مع حلول الذكرى الرابعة لمحاولة “الانقلاب المسرحي” كما تعتبره المعارضة في تركيا، وجه المتحدث الرسمي باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض فائق أوزتراك أسئلة على أن يجيب عليها الرئيس رجب أردوغان.
أوزتراك طرح العديد من التساؤلات المبهمة حول ليلة الانقلاب الذي تعرضت له تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016، وطلب من رئيس الجمهورية أردوغان توضيحها، وقال: “ماذا كنت تفعل في بلدة مرمريس قبيل الانقلاب؟ لماذا كانت طائراتك ومروحياتك في وضع الاستعداد في ذلك الوقت. هل حصلتَ على معلومات استخباراتية مسبقة؟ متى صعدت إلى الطائرة؟”.
أضاف: “لماذا لم تسمحوا بنشر تقرير الانقلاب الذي أعدته لجنة التحقيق البرلمانية المشكلة من أجل الكشف عن ملابسات الانقلاب”.
تساؤل البرلماني من حزب الشعب الجمهوري يأتي تعليقا على ما قاله أردوغان سابقا إنه أمر بإعداد ثلاث طائرات في ثلاثة مطارات مختلفة ليلة الانقلاب، وذلك من أجل التشويه على العسكريين الانقلابيين أثناء الانتقال من بلدة مرمريس التي كان يبيت فيها حينها إلى مدينة إسطنبول، في حين زعم صهره وزير الموارد الطبيعية آنذاك برات ألبيراق أن أربع طائرات مختلفة كانت بانتظار أردوغان خارج مدينة إسطنبول.
وهذا هو ما دفع أوزتراك إلى التساؤل قائلاً: “ماذا كنت تفعل في مرمريس قبيل الانقلاب؟ لماذا كانت طائراتك ومروحياتك في وضع الاستعداد في ذلك الوقت. هل حصلت على معلومات استخباراتية مسبقة؟”.
وكان زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري وصف أحداث “الانقلاب الفاشل” بـ”الانقلاب المدبر” أو “الانقلاب تحت السيطرة”، في حين نعتها زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي السابق صلاح الدين دميرتاش في عم 2016 بـ”أكبر المؤامرات في تاريخ الجمهورية التركية”، وبأنه “انقلاب داخل انقلاب”، الأمر الذي تسبّب في إرساله إلى خلف القضبان الحديدية مباشرة، ويستمر اعتقاله إلى اليوم رغم قرارات المحكمة الدستورية التركية ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية عن انتهاكات حقوقه وضرورة الإفراج عنه وتقديم تعضويات إليه.
أردوغان غيّب تقرير البرلمان عن الانقلاب!
السلطة الحاكمة في تركيا كما أنها لا تقدم للمجتمع التركي والدولي رواية متماسكة منطقيًّا عن أحداث الانقلاب، كذلك لا تسمح للباحثين والصحفيين بالبحث والتدقيق فيها والكشف عن ملابساتها، ليكون العالم على بينة من أمره. فكل من يحاول إزالة الضباب عن هذا الانقلاب إما يجد نفسه في السجن أو يتعرض للتشويه والشيطنة، بينما المتوقع منها أن تسعد بهذه البحوث والتحريات وتشجّع عليها؛ نظرًا لأنها “ضحية هذا الانقلاب”، والكشف عن خفاياه يصب في مصلحتها!
حكومة أردوغان لم تسمح بنشر تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي حققت في المحاولة الانقلابية، رغم أن معظم أعضائها من النواب التابعين للحزب الحاكم.
وياتي رفض نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق رغم أن اللجنة أعلنت منذ البداية أنها لن تستمع بشأن الانقلاب إلا إلى أقوال الجنرالات الذين ستختارهم، أي الشخصيات التي ستدلي بتصريحات تؤيد الرواية الرسمية للحكومة. فقد كتبت صحيفة “جمهوريت” أن أعضاء اللجنة من نواب الحزب الحاكم زعموا أن الجنود المتورطين في محاولة الانقلاب يمكنهم أن يأتوا بكل أشكال الافتراء، وأعربوا عن قلقهم قائلين: “ماذا يحدث لو زعم أحد هؤلاء الجنود أنهم تلقوْا تعليمات المحاولة الانقلابية من الرئيس أردوغان أو رئيس الوزراء!”.
وأعلنت اللجنة أيضًا أنها لن تستدعي الرئيس أردوغان ورئيس وزراء ذلك الوقت بن علي يلدريم للاستماع إلى أقوالهما، وكذلك رئيس أركان الجيش “خلوصي أكار” ورئيس المخابرات “هاكان فيدان” في البداية، ثم قررت مطالبة الأخيرين بإرسال رسالة خطية تضم روايتهما لأحداث الانقلاب دون الحضور أمام أعضاء اللجنة، مع أن المفترض بل الواجب، بواقع منصبهم، أن يكون هؤلاء أبرز المطلعين على خفايا هذا الانقلاب أكثر من أي شخص آخر.
