بين يدي الكتاب:
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول الدراسات المعاصرة للقرآن الكريم، إلى درجة أصبح معها هذا الموضوع حديث الباحثين في الدراسات القرآنية.
ومن الملاحظ أن هذه القراءات الجديدة للنص القرآني الكريم تختلف منهجا وموضوعا حسب اختلاف الدارسين واتجاهاتهم ومرجعياتهم.
هكذا وجد الباحثون وعموم المهتمين أنفسهم أمام دراسات واجتهادات تفرض على الجميع كثيرا من الحذر والتدقيق. فمن جهة هرول فريق من أصحاب هذه الدراسات المعاصرة إلى تبني قضايا دخيلة على النظم القرآني من حيث الموضوع، وحاولوا تسييج إنتاجاتهم بوابل من المناهج التي يجافي كثير منها منهج النص القرآني بل يتعارض مع خصائصه. ومن جهة ثانية اكتفى فريق آخر بالتمترس وراء الجهود الجبارة والمتميزة لأعلام السلف.
ومعلوم أنه من خصائص النص القرآني الكريم، التي لم تنل حقها من الدرس والرعاية، صلاحيته لكل زمان ومكان. فالنص القرآني بمثابة قطار الحياة الذي يهب المعنى والروح، عبر نوافذه المشرعة في وجه كل من يركبه، شريطة النظر الفاحص في كل زمن ومكان عبر نوافذه، ليرى الحقائق والأشكال والصور كما هي، لا كما يسمع أو يروي له الناس.
وبين الطرفين المتطرفين انبجست ثلة من العلماء تحاول رتق ما انفتق بين الفريقين من خلال التنبيه على مضامين عدد من آيات النص القرآني، التي تدعو كل إنسان، بالعبارة أحيانا وبالإشارة أحيانا أخرى، إلى ضرورة التأمل والنظر في آيات الله سبحانه في كتابه المسطور كما في كونه المنظور.
فالنص القرآني إضافة إلى صلاحيته التي لا تنتهي بالزمان أوالمكان، لا ينبغي أن يعزب عن إنسان أنه رباني المصدر، وإنساني الرسالة، واقعي الموضوع، وسطي المنهج.
من أجل ذلك لا مندوحة لكل جيل عن استصحاب النص القرآني في كل قضاياه وهمومه، ويعانقه في كل آلامه وشؤونه. إن الإنسان المعاصر في أمس الحاجة إلى منهج وسطي يستحضر خصائص القرآن في التعاطي مع كل قضايا الإنسان.
في هذا الصدد وبحكم اهتمامي وتخصصي، منَّ الله علي بالاطلاع على عدد من المؤلفات التي تغري بالاستزادة من البحث في الموضوع، إلى أن اطلعت على كتاب في هذا الباب فريد. كتاب رأيته يغزل روح النص القرآني بقضايا الواقع الإنساني. كتاب وجدت صاحبه يغوص في أعماق كتاب الله المسطور، ويجوب آفاق كتابه المنظور.
وكل دارس لهذا الكتاب سيلحظ إيمان صاحبه القوي بأن في بحر النص القرآني أدوية كامنة أخبرنا بها الله تعالى، أدوية كفيلة بشفاء الإنسانية اليوم من كثير من أمراضها. يتكلم وبكل ثقة كما أنه يسك عملة دولية صورتها الأولى كتاب الله المسطور، والثانية كتاب الله المنظور. بل يتكلم وكأنه في مرافعة قوية أمام العالم المعاصر لإثبات رؤيته المسربلة بلباس العلم، والمتحركة في رواق النص القرآني. هذه الرؤية هي التي شدتني إلى هذا الكتاب المتميز، الذي وجدت صاحبه فيه مخلصا لما يقوله، وفيا لما وعد به في صدر هذا الكتاب الذي شغفت بدراسة شكلا ومضمونا. أسأل الله تعالى أن يمنع الموانع حتى أتممه إنه ولي التوفيق. (يتبع)