“أين أنت”، الاستفهام البسيط الذي يكاد يكنه كل من له ضمير متحرك، ويسأله كل من شغلته هموم الأمة التي نأت بحملها على مدى السنين، لكن كيف لو خرج من روح إلى أرواح، ومن قلب إلى شغاف، ومن لحم إلى دم، هكذا تنطلق استفهامات الأستاذ فتح الله كولن بحثا عن البطل الأسطوري الذي يخلص العالم والأمة من سطوة الفتنة العرجاء ويرفع هامتها القانية على أكتافها بقبعة الشموخ والاحترام، بحثا عن سفينة شراعية نوحية توصلها نحو شطآن السلامة والسعادة رغم الرياح الهائجة والمخاطر المتأججة.
هذه المقالة التي كتبها الأستاذ كولن في مجلة حراء، هي عبارة عن الآمال التي تراودها الأرواح المؤمنة وتضع لها الخطط المتقنة، لتستقبل ذلك البطل والقائد الأمين الذي يستجيب لآهات الملهوفين ويسيرهم في قوارب الأمل التي سترسو في ضفاف السكون والسلام. تتكرر الأسئلة وتتراكم فوق هامات المجتمعات التي انكسر عمود شراعها منذ زمن بعيد، لكن الحل والطريق السديد لمواصلة السير إنما هو نصب عين الأستاذ كولن عبر هذه المقالة الهادفة، إذ يستميل القارئ بحوافز إيمانية تركتها مآثر خير القرون، تستحيي الخيالات لتبعث في الجثث بريق الروح.. لتذكرها أن الموت حياة وأن الحياة معركة ضد بعابع الشيطان، حروفها توحي بأن الدعوة لا تكتمل لوحتها إلا إذا بلغنا آخر آية من الرسالة الربانية حتى نودع أمانة الأمة في أوفيائها الخلص.
أين أنت يا باعث الأرواح ونافخ الحياة في العظام الرميمة، أين أنت يا من وعد بمستقبل سعيد، بمبعث جديد، ترقبناك على السفوح والبطاح، على القيعان والسهول.
كعادة الأستاذ كولن افتتح المقالة بعباراته الجياشة المفعمة بخواطر الروح التي تبوح فيك عن حجم المسؤولية التي وضعت على كواهلنا، وتصرح بأن الأمل الذي يلوح في أفق الضمير هو الوحيد القادر على تغيير العالم بأجمع ويرسم الخطة من جديد، وأن البطل الذي تراقبه الأمة وتسأل عنه كل قافلة لتستقبله بثنيات الوداع، لا يولد بين عشية وضحاها، ولا ينبعث من رحم العالم قبل أن يرتد إليه طرفه، لأن البطولة ليست وليدة ساعة أو عفو الخاطر بل مغامرات ومخاطرات، تدعو القلوب الحية للتفاني والتفادي في تحقيق الهدف المنشود، وليس الماضي البطل ابن معجزات إلا إذا كان الحاضر بنت الصبر والإرادة القوية، فالحاضر دائما يحسم الأمور الجدلية ويقف بمثابة فصل الخطاب.
رحلة عبر السطور
حين يغرق اللاجئون تحت صمت العالم الرهيب وأنفاسهم تحرك الضمائر الدفاقة، وتأوهاتهم وتنهداتهم تسهرها حتى في الليالي القمراء الباردة، وتعصف تلك الكوابيس المروعة بقلوب الإنسان الذي تأبى الركوع أمام ارتزاقات السياسة، نستغيث الأرواح المشتتة في الأجواء وننادي أين أنت، يا زاجل خيالنا وطائر أحلامنا، يا بشير انبعاثنا من رقدتنا، ويضمحل النداء وتتلاشى هزاته المترددة بين ضحكات الفنادق الخافتة الضوء وبسمات مصطنعة تنشر من ثغور الفئات الدولية، وتختنق أنفاس الضحايا بغازات مسيلة الدموع، بأرغفة لا تكاد تشفي الجوع، خلف القضبان الشائكة المفروشة بالألغام، تحت عجلات الدبابات الموجهة صوب الأعناق الصادقة الناطقة.
