في إطار سلسلة التقارير التي أعدها موقع نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية (www.nesemat.com) لإلقاء الضوء على ما قامت به الحكومة التركية من انتهاكات لأبسط قواعد حقوق الإنسان في قطاعات عريضة من مؤسسات المجتمع المدني، أصدر موقع نسمات تقريره السادس بعنوان”تصفية ممنهجة للقطاع الصحي في تركيا”.
21.000 حالة اضطهاد في القطاع الصحي، 92 حالة وفاة تدور حولها الشبهات، واعتقال 2.337 من كبار الأطباء، و20 امرأة حامل بعد الوضع مباشرة.
يقع التقرير في خمسين صفحة بدأ بمقدمة وانتهى بخاتمة، وتناول الحديث عن سبع نقاط أساسية تشمل الانتهاكات الصارخة بحق المتخصصين من الأطباء وكافة العاملين في القطاع الطبي، وما لحق بمؤسسات القطاع الصحي، ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية من إغلاق ومصادرة.
أرقام وإحصاءات شاهدة على التصفية
أكد التقرير أن القطاع الصحي في تركيا قد شهد تراجعًا غير مسبوق، ففيما يتعلق بالعاملين في مجال الصحة أعلن وزير الصحة عن فصل 7.500 من العاملين في مجال الصحة ضمن عملية التطهير الجماعي التي تمارسها الحكومة، منهم 1.697 طبيبًا أكاديميًّا، وهم يُمثلون 6% من مجموع الأكاديميين العاملين في كليات الطب. وهؤلاء وإن كان عددهم قليلاً إلا أن قيمتهم عالية، فهم من كبار الأساتذة ورؤساء الأقسام الطبية.
تبين الإحصاءات أنه قد تم إغلاق 14 مستشفى، و36 مركزًا طبيًّا ومركزًا بحثيًّا ومستشفى تعليميًّا تابعًا لوزارة الصحة، 1.200 عيادة خاصة
فضلاً عن فصل 1.689 طبيبًا تعسفيًّا من العاملين في وزارة الصحة، وفي القطاع الخاص فالصورة أكثر قتامة، فأكثر من 1.200 طبيبًا أصبحوا الآن بلا عمل نتيجة إغلاق مستشفياتهم ومراكزهم الطبية الخاصة، كما فقد 675 طبيبًا أكاديميًّا عملهم عندما أُغلقت كليات الطب الخاصة المرتبطة بمشاريع الخدمة، كما تأثر 5.261 طبيبًا وأكاديميًّا وعاملاً في قطاع الصحة من هذه الإجراءات التعسفية، وبإحصاء كل الذين فصلتهم الحكومة تعسفيًّا من العاملين في قطاع الرعاية الصحية الحكومي والخاص يصل عددهم إلى أكثر من 21.000 عامل، ولعل الجرم الوحيد الذي ارتكبه هؤلاء هو أن آراءهم تخالف توجهات الحزب الحاكم.
أطباء معتقلون
وثَّق التقرير كذلك معاناة العاملين في القطاع الصحي بعرض العديد من حالات الاعتقال التي طالت الأطباء وما نالهم من أذى جسدي ونفسي في معتقلاتهم، كحالة الطبيب النفسي والأكاديمي المشهور “خلوق صواش” الذي اعتقلته السلطات التركية في 28 ديسمبر 2016م بدعوى أنه “إرهابي”، فتمَّ فصله من عمله في الجامعة حيث صنفه رئيس الجامعة بأنه منتقد للحكومة، وتسبب إيذاؤه جسديًّا بإصابته بمرض اليرقان الانسدادي، وسرطان القولون، كما فصلت زوجته المحاضرة المتخصصة في علم الطب الباطني من عملها.، وبلغ التجاوز في الاضطهاد ليصل إلى أبنائه، فابنه “كراي” البالغ من العمر 12 عامًا، والذي كان في دورة تعلم لغة بالخارج، اقتيد للتحقيق معه في المطار بدون علم والديه وبدون محام، كما صادرت الشرطة جواز سفره.
تم حرمان 400 صيدلية في أنحاء تركيا من الدعم الذي تقدمه الحكومة للمرضى من خلال الضمان الاجتماعي، مما أجبر هذه الصيدليات على إعلان إفلاسها.
