استفاق المسلمون خلال القرنين الماضيين على واقع لم يألفوه بخصوص آلية التجدد الحضاري للأمة. إذ -ولأول مرة منذ ما يزيد عن اثنتي عشرة قرنًا- انتبهت الأمة إلى كون عملية الإصلاح الداخلي لم تعد قضية إرادية وداخلية، بل أصبحت مرتبطة برهانات خارجية؛ وذلك أنه برز عاملَين جديدين في معادلة الإصلاح الداخلي يربكان الآلية الذاتية التي كانت تضمن التجدد الداخلي للأمة ولدوره الحضاري والإنساني.
أما العامل الأول: فقد تمثل في بروز نموذج جديد للنهوض الحضاري وللحكم والدولة.
تمثل تجربة الخدمة أحد أهم تجارب الإصلاح الإسلامي من حيث انتماؤها إلى النهج التربوي التجديدي؛ فهي التجربة الوحيدة إلى حد الآن التي صمدت ولم تقع في إغراء الدولة، وهذا خلافًا لما انتهت إليه التجربة الهندية والعربية السنّية. على أن تجربة الخدمة التي عملت واجتهدت من أجل تجنّب سؤال الدولة، تجد نفسها اليوم أمام تحد حقيقي ربما يدفعها في نهاية الأمر، إما لمواجهة مصير المدرسة الهندية والعربية، أو إثبات تميزها التاريخي والمنهجي.
وأما العامل الثاني: فهو سقوط نموذج الحكم الإسلامي بسقوط الخلافة العثمانية وغياب السقف الذي كان يؤوي الأمة في بيت واحد.
وقد أدى هذين الحدثين الهامين في تاريخ الأمة إلى إحداث شرخ كبير بين نخبها، فانقسمت فسطاطين بخصوص رؤيتها لعملية النهوض واللحاق بركب الحضارة. إذ رأى فريق أن حال الأمة لا ينصلح به آخرها إلا بما صلح به أولها، بينما رأى الفريق الثاني أنه لا أمل في الأمة إلا بأن تتبع خطى النموذج الحضاري الغربي اتباعًا فكريًّا وثقافيًّا ومسلكيًّا، وأن لا أمل في الموروث الحضاري.
كما أن هذا الانقسام لم يتوقف عند هذا الانشطار العمودي بل هو حقق انقاسامًا أفقيًّا، كذلك داخل صف الشق الذي يروم الإصلاح من خلال عملية تجديد الذات والعودة إلى الأصول. إذ برز تياران أساسيّان على الأقل؛
تمثل تجربة الخدمة أحد أهم تجارب الإصلاح الإسلامي من حيث انتماؤها إلى النهج التربوي التجديد
- أحد هذين التيارين يسعى لتحقيق الهدف من خلال استعادة الحكم وبرفع شعار الدولة الإسلامية، وذلك من خلال التنافس والسعي لركوب مركب الدولة القطرية الحديثة.
- ويسعى التيار الثاني إلى العمل على إعادة إنتاج نخبة إسلامية قادرة على إحياء المشروع الإسلامي، معتبرًا أن العملية التربوية هي الآلية الأساسية المحققة لهذا التجدّد.
وذلك أن المدرسة الإصلاحية قد نشأت في ظل دولة الخلافة، فركّزت جهدها على كيفية تجديد نخب الدولة والمجتمع بما يمكّن العالم الإسلامي من الحفاظ على هويته الجماعية وعلى عطائه الحضاري.
وقد أدّى سقوط الخلافة إلى صعود شعار الحكومة الإسلامية في وجه الحكومة العلمانية التي جاءت كوريث عضوي للاحتلال المباشر وللهيمنة الغربية على العالم.
وإذ دخل التيار الداعي للحكم الإسلامي في صراع وجود مع نخب الدولة الجديدة، وجد التيار التربوي نفسه في مرمى عملية الاستئصال المنهجي الذي قامت به الدولة الجديدة.
فكان الأمر المشترك في العواصم الأساسية للعالم الإسلامي السني على الأقل، متمثلاً في تهميش المؤسسة التربوية التقليدية ومنظومتها في إنتاج النخب واعتماد الدولة القطرية الحديثة على المؤسسات المستحدثة وعلى معاييرها في إنتاج النخب والترقي الاجتماعي. وقد وقع هذا في كلٍّ مِن شبْه القارة الهندية والعراق والشام وتركيا ومصر وتونس والمغرب.
لم يبق لهذا التيار من أثر معتبر إلا من خلال تجربتين مختلفتين من حيث درجة النجاح والاتساع، تمثّل تجربة المعهد العالمي للفكر الإسلامي إحدى هذين التجربتين وهي في العموم لم تستطع إلى حد الآن إنتاج نخبة مؤثرة، ولا هي أنتجت إلى حدّ الآن نصوصًا تأسيسية ولا شخصيات نموذجية، بل بقي تيار الدولة هو التيار الأساسي المنتج لهذه النصوص والشخصيات.
