من إغلاق تعسفي للمستشفيات إلى اعتقال وفصل الأطباء وحرمان السجناء المرضى من العلاج، يواجه النظام الصحي في تركيا حملة قمع غير مسبوقة منذ مسرحية الانقلاب التي خرج بها إردوغان في يوليو 2016.
مركز “نسمات” للدراسات الاجتماعية والإنسانية أصدر تقريرًا بنهاية يوليو الماضي أكد فيه أن حكومة إردوغان ارتكبت جرائم متعددة فيما يخص المجال الطبي، معنونًا تقريره بـ””تصفية ممنهجة للقطاع الصحي في تركيا”.
ومنذ يوليو 2016، وقعت نحو 21 ألف حالة اضطهاد في القطاع الصحي بين فصل واعتقال وتشريد للأطباء والعاملين وإغلاق للصيدليات والمراكز الصحية وحتى كبرى المشافي، فضلًا عن سقوط 92 حالة وفاة تدور شبهات حول حرمانها من العلاج في السجون، كما توفي آخرون نتيجة إغلاق المشافي التي كانوا يعالجون فيها بشكل مفاجىء، ودون اتباع الإجراءات اللازمة.
جرى اعتقال 2.337 من كبار الأطباء، وفصل 7.500 من العاملين في مجال الصحة ضمن عملية التطهير الجماعي التي تمارسها الحكومة منذ أكثر من عامين، منهم 1.697 طبيبًا أكاديميًّا، يمثلون 6% من مجموع الأكاديميين العاملين في كليات الطب، وأغلبهم من كبار الأساتذة ورؤساء الأقسام الطبية.
التقرير، الذي ورد في نحو 50 صفحة، أوضح أن الانتهاكات الحكومية شملت المتخصصين من الأطباء والعاملين في القطاع الطبي، وكذلك مؤسسات القطاع الصحي التي جرى إغلاقها أو مصادرتها.
فصل وتشريد
جرى إغلاق 14 مستشفى، و36 مركزًا طبيا وبحثيا ومستشفى تعليميًّا تابعًا لوزارة الصحة، و1.200 عيادة خاصة، بالإضافة إلى فصل 1.689 طبيبًا تعسفيًّا من العاملين في وزارة الصحة.
ورسم التقرير صورة قاتمة فيما يخص القطاع الخاص، إذ تم تشريد أكثر من 1.200 طبيبًا أصبحوا بلا عمل نتيجة إغلاق مستشفياتهم ومراكزهم الطبية الخاصة، كما فقد 675 طبيبًا أكاديميًّا عملهم بعدما أُغلقت كليات الطب الخاصة التي يعملون فيها، نتيجة اتهامها بالارتباط بحركة الخدمة، وقائدها فتح الله جولن المعارض التركي المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
ونبه المركز كذلك إلى جميع المفصولين، والمؤسسات التي تم إغلاقها لم يرتكبوا أية جريمة، غير أنهم اعتنقوا أفكارًا معارضة لنظام “العدالة والتنمية” الحاكم، ونقل التقرير حالات لبعض من شملتهم حملة القمع التركية.
الطبيب النفسي والأكاديمي الشهير خلوق صواش واحد ممن طالتهم حملة القمع، إذ جرى اعتقاله في 28 ديسمبر 2016 بزعم أنه “إرهابي”، وتم فصله من عمله في الجامعة، وأصيب بمرض اليرقان الانسدادي، وسرطان القولون، كما فصلت زوجته المحاضرة المتخصصة في علم الطب الباطني من عملها.
كما تم اضطهاد أبنائه، فنجله كراي البالغ من العمر 12 عامًا اقتيد للتحقيق معه في المطار بدون علم والديه وبدون محام، كما صادرت الشرطة جواز سفره.
وفيات داخل السجون
التقرير نبه إلى اعتقال 20 امرأة عقب عمليات الولادة مباشرة، بتهمة الانتماء لحركة جولن، والحركات الكردية.
كما أشار إلى 92 حالة وفاة داخل السجون التركية وفي الحبس الاحتياطي، وتدور حولها شبة أن هذه الحالات توفيت نتيجة سوء المعاملة أو الحرمان من العلاج أو التعذيب الذي يمارس على نطاق واسع داخل السجون والمعتقلات.
وقد تقدم كثير من المرضى المعتقلين في سجون إردوغان بشكاوى كثيرة إلى اتحاد الأطباء الأتراك يحتجون على صعوبة وصول العلاج لهم، وعدم تمكنهم من إجراء الفحوصات الطبية اللازمة في ظل حالة الطوارئ التي فرضت عقب مسرحية الانقلاب في يوليو 2016.
