برلين (زمان التركية) – أعدت النسخة العربية لصحيفة “زمان” التركية بالتعاون مع موقع “نسمات” للدراسات والبحوث، مجموعة من التقارير في محاولة منهما لتسليط الضوء على ملابسات ونتائج الانقلاب المزعوم الذي شهدته تركيا في 15 تموز / يوليو 2016 والذي لا تزال تداعياته مستمرة إلى اليوم.
ويبدأ الموقعان اعتبارا من اليوم نشر هذه التقارير قبيل الذكرى السنوية الثانية لهذا الانقلاب الغاشم الذي اتهمت الحكومة التركية حركة الخدمة بالوقوف وراءه، غير أنها لم تستجب حتى اللحظة للدعوات التي وجهها لها ملهمُ الحركة الأستاذ فتح الله كولن منذ اللحظات الأولى لتشكيل لجنة دولية لتقصي حقائق هذا الانقلاب معلنًا استعداده للإعدام في حال إثبات أحد من الاتهامات الموجهة إليه. بالإضافة إلى أن المعارضة التركية وتقارير استخباراتية دولية وصفت هذا الانقلاب بـ”الانقلاب المدبر” لتصفية المعارضين.
وأول هذه التقارير يتعلق بملف “القضاء” ويحمل عنوان: “انهيار دولة القانون في تركيا”.
يتكون التقرير من 60 صفحة ويقدم في “المقدمة” تصورًا عامًا عما آل إليه القضاء التركي في ظل حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطة الحاكمة بدعوى التصدي لما سمته “انقلابًا فاشلاً” بعد أسبوع من وقوعه وتم تمديدها سبع مرات، ثم جعلتها سيفًا أو مقصلة تسقطها على كل معارضيها أو المختلفين معها.
وأول ما يلفت نظرنا في التقرير تلك اللغة الموضوعية العلمية الرصينة واعتماده تقارير دولية أصدرتها مؤسسات محلية وعالمية مرموقة تعنى بحقوق الإنسان وحرياته، بالإضافة إلى الإحصاءات الرسمية التي نشرتها السلطات التركية والصحف التركية اليومية.
ونوه التقرير المعنون بـ”انهيار دولة القانون في تركيا” بأن أكثر من 300 صحفي يقبعون حاليا في السجون التركية من دون أيّة تهمة أو محاكمة، قد لفقت لهم اتهامات من قبيل الانقلاب على السلطة أو الإرهاب أو التجسس، كما يوجد حوالي 50,000 شخص آخرين معتقلين بالتهم عينها، منهم قضاة ونواب عموميون ومدرسون وأطباء وعمال نقابات، كل هؤلاء تم اعتقالهم خلال عام 2017 المنصرم، هذا فضلا عما يقرب من 150,000 موظف عمومي فُصلوا من وظائفهم دون إجراء أيّ تحقيق إداري أو سبب قضائي.
وكشفت جهات التقرير موقعا عن غرضها من إعداد هذا التقرير في المقدمة بقولها: “إن هذا التقرير يسعى إلى تقديم نماذج واقعية يتبين -من خلالها- أن القانون في تركيا لم يعد يطبق، وأن القضاء التركي المحلي أصبح غير فاعل، وأن عمل المحكمة بات مقيدًا بأجندة الحكومة السياسية، فالحكومة الآن تتحكم وتتدخل في إجراءات الطعون المقدمة للسلطة القضائية العليا، وليس هذا فحسب بل تواجه عمليةُ الدفاع نفسها مشاكل خطيرة يتمثل بعضها في عدم قدرة المحامين على التواصل مع موكليهم. وكذلك فإن لجنة المظالم التي استحدثت بمرسوم طوارئ رقم 685 يقضي بمراجعة ما يقرب من 100.000 حالة فصل تعسفي لم يعد بإمكانها أن تمارس صلاحياتها وأن تطبق قانون حقوق الإنسان في ظل ما يحدث في تركيا من انتهاكات”.
