تنفرد الفلسفة “الكولنية” (نسبة إلي الأستاذ فتح الله كولن) باستنادها إلي عقل نبت على أرضية القرآن والسنة، واستقى مَلِيًّا من أنهر الصحابة والصالحين المُصلحين، وترعرع مع علوم العصر، ومعارف الكون، فكان له من الإنجازات في حقل التفكير التطبيقي الممنهج ما كان، وما سيكون.
فكر استراتيجي قويم
والذي يقرأ في فكر “كولن” يجد أنه لا تتحقق النهضة – بنظره- إلا على مخطط علمي واستراتيجي مُحكم، ولا تتحدد الإستراتيجية إلا على أرضية من فكر مستنير رسخت قناعاته، واستقرّت دعائمه، وتوطدت خياراته، واستكمل مقومات تعبئته وانطلاقته في اتجاه تنفيذ الأهداف المتوخاة، وبلوغ الغايات المراهن عليها. ولن يكتب النجاح لأي استراتيجية ما لم تكن تستند على فكر محصَّف، وعزيمة قاطعة، وتصميم متبصر في الرؤية والتوقعات والتنفيذ.
كل صرح مادي أو معنوي استكمل بنيته، واستوى على دعائم الكمال، لا يولد إلا في كنف تفكيرٍ سديد، وتَرَوٍّ قويم.
ولكل فكر خلاَّق احتياطٌ من المعارف والقيم والضوابط تجنبه العُطلة، وتتجاوز به الطوارئ والعوائق وحوادث الطريق “الشاق”. ولا تتمايز الأعمال الناجزة، والمهام النافدة، إلا بالتخطيط المحكم الذي تتم فيه.. تلك هي بعض المبادئ والأبعاد التي يرتكز عليها فكر الأستاذ “كولن”. وقبل أن نستمر في تجليتها، علينا أن نتساءل: ما الفكر؟.
الفكر ـ كما يستشف من كتابات الأستاذ “كولن”ـ هو القوّة المعنوية التي يصرفها الفرد لأجل تمَثُّل الوقائع الذهنية وتوليدها، وفقه المسائل الحياتية واستنباط قواعد تدبيرها، وتخيل الوضعيات الوجودية حاضرها ومتوقّعها، وتهييئ أسباب تكييفها. إنه الفاعلية العقلية التي نواجه بها الحياة في أبسط مستوياتها وفي أعقد استشكالاتها على سواء، فنديرها على نحو بناء.. بل إن الفكر هو الكفاءة التي تنشأ للفرد عبر مراحل تَدرُّجه في العمر، وتَمَرُّسِه بالتلْقينات والتجارب، حيث يكتسب من أسباب التمهُّر العقلي والمراس التطبيقي ما يُمَكِّنه من التحكم في شؤون حياته ومجتمعه، والسير بها على منحى من الإيجابية بصورة يتوطد له معها الرّضى والإيجابية.
لا تتحقق النهضة – بنظر كولن- إلا على مخطط علمي واستراتيجي مُحكم، ولا تتحدد الإستراتيجية إلا على أرضية من فكر مستنير رسخت قناعاته، واستقرّت دعائمه، وتوطدت خياراته.
فكر عام شامل
لما كان الفكر شُعَبَا شتَّى، وديناميات متباينة، كان المردود المتولد عن كل صنف من هذه الشعب متفاوتًا، نوعًا وكمًّا. وقد يتأطَّر الفكرُ بحدود ضيّقة، فيُركِّز على المنافع الشخصية والمطالب الذاتية (ومنها المطالب الأسرية)، وتلك هي حال فكر وتفكير العامة والعموم. وقد يتأطر الفكر بهموم جمعية وانشغالات إنسانية مصيرية، وهو عندئذ فكر الخاصة والرموز، وتفكير الصفوة والفرديات.
——————————————————
المصدر: سليمان عشراتي، الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ43-44.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.