أما التجربة الثانية فهي تجربة فذّة نشأت في قلب عاصمة العالم الإسلامي في تركيا وهي تجربة “الخدمة”.
الخدمة نموذج إسلامي للنجاح
تمثل تجربة “الخدمة” أحد أهم تجارب الإصلاح الإسلامي، وتكْمن أهمّيتها في قدرتها على تحويل القيم الإسلامية الأصيلة إلى نموذج نجاح وإبهار، وذلك من خلال قدرتها على إنتاج مؤسسات تعليمية وصحيّة ومالية ناجحة قادرة، ليس فقط على منافسة مؤسسات الدولة الحديثة، بل على التميز عليها ضمن مناخات وجغرافيات متعددة ومتنوعة. وهذا يعني أننا نقف هنا أمام نموذج جديد للنجاح والتميز وهو نموذج قادر على الجذب والإلهام. وهذا الأمر هو من أهم شروط التجديد والحياة والانتشار.
الأمر الثاني الذي تتميز به تجربة الخدمة، هو كون هذه المؤسسات يقوم عليها أفراد عاديون، والقصد هنا أنهم في مظهرهم ونمط حياتهم لا يشكّلون طيفًا مختلفًا عن الإنسان العادي؛ فهم من أبناء الشعب، لا يحملون مضمونًا يمكن أن يرى فيه المجتمع حالة غريبة تساهم في تعطيل عملية التواصل معهم أو التشبه بهم ونقل تجربتهم وتكرارها.
إلا أن هؤلاء الأفراد العاديين يحملون قيمًا غير عادية تحرّكهم في حياتهم اليومية وفي أعمالهم بشكل يمكّنهم من تفعيل عالم الأسباب في أحسن صوره وربطه بعالم الغيب، وبمفهوم أوسع للمصلحة وللزمان وللمكان، أيْ وبكلمات بسيطة تمكّنهم من تنزيل قيم الإسلام على واقع جديد، وعلى استخراج صور مادية من هذا الواقع مشبعة بهذه القيم.
تتوفر تجربة الخدمة على فاعل آخر مهم جدًّا وأساسي بالنسبة لأي تجربة، وهي حضور الشخصية المؤسسة للتجربة؛ أيْ الشيخ الأستاذ فتح الله كولن.
يمثل الأستاذ فتح الله شخصية تاريخية فذة تمثل شرطًا لنجاح التجربة إجمالاً، وذلك بفضل اجتماع كل الصفات الأساسية للمشروع في شخصه، والأهم من كل ذلك بفضل ما اجتمع في شخصه من شروط التزكية وسموّ القيم. فالأستاذ فتح الله يمثل قيم التجربة في أحسن أحوالها، بل هو ربما يكلف نفسه ما لا يكلفه غيره، وهو ما يكسبه مصداقية قيمية وأخلاقية سامية تجعل منه مثالاً يُحتذى به وأسوة صادقة.
وهذه النماذج من الشخصيات التاريخية، هي نماذج فذة في التاريخ الإسلامي وفي تاريخ الشعوب عادة ما توجد في مراحل التأسيس، وكلما زاد سموها اتسع أفقها التاريخي ومدى تجربتها في التاريخ.
الخدمة وامتحان الدولة الحديثة
تمثل تجربة الخدمة أحد أهم تجارب الإصلاح الإسلامي من حيث انتماؤها إلى النهج التربوي التجديدي؛ فهي التجربة الوحيدة إلى حد الآن التي صمدت ولم تقع في إغراء الدولة، وهذا خلافًا لما انتهت إليه التجربة الهندية والعربية السنّية. على أن تجربة الخدمة التي عملت واجتهدت من أجل تجنّب سؤال الدولة، تجد نفسها اليوم أمام تحد حقيقي ربما يدفعها في نهاية الأمر، إما لمواجهة مصير المدرسة الهندية والعربية، أو إثبات تميزها التاريخي والمنهجي.
لا يسمح المقام هنا للتعاطي التحليلي مع سوابق التحديات التي تعرّضت لها هذه المدرسة، ولكن يكفينا ضمن هذه العجالة أن نتعاطى مع طبيعة التحدي الحالي.
بغضّ النظر عن التفاصيل والتي يمكن أن تكون مهمّة من حيث فهم مجريات الأحداث، فإنه يمكن إرجاع التوتر الحاصل في تركيا اليوم بين تجربة “الحكم الإسلامي” وتجربة “الخدمة” بما هي التعبيرة النموذجية الوحيدة في العالم الإسلامي عن التيار التربوي في الأمة، إلى أصول بنيوية تتجاوز طبيعة الأفراد والتأويلات المتعددة التي تبحث مكامن مكوث الشيطان.