هاربون من بطش النظام
أُجريت كذلك مقابلات مع مجموعة من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي الذين استطاعوا الهروب من تركيا خوفًا من التعرض للاعتقال والتعذيب داخل السجون، طلب بعضهم عدم ذكر أسمائهم لئلا تتعرض عائلاتهم في تركيا للخطر، وممن أجريت معهم مقابلات الدكتور “محمد” الطبيب المتخصص في العلاج الإشعاعي، صاحب ال15 عامًا من الخبرة في هذا المجال، حيث لجأ إلى إحدى الدول الأوربية بعد أن اتهمته السلطات بالإرهاب لعلاقته بمؤسسات الخدمة المدنية.
وذكر الدكتور محمد أنه من المعدودين في هذا المجال في تركيا، وكان يعيش حياة جيدة هو وأسرته لكنه الآن يشعر بالضغط، فحتى يعمل في مجال تخصصه عليه أن يدخل الامتحانات التي اجتازها من قبل في تركيا من أجل الحصول على شهادته وقد يستغرق هذا منه سنوات، كما أن أسرته ما زالت في تركيا وهو في غاية القلق على أمنهم وسلامتهم.
تم تسجيل 20 حالة لامرأة ألقي القبض عليهن مباشرة عقب عمليات الولادة، بتهمة العضوية في حركة الخدمة أو العضوية في الحركات الكردية.
وفيات حولها شبهات
كما رصد التقرير 92 حالة وفاة داخل السجون التركية وفي الحبس الاحتياطي تدور حولها الشبهات، يُعتقد أنها وقعت نتيجة لسوء المعاملة والتعذيب الذي يمارس على نطاق واسع داخل السجون والمعتقلات، وعرض التقرير لبعض حالات الوفاة بالتفصيل، ومنها حالة “محمد أينام” طبيب الأسنان الذي كان يعيش في مدينة أزمير بحي كمال باشا، وتم اعتقاله ضمن الحملة التي شنتها الحكومة ضد حركة الخدمة، وقد أُعلن عن وفاته في 5 يناير 2017م بسبب أزمة قلبية عانى منها، لكن أسرته تقول: إنه كان يعاني من مشاكل صحية في القلب، وقد حرمته إدارة السجن من تناول الأدوية اللازمة حتى ساءت صحته وتوفي.
حسن أورهان شتين
أكاديمي متخصص في علم الكيمياء الحيوية، كان يعمل مساعد دكتور في جامعة “كاتب شلبي” بمدينة “أزمير”، ادُّعي أنه انتحر إثر تعرضه لاكتئاب حادّ نتيجة فصله من الجامعة، وقيل إنه قفز من الدور العاشر الذي كان يعمل فيه. أصيبت زوجته بانهيار وعولجت في نفس المشفى الذي كان يعمل فيه.
إغلاق المستشفيات والمراكز طبية
لم تقف اليد الباطشة للحكومة التركية عند حدود حملات الاعتقال والملاحقة للمتخصصين من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بدعوى تعاطفهم مع أفكار الأستاذ كولن الإصلاحية، بل تخطت ذلك بكثير بالإقدام على إغلاق المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة، والمنشأة طبقًا للوائح والقوانين، في انتهاك واضح لهذه القوانين، ودون أدنى مراعاة لحقوق أصحابها ولا لحقوق المرضى وما قد يؤدي إليه ذلك من موت بعضهم.
إن فصل الأطباء والأكاديميين والباحثين واعتقالهم لم يؤثر عليهم فقط بل أثر على المرضى أيضًا حيث حرموا من خدمات صحية ذات جودة.
تبين الإحصاءات أنه قد تم إغلاق 14 مستشفى، و36 مركزًا طبيًّا ومركزًا بحثيًّا ومستشفى تعليميًّا تابعًا لوزارة الصحة.
مستشفى سَما
احدى المستشفيات المغلقة، افتتحت عام 2006 في مدينة إسطنبول بحي “مال تبه” واعتمدتها اللجنة العالمية المشتركة، كانت واحدة من أضخم وأرقى المستشفيات الخاصة في تركيا. والقيمة التقريبية للمستشفى هي 300 مليون دولار أمريكي، وكان يعمل بها 600 موظف، منهم 100 طبيب.
من المؤلم جدًّا رؤية دولة تفصل تعسفيًّا خيرة أطبائها، وتضيّع كفاءاتها لمجرد أن آراءهم تخالف توجهات الحزب الحاكم.
