معلوم لدى أهل الاختصاص أن مؤسسات المجتمع المدني المعاصرة تتميز بنوع من العموم والخصوص في نفس الآن؛ فهي عامة من حيث طبيعتها المنفتحة المشتركة بين عدد من المتطوعين والمستهدفين، لكنها تكتسب خصوصيتها من مبادئها التي تعول عليها تفكيرًا وتخطيطًا وتنزيلاً.
إن الفلسفة الليبرالية في نظرتها إلى المجتمع المدني ترى أن مصلحة المجتمع تتحقق عبر مجهودات الأفراد الهادفة إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، عاملةً بل داعية إلى تحجيم دور الدولة في إدارة المجتمع، ومنع تدخلها في الحريات الفردية. فـ”جون لوك” مثلاً كواحد من زعماء هذه الفلسفة يضع الفرد مقابل المجتمع، له حقوق طبيعية خالدة مقدسة وسابقة على وجود المجتمع. وفي مقابل ذلك يرى الفيلسوف “هيجل” -استنادًا إلى منهجه المثالي الجدلي- أن التاريخ يعدّ مسرحًا لتطور الفكر المطلق، والدولة في نظره هي أرقى تجسيد لهذا الفكر، وعليه فإن حرية الأفراد عنده في مهبّ الريح، إذ من خلالها تستوعب الدولة المجتمع المدني بل تلغيه. ثم يأتي “كارل ماركس”، وفي إطار منهجه التاريخي، يرى أن المجتمع المدني يعدّ ميدانًا للصراع الطبَقي، غير مبالٍ بمحورية العوامل الفكرية والثقافية في ذلك. وأخيرًا يأتي الفيلسوف “جرامشى” ليعيد ترتيب الأمور من جديد، فيقرر بأن قضية المجتمع المدني ليست ساحة للصراع الاقتصادي، بل ساحة للصراع الأيديولوجي منطلقًا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية. ولأن الرأسمالية الجامحة لا يهمها إلا الربح المادي وبأيّ ثمن، فقد حاولت أن تبدع منهجًا لإدارة الصراع الطبَقي الذي يتخبط فيه العالم الغربي، فنجحت نسبيًّا في ترويض المتصارعين من خلال منحَيَين، الأول: العمل على وضع يدها على أجهزة الدولة، والمنحى الثاني: الاكتساح الأيديولوجي والثقافي للمجتمع المدني.
إن رؤية حركة الخدمة للعمل المدني يتجاوز الرؤية السياسية الضيقة التي أُريد لأمتنا أن تنحشر فيها بكثير.
أمام هذا الصراع المتوحش الذي يعد إحدى ثمار الفلسفة الغربية، بين أجهزة الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، وقف المجتمع المدني في العالم الإسلامي المثخن بالجراح الداخلية والضربات الخارجية، متفرجًا لمدة طويلة. فلما حاول الانطلاق تفرقت به السبل قددًا:
- ففريقٌ رفض السير كلية في هذا المنحى واعتبر الحل هو مخالفة المجتمع العلماني والرجوع على سيرة السلف الصالح للاقتداء بهم، دون العناء في البحث عن كيف، ومن أين، ومتى؟
- وفريق ثانٍ نادى بالسير في مسار الدول الغربية التي حققت نجاحات بيّنة في كثير من المجالات.
- ثم هناك فريق ثالث دعا إلى العمل على الجمع بين منجزات السلف التي توافق عصرنا، وإبداعات الغربيين التي لا تعارض ديننا عبر منهج تجديدي عميق. وأُقدّر أن هذا الفريق الثالث هو واسطة عقد كلامنا لعلتين:
العلة الأولى، لأن موضوع المجتمع المدني في عالمنا الإسلامي لا زالت تتجاذبه تيارات وتوجَّه له انتقادات من طرف دعاة الفريق الأول؛ دعاة الرجوع إلى السلف، كما ينتقده دعاة التغريب.
العلة الثانية، أن الدعوة إلى هذا التوجه تقوده اليوم حركة رائدة عبر العالم وهي “حركة الخدمة”، والتي تتعرض اليوم إلى هجمة شنيعة من كل الجهات:
- الأولى: بعض مؤسسات الدولة التي روّضتها الرأسمالية المتوحشة وغررت بأهلها، والتي باتت تلهث وراء الربح المادي.
- الثانية: المجتمع المدني الذي سمّمته الرأسمالية المتغطرسة، حتى بات يرى الصراع طريقًا سهلاً لحصد المغانم والفوز بالمناصب.
- والجهة الأخيرة، تتمثل في دعاة التقليد والركون إلى ما أنتجه لنا الأجداد، حيث يعتبرون العمل المدني الجديد الذي تميزت به “حركة الخدمة” انسلاخًا عن الأصول، وارتماء في أحضان مشبوهة.
