رجل الإيمان والدنيا[1]
ذهنه بأفكار إيمانه فَوَّار… وقلبه بمشاعر اليقين مَوَّار… ليله قيام… ونهاره صيام… وإذا جَدَّ الجد فهو مقدام مغوار… والدُّنيا دُبُرَ أُذُنه… وتحت قدمه… هي عنده تراب فوق تراب… منْـزل للمارين.. ومحطَّة للمسافرين… الكُلُّ يغادرون… ويمضون… وعلى شيءٍ لا يلوون… مَنْ أحبَّها بحبها قتلَتْه… ومَنْ هام بها هَوَّمَتْه… وحيّرته… وفتنَتْه… وبجمالها الخادع كبَّلته… وقيدتْه… وعبدًا لها جعلتْه… والعسلَ بالسُّمِّ سقَته… لو كرَّعَتْهُ بحارها… وسقته أنهارها… ظامئًا يظلّ روحه… وعَطِشًا يبقى فؤاده… نيران وَجْده لا تنطفئ… وحرقات أشواقه لا تبترد… وناي حنينه لا يني يرسل الأنين… ويبعث الدمع السخين… أشجانه تملأ آذان الليل حزنًا وأسًى… وزفرات هَمِّهِ تشعل النار في سدول الدُّجَى… وأذيالِ الماشين في الظُّلَم..!
أُوَّاهُ يا دنيا… بأكواب الموت تذيقينا مراشف الحياة… ومن سرابات صحاراكِ تسكبين في حلوقنا جمرات الرمال… ومن قعور بحاركِ تَبُلّين شفاهنا بالملح الأجاج… فكيف إليكِ نطمئنّ… وبكِ نثق… وعليكِ نتّكل… وإلى كنفك نؤوي..؟! فيا فجيعة مَنْ أسلمَ إليكِ نفسه… وأسلس لكِ قياده..! ويا خسارة مَنْ باعَكِ وابتاع منك..! ويا بؤسَ مَنْ طلب المراع منك… والخصبَ على يديك..!
السائر إلى الله كيف إليك يتلفت… ونحوك يتشوف… وأخبارَك يتسقط… مهما بالزوابع والعواصف فرشتِ طريقه… وحاولتِ تثبيطه… فشَوْقه العاصف لا توقفه العواصف… فعَنْ هدَفه لا يحيد… وعن ربّه لا ينكص… فخنْقه حتى الموت لا تستطيعين… وعقْله لا تشلين… وإرادَته لا تقاومين… وروحه لا تسجنين… وعنقه بالأغلال لا تثقلين… إنه سيد نفسه… لا سيد عليه غير ربِّه… فهو إليه ذاهب… وبعفوه راغب… وإلى رحمته آيب..!
[1] مستلهما من شعر الأستاذ فتح الله كولن المعنْون بـ”الدنيا”، من ديوانه “المضرب المكسور” باللغة التركية.
Leave a Reply