يعد كتاب ” معراج الروح .. الصلاة ”  للعلامة المفكر محمد فتح الله كولن مؤسس الحركة المدنية في العالم، واحدًا من أبرز الكتب التي تعبر عن فكره، ورؤيته لعلاج المجتمع  الإسلامي، فنظرة كولن للصلاة كمفهوم كلي للعبادة، والتي تتفرع منها مفاهيم جزئية كمفردات لهذه العبادة الروحانية لدى الإنسان، فضلًا عن كونها رباط، يعني الاستغراق في فكر العبودية للإله الأعظم طوال العمر.

ويرسم كولن في هذا الكتاب صورة متكاملة للصلاة بكل مفرداتها  وأركانها، بدءًا من الأذان، للوضوء، لصلاة النافلة، للصلاة نفسها في الركوع والسجود، فضلًا عن الأثر النفسي للصلاة على العبد، والذي لقبه هنا ببطل الصلاة.

ولم تأتِ رؤية فتح الله كولن لمفهوم الصلاة من فراغ، فقد أثرت النشأة المتدينة للعلامة فتح الله كولن على فكرته ورؤيته لمفهوم الصلاة.

فالرجل نشأ في بيت عامر بالعلم والعلماء، فوالده “رامز أفندي” كان قد ورث العلم والأدب والدين من جده، وفي هذا البيت حفظ كولن القرآن الكريم من أمه حين كانت تدرس القرآن لنساء القرية، إذ استطاع كولن حفظ القرآن وهو في الثامنة من عمره.

وكل ذلك  متأثرا بقريته الصغيرة  قرية “كوروجك” إحدى قرى قضاء “حسن قلعة” بمحافظة أرضروم التي ولد بها عام 1938م.

وفي هذه البيئة المليئة بالمعارف والعلوم، تلقى فتح الله كولن مختلف العلوم، على يد العلماء والمشايخ، الذين كانوا يزورون والده، ومنهم الشيخ عثمان بكتاش، حيث درس عنه كولن، النحو والبلاغة والفقه والأصول والعقائد والأدب، كما تعلم العربية والفارسية من والده.

ولعل من المحطات الفاصلة في حياة كولن، والتي أثرت في تشكيل هويته وفكره الوجداني، تعرفه أثناء دراسته على جماعة النور، التي أسسها الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي.

حيث  تربى فتح الله كولن بين طلاب النور، وعاش معهم فترة ليست بالقصيرة، أثرت فيه وكانت منطلقًا له في الستينات لأن يعمل شارحًا ومفسرًا لرسائل النور، التي أضافت بُعدًا يتوافق مع استعداداته وقابلياته.

المسجد وفكر فتح الله كولن

كان لتعيينه إمامًا وهو في مقتبل حياته في جامع الشرفات الثلاث بمدينة أدرنة، والتي قضى بها نحو عامين ونصف مقيًما بالجامع حياة كاملة لا يخرج إلا للضرورة، فقد لعبت تلك النشأة دورًا كبيرًا في تشكيل فكره ورؤيته للصلاة.

كل ذلك جعل العلامة كولن ينشأ في جوٍّ إيماني وروحاني لا يتكرر إلا في أزمنة متباعدة وشخوصًا معدودين.

ولإدراكه أن  المشكلة التي يعانى منها المجتمع الإسلامي، تكمن في الإنسان،  فقد جعل فتح الله كولن من المسجد محرابًا ووعاءً، لتهذيب النفس وتنشئتها، وتكوين فكر الإنسان بحيث تتم صياغته بشكل صالح وسليم، ما يؤدي بالضرورة إلى تكوين مجتمع صحي وسليم اجتماعيًّا ودينيًّا.

ومن هنا جاءت نظرة فتح كولن للصلاة، ليس لكونها فقط عبادة يؤديها الإنسان ولكن كونها بوتقة ينصهر فيها الإنسان بجسده وروحه ككل لتشكيل هويته.

 مفهوم الصلاة في فكر فتح الله كولن

ينظر العلامة فتح الله كولن للصلاة كمفهوم كلي للعبادة وتشتق منها وتتفرع مفاهيم جزئية كمفردات لهذه العبادة الروحانية لدى الانسان، فيرى الصلاة كونها رباط، وتعني الاستغراق في فكر العبودية طوال العمر.

ومن المفردات المتفرعة من المفهوم الكلي للصلاة، الوضوء, والذي يعد أول تنبيه نحو درب الصلاة وأول تهيؤ لها.

فبالوضوء يتطهر الإنسان من الدنس البدني, ومن السلبيات المعلومة وغير المعلومة.

أما الأذان فهو درب معنوي مهم, وهو بطاقة الدعوة المقدسة من قبل المولى عز وجل كل من تلقاها فهو مدعو إلى رحمة من الله تعالى من خلال الصلاة والتي يستقبل فيها المولى الكريم عباده في بيته “المسجد ” خمس مرات كل يوم

ثم ينبه المصلي، لكى يتهيأ لها روحانيا ووجدانيا، وهو إيذان للعبد بالتهيؤ للوقوف بين يدي الله عز وجل.

أما عن فضل الصلاة، فللصلاة أفضال كثيرة، ومنها تقسيم الليل والنهار،  وتنظيم الحياة.

ومن بين هذه المفردات أيضا صلاة النافلة والتي يرى فيها كولن, تهيؤ للصلاة الجامعة

أهمية صلاة الجماعة

ينظر كولن للصلاة بمنظور مختلف فيرى ما يحدث فيها صورة عظيمة لعبادة روحانية يؤديها العبد لربه الخالق، فيرى الركوع وعظمته بما له من دلالات روحانية كبيرة ومؤثرة.

والسجود في الصلاة يعتبره أرضية وخلفية لشكر العبد لربه الواحد الاحد.

ينظر كولن للصلاة بمنظور مختلف فيرى ما يحدث فيها صورة عظيمة لعبادة روحانية يؤديها العبد لربه الخالق, فهو يرى المصلي بطلا فيطلق عليه “بطل الصلاة”.

رؤية ومفهوم كولن للصلاة

قسم كولن رؤيته ومفهومه للصلاة الى ثلاثة اقسام :

مرحلة التهيؤ للصلاة وتشمل الوضوء والأذان وصلاة النافلة

ومرحلة الصلاة، وفيها وقوف العبد أو المصلي أمام ربه وما يجب عليه تعلمه وهو يقف أمام الذات الإلهية.

القسم الأخير وهو ثبات فضل الصلاة على العبد أو المصلي.

وختامًا  إن هذا الكتاب وكما ذكرنا آنفًا يرسم صورة متكاملة للصلاة وللتهيؤ لها ولفضلها, كونها لا تقتصر على الهيئات والشروط والأركان، فهي تتخطى ذلك, لتعلو رمزًا إلى المعراج المتجدد، وتوثيق الصلة بين العبد وربه، وبين الخالق والمخلوق, فهي بمثابة معراج للمؤمن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب والباحث: د . حامد محمود