في ظل هذه الأجواء المشحونة بالخصام، وفي وسط مجتمع استهوته فلسفة الصراع، ليس من سبيل أمام المجددين إلا السير على نهج المبدعين الناجحين عبر التاريخ. ولما كان أمر تنزيل ذلك موكولاً لاجتهاد المسلمين، فإن المحاولات لم تتوقف وإن النماذج تترى في سبيل الوصول إلى تنزيل نموذجي. ولأنه لا يوجد ما يمنع الاستفادة من الإبداعات والتجارب الإنسانية الناجحة ما لم تتعارض مع أصول ديننا الحنيف، فقد عملت كوكبة من فقهاء هذا الدرب على تطويع هذه المنتجات الإنسانية الناجحة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، ومن نجوم هذه الكوكبة الأستاذ “محمد فتح الله كولن”.
الخلاصة التي تتلألأ أمام أعين كل المنصفين، هي أن حركة الخدمة استطاعت أن تخرج من الشرنقة بفضل الرجل العبقري “فتح الله” الذي نجح في عجن الأصول الإسلامية بالفلسفة الغربية فأبدع مجتمعًا مدنيًّا مثاليًّا دوّخ الناس في عصر العولمة. هذا الرجل الذي يملك من وسائل الدعاية والظهور ما لا يتسنى لكثير من الكبار الحصول عليه، لكنه لم يلتفت إلى ذلك، وبقي في الظل يصرخ في صمت، لا يهمه سوى التفاني في خدمة الأمة بمنهجه الذي غزله غزلاً، محققًا في الأصول، مدققًا في الفروع.. ومن عجيب الأقدار أن الذي جعل الرجل يتصدر الأخبار عبر عناوين الصحف العالمية والموائد الحوارية والحملات الانتخابية اليوم، هُم خصومه وحسّاده. ولِله درّ أبي تمام حين قال مادحًا أحد العلماء لما ولي القضاء:
وَإِذا أَرادَ اللهُ نَشرَ فَضيلَةٍ طُوِيَت، أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
لَولا اشْتِعالُ النارِ فيما جاوَرَت ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ
لَولا التَخَوُّفَ لِلعَواقِبِ لَم تَزَل لِلحاسِدِ النُعمى عَلى المَحسودِ
نعم لقد استطاعت “حركة الخدمة” أن تقدم للمجتمع المدني العالمي نموذجًا راشدًا للعمل المدني أبهر الخصوم قبل المؤيدين. حركة نماذجها من ذاتها نحتتها عبر سنوات، وهي اليوم تقدّم أمثلة حية على العمل المدني في كل مجالات الحياة وبدون استثناء.. عمل ضرب جذوره في أصول وثوابت الأمة، وتوغّل في آليات ومناهج المؤسسات الغربية المعاصرة، بل وتفوّق عليها في بعض الأحيان. كل ذلك لم يكن لحركة الخدمة أن تبلغه لولا تعاملها الموفّق مع تحديات الأمة وقضايا الناس وأجوبتها المتميزة على عدد من الأسئلة التي ظلت جماهير الأمة تنتظرها منذ عقود. فتأملْ قول الأستاذ كولن: “…ومع أن الحركة تستهدي بقيم الإسلام، فإن مشاريعها التي يقوم عليها المتطوعون العاملون في إطارها متماشية مع القيم الإنسانية الهادفة إلى تعزيز الحريات الفردية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي بين جميع الفئات؛ ومن ثم وَجدت ترحيبًا في 160 دولة حول العالم، ولقيت قبولاً صريحًا أو ضمنيًّا مباشرًا أو غير مباشر من جنسيات ودول وأديان مختلفة”.