وتحت عنوان: “الضغط على الهيئة الدفاعية” كشف التقرير النقاب عن الوضع المزري للمحامين الذين من المفترض أن يكونوا أحسن الناس وضعًا في الدفاع عن أنفسهم ليكون أدلّ على ما يعاني المتهمون العاديون على أيدي السلطات التي لم تعد تقيم أي وزن لمبدإ إنساني أو سماوي، حيث قال: “حسب المبادئ التي أقرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فإن الدفاع يمثل طرفا مهما ومساويا للنيابة العامة في جلسات المحاكمة العادلة، لكن في السنوات الأخيرة بتركيا وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب لم يفقد محامو الدفاع قدرتهم على أداء مهمتهم في الدفاع عن موكليهم فحسب، بل صار أداء هذه المهمة جريمة. فعقب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 احتجزت الحكومة التركية أكثر من 1000 محام، وتم اعتقال 114 آخرين، ووجهت إليهم مجموعة من الاتهامات من أمثال ارتباطهم بحركات اجتماعية معينة، أو الزعم بأنهم متواطئون في الجرائم الموجهة ضد المتهمين الذين يمثلونهم، وأحيانا أخرى يكون الاتهام الموجه إليهم أنهم دافعوا بحرارة عن موكليهم”.
وتطرق التقرير إلى أن حالات الاعتداء الجسدي التي يتعرض لها المحامون جزء من حملات التخويف والإرهاب التي تقوم بها الحكومة ضد المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وضرب على ذلك مثالا مما تعرض له “توجاي بك” إذ هو واحد من هؤلاء المحامين الذين تعرضوا للاعتداء في سبتمبر 2016، وهو أحد المدافعين عن حقوق الإنسان ورئيس لجنة مراقبة السجون في نقابة المحامين بمحافظة “أضنة”، وقد ذكر رئيس نقابة المحامين في أضنة “ولي كوجوك”، أن “توجاي” تعرض للضرب المبرح على أيدي 40 شرطيًّا، انقضوا عليه بالقبضات والركلات وهو مقيدٌ من خلف ظهره، وانهالوا عليه بالشتم والسباب.
وفي القسم الذي حمل عنوان “تقارير المنظمات الحقوقية ونقابات المحامين الدولية” أكد التقرير إصدار منظمات دولية متخصصة مذكرات قلق، وشجبها ما يحدث في تركيا، ومطالبتها الحكومة التركية بوقف الحملات المنظمة ضد المحامين، وبإخلاء سبيل المسجونين منهم، إذ أصدر “نيلس موزينيكس” مفوض المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان (COECFHR) مذكرةً أدان فيها القيود المفروضة على المحامين وتواصلهم مع موكليهم، كما أدان القيود التي تعوق خصوصية العلاقة بين محامي الدفاع وموكله.
كما أرسل رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية (CCBE) “ميتشل بينتشو” خطابًا للرئيس رجب طيب أردوغان بخصوص إطلاق سراح نائب رئيس جمعية الحقوقيين “منيب أرميش” و 22 محاميًا آخرين . وطالب “بينتشو” الحكومة التركية باتخاذ الخطوات اللازمة لإخلاء سبيل المحامين المحتجزين، وتمكينهم من ممارسة عملهم وتمثيلهم لموكليهم أمام القضاء. وجاء في الخطاب: “على الحكومة التركية تحت كل الظروف، أن تمكن المحامين من ممارسة عملهم، دون الخوف من احتجازهم أو القبض عليهم، ودون معوقات ومضايقات”.
