أصدر مركز ” نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية ” بتركيا تقريره الثاني عشر بعنوان: “التعذيب الممنهج في سجون أردوغان حقائق وشهادات”، وهو التقرير الذي نشره موقع زمان التركي.
وكشف التقرير عن تحول حكومة العدالة والتنمية عن سياسة “عدم التغاضي عن التعذيب”، والتي تبنتها فور تسلمها للسلطة عام 2002، إلى تبني سياسة جديدة معلنة تقضي بـ” التغاضي الكامل” عن التعذيب وسوء المعاملة، والاستخدام المفرط للقوة والمعاملة القاسية لمنتقدي الحكومة ومعارضيها.
وأشار التقرير إلي أنه لتنفيذ تلك السياسة، قامت الحكومة بتجديد قانون الطوارئ ثلاث مرات منذ محاولة الانقلاب الفاشلة يوليو 2016، وأزالت الاجراءات الوقائية لحماية المحتجزين ضد سوء المعاملة والتعذيب، بالإضافة إلى إطالة فترة السجن، كما عملت على تقليص حقوق السجناء في إجراء محاكمات عادلة، مثل حق السجناء في توكيل المحامين.
وبحسب التقرير فإن تركيا تعيش في الوقت الراهن أسوأ عهودها في انتهاك الحقوق والحريات والتعذيب وسوء معاملة المحتجزين والسجناء، والحرمان من حق الدفاع عن النفس، أو إنكار التهم، وذلك في ظل نظام قمعي يترأسه رجب طيب أردوغان، الذي أقسم علانية أنه لن تأخذه شفقة ولا رحمة بمنتقديه ولا معارضيه والمنشقين عنه.
وأسفر الاضطهاد الجماعي عن سجن ما يزيد عن 50.000 فرد بناء على اتهامات ملفقة في العشر سنوات الماضية فقط .
وقد لاقي تقرير مركز نسمات التركي تضامناً من المنظمات الحقوقية الدولية التي أكدت العديد من تقاريرها الموثوقة حدوث عمليات تعذيب وسوء معاملة من جانب الأشخاص الذين يعملون لصالح أفرع أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للحكومة، والتي أسفرت عن موت بعض الحالات جرَّاء قسوة التعذيب، بينما أدى التعذيب بحالات أخرى إلى مشكلات صحية خطيرة كالعاهات الجسدية والذهنية المستديمة.
وسلطت التقارير الحقوقية الضوء علي عودة أساليب التعذيب القديمة مجددًا التي تستخدمها تركيا ضد معارضيها، منها التعذيب بالضرب، والإغراق بالمياه إلى حد الاختناق، والحرمان من النوم، وإبقاء المسجونين في أوضاع ملازمة للتوتر، بالإضافة إلى الاغتصاب والتحرش الجنسي، والإيذاء بالقول والفعل، وتعليق الضحية من يديها بوضع مقلوب مع ربط اليدين من الخلف، ومنها أيضا الصدمات الكهربائية، ومنع الطعام والشراب، ورفض أو تشديد إتاحة الوصول إلى الأدوية أو الخدمات الصحية، وتجريد المسجونين من ملابسهم للتفتيش بشكل غير مصرح به.
ووثق التقرير قضية رجب شلبي كدليل دامغ على التعذيب الممنهج، والتي جاء فيها، أنه أثناء جلسة الاستماع المنعقدة بمحكمة الجنايات العليا بمدينة كريكال في السادس عشر من فبراير 2017، وصف المعلم رجب شلبي والذي قبض عليه بتهمة العضوية في حركة كولن، ما كابده من قسوة التعذيب، وقد سمحت المحكمة بتسجيل نسخة مختصرة فقط من شهادته ، وحسبما ذكر مراقبون في قاعة المحكمة، قال في شهادته: ” لقد جردوني من ملابسي إلى أن أصبحت عاريًا، ثم تركوني لأنتظر في مياه مثلجة، واغتصبوني بعصا غليظة في مؤخرتي، ولم يتوقفوا عن ضربي، وما وقعت على شهادتي إلا بالإكراه”.
وبحسب موقع الزمان التركي المعارض، فإن التقرير أشار أيضاً إلى أن النزعات القومية والوطنية لعبت دورًا كبيرًا في الحث على المعاملة الوحشية واللا إنسانية للمحتجزين والسجناء.
من ناحية أخرى فقد أضافت حكومة أردوغان إلى هيئات إنفاذ القانون في تركيا عنصرًا جديدًا شديد الخطورة ذا خلفية دينية، والذين يتعاملون مع المشتبه بهم باعتبار أنهم ” كفار” أو ” أعداء الإسلام “؛ وقد نشأ سوء الفهم هذا من خلال ما يثيره أردوغان ومن على شاكلته من القادة الإسلاميين، الذين يحثون على التعذيب في ما يبثونه في خطاباتهم العامة؛ مما حدا بالمعذِّبين إلى اعتبار أن ما يقومون به من أعمال التعذيب أعمالاً مقبولة ومبررة ينتظرون عليها الثواب في الآخرة.
وأصدر عالم الدين المؤيد للحكومة خير الدين كرمان، والملقب ” بمفتي أردوغان” في جريدة ” يني شفق” اليومية فتوى تقول: ” إن الضرر الذي يلحق بجماعة صغيرة جائز في مقابل تحقيق المصالح العامة للأمة “
وصرح وزير الاقتصاد السابق نهاد زيبكجي في حكومة حزب العدالة والتنمية وسط جمع من الموالين للحزب متحدثًا عن المعتقلين: “سوف نذيقهم من كأس العقاب حتى يقولوا ” نتمنى الموت”، لن ترى أعينهم وجوه البشر، ولن تسمع آذانهم صوت الآدميين، ولسوف يموتون كما يموت فئران المصارف في زنزانة مساحتها لا تزيد عن 1.5-2 متر مربع”، وكثيرا ما يردد أردوغان وشركاؤه والموالين لحزب العدالة والتنمية هذه الفتوى الجازمة والتأكيد الذي يأبه بحقوق الإنسان بشكل متكرر.
كما يستخدم أردوغان نمط خطاب الكراهية بانتظام وبشكل متعمد ضد حركة كولن، واصفًا المنتسبين للخدمة والمشاركين والمتطوعين فيها بأنهم “ليسوا مسلمين”، أو ” كفارًا” ؛ مما أدّى بدوره إلى تقديم ذريعة إضافية لممارسات التعذيب التي تتبناها الجهات الأمنية ضد المحتجزين.
واشتمل تقرير ” نسمات ” على عشرات الشهادات الحية والوثائق الحقيقية التي تتحدث عن التعذيب الممنهج الذي يستخدمه أردوغان ونظامه ضد معارضيه في السجون وخارجها، ومن الشهادات الحية التي وردت في التقرير، منها شهادة حسن كوبلاي مدير مدرسة سابق، وقد ورد في شهادته: ” لا يمكن لكلمات مثل: التعذيب والتهديدات، والأسى وأي كلمات مشابهة أن تصف معاناتي، فأنا أشعر بالخزي من كوني إنسانًا، لقد وضع ضباط الشرطة عصًا في مؤخرتي، وهددوني بقولهم: “سوف نعتقل زوجتك ونفعل بها مثلما فعلنا بك، ونزج بأطفالك إلى مراكز حماية الأطفال التابعة للحكومة”.