أما الذي يردده البعض من فرية ممارسة الخدمة للعمل السياسي، فهو أمر يحتاج كثيرًا من الفهم والتدقيق، حول مفهوم السياسة ومفهوم السلطة، وعن أي سياسة وسلطة نتكلم؟ هل هي سياسة شرعية أم وضعية؟ هل هي سياسة العالم الغربي أم سياسة العالم الشرقي؟ هل هي سياسة الأمة أم سياسة خصومها؟ هل هي سياسة أدعياء الشرق أو الغرب من الذين يتسلمون السلطة في أجنحة الظلام؟ هل هي سياسة المستلبين أو المغرر بهم من الذين لا لون ولا رائحة ولا طعم لسياستهم، بل لا يهمهم أي قطار ركبوا؟ هل هي سياسة الذين كفروا بكل السياسات وتركوا الميدان فارغًا؟ هل هي سياسة الدراويش الذين قبِلوا بالحصة والساحة والقضية التي منحت لهم؟ هل هي سياسة المتنطعين الذين أغرقوا الساحات بدماء كثير من الأبرياء؟
لقد استطاعت حركة الخدمة أن تؤسس لمجتمع مدني جديد بناء على رؤيتها التجديدية المبنية على التلطف في التعامل مع كل الطبقات وفي كل المستجدات،
إن رؤية حركة الخدمة للعمل المدني يتجاوز الرؤية السياسية الضيقة التي أريد لأمتنا أن تنحشر فيها بكثير. إن تصور العمل المدني عند الأستاذ كولن، لا يفهمه إلا مَن صبر على التأمل في فكر الرجل ورؤيته العميقة لمشروعه الحضاري الإنساني العميق. فتأمل هذا الكلام: “…إنّ الأحزاب السياسية والانتخابات الحرة هي شروط أساسية للنظام الديمقراطي، ولكنها لا تكفي بمفردها، فالأداء الفعّال والسلس للمجتمع المدني هو أمرٌ مُهم كذلك. ومن الخطأ القول إن الانتخابات هي الطريقة الوحيدة لمساءلة السياسيين أمام عامّة الناس، حيث إنّ المجتمع المدني يستمر بمراقبة السلطة الحاكمة ليرى ما إذا كانت تفي بوعودها أم لا، وذلك من خلال الإعلام والمناشط المجتمعية المختلفة وفعاليات عديدة أخرى في إطار القانون، مثل عرائض الاكتتاب ورسائل شبكات التواصل الاجتماعية. وبالرغم من أن نشطاء الخدمة التقوا على مبدأ عدم الانخراط في السياسة الحزبية وعدم السعي نحو السلطة، لكن هذا لا يعني أن يتخلّوا -كمجتمع مدني- عن مسؤوليتهم وصلاحيتهم في مساءلة السلطة السياسية ورقابتها. وبما أن الخدمة ليست تكوينًا بنيويًّا ولا تنظيمًا مركزيًّا هرَميًّا، فليس هناك وجهة نظر سياسية واحدة يتبنّاها جميع المشاركين فيها، كذلك ليس من المعقول القول إن حركة كهذه منحازة إلى حزب بعينه فضلاً عن أن تكون منخرطة فيه. فللمتعاطفين معها اختياراتهم السياسية الخاصّة، ولا تفرض الحركة أيّ وجهة نظر معينة عليهم، ولا تتدخل في هذا الموضوع على الإطلاق…”.
نعم، حق لمن لا يعرف هذه الخدمة أو رجلها الأول أن يستكثر هذه الخلاصات. لذا فالأمر يحتاج إلى أعمال أكاديمية متخصصة لسبر أغوار الموضوع، إلا أن هذا لا يمنع من إثارة الانتباه إلى بعض الشعاعات:
الشعاع الأول: من الضوابط الجوهرية الضامنة لتميز العمل المدني عند حركة الخدمة واستقلاليته وأصالته، ارتكازه على الأساس التوحيدي الذي يربط كل سيادة أو سلطة أو تشريع بالله تعالى، ثم يأتي دور الجماعة –الإنسان- ليجتهد في تفريع ذلك وتنزيله وفق ما يحقق مصالح الناس في الحياة، ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾(الأنعام:102). والمتأمل في كتابات الأستاذ كولن وخطبه، يلحظ سيطرة هذا النفَس في كل المناسبات والقضايا التي يتطرق إليها، بل إنه يغرق في بعض الأحيان إلى درجة اتهام البعض له.
الشعاع الثاني: ارتكاز فلسفة الخدمة على الأساس الاستخلافي، ومفاده أن الله تعالى استخلف الإنسان في هذه الحياة، حُكْمَهُ ومُلكه وشَرعه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(البقرة:30)، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾(آل عمران:110). ولعل هذا واسطة عقد الاتهامات التي توجه لحركة الخدمة، إذ في الوقت الذي يعتبر رجال الخدمة قضية التعبير عن الرأي جزءًا من واجب الاستخلاف -بمنطق المسلم- وحقًّا من حقوقه بلغة الفلسفة الغربية، يعتبره المخالفون لحركة الخدمة تدخّلاً في ما لا يعنيهم وتجاوزًا لاختصاصاتهم.
والحال أننا رأينا كيف كانت قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زمن الرشد الإسلامي، من صميم مهمة العلماء فضلاً عن عامة المسلمين. ولعل قولة عمر الفاروق -رضي الله عنه- مشهورة في هذا الباب: “لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها” يَقصِد كلمة الحق، والآثار في هذا الباب كثيرة. ولقد رأينا في عصرنا أن المطالبة بالحقوق والحريات في زمن العولمة يعد حقًّا من الحقوق المقدسة، يحاكم بموجبها الرؤساء وتسقط بسببها الحكومات.