تمثل الخدمة -من حيث جوهرها وبنيتها- تحديًا جوهريًّا لطبيعة الدولة الحديثة، خاصة الدولة التي ورثت النموذج الفرنسي للحداثة.
يمكن تصنيف الدولة الحديثة إلى صنفين أو ثلاثة أصناف بحسب طابعها العلماني. وذلك أن الدولة الحديثة هي دولة علمانية بالتعريف، ويمكن تقسيم الإرث العلماني بحسب الإرث الكنسي؛
- فهناك علمانية لائكية كاثولكية متطرّفة في موقفها من الدين.
- وعلمانية أرثدكسية، وهي علمانية مركزية كليانية متدينة.
- وهناك علمانية بروتستنتية.
وذلك أن الكنيسة الأوربية التي واجهت أزمة وجودية، انتهت وولدت هذه العلمانيات الكنسية الثلاث. ومن أهم سمات الكنيسة الكاثوليكية والبروتستنتية احتكار التحدث بالحقيقة وفصل المقدس عن الدنيوي، واعتبارها رجال الكنيسة النخبة المنفردة بالتقديس والقدسية. وهذا على خلاف الكنيسة البروتستنتية التي جاءت في إطار عملية تجديد إحيائي للكنيسة، أدخل فيها شيئًا من الدنيوي ووزع بذلك مجال السلطة وعدّدها في مجتمع المتعبدين.
وعلى نفس الشاكلة نجد أن الدولة الحديثة تلبست باللباس الكنسي، ولذلك فإن هذه الدولة خاصة في صيغتها الكاثولكية والأرثدكسية تعتبر أن صياغة الهوية الفكرية للمواطن المنتمي إليها، هو جزء لا يتجزء من مهامها المقدسة؛ فمثلما تحتكر الدولة شرعية ممارسة الإكراه والعنف، فإنها تحتكر إلى جانب ذلك شرعية القراءة والتأويل، أي قراءة العالم وتأويله بل وتخيّله.
وعلى هذا الأساس تحتكر الدولة الحديثة تحديد طبيعة نخبها وبيروقراطيتها التي تنتمي لمؤسساتها وجهات الخطاب والتواصل لديها.
ومن هنا فإن الدولة الحديثة في صيغتها العلمانية الكاثولكية والأرثدكسية، تعتبر أن مهمّة التعليم التربوي هي من صلب مهامها ومن مصادر قدسيتها.
تمثل تجربة “الخدمة” أحد أهم تجارب الإصلاح الإسلامي، وتكْمن أهمّيتها في قدرتها على تحويل القيم الإسلامية الأصيلة إلى نموذج نجاح وإبهار، وذلك من خلال قدرتها على إنتاج مؤسسات تعليمية وصحيّة ومالية ناجحة قادرة، ليس فقط على منافسة مؤسسات الدولة الحديثة، بل على التميز عليها ضمن مناخات وجغرافيات متعددة ومتنوعة. وهذا يعني أننا نقف هنا أمام نموذج جديد للنجاح والتميز وهو نموذج قادر على الجذب والإلهام.
وهذا ما يفسر أن النخب التي أمسكت بعصم هذه الدولة انتهت إلى التلبس بلباسها العلماني، خاصة إذا كانت هذه الدولة سليلة للإرث اللائكي الكاثوليكي، أي نمط الدولة الفرنسية.
إن جزءًا من الإشكال التركي يكمن على المستوى الهيكلي والإستراتيجي في هذه النقطة، وذلك أن الإسلاميين الذين ورثوا الدولة الحديثة، انتهوا إلى التطبّع بطابعها بمثل صورة القرية التي كان يصارع شبابها وحشًا في أعلى الجبل، فإذا ما تغلب أحدهم عليه تحول إليه. من المهم التنبيه إلى أن هذا المأزق لا يخص تركيا فقط، وإنما هو إشكال عام بكل الثوريين والتحرّريين في العالم بما في ذلك الإسلاميون.
إن الإشكال والتحدي لا يواجه الخدمة بقدر ما يواجه التيار الإسلامي الإصلاحي، الذي انتهج مسار أخذ الدولة دون أن يعلم أن الدولة التي يسعى لاستعادتها ليست هي هذه الدولة التي افتقدها، وأن هذه الدولة المستنبتة في العالم الإسلامي ليست وريثًا للحكم الإسلامي، وإنما للحكم المسيحي.
