أنتظر منذ الصباح فليس لدي ما أخشى المحاسَبة عليه، أزاول مهنة الصحافة منذ 20 عامًا، كما أعمل كرئيس تحرير منذ أكثر من 10 أعوام.
كيف يتحوّل إنسان سنحت له فرصة لقاء جميع فئات الدولة والشعب، بين ليلة وضحاها، إلى “مشتبه معقول” به؟ [1] وكيف لجريدة لا تمارس أي عمل غير قانوني منذ تأسيسها قبل نحو ثلاثة عقود أن تمارس عملًا كالذي يزعم اليوم؟
لا أنحني للظلم.. ولا أسامح مَن ينحني له، فهل هناك أية صحفية لا تتعرّض للضغط وتستطيع أن تقول ما تفكر فيه بحرّية اليوم في تركيا؟ الوضع خطير، ولا أنظر إلى ما يجري على أنه هجوم موجَّه لصحيفة “زمان” وحدها، بل أعتبره “انقلابًا” ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان والإعلام في تركيا.
لو كانت القضية عبارة عن صراع بين حركة الخدمة وحزب العدالة والتنمية، كما يدّعي البعض، لكان من الممكن أن نتحمل كل ما نتعرّض له من أذى، لكنكم تلاحظون أن الحكومة تمارس ضغوطًا لا تُصدَّق على جميع المؤسسات الصحفية بلا استثناء، فيُجبر بعض أصحاب الصحف أن يبكوا بحرقة وبصوت عال، والبعض الأخر من الصحف يعين في إدارته أشخاص مستعدون لتنفيذ التعليمات على الفور بمجرد اتصال هاتفي، يضاف إلى ذلك الضغط الممارَس على الصحافة في إطار الأوامر والتعليمات، غير أنهم لم يكتفوا بذلك، إذ إنهم يريدون الآن أن يشنّوا عمليات مصحوبة بمجموعة جديدة من الضغوط والممارسات الاستبدادية.
أخاطب من موقعي هذا سائر المؤسسات الصحفية الأخرى في تركيا، وأقول لهم إن القضية ليست عبارة عن صراع بين جماعة الخدمة وحزب العدالة والتنمية، بل إنها قضية تهم الشعب التركي بأسره، فتركيا تسير في طريقها لتكون دولة طغيان واستبداد بلا رجعة، وليعلموا جيدًا أن الصحافة والإعلام لن يسكتا ولن نصمت حتى ولو صمت الجميع! فهذه قضية حرية الفكر والإعلام، وهي قضية الذود عن الحقوق والحريات الأساسية للشعب التركي، ومن الخطأ أن نحصر هذه القضية في صحيفة أو صحيفتين أو مؤسسة إعلامية بعينها دون غيرها من المؤسسات.
أريد أن أنقل إليكم ملاحظة مؤسفة للغاية، ألا وهي أن النيابة العامة في إسطنبول أرسلت إلى صحيفتنا ورقة تشير إلى أنه لا يوجد أي تحقيق مفتوح بحقنا، وبعد صدور قانون “المشتبه المعقول” استدعيتُ إلى النيابة كي أدلي بأقوالي بصفتي “متهمًا معقولًا”، فما إن صدر هذا القانون حتى صدرت تعليمات بشنّ عملية مداهمة على صحيفة “زمان” ومؤسسة “سامان يولو” الإعلامية، فلن أتكلم كثيرًا حول هذا، بل أترك الحكم إلى ضمير الرأي العام.
أشعر بحاجة إلى أن أكرر قولي بصفتي أخ لكم واثق بنفسه ويؤدي عمله بحب وألّف كتبًا حول مهنته وأكمل دراساته العليا في الخارج، إن هذا الهجوم لا يستهدف صحيفة “زمان” فحسب، بل إنه مشروع قمع سينفذونه تدريجيًّا ضد جميع المؤسسات الإعلامية في تركيا.
تلقينا مكالمات هاتفية من أكبر وأعرق الصحف والمجلات على مستوى العالم، أعرب المتصلون عن حزنهم لما يحدث بالتركية والإنجليزية والعربية، ولن أنسى هذا التضامن أبدًا ما حييت.
تشنّ قوات الشرطة حملة مداهمة على مقر صحيفتنا في ساعات الصباح الأولى، وتبثّ القنوات التليفزيونية، التي تطلق على نفسها لقب “قنوات إخبارية”، خبرًا عاجلًا على شريط الأخبار عنوانه “الشرطة تشنّ عملية ضد الكيان الموازي”، لا تفعلوا ذلك بالله عليكم! لا تهينوا هذه المهنة إلى هذه الدرجة، مَن أثبت أن جماعة الخدمة كيان مواز؟ فأنا أنعت من أسس فريقًا إعلاميًّا بالتعاون مع زوجته وأبنائه وأصهاره بـ”الكيان الموازي”، فهل بوصفنا جهة بـ”الكيان الموازي” نصير كيانًا موازيًا فعليًّا بشكل قانوني؟ الكلام واللغط كثير، ولكنني أقولها بإخلاص، فلنحيي هذه المهنة، وإلا فسيكون العار علينا جميعًا، من حقكم ألا تحبونا وألا تؤيدوا أفكارنا وألا تتبنوا طريقة حياتنا فأنتم أحرار في ذلك… ولكن علينا أن نحيي الفكر الحر مع بعضنا.
علينا ألا نستسلم لليأس، فبالرغم من كل أنواع الضغوط الممارَسة علينا هناك الملايين يدركون الحقيقة،لايمكن إسكات الصحافة والإعلام والبرلمان! وإن استطاعوا إسكات جميع هذه المؤسسات فلن يستطيعوا فرض قيود على لسان كل مواطن من المواطنين.
إن الذين يريدون أن يحوّلوا تركيا إلى دولة مخابراتية وإلى جمهورية خوف ويرغبون في إدارتها كأنها “مزرعة” ورثوها عن آبائهم ويتطلعون إلى تعليق العمل بالدستور والقوانين يغفلون المجتمع، ويريدون كذلك أن يهملوا الشعور المجتمعي، أما نحن فقد وقع علينا عبء تحمل مسؤولية البرهنة على أن الأمر ليس كما يعتقدون، فهنيئا لنا هذه المهمة…
“ربما شهدنا للمرة الأولى عالمًا مسلمًا يصرخ بأعلى صوته “لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابيًّا“؛ إذ إنّ هذا الداعية المسلم –الأستاذ كُولَنْ– يُعارض قتل الناس عمومًا بغضّ النظر عن الدولة التي نُفذ بها هذا الهجوم الغادر، وكانت كلمات الرجل تحمل معاني عميقة بالنسبة لمن يعرفون الأسس الانضباطية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، غير أن مَن ينظرون إلى الأمور نظرةً سطحيّةً لم يفهموا ذلك الموقف الإسلامي، بل إنهم لا يزالون لم يفهموه حتى يومنا هذا“.
[1] صدّق رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان على حزمة الإصلاحات القضائية الجديدة التي تحد من الحقوق الأساسية والحريات ومن ضمنها عدم الحاجة إلى إصدار قرار من المحكمة للتفتيش بل سيكون “المشتبه المعقول” أمرا كافيا وليس الأدلة الملموسة والمؤكدة التي كانت جارية من قبل.