البقعة المباركة: أَخْلاط[1]
تنحدر أصول الأستاذ فتح الله كولن من مدينة أخلاط، ولا بدّ لإدراك كنه هذه السلالة من أن ندرِك أوَّلًا الدور المحوريّ لمدينة أخلاط في التاريخ الإسلامي، فهي بوّابة الإسلام إلى الأناضول، وأوّل رقعة مباركة في الأناضول يُرفع فيها الأذان ويُذكَر فيها اسم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وبسقت من فسائل الإسلام في هذه المدينة أشجار شاهقة، انشعبت أغصانها حتى أظلَّت الأناضول، ثم فاح عبيرها في العالم كلّه بريادة العثمانيين، فأخلاط هذه هي مهد الإسلام في بلاد الأناضول، ثم كان مِن فسائلها ما كان في نشر عبير الإسلام.
وإذا كانت أقدم شواهد قبور الأناضول الآن في أخلاط، فهذا يُجلِّي لنا مقام الأمّ الذي اضطلعت به أخلاط منذ قرون عدّة، نشر أبناؤها الإسلام في مناطق هجرتهم التي أرغمتهم عليها الكثافة السكانيّة في أخلاط، فعلى أيدي هؤلاء المهاجرين انتشر الإسلام في بلاد الأناضول والبلقان، فمن أخلاط كانت الهجرة المباركة، ومنها أشرق التاريخ التركيّ الإسلاميّ، وغدت جسرًا عبَر منه الإسلام إلى قلب الأناضول ثم إلى الغرب… فأخلاط في قِيَمِها ظرفٌ لأزمنةٍ انصهرت في ماضٍ عريق، بوسعنا أن نتذكَّر الحياة فيها أمَّا أن نحاكيها فهيهات، فعينها ساهرة على ماضيها تبيت تحرسه كما تصون شرفها، عذراء لم تمسَّها الحداثة بسوء ولو بنظرة، ولم تقدر أن تحوِّل ماضيها إلى “حاضر”، فأخلاط ساحرةٌ خلَّابة دائماً بحالها هذا وموقعها ذاك.
حقًّا إنّ الجنود هم من فتحوا إسطنبول بعُدّتهم وعتادهم بقيادة محمد الفاتح، إلا أنَّ أخلاط هي التي نفخت الروح في إسطنبول لتجعل منها مدينة عثمانيَّة، فأخلاط بالأحرى هي التي أنقذت إسطنبول من نِيْر الغزو الثقافي للبيزنطيين، وهيّأت الأجواء لدخولها في الإسلام؛ وأخلاط أحقّ من بُورْصة بلقب “المدينة الروحيّة”، نعم كان لبورصة يد في الدولة العثمانية، إلا أنّ أخلاط كان لها اليد الطولى في نشر الإسلام في الأناضول، ومنها إلى المناطق الأخرى، فلطالما عُنيَت أخلاط بفسائلها التي غُرِست فيها، وأهدت أغصانها بأريجها الفوَّاح بالهدى والسلام إلى أنحاء العالم كافّة.
ومن أغصان تلك الفسائل ذريّة “خليل أَغا”، هاجرت فيمن هاجر وعبَق الهدى يرشح منها، رحل خليل أغا وذريّته وفي جَعبتهم كلّ ما كان في أخلاط من ثراء روحي وتاريخيّ؛ رحلت العائلة من أخلاط لظروفٍ خاصَّة، وكانت تحمل معها بذرة مباركة من بقعة مباركة، ثم ولَّت وجهها شَطْر “أَرْضُرُوم” “قلعة الإسلام في الأناضول”.
[1] هي مركز تابع لمحافظة “بِتْلِيس” في منطقة شرق الأناضول، وهي تقع على الساحل الشمال الغربي من “بحيرة وان” بتركيا. (المترجم)