جذوة متوقدة في دنيا الإعلام الإسلامي، أدرك القائمون عليها أهمية الجمع بين الشكل والمضمون وبين المبنى والمعنى، فجاءت تحفةً فنيةً تضم أطايبَ الكلام وأفانينَ الفكر والعلم والمعرفة.
ما تَقَعُ العَينُ مِنها حينَ تَلحَظُها***إِلاّ عَلى فِتنَةٍ مِن أَجملِ الفِتَنِ
إن من يتصفح مجلة “حراء” يشعر منذ النظرة الأولى أنه أمام نوع مختلف من أنواع المجلات، رُصدت له أعظم الإمكانات، وحُشدت فيه أرقى التقنيات الفنية وأكثرها إحكاماً وإبداعاً، بدءً من نوعية الورق ومروراً بتناسق الألوان وانتهاءً بروعة الإخراج.
فإذا مضى في قراءة مقالاتها وتنقل بين عقول كاتبيها ومبدعيها، أدرك أيّ فكر راقٍ تشتمل عليه هذه الإضمامة، وأيّ أدب رفيع يقطر من يراع كاتبيها، وأيّ علم غزير يتفجر من سلسالها… وسرعان ما يتبدى له أنها مجلة استوفت معايير الجودة، وبلغت أمد الغاية إتقاناً وإخراجاً وفكراً ومعرفة ورفعة وأدباً. ولا غرو فقد تناوشتها أقلامٌ قلما اجتمعت في مجلة!..
فمن معقلها في تركيا* يطل علينا “فتح الله كولن” المفكر الشاعر والكاتب المبدع بفيوضاته وفتوحاته، ومن جارتها سوريا يلقانا الأستاذ الدكتور “محمد سعيد رمضان البوطي” بفكره وقلبه، ومن أرض الكنانة تتبدى لنا آيات الإعجاز العلمي في مقالات الأستاذ الدكتور “زغلول النجار”، ويتفجر الفكر الأصيل في مباحث الأستاذ الدكتور “محمد عمارة”، وتسمو الروح ويتوقد الوجدان مع سماحة المفتي الدكتور “علي جمعة”، ومن أقاصي المغرب يطالعنا الأستاذ الدكتور “الشاهد البوشيخي” بنصاعة أسلوبه وغزارة علمه، ومن الأردن تحلق بنا الشاعرة “نبيلة الخطيب” في عالم شعر يلامس القلوب والأرواح قبل الأنظار والأسماع، ومن العراق الجريح -فرج الله كربته- يتحفنا الأستاذ الدكتور “عماد الدين خليل” برؤاه العميقة في التاريخ والأدب.
ومن الجزائر وماليزيا، ومن اليمن وفلسطين، بل من كل صقع عربي وإسلامي، تستقطب “حراء” أروع الأقلام وأبدع الأفكار وأحلى الكلام في مشكاة تمتزج بأجزاء النفس لطافةً، وبالهواء رقةً، وبالماء عذوبةً، وبالنغم العلوي الأصيل إيقاعاً وجرساً.
إنها الكلمة الطيبة تؤتي أكلها في أبهى صورها وأزكى حالاتها ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾(إبراهيم:24-25).
فليهنِكم يا من تقومون على هذا الصرح الإعلامي الإسلامي إنتاجكم.. وليهنِكم ما قدمت أيديكم.. وليهنِكم ما أثمرت قرائحكم في هذه المجلة.
ليهنِكم ما تخيّرتم من اسمها “حراء” مبعث النور والهداية والصفاء.. وليهنكم ما صنعتم في شكلها ووصفها حتى غدت أمثولة للحسن والبهاء.. وليهنكم ما استقطبتم لها من بارع الكتّاب والشعراء حتى تفردت بأجمل العطاء.. وليهنكم ما حققتم بها وفيها من تألق ونجاح حتى غدت نبراساً للإعلام الإسلامي المعاصر..
وليهننا معشر القراء أن فزنا بها، وإنها وايم الحق لمغنم عظيم. ولا يسعني في الختام إلا أن أتوجّه إلى كل من قام عليها بقول أمير الشعراء:
إِنَّ القُلوبَ وَأَنتَ مِلءُ صَميمِها***رفعَت تَهانيها مِنَ الأَعماقِ.