أصدر مركز نسمات للدراسات الحضارية والاجتماعية بالتعاون مع النسخة العربية لصحيفة زمان التركية تقريرهما الرابع بعنوان “مقصلة الطوارئ في تركيا”، الذي يوضح استغلال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فترة فرض حالة الطوارئ في البلاد على مدار سنتين للقضاء على خصومه، وذلك تحت ذرائع واهية.
بدأ التقرير بمقدمة استعرض فيها التقرير آخر مراسيم حالة الطوارئ رقم 701؛ والذي نص على فصل 18.632 موظفًا حكوميًا وإغلاق 12 جمعية و3 صحف وقناة تلفزيونية بجانب إبعاد 199 أكاديميًا. وتضمنت قائمة المفصولين 8.998 موظفًا بمديرية الأمن و1.052 موظفًا بوزارة العدل و38 موظفًا بوزارة الخارجية و240 موظفًا برئاسة الشؤون الدينية و31 موظفًا من وزارة الداخلية من بينهم 4 نائب والي و4 محافظين و192 موظفًا من قيادة خفر السواحل و3.077 موظفًا من قيادة القوات البرية و1.126 موظفًا من قيادة القوات البحرية و632 موظفًا من قيادة قوات الدرك.
وتضمن المرسوم أيضا إغلاق 12 جمعية من بينها وقف الفرقان وقناة Avantaj TV وصحف نبض الشعب والديمقراطية الحرة وولات. وقد تمت مصادرة ممتلكات هذه الجمعيات والصحف والقناة التلفزيونية ونقلت ملكيتها إلى خزانة الدولة.
مراسيم الطوارئ تُغيِّر التشريعات التركية جذريًّا
وتحت عنوان حصاد عامين من الطوارئ أوضح التقرير أن حالة الطوارئ سمحت لأردوغان بإصدار مراسيم لها قوة القانون أحدثت على مدى عامين تغييرًا عميقًا في التشريعات التركية.
قدَّم التقرير كذلك حصرًا بعدد المراسيم التي صدرت خلال العامين الأخيرين من إقرار حالة الطوارئ، وعدد الذين تم استجوابهم وفصلهم من وظائفهم، وكذلك عدد المؤسسات التي راحت ضحية لتلك المراسيم.
حيث ذكر التقرير أنه خلال عامين من إقرار حالة الطوارئ الذي أعلنه مجلس الوزراء في 21 يوليو/تموز عام 2016 تم إصدار 37 مرسومًا.
وأنه بحسب آخر الإحصائيات بلغ عدد الذين تعرضوا للاستجواب خلال العامين الماضيين ما يقرب من 400.000 فرد، اعتقل منهم 80.147 فردًا، وتم احتجاز 141.558. أما الذين فصلوا من وظائفهم فقد بلغوا 170.372، منهم 17.844 ضابط جيش تم عزلهم من المؤسسة العسكرية، و5.335 محافظًا وإداريًّا تمت إقالتهم، و33.417 شرطيًّا تم فصلهم، و4.463 قاضيًا ومدعيًّا عامًا تم عزلهم، و16.409 طلاب عسكريين فصلوا من أكاديمياتهم العسكرية. بالإضافة إلى 8.573 أكاديميًا في الجامعات المختلفة و55.288 مدرسًا ومديرًا إداريًّا في وزارة التعليم، و7.220 في وزارة العدل، و7.249 طبيبًا وموظفًا في وزارة الصحة، و3.330 إمامًا وواعظًا في إدارة.
أما عن المؤسسات التي راحت ضحية هذه المراسيم، فقد ذكر التقرير أنه تم إغلاق 1.284 مدرسة خاصة، و800 مسكن طلابي، و15 جامعة خاصة و560 جمعية خيرية، و950 معهدًا من معاهد التحضير الجامعي الأهلية، بالإضافة إلى 1.125 نقابة مهنية، و19 اتحادًا من اتحادات رجال الأعمال الذي يضم كل واحد فيه آلاف الجمعيات المحلية.
