الأستاذة الدكتورة هدى درويش، من أوئل الأكاديميين العرب الذين تعرفوا على فكر الأستاذ كولن، وأشرفت وناقشت العديدمن رسائل الماجستير والدكتوراة في فكر الأستاذ فتح الله كولن وتجربة الخدمة، وفي الحوار الذي أجراه معها الدكتور أبوزيد عبد الرحيم مدير تحرير نسمات أكّدت على أن كتابات الأستاذ فتح الله كولن توافقت مع توجهها الروحي، وأصبحت تُمثِّل مرجعًا لها في أعمالها، ولعل هذا التأثير كما أشارت يرجع إلى روح الأستاذ كولن المفعمة بالمحبة وقلبه السليم المتوجه إلى الله تعالى.

الحوار ثري وماتع يحوي إجابات عن عدد من الأسئلة تدور حول النقاط الجوهرية المتفردة في خطاب كولن، والإضافة التي قدمتها الخدمة للفكر الإسلامي والإنساني نظريًّا وتطبيقيًّا، وأهم ملامح الفكر التربوي المُطبَّقة في مؤسسات الخدمة التربوية، وكيف عالجت أفكار كولن الوسطية المعتدلة الأفكار المنحرفة؟

لقد كنت من أوائل الأكاديميين العرب اللذين تعرفوا على فكر الأستاذ فتح الله كولن فهل يمكن أن تشرحي لنا كيف تعرفت على هذا الفكر وصاحبه؟

كانت بداية تعرفي على فكر الأستاذ فتح الله كولن من خلال كتابه الذي يحمل النفس الصوفي (التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح)، والذي أهداه إليّ تلامذة الشيخ في مصر. وقد لامس هذا الكتاب شغاف قلبي وكياني؛ لأسلوبه المبدع الذي يُخاطب الروح والوجدان ويرتقي بالنفس إلى آفاق رحبة من العبودية الحقة وتمثُّل الفضيلة فيتحقق للإنسان الغاية من وجوده. وقتها وجدت نفسي أشتاق للتعرف على هذه الشخصية المؤثرة ورغبت في قراءة أعماله التي قدمها لي تلاميذه والمؤمنون بأفكاره إهداءً وتفضلاً، حيث صادفت كتاباته توجهي الروحي وتخصصي العلمي في مقارنة الأديان والدعوة للتسامح والتعايش بين بني الإنسان ومنذ ذلك الوقت أصبح الأستاذ فتح الله كولن وكتاباته مرجعًا لي في أعمالي.

تناولَت كثير من الدراسات شرقًا وغربًا الأستاذ كولن من جوانب متعددة، ولكن من وجهة نظركم ما هي الخصوصية الفكرية التي انفرد بها فكر الأستاذ كولن؟ وما هي الإضافة التي قدمتها الخدمة للفكر الإسلامي والإنساني المعاصر نظريًا وتطبيقيًا؟

مكمن الخصوصية الفكرية لدى الأستاذ في عنوان رئيس ألا وهو خدمة الإنسانية والسماحة الدينية، وهذا العنوان يتكون من شقين: أحدهما معنوي والآخر محسوس، حيث بلغ الأستاذ شأوًا فريدًا في كليهما وقد أعطاه الله ملكة تعبيرية فريدة من نوعها تفتح له القلوب والعقول في آن معًا.

فالمتابع المدقق لأفكار الأستاذ فتح الله كولن ومشروعات الخدمة يتضح له أن قائمة اهتمامات الأستاذ كولن طويلة، تبدأ بمكافحة الفقر وتمـر بالتربية والتعليم وتصـل إلى تقديم الخدمات الإغاثية، وعلى رأس أولوياته يأتي الحوار والانفتاح على الآخر واحترام معتقداته أيًّا كان لونه وجنسه وانتماؤه الفكري، والفكرة الجامعة لكل هذه الأنشطة، هي بناء الإنسان من جديد وإعادة الاعتـبار للمفاهيم الإسلامية، ذات الطابع الإنساني الواسع بحجْـم الكرة الأرضية كلّـها.