كما أن اللجنة اتخذت قرارًا بالاستماع إلى أقوال “فتح الله كولن” المتهم الرئيسي من قبل أردوغان بتدبير الانقلاب، لكن بعدما تلقت تحذيرات من “قصر أردوغان” حول ما يمكن أن يتمخّض عن مثل هذه الخطوة نتائج خطيرة تراجعت عن تطبيق هذا القرار، وذلك رغم أن كولن تحدى الرئيس أردوغان بالدعوة إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في جميع الاتهامات الموجهة إليه، معلنًا استعداده لقبول أي نتيجة ستتوصل إليها هذه اللجنة، والعودة إلى تركيا والإعدام على الملأ.
ورغم مرور أربع سنوات على أحداث محاولة الانقلاب إلا أن البرلمان لم يطبع حتى اللحظة تقرير الانقلاب الذي أعدّته لجنة التحقيق البرلمانية، والذي يتضمن النتائج والحقائق التي توصل إليها أعضاؤها.
وتؤكد الأحزاب المعارضة أن الحكومة تخاف من تكشّف الحقائق التي توصل إليها أعضاء اللجنة البرلمانية والتي تشير إلى كون الانقلاب “مدبرًا”، وذلك مع أن نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم يشكّلون الأكثرية في اللجنة بواقع أغلبيتهم البرلمانية.
وقد نقلت الصحف التركية في يوليو 2019 عن أحد البرلمانيين من صفوف الحزب الحاكم قوله: “تقرير لجنة التحقيق البرلمانية عن المحاولة الانقلابية لم يُنشر مخافة إقدام المواطنين المتهمين بالمشاركة في الانقلاب أو الانتماء إلى حركة الخدمة على استخدامه كدليل أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان! وذلك نظرًا لأن التقرير يتضمّن تعليقات واعتراضات مهمة لأعضاء اللجنة من حزب الشعب الجمهوري والأحزاب المعارضة الأخرى”.
ومع أن التقرير البرلماني عن الانقلاب تم تقديمه إلى رئاسة البرلمان، غير أنه لم يتمّ مناقشة الحقائق والنتائج التي توصل إليها في الجمعية العمومية للبرلمان.
والطامة الكبرى أن تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الانقلاب المقدم للبرلمان في عام 2017 تبين أنه اختفى في الدهاليز المظلمة للبرلمان! فعلى خلفية طلب استجواب تقدم به حزب الشعب الجمهوري، أفادت نائبة رئيس البرلمان، ثريا سادي بلجيتش، أنه لم يتم طباعة وتوزيع التقرير خلال الدورة السادسة والعشرين، نظرا لعدم اكتماله، وأنه لم يتم تقديم أية تقارير إلى رئاسة البرلمان بهذا الصدد.
لكن هذه المزاعم تتعارض مع المعلومات الواردة في الموقع الرسمي للبرلمان، والتي تفيد بتقديم التقرير لرئيس البرلمان التركي السابق إسماعيل كهرمان في 2 يوليو 2017.
نهال أولجوك، زوجة أرول أولجوك، المستشار الإعلامي في حزب أردوغان، الذي سقط شهيدًا في محاولة انقلاب عام 2016 بـ”نيران مجهولة”، انتقدت غياب تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية عن الانقلاب وعدم مناقشته أمام الرأي العام.
وشددت على أنه يجب على الجميع أن يطالب المسؤولين بمناقشة التقرير البرلماني عن الانقلاب، قائلة: “لا بد من المطالبة بهذا التقرير بإصرار. هذا التقرير مهم؛ لأنه سيتبين من أدلى بأقواله من المسؤولين في الدولة ومن لم يدلِ بأقواله أمام لجنة تقصي الحقائق المشكلة من أجل الكشف عن ملابسات وخفايا الانقلاب الفاشل”.
وانتقدت أولجوك أيضًا عدم تقديم رئيس جهاز الاستخبارات الحالي هاكان فيدان أقواله للجنة تقصي الحقائق، قائلًا: “قد تجيب أقواله عن الأسئلة العالقة في رأسي، لذا يجب عليه أن يقدم للرأي العام ما يعرفه عن الانقلاب”.
وأكدت أولجوك أن السلطة السياسية لم تقم بجمع الأدلة الخاصة بأحداث الانقلاب وإنما قامت بغسل البصمات وإزالتها حتى لا تظهر الحقائق، وفق تعبيرها.
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم تماسك الرواية الرسمية للانقلاب وخوف أردوغان وحلفائه من ظهور خلفيات وملابسات هذا التحرك العسكري الشبيه بالانقلاب الذي وصفه أردوغان بـ”الهدية الإلهية”، ولا يزال يجني ثماره السياسية حتى اليوم، على الرغم من أنه كلف حياة أكثر من 250 شخصًا، وإيداع عشرات الآلاف من المواطنين في السجون، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين، بالإضافة إلى فصل مئات الآلاف من وظائفهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتب: محمد عبيد الله
المصدر: موقع زمان عربي