أردوغان المُشَرِّع والقاضي بفضل الطوارئ
ذكر التقرير أن الرئيس رجب طيب أردوغان بفضل حالة الطوارئ تمتع بقوة كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ فقد كان هو المشرع والقاضي والمتحدث باسم الأمة، وكان يقرر قبل القضاء ما الذي يعد جريمة ومن هو المذنب وما العقوبة المناسبة لجريمته، ويطالب المحاكم باتخاذ اللازم.
أوضح التقرير كذلك أنه بالنظر والتحليل لقرارات المحاكم، يظهر جليًّا أن الانتهاكات التي تحدث من قبل الحكومة لا تتوقف عند حدود الضغط على المحاكم، بل تتعداها إلى الاحتجاز التعسفي، والاختطاف القسري لبعض المواطنين، وحالات وفاة داخل السجون تدور حولها الشبهات وهذه الحالات تتزايد بمرور الوقت.
انتهاك مراسيم الطوارئ للمبادئ القانونية
سرد التقرير كذلك العديد من المبادئ القانونية الأساسية التي انتهكتها مراسيم الطوارئ، كمبدأ “لا عقوبة إلا بنص قانوني”، حيث زجَّت السلطات التركية بالآلاف من المواطنين الأتراك في السجون دون أن يقوموا بأي عمل موصوف بالتجريم وفقا للقانون الجنائي. وبناءً عليه تعرض حوالي 400.000 مواطنًا تركيًّا لانتهاك ممنهج لحقوقهم الأساسية في أثناء الاستجوابات، كما تم اعتقال أكثر من 80.000 مواطنًا بتهم مفبركة لا أصل ولا صحة لها. وفي ظل حالة الطوارئ أصبح وجود علاقة تربط المواطن مع حركة كولن أمرًا كافيًا لاعتقاله وحبسه واعتباره “إرهابيًّا”، دون النظر أو التحقيق أو البحث عن كفاية الأدلة.
من المبادئ القانونية التي تم انتهاكها كذلك مبدأ “ انتهاك مبدأ حق حرية الرأي والتعبير“، ومبدأ “فردية المسؤولية الجنائية”، ومبدأ “الحق في العمل”، ومبدأ “عدم رجعية القوانين”، والذي ينص على عدم سريان أحكام القوانين الجنائية على الماضي، كما أنه لا يجوز اعتبار الفعل جريمة دون صدور قانون يعرف الجريمة بصورة واضحة. لكنه وفي انتهاك صارخ لذلك المبدأ قامت الحكومة التركية بالقبض على المواطنين الأعضاء في تلك المؤسسات المدنية المرتبطة بحركة كولن والتي كان لها وضع قانوني مستقر، وكانت تمارس عملها بصورة طبيعية حتى وقت إغلاقها.
ذرائع واهية لفصل الموظفين واعتقالهم
بالنظر إلى الذرائع التي تقدِّمها الحكومة التركية للقبض على مواطنيها، خَلُص التقرير إلى أن الحكومة التركية تنتهك الدستور التركي والمواثيق الدولية الموقعة عليها، كما أنها تتدخل وبصورة سافرة في النظام القضائي وتتلاعب به، ومن الذرائع التي ذكرها التقرير.
ــ الاشتراك في جريدة زمان
قامت الحكومة التركية بإغلاق مؤسسة زمان الصحفية بمرسوم طوارئ رقم 668 في 27 يوليو/تموز2016، وفي الحال صدرت مذكرات اعتقال بحق الكتاب والصحفيين والإداريين العاملين بالجريدة بتهمة أنهم “إرهابيون”، والحقيقة أنه لا يوجد أي حكم قانوني يثبت تورط الجريدة في أي أعمال إرهابية، ولو وجد مثل هذا الحكم القضائي فمن المفترض ألا يطبق بصورة رجعية على من كانوا يعملون بالجريدة قبل صدور الحكم.
– عملاء بنك آسيا
تم افتتاح بنك آسيا في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1996 بعدما حصل على كل التصاريح القانونية اللازمة، والبنك كغيره من البنوك التركية يخضع للمراقبة والإشراف من الأجهزة الحكومية المختصة.
