لقد فاض القلب ألمًا من أصناف الظلم وألوان الغدر التي تحل بكل صديق، فكل نازلة من تلك النوازل تخترق وجداني وتمزقه.
فقد بلغني خبر وفاة الأخ والصديق يوسف بكمزجي في السجن الذي وقع على نفسي كالصاعقة، فهو أخٌ وصديقٌ ورفيقُ طريق منذ أكثر من 50 عاما. عرفته فيها مثالاً للصدق الحقيقي، والإخلاص، وعشق الخدمة والتضحية. عاش طول حياته مستقيمًا على هذا الطريق، ولم يحد عنه قيد شعرة حتى استرجع الحق أمانته. وكان رحمه الله من القلائل الذين يقيمون الصلاة بحق، ويقدرونها حق قدرها، وستظل ذكراه ماثلة في مخيلتي بعشقه هذا للصلاة وبأنينه الذي كان يترامى إلى مسامعي وأنا فوق المنبر.
لقد كان رحمه الله ذا حساسية دينية فائقة، وصاحب عزيمة لا تنثني في طريق الخدمة، وكان يُتوِّج كل هذه الصفات بجديته واجتهاده، كما كان مصدر طاقة إيجابية لا تنفد للكثير، حيث كان من أوائل المهاجرين إلى دول وسط آسيا من أجل الخدمة، معبِّدا الطريق لمن بعده في طريق الشوق والعشق لخدمة الإنسان. ورغم هذه الحياة الحافلة بالمكابدة والكفاح في سبيل الحق فقد نال نصيبه من هذا الظلم العفريتي، وتم احتجازه بالرغم من كبر سنه ومرضه، حتى فاضت روحه إلى بارئها وهو في قيد الاحتجاز. إننا نحتسبه عند الله شهيدا، فقد قضى حياته في العبادة، والتقوى، ومحاسبة النفس، والخدمة.
أخي الحبيب يوسف بكمزجي، لقد سرنا معًا في هذا الطريق قرابة الخمسين عاما، وها أنت قد بلغتَ نهاية هذه الرحلة، فلتعلمْ أنها نقطة الوصال مع الإخوة الحقيقيين، صحيح أنني أشعر بالأسى لأنني لم أكن بجوارك وأنت ترحل إلى الله، ولكن عزائي الوحيد هو تلك البشارة التي تؤكد أن: “السائرين في نفس الدرب للغاية ذاتها هم -في الحقيقة- أخوة أُخْرَويون ولو اختلفت أماكنهم وتنوعت أزمانهم، فذلك لا يمثل مانعًا من صحبتهم والأنس بهم”.
إننا نضرع -جميعا- إلى الله بقلوب ملؤها الأسى والحزن أن ينتهي هذا الظلم إلى حد ما في أقرب زمان، وأن يمنَّ الله جل وعلا على المظلومين والمغدورين بعاجل الفرج وأن يجعل لهم مخرجًا حسنًا من هذا البلاء، وأن ينتهي الإمهال الممنوح للظالمين في أقرب وقت. كما أضرع إلى جناب أرحم الراحمين أن يرحم شهيدنا ويغفر له ويتغمده بواسع رحمته.
وإنني إذ أعزي نفسي بهذا المصاب الجلل أقدّم خالص تعزيتي أيضا لكل من شاركه نفس القدر وكل من تأثرت قلوبهم مثلي بخبر وفاته وكل رفقاء طريقه، وأسأله سبحانه أن يلهم رفيقة حياته وذويه من أهله وأولاده وأقاربه وأحبائه الصبر الجميل. آمين آمين يا رب العالمين.