لكن النقطة الجوهرية المتفردة في خطاب الأستاذ فتح الله كولن تكمن في مركزية قضية الإيمان، بشكل نكاد لا نجده في أي خطاب آخر لأي من المصلحين المعاصرين. فالإيمان ورضا الله في خطابه، قيمة نهائية ينبغي الوصول إليها وهدف في حدِّ ذاته.

وأما الإضافة النظرية والتطبيقية التي قدمتها الخدمة للفكر الإسلامي والإنساني، فأستطيع أن أقول إن الخدمة في بدايتها كانت فكرة تحولت في إطار معقولية هذه الفكرة وقابليتها للتطبيق ومناسبتها للفطرة الإنسانية إلى مشروع انبعاث حضاري يحرك الإنسانية بأكملها، ولا أدل على ذلك من انتشار مشروعاتها وقبول الناس لها شرقًا وغربًا شمالا وجنوبًا.

وفي الجملة يمكنني القول إنَّ الأستاذ فتح الله كولن استطاع التغلب على المشكلة الكبرى التي كان يعاني منها العالم الإسلامي والمتمثلة في القدرة على تحويل الفكر في إطاره النظري إلى شكله العملي، فلقد ظهر قبل الأستاذ فتح الله كولن مفكرون كُثر على رأسهم الإمام محمد عبده وعبد الحميد بن باديس والطاهر بن عاشور ومالك بن نبي وسعيد النورسي، لكن هذا الرجل العظيم استطاع أن ينزّل الفكر النظري على أرض الممارسة والواقع والحياة، وقد تجلّى ذلك في شكل مشاريع علمية (مدارس وجامعات) تقدم العلوم وتنشر روح السماحة والمحبة بين بني الإنسان بجانب الخدمات الطبية المتمثلة في مستشفيات تتوفّر فيها أجهزة طبية تعمل بأفضل التقنيات  التكنولوجية المتقدمة، وتوفر العلاج المتطور لنفع بني الإنسان في كل مكان.

– من خلال زيارتكم للمؤسسات التربوية من مدارس ومراكز تعليمية، فما هي أهم ملامح الفكر التربوي الذى تحرص عليه مؤسسات الخدمة التربوية؟

– أعتقد أن التعليم يمثل مشكلة جوهرية في العالم أجمع، لأن نُظم التعليم الحديث وإن أشبعت الجانب المعرفي في الإنسان إلا أنها عجزت عن إشباعه روحيًّا، مما ترتب عليه قطع أواصر العلاقات الإنسانية والاجتماعية والفكرية؛ لذا فإن الحل لهذه المشكلة كما يرى الأستاذ فتح الله كولن يكمـن في تحقيق تكامُـل الثنائيات القلب والعقل الفكر والحركية الأصالة والمعاصرة في التعليم، وذلك بنظرة شمولية إلى العلاقة بين الإنسان والكَـوْن والله.

إن أهم نقطة وجدتها في المؤسسات التعليمية الخاصة بحركة الخدمة هي كفاءة المعلمين من الناحية التعليمية والتربوية والسلوكية، وقدرتهم على النهوض بالعملية التربوية والتعليمية وتنفيذ البرامج والدورات والمشاريع المتنوعة واستخدام أحدث وسائل تكنولوجيا التعليم، وترسيخ حب التلاميذ للمدرسة. مع التركيز الشديد على التربية الروحية للطلاب بإعدادهم نفسيًّا ومعنويًّا وخلقيًّا وسلوكيًّا على المبادئ والقيم الدينية المشتركة في كل الأديان، وتكوين جيل يمكن أن نطلق عليهم الطلاب “الأدلاء”، وهم الذين يتولون استصحاب ومتابعة غيرهم من الطلاب.

كذلك مما أسترعى انتباهي ولم أجده في أي مدرسة أخرى ظاهرة “أمهات الفصول”، حيث تختار المدرسة إحدى أمهات الطلاب في كل فصل من الفصول، لتكون جسرًا للتواصل بين تلاميذ الفصل وأمهاتهم أو بين التلاميذ وبين المعلمة أو بين إدارة المدرسة وبين الأمهات في كل ما يؤدي إلى رفع مستوى الأداء التربوي، وتقوم كذلك بالتعاون مع معلمة الفصل فيما تقوم به من أنشطة داخل الفصل أو خارجه، فهي بمثابة مستشارة للمعلمة، وساعدها الأيمن في العديد من الأنشطة التي تقوم بها. كما يتعاون الاثنان في الإعداد لمجموعة من الدورات التكوينية التي تساعد الأمهات وتثقفهن علميًا وتربويًّا من أجل مساعدتهن على تربية أبنائهن.

من ناحية أخرى تقوم هذه المدارس بتشجيع الطلاب للتفاعل والتواصل والمشاركة في العلم والتعلم بين مختلف الأجناس والديانات، وتهيئة الطلاب لقبول الآخر المختلف عنه دينًا وثقافة وجنسًا، ووضع الأسس القيمية للتحاور والتعاون والتعامل مع الآخر في جو تسوده روح التسامح والأخوة والمحبة.

كل من يستمع إلى الأستاذ كولن يتأثر به، فما الذي يجعل لكلام الأستاذ فتح الله كولن هذا التأثير الكبير في القلوب، فينطلقون لتحويل كلامه إلى مشاريع عملية تخدم الإنسانية؟ في رأيكم ما سر هذا التأثير؟

يكمن تأثير الأستاذ في القلوب من خلال روحه المفعمة بالمحبة والخير وقلبه السليم المتوجه إلى الله، فهو يحلق بالقلوب في عوالم من الروحانية الخلاقة فتلتف القلوب حول مبادئه وأطروحاته. كما أن قلبه المليء بالإيمان واستشهاداته المتضمنة آيات القرآن والحديث والسيرة النبوية وغيرها تجعل القارئ يشعر أنه أمام شيخ كبير عارف بالعلوم الدينية من قرآن وحديث وفقه واتجاهات روحانية تربط بين العقل والروح وكذلك أسلوبه الواضح الذي يغذي القلب والروح قبل الفكر والعقل.

أيضًا توجيهاته لرجال الأعمال لينالهم الجزاء الأوفى من الله وتشجيعهم على الإسهام في أعمال الخير لخدمة البشر ليفوزوا برضا الله ومن ثم يحصلون على ثمرة عطائهم؛ وذلك ببراعته في الوعظ التي تجعلهم بأسلوبه الأخّاذ كأنهم يشاهدون الأغنياء من الصحابة الكرام وهم يشاركون في مشاريع الهمة التي ينفق بعضهم فيها كل ماله وبعضهم نصفه، فيسارعون إلى الاقتداء بهم في هذا الإنفاق.

اليوم هناك اتجاهات فكرية تنهل –على حد تعبيرها– من منابع الإسلام، ولكن للأسف الشديد يتمخض عنها صورة مشوهة عن الإسلام. ينتج عنها تدمير وتخريب وعنف، وتتلوث صورة الإسلام على مستوى العالم. فأين يكمن الخلل، وهل يعد فكر الأستاذ كولن علاجًا لهذه الأفكار المنحرفة؟

يكمن الخلل أولاً في غياب الثقافة الدينية، والفهم الخاطئ للنصوص المقدسة، كذلك التشدد والجمود الفكري، والتمسك بحرفية النصوص، وعدم تدبرها ومعرفة القصد الصحيح من ورائها. هنا نجد الأستاذ كولن يقدم لنا كيفية الخروج من الفكر المتحجر من خلال التثقيف العقلي والتنشئة الدينية الصحيحة التي تقوم على الوسطية والاعتدال، ولذلك نجده يصف الجهل بالدين بقوله: “الجهل قناع على وجوه الأشياء، والشخص الذي لا يمزق هذا القناع عن وجهه لا يستطيع النفوذ أبداً إلى الحقائق الكونية السامية. ويقول: أن أكبر جهل وأعظمه هو الجهل بالله تعالى”.

وينتقد الأستاذ فتح الله كولن بشدة بعضَ الذين ابتدعوا مجموعة من التفسيرات والتحليلات المُتشَدِّدَةِ التي لا توافق روحَ الإسلام أصلًا، مؤكدًا أنَّ المسلم لن يستطيع تحقيقَ أيِّ هدف إسلامي بالقتل وارتكاب الجرائم وإثارة الفوضى وممارسة الإرهاب، ومستشهدًا بالفرق التي تحركت قديمًا باسم الدين ولجأت إلى الإرهاب كالخوارج والقرامطة والحشاشين؛ وأنه لا علاقة لهذه الطوائف بالإسلام أساسًا، وأنَّ أهلَ السنة والجماعة الذين يُشَكِّلُون السواد الأعظم من المسلمين اعتبروا هؤلاء جميعًا فِرَقًا ضالَّةً.

كذلك يدعو الأستاذ إلى نبذ التعصب بقوله: إن أتباع كل دين يرون علوية دينهم ودونية الأديان الأخرى، لذلك فهم يسعون دائمًا إلى إعلاء كلمتهم وإبراز آرائهم دون موضوعية، ودون أدنى محاولة لفهم الآخر.

ولكي يتم التصدي لمثل هذه الأمراض الخطيرة التي تصيب شبابنا، يرى الأستاذ فتح الله كولن أنه ينبغي العمل على وضع منهاج تربوي يدرّب الأجيال على قراءة التراث الديني بنظرة كلية شاملة، ويعلمهم كيف يفهمون الروايات والنصوص الدينية وفق سياقها.  وأن نعلِّم شبابنا كيف استطاع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل قومه من مجتمع بدائي همجي إلى مجتمع متشبّع بالقيم الأخلاقية التي تتشارك فيها جميع الأديان الإبراهيمية.

هل أثار كون الأستاذ كولن تركيا بعض الحساسيات لدى القارئ والمفكر العربي، يعنى هل يقول المفكرون العرب، وهل ينقصنا نحن العرب علماء. فما عسى أن يضيف مفكر تركي إلى علمنا ورؤانا؟

لا أظن ذلك، حيث يعرف الجميع توجهات الأستاذ كولن، وما يقدمه من خدمات جليلة على الأرض للإنسانية في جميع أنحاء العالم، كما أن ما يدعو إليه ويعمل على نشره من المحبة والقبول لبنى الإنسانية مستشهدًا بالقرآن والسنة وسير الصحابة والأتباع الصالحين، وقبوله لكل فكر حديث لا يتعارض مع قيم الإسلام وأصوله لا يخفى على أي متابع منصف، كما أن اتجاهه الفكري والروحي والعلمي والعملي وأسلوبه السهل الممتنع المقنع يؤثر في الجميع، ويجدون فيه نموذجًا يحتذى به وخطوة رصينة لحل المشكلات العالمية المتعلقة بالدين.

أستاذتنا الجليلة: ما رأيك هل ضيعنا حقيقة القرآن بضحالة التوجه إليه يا ترى؟

القرآن في حقيقته محفوظ بحفظ الله له، ولا يمكن لبشر أيًّا كان أن يمس حرفًا فيه، ولكن هناك أناس نعتبرهم خارجين عن الأديان جميعًا، وهؤلاء لا نخوض في أغراضهم ونواياهم السيئة، ولا نقيم لهم وزنًا، وفى هذا يقول الأستاذ: “لو تصرف مسلمو اليوم في موضوع القرآن بصفاء المسلمين الأوائل لاحتلوا مكانة مرموقة في التوازن الدولي الحالي في وقت قصير.

كما أكّد الأستاذ فتح الله كولن على أن الإنسانية في مستقبلها القريب ستشهد متعجبة كيف وأن نظريات وقوانين مختلف العلوم والفنون ستتجه نحو القرآن، ولن نكون مبالغين -كما يرى الأستاذ كولن- إذا قلنا أن المستقبل سيكون عهدًا جديدًا يُرجع فيه إلى القرآن؛ لأنه الكلام الذي يرى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد.

لاقى كتاب النور الخالد إعجاب الكثير من المفكرين والعلماء المتخصصين في السيرة النبوية، فما هي الإضافة النوعية التي قدمها هذا المؤلف في دراسات السيرة النبوية من وجهة نظركم؟

أرى الإضافة التي أضافها العالم فتح الله كولن في كتابه النور الخالد تتمثل في أسلوبه وتوجهه الروحي في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأبدأ بعنوان الكتاب محمد صلى الله عليه وسلم “مفخرة الإنسانية” فهذا المحب العاشق لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنجز وأوجز كل معاني الفخر والشرف والمعزة والمحبة والتقدير والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تدور في خلدنا ويصعب التعبير عنها في كلمتين تضمنت كل المعاني في حب الرسول ألا وهو “مفخرة الإنسانية”.

ومن حيث إن سير كل العظماء والقادة تكتب وتنتهي ولا يكتب جديد بعدها؛ فإن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ولا تزال ميدانًا مفتوحًا للكتابة والإبداع، فهي دائمة العطاء، مستعصية على الانتهاء أو الزوال.

ولقد جاء تأليف هذا الكتاب للرد على فتنة الهجوم على السنة -والتي تطل برأسها من حين لآخر- وتسليط الضوء على شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره منقذًا للبشرية، وقوة قدسية جاذبة للقلوب والأرواح.

والإضافة النوعية التي أضافها الأستاذ كولن في تناوله لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هو ذلك الأسلوب الجاذب الموجه لشباب المستقبل وكيفية تحبيبه لنفوسهم والاقتداء به في أقواله وأفعاله.

حيث يرى الأستاذ فتح الله كولن أن الإنسانية تسمو وترتفع وترتقي بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تناول واقعنا الراهن وتحدياته وبين لنا كيفية مواجهة كل العقبات والموانع بمحبة فخر الكائنات وسيد الدنيا والآخرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في أغلب حوارات الأستاذ فتح الله كولن عندما يسأل عن مصر، يثني عليها الثناء الكثير، ويبدي احتراما وتقديرًا للأمة المصرية وحضارتها العريقة، فما سر هذا الحب لمصر من وجهة نظركم؟

يكن الشعب التركي دائما كل المحبة والمودة الصادقة للشعب المصري، ذلك لأن مصر تمثل أرض الحضارة والتاريخ، وهي الأرض التي وطئها معظم الأنبياء والرسل الكرام، ولغة المصريين هي لغة القرآن الكريم، ولكون الأستاذ عالمًا وعلى درجة عالية من الثقافة الدينية والتاريخية، فهو يقدر المصريين ويجد في معدن شعبها الأصالة والعراقة، كذلك فإن الأستاذ عالم بالقرآن ونصوصه المقدسة ودائما ما يتحدث عن مصر بكونها رمز الأمن والأمان المذكورة في آيات القرآن الكريم.