ورغم أن مؤسسة الضمان الاجتماعي قد صنفتها قبل ذلك بتصنيف ممتاز، فإن ذلك لم يمنع مؤسسة الضمان الاجتماعي من قرار إنهاء التعاقد مع المستشفى وعدم تجديده بأوامر حكومية ودون أي مبررات،ثم قامت الشرطة بمداهمة المستشفى وأمرت بالإخلاء الفوري للمستشفى حتى المرضى الذين يتلقون العلاج في غرف الطوارئ وغرف العناية المركزة، وقامت بنقل المرضى إلى مستشفيات أخرى، وقد أبلغ رئيس إدارة المستشفى مؤسسة الضمان الاجتماعي بأن هذه الإجراءات أودت بحياة مريض قلب كان ينتظر دخول غرفة العمليات.
الصيادلة والصيدليات
لم يكن الصيادلة بمعزل عن هذه الحملات التي شنتها الحكومة على العاملين في القطاع الصحي، فقد نالوا هم أيضًا نصيبهم منها، فأغلق بعضهم صيدلياتهم، واعتقل البعض الآخر، وتم حرمان 400 صيدلية في أنحاء تركيا من الدعم الذي تقدمه الحكومة للمرضى من خلال الضمان الاجتماعي، دون أي تحقيق إداري أو حكم قضائي، بل واعتقلت الشرطة أصحابها بتهمة الانتماء لحركة الخدمة.
إن إغلاق المستشفيات والمراكز الطبية العلاجية والبحثية وكليات الطب بصورة غير قانونية والقبض على المتخصصين في المجال الطبي، يستهدف كل وجهة نظر مختلفة عما تتبناها الحكومة.
منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية
تحدث التقرير عن منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية التي أغلقتها السلطات التركية إبان الانقلاب الفاشل، واعتقال بعض أعضائها بدعوى ارتباطهم بحركة الخدمة المدنية، ومن تلك المنظمات “حركة الأطباء العالمية”، ومنظمة”كيمسه يوكمو” الخيرية، التي تجاوز عدد المتطوعين فيها ما يقرب من 200.000 متطوع من جنسيات مختلفة تبلغ أكثر من 100 دولة، وهي المنظمة التركية الوحيدة التي كانت تشارك بوصفها عضوًا استشاريًّا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وتقوم بأعمال خيرية في أكثر من 113 دولة، ومع ذلك لم تسلم من استهداف الحكومة، فعلقت الحكومة رخصتها، ثم أغلقتها، وألقت القبض على 33 شخصًا من أصل 40 مؤسسًا للمنظمة، بالرغم من أن أردوغان نفسه كان قد شارك في هذه المنظمة، ودعا رجال الأعمال بالتبرع لصالحها.
مناشدة الحكومة مراعاة المواثيق الدولية
اختتم التقرير بالتأكيد على أن ما قامت به الحكومة التركية من إغلاق للمنشآت الطبية، وإلقاء القبض على خيرة العقول التركية من المتخصصين في المجال الطبي، وما ينتج عنه من فقدان المرضى الرعاية الطبية اللازمة لعلاجهم مما قد يؤدي إلى فقدهم الحياة، كل ذلك يُعدُّ انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية، وميثاق حقوق الإنسان الأوروبي، وميثاق منظمة العمل الدولية.
وصفت منظمة العفو الدولية الفصل التعسفي الجماعي الذي يشهده القطاع الصحي الحكومي في تركيا بأنه “إبادة جماعية”.
ومن ثمَّ يطالب صُنَّاع التقرير الحكومة التركية بإطلاق صراح المتخصصين في مجال الرعاية الطبية من الأطباء وغيرهم ممن تم اعتقالهم وحبسهم من غير وجه حق، وإسقاط التهم الباطلة الموجهة إليهم، وعدم انتهاك القانون فيما يتعلق بإغلاق المؤسسات الطبية.
ويدعو صناع التقرير الحكومة التركية باسم القانون، أن تكف عن ممارستها الجائرة، وأن تحترم العهود والمواثيق الدولية التي وقعت عليها، وأن تلتزم في إجراءاتها مع مواطنيها العدالة والقانون.
للاطلاع على التقرير كاملا، وتحميله بصيغة بي دي إف اضغط على الرابط التالي:
للاطلاع على التقارير السابقة يرجى الدخول على هذا الرابط: