. كان ذلك تحولاً هائلاً في طريقة تفكير الكنيسة؛ فهو يتحدى مبدأ الدولة الدينية ويقبل محدودية سلطة الكنيسة الدستورية. فأقر أنه “يجب على الأشخاص التصرف وفقًا لحكمهم، والاستمتاع بحريتهم الواعية والانتفاع بها، وألا يكون الإكراه هو محركهم بل إحساسهم بالواجب”، ووضع الحرية الدينية في مقدمة حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن “هذه الحاجة إلى الحرية في المجتمع الإنساني تُعلي من شأن السعي نحو القيم الملائمة للروح الإنسانية، وممارسة الدين بحرية في المجتمع.” كان من نتائج التحدي الكبير للفهم الذاتي لواجب الكنيسة الديني أن خططت مجموعة من أعضاء المجلس الكبار “انقلابًا” لمنع تبني الرؤية الجديدة. غير أن مجموعة أخرى من الأعضاء التقدميين على نفس القدر من الإصرار أرسلوا خطابًا إلى البابا يوحنا بولس الحادي عشر، يوضحون فيه أن المعارضة “سببت قلقًا واضطرابًا شديدًا”، ويطلبون منه التدخل مباشرة. فأمر بتشكيل لجنة خاصة تضم أعضاء ذوي “آراء متزنة”، وتم تبني البيان.

تجسدت شكوك بعض المسيحيين تجاه الحوار بين الأديان في المناظرة العامة التي أقيمت في الاجتماع الخامس لمجلس الكنائس العالمي (نيروبي، 1975). فقد دُعي لأول مرة خمسة أشخاص من أديان أخرى لاجتماع مجلس الكنائس العالمي باعتبارهم ضيوف الشرف، وشاركوا في جزء من النقاشات حول “البحث عن مجتمع”، حيث تطرق الحديث إلى قضية الحوار. وركزت النقاشات كاملة الأعضاء التي تناولت التقرير الصادر حول هذا الجزء على الاختلاف الشديد داخل الكنيسة حول موضوع الحوار. أعرب البعض عن تخوفهم من أن يؤدي الحوار إلى حلول توفيقية، أو أن يعرّض العقيدة للخطر من حيث تفرد وحي المسيح وحقيقته المطلقة، أو أن يهدد مهمة تعتبر أساسية لوجود الكنيسة ذاتها.

“مؤتمر واشنطن للتحالف بين الأديان”، إرشادات للحوار بين الأديان، http://www.religioncommunicators.org/interfaith_IFCguidelines.html تم الوصول إليه يوم 3/10/2007

هناك ثلاثة تواريخ على الأقل مقترحة ليوم ميلاد فتح الله كولن(أ)، لكن عدم معرفة التاريخ الدقيق ليس له أي تبعات. إن التأثير الفوري لأزمة الحرب على الأطفال في سن ما قبل الدراسة أكبر منه على الأطفال المولودين في مناطق تمزقها الحروب، ووقع رؤية أعضاء الأسرة والأصدقاء يتعرضون للقتل أكبر منه على الأطفال المولودين في مناطق أخرى. يرجع فهمي المبكر لبيئة الأزمة الكلية في منتصف القرن العشرين لسنوات دراستي في المدرسة الابتدائية في نهاية الحرب. (أ) [يشير الموقع الإلكتروني لحركة كولن إلى يوم 27 أبريل 1941، والموقع الإلكتروني لمنتدى الرومي للحوار بين الأديان إلى شهر نوفمبر 1938، وجولاي عام 2007، مستشهدًا بروي إلى يوم 27 أبريل 1938.]

راجع رسالة وايزمان إلى تشامبرلين، صحيفة “تايمز”، لندن، يوم الأربعاء 6 سبتمبر 1939، ص. 8.

تم التأكيد على حياد تركيا عبر اتفاقات مساعدة مشتركة أبرمتها مع بريطانيا وفرنسا، ومعاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا، وقدرتها على مواصلة حركة المرور إلى الاتحاد السوفييتي عبر البحر الأسود.

“لدينا حديث نبوي مذكور بالإجماع في أغلب كتب الحديث يتحدث عن نزول عيسى في آخر الزمان. نحن لا نعرف إن كان سيعاود الظهور فعليًّا بجسده، لكننا نعرف أن ذلك سيحدث في نهاية الزمان، وأن قِيم الحب والسلام والإخاء والعفو والإيثار والرحمة والنقاء الروحي ستعلو، كما كانت في وقت عيسى. علاوة على ذلك، نظرًا لأن المسيح نزل إلى اليهود ولأن كل الأنبياء العبريين أعلوا من شأن هذه القيم، سيكون من الضروري إقامة حوار مع اليهود والحفاظ على علاقات وثيقة وتعزيز التعاون بين الإسلام والمسيحية واليهودية.” [فتح الله كولن، 11/06/2003]

“أمانة الفاتيكان العامة لغير المسيحيين” (10 مايو 1984) موقف الكنيسة من أتباع الأديان الأخرى: تأملات وتوجيهات حول الحوار والمهمة.

“لا يستتبع الحوار بين الأديان إضعاف عقيدة المسيحيين، وفقًا للتوجيهات. أو غض الطرف عن نور الحقيقة في الأديان الأخرى. من الأمور التي تضر جدًّا بالحوار بين الأديان اعتقاد الشخص الكاثوليكي أن كل الأديان متشابهة في الأصل”.

يوضح ألاتاس أنه خلال القرون الثلاثة الأولى من عمر الإسلام، ظهرت أعمال عديدة تدحض المسيحية، وهناك فهرس يضم قائمة بالكتب العربية لعدة مؤلفين تناولوا مبادئ العقيدة المسيحية. يشير ألاتاس إلى أن النقاش حول المسيحية لم يكن دائمًا من جانب واحد. بل كانت هناك حوارات متبادلة كثيرة بين العلماء المسلمين والمسيحيين، ومن أوائل المسيحيين الذين “أقاموا مناظرات” مع المسلمين القديس يوحنا الدمشقي، وكانت هناك مناظرة بين البطريرك النسطوري تيموثاوس الأول والخليفة المهدي.

 

 

About The Author

دكتوراه في كلية اللاهوت في ملبورن، انضم إلى اللجنة المشيخية للإرسالية المحلية في فيكتوريا في منصب مسؤول اتصالات. فور اندلاع حرب أكتوبر، اقترح إعادة تقييم المفاهيم العقائدية بالتعاون بين المسيحيين واليهود والمسلمين. تناولت أوراقه البحثية السابقة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، والنصوص البينية في الكتب المقدسة، والعولمة، والتعاون بين الأديان في إعادة تقييم المفاهيم العقائدية. يعد كتابه "مشكلة المثلث" Trouble in the Triangle بمثابة استعراض نقدي للعلاقات بين المسيحية واليهودية والإسلام. شغل في السابق منصب السكرتير المؤسس للرابطة اليهودية المسيحية المسلمة في أستراليا، وهو عضو في لجنة التعاون بين الأديان التابعة لمجلس الكنائس في فيكتوريا.

Related Posts