تمثل تجربة “الخدمة” أحد أهم تجارب الإصلاح الإسلامي، وتكْمن أهمّيتها في قدرتها على تحويل القيم الإسلامية الأصيلة إلى نموذج نجاح وإبهار
ليس لديّ إجابة باتة اليوم عن كيفية قتل الوحش دون حمل سماته الوراثية وعدواه، ولكن التحدي اليوم لا شك مطروح على الأمة وعلى جميع التيارات الإسلامية، وذلك أن المشروع الإسلامي هو مشروع للمجتمع والحكم، وهو مشروع دولة لا محالة، فهو مشروع صلاح فردي ونظام حياة.
من البيّن أن حجم التحدي ما زال كبيرًا وأن مهمّة الإصلاح في الأمة ما زال الطريق إليها طويلاً، والكدح فيها عسيرًا. ومن البيّن أن الأستاذ فتح الله مدرك لطول هذا المسار، وعلى هذا الأساس يتخذ سياسات تتجنّب الدخول في المعارك من حيث المبدأ والتركيز على مبدإ تكريس حرّية القراءة. وذلك أن الخدمة تقوم على معقولية إسلامية قرآنية؛ إذ إن الإسلام قام على كلمة عامة موجهة للناس كافة… وبها ابتدأ الوحي من الله – سبحانه وتعالى- لعبده النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم-، ومنه لأمّته وإلى الناس كافّة، إلى كل بيت من حجر ومدَر ما بلغتْ الشمس بين مشرق الأرض ومغربها.
فربْط أمر القراءة بـ”اسم الله” وبمعنى “الربوبية” مِن أسمائه – سبحانه وتعالى- إعلانٌ لأصل الحرية الخلقية وفردانية سلطان الله – سبحانه وتعالى- على وعْي الناس وقلوبهم فوق كل قوة قاهرة، وتصغيرٌ لكل سلطان يسعى لبسط نفوذه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ (العلق:1-2)
وقد أحسنت أمة القراءة القراءة، ولذلك رفض علماؤها أن يتحزّبوا لسلطان أمرائها، ولاقوا في سبيل ذلك العنَت؛ فامتحن الإمام الشافعي والإمام مالك وأبو حنيفة والإمام أحمد، وبرهنت الأمة عن ولائها لفكرهم… بينما همشت المعتزلة على جلال معقوليتهم وعقلانيتهم وسموّ فكرهم ونظرتهم لكونهم تحوّلوا إلى فكر سلطاني يريد أن يجد طريقه لقلوب الناس مِن خلال الحكم.
إن هذه الروح الإسلامية الأصيلة تقوم على أساس متين هو من أهم مقاصد الشريعة، ألا وهو أصل الحرية المعبّر عنه بـ”عقيدة التوحيد”، توحيد الله وتوحيد ربوبيته، فهو – سبحانه وتعالى- الخالق والرازق وهو ربّ العالمين.
إن ما يقع في تركيا اليوم هو ابتلاء للأمة في لحظة تاريخية انفجر فيها الأمل. فتركيا جمعت بين تجربة إسلامية للحكم، وتجربة إسلامية للمجتمع. وفي العالم العربي ورود الربيع رفعت عن أوراقها التراب وانبثّت من بذورها براعم خضراء تخرج منها بعض الأوراق على عجل متشوّقة للحرّية.
نحن لا نعلم قدر الله، وإنما نسير بتوفيق منه، انكسر منا الأمل في بلد الكنانة، وحلْمنا في الشام يقطر دمًا، ونعلم أن مصير بلاد الزيتونة والقيْروان في مهبّ ريح عاصف إلا برحمة الله. فلا نعلم هل يرسل الله إلينا عبده الصالح يرشدنا بما أرشد به عبده موسى الذي زاده الله بسْطة في العلم والجسم.
إن تركيا ما زالت تحمل آمال هذه الأمة المتألّمة، ولا شك أن انكسار أي من أعمدتها سيكون له أثر الوبال على أحلامها وآمالها، ولكن أيّ معنى للانتصار إن تَحوَّل شبابُنا وقادتُنا إلى وحوش كلما قتلوا وحش الجبل؟!
أكّد الأستاذ فتح الله على أهمّية ترْك الأبواب مفتوحة، وأوصى بعدم وضع العقبات أمام طريق الصلح ووجْه تأويل ما يؤذي على أحسن الوجوه، وأكّد يقينه بأن بعض الوجوه ستحمرّ وجناتها يومًا خجلاً من مداخل الشيطان.
لا شك أن الصبر على الأذى هو من أخلاق الصالحين؛ فالرجل يعلم أن الخيار الذي ينتهجه هو الخيار الصعب الذي سيغير أمواج القاع، ويؤنس الوحش الرابض على قمّة الجبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) باحث وكاتب في الفكر النهضوي / تونس.
Leave a Reply