ورغم أن البنك كان أحد أعلى ثلاثة بنوك سيولة نقدية في تركيا إلا أنه لم يسلم من استهداف أردوغان، حيث تم افتعال قضية قانونية لمصادرة البنك عن طريق الموالين للحكومة داخل المؤسسة القضائية، وقامت الحكومة بملاحقة المساهمين في البنك من المستثمرين وكذلك 700.000 مواطن خضعوا جميعهم للتحقيق لا لشيء إلا لأنهم من عملاء البنك.
ـــ العضوية في مؤسسة توسكون (TUSKON)
كان الاتحاد التركي لرجال الأعمال والصناعيين الأتراك المعروف بـ(TUSKON)، يضم تحت مظلته 211 جمعية رجال أعمال في تركيا، بالإضافة لـ 150 جمعية رجال أعمال حول العالم. وقد كانت تلك المؤسسة تنظم فاعلياتها الاستثمارية والتجارية تحت رعاية الحكومة التركية، إلى أنه تم إغلاقها بمرسوم الطوارئ رقم 667 في 23 يوليو/تموز 2016 بتهمة “الإرهاب”. وهكذا أغلقت الحكومة التركية 1000 شركة في 2017 فقط، وصادرت رؤوس أموال شركات تُقدر بـ 11 مليار دولار، وصارت بذلك منظمة (TOSKON) منظمة “إرهابية”، رغم أنها كانت منذ ثلاث سنوات تضم 40.000 عضوًا من أنشط رجال الأعمال في تركيا. كما كان أردوغان وبعض الوزراء لا سيما وزير الاقتصاد يحضرون اجتماعات الجمعية العامة.
– الأطباء والعاملون في القطاع الطبي
ذكر التقرير أن الحكومة التركية قامت بإغلاق ما يقرب من 200 مؤسسة طبية غير حكومية خلال عام 2017، كانت قد أنشأتها حركة الخدمة، وتم وصف آلاف من الأطباء والعاملين في المنشآت الطبية التابعة للخدمة بأنهم “إرهابيون”، وذلك بذريعة عملهم في المنشآت التابعة لحركة الخدمة.
كما أغلقت الحكومة التركية 50 مستشفى كبيرًا مما تسبب في تحويل 20.000 طبيب إلى عاطلين عن العمل. كما أغلق 14 مستشفى أخرى، و36 مركزًا طبيًّا للاشتباه في علاقتهم بحركة كولن، وكان يعمل بتلك المنشآت الطبية ما يزيد عن 7.200 فرد منهم أطباء وباحثون وأكاديميون وموظفون إداريون وعمال، بالإضافة إلى 1.684 طبيبًا و7.505 عاملا بالمجال الطبي تمت تصفيتهم من المنشآت الطبية الحكومية بصورة جماعية من خلال مرسوم طوارئ.
ومن الذرائع الكثيرة التي ذكرها التقرير كذلك العضوية في الاتحادات العمالية، التطوع للعمل في مؤسسة كيمسه يوكمو (Kimse Yok Mu) الخيرية، وحيازة كتب فتح الله كولن، والاشتراك في مجموعة ديجيتورك، وحيازة دولار واحد.
نداءات ومناشدات للحكومة التركية
وفي ختام التقرير أبرز معدو التقرير نداءات ومناشدات الجميع الموجَّهة للحكومة التركية بضرورة استعادة حكم القانون، والكف عن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمواطنين في المعتقلات والسجون، وإتاحة فرصة تواصل المحتجزين مع محاميهم، والتحقيق بشكل شامل وفعال في حالات إساءة استخدام السلطة من قبل الحكومة، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وخاصة الصحفيين، وكذلك إسقاط جميع التهم الموجهة للمسجونين، وإعادة الأصول المالية التي استولت عليها الحكومة من غير حكم قضائي باتّ إلى أصحابها الشرعيين، وتعويضهم عما لحقهم من ضرر مادي ومعنوي، وكذلك ضمان محاسبة المسؤولين الحكوميين الذين أساءوا استخدام مناصبهم السياسية.
لتحميل التقرير يرجى الدخول على هذا الرابط: