من أُسس تجديد وعي الأمة تعميم الشعور بالمسؤولية بين كافة أعضاء المجتمع، وإشعارهم عن صدقٍ بأن رهان النهضة، وما يُقام من مشاريع الإقلاع، هو عين التكليف، وفرض العين على كل واحد وواحدة؛ إذ إن ما يجعل الوهن يصيب المشاريع، ويعطلها، ويتركها هملاً، هو عجز أصحابها عن المطاولة والاحتمال. وكل تحول نوعي تتبناه فئة أو قطاع أو حزب، ولا تفتحه في وجه الأمة كافة، بمختلف مستوياتها ومكوناتها، مآله إلى التحجم والتقزم والتراجع.
إن أخطر ما يتهدد البرامج الجادة، ويتعقبها بالنسف والتعطيل، أن تظهر إلى الناس في صورة مقاصد فئوية لا تهم المجتمع، ولكنها تهم الداعين إليها.
وإن تنافس القوى في بلاد الغرب يقوم على التنافس في إعلاء الوطن، وصونه، والسير به في طريق التقدم، عكس التصارع السياسي عندنا، المعتمد على نفوذ يستهدف ترسيخ الحكرة، والتسلط، وتأبيد عقلية المافيا.
النهضة غاية الأمة:
إن النهضة غاية الأمة بكافة تعداداتها. والمؤكد أن العجز يفتك بالرهانات الكبرى بسهولة حين لا يكون لها الاحتياطات الكافية، ولا يتوفر لها شرط التضافر وتشابك الأيدي. ومهمة الطليعة المؤمنة، المتنورة، تفرض عليها حشد الكفاءات والطاقات والمناصرين من سائر الأوساط. وإن مسؤولية تأصيل الحراك، وتمتين قواعده، وجعله غاية الأمة جمعاء، هي مسؤولية النيرين، أهل السبق إلى التدشين النهضوي المنطلق.
إن أخطر ما يتهدد البرامج الجادة، ويتعقبها بالنسف والتعطيل، أن تظهر إلى الناس في صورة مقاصد فئوية لا تهم المجتمع، ولكنها تهم الداعين إليها. حينئذ يقف المجتمع والسواد الأعظم منه، موقف المتفرج، بل ستمتد منه الأيدي للاعتراض والإعاقة والتفليس، إما بدافع التنافس أو للمعارضة المبدئية، أو بإحساس من يريد أن يركب العربة ويقودها هو لا غيره، وفي كل ذلك ما فيه من عوامل الفشل والوهن والاستسلام.
إن ما يجعل الوهن يصيب المشاريع، ويعطلها، ويتركها هملاً، هو عجز أصحابها عن المطاولة والاحتمال.
ليست النهضة جدولاً من النتائج، يتفرغ بعدها العاملون إلى المتع وجني الثمار، كلا إن النهضة تحوُّل صميم، يشمل الأفراد والمجتمع عامة، سلوكًا وثقافةً وتطلعات، ويجعل من العمل الصالح مقوم حياة، ومبرر وجود، وشرط أخلاق واجتماع، لا كينونة بدونه، ولا شرف، ولا كرامة.
مسئوليات الطليعة:
من هنا كان على الطليعة التي يُكتب لها أن تكون حاملة المشعل، بل والجذوة التي أشعلته، أن تتفانى في توسيع مساحات المشاركة؛ بحيث لا تفرّط في أي جهد تتمكن من استقطابه لتعزيز المسيرة. والمؤكد أن أفضل أساليب الاستقطاب والتوسع في دوائر العمل، هو السلوك الفردي والجماعي الذي يظهر عليه الرواد. ففي أصالة العطاء، وسماحته، وفي سلوك نكران الذات، خير وسائل الشد والتأثير الذي يتمكن العاملون من خلالها أن يقووا من جانبهم، وأن يعززوا من صفوفهم.
إن خلق ثقافة التجميع والمشاركة والأداء المشترك، والعمل المتقاسم، هو أحد أبرز المقاصد التربوية التي يحرض عليها الأستاذ كولن.
كل المقومات التعبدية والتعاملية التي يقوم عليها الإسلام، تركز على المقصد التجميعي المنتج، وتحرض على المرمى الجماعي المثمر؛ ذلك لأن الإسلام قد أرسى الأسس التي تؤكد مبدأ الجماعة؛ لأنه دين المشاريع، وتجديد النهضات، والتأهيل البناء والإيجابي لخوض التحولات الكبرى؛ لأن سند الأمة المسلمة الأول والأخير في كل هذا وذاك، هو السند الإلهي الذي لا يمتنع عن قدرته شيء.
—————————————-
المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، ص: 229-231، بتصرف
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.