إغلاق المشافي والصيدليات
الإجراءات القمعية شملت حرمان 400 صيدلية من تقديم أدوية الدعم الذي تقدمه الحكومة للمرضى من خلال الضمان الاجتماعي، مما أجبر هذه الصيدليات على إعلان إفلاسها.
يشدد التقرير على أن إغلاق المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة بزعم انتماء أصحابها لحركة “الخدمة”، جاء بالرغم من أن هذه المؤسسات تعمل بشكل شرعي، وأنها منشأة طبقًا للوائح والقوانين، ما يدل على انتهاك واضح للقوانين، ودون أدنى مراعاة لحقوق أصحابها ولا لحقوق المرضى وما قد يؤدي إليه ذلك من موت بعضهم.
كما تم إغلاق 14 مستشفى، و36 مركزًا طبيًّا ومركزًا بحثيًّا ومستشفى تعليميًّا تابعًا لوزارة الصحة. واحدة من هذه المستشفيات التي أغلقت هي “مستشفى سَما” التي افتتحت عام 2006 في مدينة إسطنبول بحي “مال تبه” واعتمدتها اللجنة العالمية المشتركة، وكانت واحدة من أضخم وأرقى المستشفيات الخاصة في تركيا.
“سما” كان يعمل بها 600 موظف، منهم 100 طبيب، كذلك قدر رأسمالها بنحو 300 مليون دولار أمريكي، وكان إغلاقها شهادة وفاة للقطاع الصحي المميز في تركيا، إذ تم تصنيف هذه المستشفى من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي في فئة “الممتاز”.
مؤسسة الضمان الاجتماعي التي أقرت في وقت سابق بتميز “سما”، قررت بناء على أوامر حكومية إلغاء التعاقد منعها دون أي مبررات، ثم قامت الشرطة بمداهمة المستشفى وأمرت بالإخلاء الفوري لجميع من فيه، حتى المرضى الذين يتلقون العلاج في غرف الطوارئ وغرف العناية المركزة.
الإجراءات القمعية بحق مستشفى سما ونقل المرضى منها، وبعضهم كانت حالته حرجة للغاية، أدى إلى وفاة مريض قلب كان ينتظر دخول غرفة العمليات.
الإجراءات القمعية شملت كذلك حرمان 400 صيدلية من تقديم أدوية الدعم الذي تقدمه الحكومة للمرضى من خلال الضمان الاجتماعي، مما أجبر هذه الصيدليات على إعلان إفلاسها.
ومن بين المنظمات التي أغلقتها حكومة إردوغان بدعوى ارتباطها بحركة جولن، منظمة “حركة الأطباء العالمية”، ومنظمة ”كيمسه يوكمو” الخيرية، التي تجاوز عدد المتطوعين فيها ما يقرب من 200 ألف متطوع يحملون جنسية 100 دولة.
وكانت “كيمسه يوكمو” المنظمة التركية الوحيدة التي تشارك بوصفها عضوًا استشاريًّا في “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” التابع للأمم المتحدة، وتقوم بأعمال خيرية في أكثر من 113 دولة، ومع ذلك لم تسلم من استهداف الحكومة، فعلقت الحكومة رخصتها، ثم أغلقتها، وألقت القبض على 33 شخصًا من أصل 40 مؤسسًا للمنظمة، بالرغم من أن إردوغان نفسه كان قد شارك في هذه المنظمة، ودعا رجال الأعمال بالتبرع لصالحها، وفق تأكيد التقرير.
انتهاكات دولية
وشدد التقرير على أن “ما قامت به الحكومة التركية يعد انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية، وميثاق حقوق الإنسان الأوروبي، وميثاق منظمة العمل الدولية”، مشيرًا إلى أن جرائم نظام إردوغان تنوعت من إغلاق للمنشآت الطبية، وإلقاء القبض على خيرة العقول التركية من المتخصصين في المجال الطبي، وما ينتج عنه من فقدان المرضى الرعاية الطبية اللازمة لعلاجهم مما قد يؤدي إلى فقدهم الحياة.
بدورها، وصفت منظمة العفو الدولية الفصل التعسفي الجماعي الذي يشهده القطاع الصحي الحكومي في تركيا بأنه “إبادة جماعية”.
وطالب التقرير حكومة إردوغان بإطلاق سراح المتخصصين في مجال الرعاية الطبية من الأطباء وغيرهم ممن تم اعتقالهم وحبسهم من غير وجه حق، وإسقاط التهم الباطلة الموجهة إليهم، وعدم انتهاك القانون فيما يتعلق بإغلاق المؤسسات الطبية.
كما دعا إلى التوقف عن الممارسات الحكومية الجائرة، مشددًا على ضرورة أن تحترم السلطات التركية “العهود والمواثيق الدولية التي وقعت عليها، وأن تلتزم في إجراءاتها مع مواطنيها العدالة والقانون”.
المصدر: موقع عثمانلي