نعيش اليوم في عالم تكثر فيه النزاعات الطائفية والصراعات الدينية والمذهبية والإثنية، وللأستاذ كولن تجربة رائدة في الدعوة إلى التعايش السلمي من خلال الحوار بين الأديان والإثنيات المختلفة، فما هو تقييمكم لهذه التجربة، لا سيما وأنك متخصصة في هذا الشأن؟

أستطيع أن أقول إن الحوار والتعايش السلمي لم يكتسبا أهمية في أيّ عهد من العهود كأهميتهما في الوقت الراهن، ولم تكن ثقافة التسامح والعيش المشترك ضرورية كضروريتها الآن؛ ولذلك فإن أهم سمة من سمات حركة الخدمة ورائدها الأستاذ كولن هي الحوار وقبول الآخر، وعندما انطلقت دعوة الأستاذ كولن للحوار ظهرت حركة حوار واسعة تستند إلى الاحترام المتبادل وإلى حرية التعبير عن الرأي. إذ قام بدعوة كل الأطياف والمشارب والتيارات التركية للتقابل وجهًا لوجه، حيث دعاهم لموائد الطعام، وهناك كسر الحواجز بين هؤلاء المختلفين، وتحولت “موائد الطعام” إلى “موائد للفكر”.

وفي هذه الأثناء قام الأستاذ كولن بزيارة الفنانين والرياضيين ومشاهير المجتمع وصُنّاع الوعي فيه ابتداءً من عام 1990، ومحاورتهم في كل ما يهم المجتمع التركي وهكذا بدأ الحوار بين مختلف الفرقاء، وفي عام 1994 قام بتأسيس “وقف الصحفيين والكتاب” بالتعاون مع مجموعة من الكُتّاب والصحفيين والأكاديميين، وبرعاية هذا الوقف تأسس منبر ثقافي باسم “أبنت”، الذي تناول موضوع الحوار في إطار أوسع بين مختلف الأديان والثقافات والحضارات، ومن خلاله قام الأستاذ فتح الله كولن بزيارات عديدة قابل فيها البابوات والقساوسة وقوبل من جانبهم بكل حفاوة وتقدير.

إنني أستطيع القول بكل ثقة إن دعوة الأستاذ فتح الله كولن للحوار قد أدت إلى ظهور حركة حوار واسعة تستند على الاحترام المتبادل بين أصحاب الديانات المختلفة والإثنيات والطوائف وإلى حرية التعبير عن النفس. ولقد رأيت أثناء زيارتي لمؤسسات الخدمة أن دعوة الحوار والتسامح والتعايش مع الآخر المختلف في الدين والجنس والنوع التي نادى بها الأستاذ كولن لم تكن مجرد شعارات ترفع، أو جملة جميلة ينمق بها الخطاب أو يرصع بها كلام المنتديات، بل هي تربية وقيم ملتصقة بأجيال الأمل التي تربّت في كنف فتح الله كولن وفي كنف الخدمة.

لماذا اسْتُهدف الأستاذ محمد فتح الله كولن وحركة الخدمة في تركيا ، ومن المستفيد من القضاء على فكرة الخدمة الإنسانية؟

اسمح لي أن أجيب عن الشطر الثاني من السؤال أولاً فأقول: إن المستفيد من القضاء على فكرة الخدمة الإنسانية هم بالقطع الذين نراهم الآن يعملون على تفتيت الدول وإثارة الفتن والقلاقل وقد تم كشف زيفهم وضلالهم أمام العالم بعد أن أصبح العالم الآن منفتحًا ومنكشفًا أمام وسائل الاتصالات الإلكترونية الحديثة.

أما الشق الأول من السؤال: فاستهداف الأستاذ والحركة يكمن في انتشار الحركة وذيوع دورها الخدمي على مستوى العالم أجمع وتوجه دول العالم إليها باعتبارها نموذجًا رائدًا في الخدمة كذلك وسائلها التعليمية والتنويرية في خدمة البشرية وخاصة توجيه الخدمة للنشء والشباب المستهدف.