صحيح أن كل الحركات الإصلاحية تنطلق من هذه المرتكزات التي لا ينكرها مسلم، لكن محل الشاهد: وماذا بعد؟ ماذا بعد الإيمان والتسليم بالأصول؟ وكيف نفهمها، وكيف ننزلها؟ وما هي الوسائل؟ ما المناهج؟ وكيف نجعل العام والخاص والكبار والصغار من الناس يُقبِلون على هذه البدائل، لنقول للجميع “تعالوا انظروا، هذه بدائلنا، هذا إعلامنا، هذه مؤسساتنا، هذه مشاريعنا، هؤلاء رجالنا، هذه أمتنا”.
لقد استطاعت “حركة الخدمة” أن تقدم للمجتمع المدني العالمي نموذجًا راشدًا للعمل المدني أبهر الخصوم قبل المؤيدين.
فأي نمط من الممارسة المدنية قد يروق لمعارضي حركة الخدمة والناقمين على أهلها؟ علمًا أن هذه الحركة تفنّنت في تقديم نموذج -للمجتمع المدني- جديدٍ؛ جَمَع بين ضروريات وأصول الإسلام ومحاسن الفلسفة الغربية، فطالبت بإحقاق الحقوق ونشر العدالة واحترام الحريات، وكل ذلك من خلال منهج مليء بالتلطف والتعايش والحكمة والحلم. وتلك أسباب مركزية في منهج الخدمة، جعلت العديد من الأعيان والحكومات السابقة تتعاون معها. فكيف استحال التعاون اليوم في ظل ظروف مليئة بالمفارقات؟
مما يثير الإنسان في حركة الخدمة، تلكم الممارسة المدنية الراقية لأبنائها فضلاً عن أستاذهم، وتلك التضحيات الجسيمة، بل ذلك الجهاد الأكبر الذي طالما فصّل فيه الأستاذ كولن القول. ولعل حديثهم عن الهجرة من أجل الخدمة الإيمانية، لا يمكن تصديقه إلا من طرف مَن عايشهم وعاين صنيعهم. إن احتضان هذا الرجل لـ”فراخه” منذ زمن السنوات العجاف إلى اليوم، كما تحضن الدجاجة بيضها والصبر على تعليمهم وتربيتهم، ثم استمرار أولئك التلاميذ البررة على نفس النهج، لَيُعدّ أكبر دليل على الإيمان العميق برسالة الاستخلاف التي كثر الضجيج حولها في كثير من بقاع العالم، لكنها لا تعدو أن تكون سحابة صيف سرعان ما تنقشع. ناهيكم عن الفلسفة التأصيلية التي يمارسها الأستاذ “كولن” في كل القضايا التي يتطرق إليها والتي تشهد عليها كتاباته وتؤيدها مؤسساته. من ذلك شرحه لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه تميم الداري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول “لَيبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين”. إن الإيمان العميق بهذه الرسالة الإنسانية العالمية والاحتراق من أجل إبلاغها، لَهي أعلى درجات العمل المدني، نظرًا لما تحمله في طياتها من التنمية العميقة والصلاح الحقيقي، تتعدى آثارُه عالم الدنيا إلى عالم الآخرة. والأمثلة على ذلك كثيرة كثيرة.
لقد استطاعت حركة الخدمة أن تؤسس لمجتمع مدني جديد بناء على رؤيتها التجديدية المبنية على التلطف في التعامل مع كل الطبقات وفي كل المستجدات، والتفاني في تقديم البدائل التي أبهرت عالما من أعيان أمة التوحيد في القرن العشرين بداية من التربية السلوكية العالية، ومرورًا بالتربية التعليمية التي باتت سمتها الغالبة، ثم سلطة الإعلام التي نَكَّلَتْ بمجتمعاتنا الإسلامية وحيّرت عقلاء الأمة وغررت بشبابها، إلى عدد من رجال المال والأعمال الأُصلاء، الذين وقع لثلة منهم في زمن العولمة ما وقع لأصحاب الأخدود، حتى خُيِّروا بين طريقين، ولسان الحال يقول لهم: “مَن ليس معنا فهو ضدّنا”.. إلى أن جاءت وصفة حركة الخدمة التي وحّدت كثيرًا من صفوفهم وحرّرت عددًا من أنانيتهم وحبهم للدنيا، حتى أصبحت أموالهم ملكا لغيرهم، فقال قائل منهم: “كلما أنفقنا درهمًا أَخْلَفه الله لنا، فزادت ثقتنا بالله وآمنّا يقينًا بقول الأستاذ فتح الله لنا: “إن المال مالُ الله، ونحن لسْنا إلا عبيدًا له مستخلفين فيه، وعلينا أن نصونه”.. إنه الشهود الحضاري للمجتمع المدني الذي تصنعه حركة الخدمة.
المصدر: مجلة حراء، العدد: ٤٢
Leave a Reply