وفي السياق ذاته وجهت النقابة الفيدرالية الألمانية للمحامين (GFBA) انتقادات لاذعة لاحتجاز العاملين في مجال القانون، وأرسل رئيس النقابة “أكهارت سكافر” خطابًا لوزير العدل التركي “بكير بوزداغ” أعلن فيه عن قلقه الشديد تجاه إغلاق مؤسسات المجتمع المدني واعتقال المحامين. وكذلك توجه “أندريه ماتشرين” رئيس النقابة الوطنية الإيطالية (NCOBA) -وهي نقابة تضم في عضويتها 250.000 محام ولها أكثر من 139 فرعًا في إيطاليا– بخطاب رسمي إلى وزير العدل التركي، انتقد فيه الأعمال غير القانونية التي تمارسها الحكومة ضد المحامين .
وأدان الخطاب بشدة الطريقة التي تعاملت بها السلطات التركية مع المحامية “باربرة سيبيناللي”، حيث احتُجزت في “مطار صبيحة جوكشن” لأكثر من 17 ساعة قبل أن يتم ترحيلها من تركيا، بعد أن قَدِمَت من أجل المشاركة في مؤتمر دولي بعنوان “النظام القضائي التركي في ظل حالة الطوارئ”، والذي عقد في 14/15 من يناير 2017. كما انتقد الخطاب بشدة إغلاق الحكومة للمؤسسات الحقوقية، وزج الحقوقيين والمحامين في السجون.
وفي خطاب مشترك أرسله كلٌّ من مجمع حقوقيِّي إنجلترا وويلز ونقابة محامي إنجلترا وويلز، ومجمع حقوقيِّي إسكتلندا واللجنة العامة لنقابة المحامين الإسكتلندية، ومجمع حقوقيِّي شمال إيرلندا وكذلك نقابة محامي إيرلندا، وكذلك مجمع حقوقيِّي إيرلندا ونقابة المحامين الخاصة بها، تضمّن خطابهم القلقَ الشديد إزاء تردِّي الأوضاع في تركيا، لا سيما الفصل التعسفي لأزيد من 4000 قاضٍ ووكيل نيابة. كما أكد المحامون البريطانيون على المبدأ الذي قررته الأمم المتحدة المتعلق بـ”استقلالية القضاء”، وعلى مبدأ الأمم المتحدة الذي ينص على “أهمية دور المحامين”، وطالبت بإعادة القضاة الذين تم فصلهم تعسفيًّا إلى عملهم، وكذلك وكلاء النيابة، وإخلاء سبيل المحامين المحتجزين.
لا شك أن القارئ سيجد المزيد عندما قراءته لهذا التقرير الذي سيكون مصدرًا ثريا لوسائل الإعلام العربية والكتاب والباحثين المعنيين بتركيا، كما سيكون مفيدًا لكل من يريد الاطلاع على حقيقة ما يحدث في تركيا في ظل حكومة أطلقت مشوارها بشعارات من قيبل “دولة القانون” “والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الديمقراطي” وغيرهما، ثم كبرت ثلاثًا على تركيا ودولة القانون فيها في غضون خمس سنوات من خلال محاكم الصلح الجزائية التي أسسها الرئيس رجب طيب أردوغان بعد إغلاق محاكم العقوبات الجنائية للتستر على فضائح حكومته في 2013 ومراسيم حالة الطوارئ التي أعلنها بعد انقلابه المدبر.
يذكر أن موقع زمان عربي الإخباري www.zamanarabic.com هو النسخة العربية لصحيفة زمان التركية التي كانت أكثر توزيعا في البلاد، وتمت مصادرتها من قبل السلطات الحاكمة في مارس 2016 ثم أغلقت عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، ويشرف حاليا على الموقع مجموعة من الصحفيين الذين أبعدوا من عملهم فيها قبل محاولة الانقلاب. في حين أن موقع نسمات للدراسات والبحوث www.nesemat.com هو فضاء فكري عالمي مفتوح للتفكير يتقاسم فيه مجموعة من الباحثين المتطوعين نتاجهم الفكري والبحثي، ويهدف إلى تقديم مادة علمية وبحثية للباحثين في كل ما يتعلق بالشأن التركي عموما وحركة الخدمة على التحديد.