تجاوز الأستاذ فتح الله كولن منظور إثارة مشاعر مخاطبيه بكمالات النبوة إلى منظور إحياء منهج النبوة سلوكًا وعقلاً كيف ترون ذلك؟

إن أبرز معلم من معالم التجديد هو اتباع القدوة طريقًا لتجديد الخطاب الديني لذا فإن اعتماد الأستاذ على منهج الرسول باعتباره القدوة والنموذج يعد في حد ذاته خطابًا موجها للإنسانية جمعاء.

لقد أشرفتِ وناقشتِ العديد من الرسائل العلمية المتعلقة بفكر الأستاذ كولن الإصلاحي، فمن وجهة نظركم ما هي الجوانب المهمة التي لم يتطرق إليها الباحثون في فكر الأستاذ كولن ومشروع الخدمة؟وتحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث؟

لقد أشرفت وناقشت معظم الرسائل التي تناولت حياة الأستاذ ومنهجه؛ وذلك لأن تناول تجربة الأستاذ ودراسة فكره جدير بالدراسة والاقتداء به فهو منهج حياتي وسلوكي.

لذا فإنني أحلم بالإشراف على رسالة دكتوراة تتناول مؤلفات الأستاذ كولن، وتصنيفها موضوعيًّا، مع بيان تفصيلي لكل كتاب والهدف منه ونتائجه؛ ليكون موسوعة ثرية وقيمة تحوي كل الشؤون الحياتية للإنسان، سواء كانت دينية أو روحية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية وغيرها.

شكرًا جزيلاً أستاذتي لقد كان حوارًا دسمًا وعميقًا وطيبًّا، ومثل تلك الحوارات لا يريد لها الإنسان أن تنتهي في الحقيقة، وبالطبع فالكلام ذو شجون. فإلى أن نلقاكم في حوارات أخرى نستودعكم الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أجرى الحوار: د. أبوزيد عبد الرحيم

 

About The Author

- عميد معهد الدراسات والبحوث الآسيوية – جامعة الزقازيق سابقا. - وكيل معهد الدراسات الآسيوية بالزقازيق لشئون البيئة وخدمة المجتمع سابقا. - رئيس قسم الديانات بمعهد الدراسات والبحوث الآسيوية جامعة الزقازيق. - مؤسس ومدير مركز الدراسات الإسرائيلية بجامعة الزقازيق . - نائب مقرر المجلس القومي للمرأة فرع الشرقية. - عضو اتحاد المؤرخين العرب (مصر). - عضو الجمعية التاريخية (مصر). - رئيس وحدة تطوير المشروعات – جامعة الزقازيق. - عضو المنتدى الإبراهيمي للحوار بألمانيا. - المسؤول الأكاديمي عن برنامج التثقيف الإسلامي الخاص بجامعة مونستر الألمانية. - عضو اللجنة العلمية بالمجلس الأعلى الصوفي ونقابة الأشراف. - عضو اللجنة العلمية بنقابة الأشراف. - عضو اللجنة العلمية للمجلس الأعلى لمشيخة الطرق الصوفية. - عضو الاتحاد الدولي لشؤون المصريين بالخارج - عضو جمعية الحضارة والفنون الإسلامية بالقاهرة. - ممثل أسر ذوى الاحتياجات الخاصة بالأولمبياد الخاص المصرى . حصلت على الجوائز التالية: - جائزة جامعة الزقازيق العلمية لأفضل رسالة دكتوراة فى مجال الآداب والعلوم والدراسات الإنسانية لعام 2001 – 2002م.لأهميتها الوطنية والقومية . وعنوانها "العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية (منذ قيام دعوة يهود الدونمة 1648م إلىنهاية القرن العشرين) - جائزة جامعة الزقازيق التشجيعية فى مجال الآداب والعلوم والدراسات الإنسانية 2006/2007. - حاصلة على مجموعة من الدروع وشهادات التقدير في مجال التعاون مع المؤسسات العلمية في مصر وخارجها .

Related Posts