افتتح كولن المقالة بعباراته الجياشة المفعمة بخواطر الروح التي تبوح فيك عن حجم المسؤولية الموضوعة على كواهلنا، وتصرح بأن الأمل الذي يلوح في أفق الضمير هو الوحيد القادر على تغيير العالم بأجمع.
أين أنت يا باعث الأرواح ونافخ الحياة في العظام الرميمة، أين أنت يا من وعد بمستقبل سعيد، بمبعث جديد، ترقبناك على السفوح والبطاح، على القيعان والسهول، وتوهمنا كل السراب راية قافلتك البيضاء، لكن صرنا تحت قوله تعالى” يحسبه الظمآن ماء حتى إذا وجده لم يجده شيئا”، وتحاورنا عن النار التي ترى من بعيد بأنها الجلوة الموسوية، بأنها جذوة الآمال، فصرنا كمن قالوا هذا عارض ممطرنا، في كل واد تاهت الدروب واختلت الخطط واعتلت الأحرف، وانحرفت الأحلام من جادتها المألوفة وودعت وداع موسى وخضر، لكن بقيت الحسرة تلهب آهاتنا وتقلق ساعاتنا، رغم الأزمات المطوقة علينا، نسمع من شتى الزوايا سخرية الأعداء، إذ يجعلوننا مواد ضحكات ساخرة، وخيوط مؤامرات ماكرة، يشيدون على أشلائنا امبراطورياتهم.
أين أنت يا فارس الميدان
أين أنت يا مشعل الحياة، متى ستأتي يا أيها الفارس الأسطوري متى؟، أو قد رأيت الأرواح المحتضرة والقلوب الضامرة والوجوه الكاسرة والأحلام المقطوفة ترنو إلى بريق شموخك الذي يسترد مقدسات الأمة من الأيادي المنتشلة، من تلك العصابات التي تحيك وراءها ألف مؤامرة ومؤامرة باسم الإرهاب والتطرف، متى ستأتي بأدلة ناصعة الجبين لتلقم الأعداء أحجارا، لتنبت فيهم أزهارا، هيا يا فارس الميدان، واركب صهوة الجياد الصافنات، نسمع صهيل العداة يقترب، وأزيز مكرهم يضرب، وكأن شبح الفساد يتصيد بنا ويطاردنا.
أين أنت، يا خالد البطولة والوفاء، يا سيفا مسلولا، يا روحا ذابت في ثغور الأمة، أين أنت يا قتادة، يا عشقا منسوجا من الروح والقلب، محبوكا بخيط الفناء والبقاء، يا عزما وإرادة، أين أنت يا سلطان المجد والإباء، يا سليم القلب وقويم الرأي، ما أزعجتك النصيحة التي صدرت من أفواه الكرام ولا كنت تعرض عن القلوب الناصحة لك، أين أنت يا مولى العشق والولاء، يا جلال الدين، هل التقيت بشمسك التي لا تغيب من قلبك، وهل انتهيت من مهمة العشق والوفاء.
هذه المقالة التي كتبها الأستاذ كولن في مجلة حراء، هي عبارة عن الآمال التي تراودها الأرواح المؤمنة وتضع لها الخطط المتقنة لتستقبل ذلك البطل والقائد الأمين الذي يستجيب لآهات الملهوفين.
وانتهت المقالة وأبقت في خلد الآملين المتفائلين شمعة لا تنطفئ في إعصارات المحن، وأوقدت في كبد المؤمنين مصباحا يتصدى الفتن، لا تهزه الزوابع كمنارة تخترق الظلام في ردهات الصوامع، بقيت المقالة بقيمتها وقامتها التي نادت الأمة لتفض الغبار الذي وقع على جسدها وتطهره من القاذورات الثقافية، والأمة المبعوثة بالأمل ستحيى بالأمل.