لقد حاول “كولن” في كتاباته المؤالَفةَ بين قوى الدين من جانب، وقوى الطبيعة والكون من جانب آخر، ونجح في ذلك أيّما نجاح، واستطاع أن يثير اهتمام قرّائه بهذه المؤالفة حتى ألِفوها وأصبحتْ من بديهيات التفكير عندهم؛ فغدا الوجود لديهم إيجابًا عريضًا يستبعد النفي، ويقصي النقائض. فهو يوحِّد ولا يشتِّت، ويجمع ولا يفرق، فإذا الكثرة في الواحد، والواحد في الكثرة، والفناء في الوجود، والوجود في الفناء، والحي ميت، والميت حي، وكلٌّ في فلَك القدرة يسبحون.

سيمياء التأثير

إنّ مؤلفات “كولن” تبلغ من القوة حدّ النفاذ إلى أمداء أجيال قادمة، وليس على مدى جيل واحد، لأنها تملك من المفاتيح ما يعينها على فتح أية مغاليق دينية اليوم أو غدًا، وتملك من الوصفات ما يعين الأرواح المشلولة على النهوض، والنفوس الميتة على القيام.

إنّ مَن يقرأ كولن ينتابه شعور بأنه كان ميتًا منذ زمن بعيد، وأنه إنما بُعث من جديد بعد هذه القراءة، وأنّ شعوره بالانهزام العقلي يكاد ينتهي.

لقد صَبَّ “كولن” كُلَّ ما في نفسه الكبيرة مِن قوى روحية وفكرية في مفاصل كتاباته، فسرْعان ما تمتزج بأجزاء نفس قارئه، وتجري مع روحه ودمه، فتغلبه على نفسه، وتظاهره على ذهنه… ففكره قادر على ابتعاث الأفكار في الأذهان، وتحريك الأفهام، وله من السَّعَةِ والمرُونة ما يجعله منفتحًا على كلّ ما تأتي به التجربة الحضارية من نجاحات لا تعارُض بينها وبين روح الفكر الإسلامي… فالمسلم الحي المشبع بروح الإسلام، كما أنه ليس بامكانه أن يعاند القوى الكونية المهيمنة على كل شيء، كذلك ليس من شأنه أن يدير ظهره لإنجاز حضاري مجرَّب أجمع على صحته جملة من رواد الفكر، وإلاّ عُدّ فاقد الأهلية العقلية.

لمسة البعث

إنّ مَن يقرأ “كولن” ينتابه شعور بأنه كان ميتًا منذ زمن بعيد، وأنه إنما بُعث من جديد بعد هذه القراءة، وأنّ شعوره بالانهزام العقلي يكاد ينتهي… فأصعب ما كان يمر به المسلم إحساسه بأنه مريض في النفس والعقل في عالم يبدو وكأنه يتمتع بغاية صحته العقلية والروحية. فهذه الشكوكية عندما تلازم المسلم، تتحول فيه إلى هاجس يلازمه، ثم في آخر الشوط يدمره. وهذه الشكوكية المدمّرة هي التي حاولت الأقلام في الداخل والخارج أن تحشرها في أذهاننا خلال عقود من السنين… وقد حاول “كولن” أن يعين المسلم لكي يتخلّى عن موروثاته الشكوكية والانهزامية، ويأتي خاليًا منها ليبدأ حياة إيمانية جديدة.

وظلّ “كولن” يوحي إلى قرّائه الاعتقاد بأنهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك، وأنه من الممكن فعله إذا صحّت العزائم وصدقتْ النيّات، وقد بلغ ذلك الاعتقاد عنده درجة اليقين الذي لا يزعزعه شيء.

فكرُ كولن له من السَّعة والمرونة ما يجعله منفتحًا على كلّ ما تأتي به التجربة الحضارية من نجاحات لا تعارُض بينها وبين روح الفكر الإسلامي.

إرادة فاعلة

غير أن هذا العالَم الإيماني الجديد الذي يبشّر به “كولن”، قد يبعث على شيء من الخوف عند الراغبين في دخوله لأوّل وهلة، لأنه يكلف صاحبه جهدًا تصعيديًّا يعلو به من بين أشلاء هبوطه الذهني والروحي، ويحمِّله مسؤولية القبض بيدٍ من حديد على فكرة تحرير نفسه والعلو بها من كونها نفسًا معطّلةً غير فاعلة، إلى نفس فاعلة قادرة على الإتيان بجلائل الأعمال.

فالإنسان -عند “كولن”- إرادة فاعلة، وإن كانت تابعة للفكر عادة غير أنها قد تسبق الفكر في أحيان كثيرة، كما أنّ الإنسان ليس شيئًا ثابتًا لا يتغير، بل هو “كيان” قابل للتغيير والانتقال من حال إلى حال… ولئن كان طموح المسلم اليوم متواضعًا إلى درجة الانكفاء على النفس، غير أنه من الممكن أن يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع فيه دخول العالم بثقة، والتعامل معه كواحد من بناة الحضارة والمساهمين في رفدها وتجديدها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الضاربون في الأرض، أديب الدباغ، دار النيل للطباعة والنشر

 

[gdlr_stunning_text background_color=”#f3f3f3″  button_text_color=”#ffffff” button_border_color=”#6fac2f” title=”أفكار مفتاحية” title_color=”#94d64f” caption_color=”#a0a0a0″]

  • لقد عمل كولن في كتاباته على المؤالَفة بين قوى الدين وقوى الطبيعة والكون، ونجح في ذلك أيّما نجاح.
  • فكر كولن يوحِّد ولا يشتِّت، ويجمع ولا يفرق.
  • إنّ مؤلفات كولن تبلغ من القوة حدّ النفاذ إلى أمداء أجيال قادمة، وليس على مدى جيل واحد.
  • لقد صَبَّ كولن كلّ ما في نفسه الكبيرة مِن قوى روحية وفكرية في مفاصل كتاباته، فسرعان ما تمتزج بأجزاء نفس قارئه، وتجري مع روحه ودمه.
  • فكرُ كولن له من السَّعة والمرونة ما يجعله منفتحًا على كلّ ما تأتي به التجربة الحضارية من نجاحات لا تعارُض بينها وبين روح الفكر الإسلامي.
  • إنّ مَن يقرأ كولن ينتابه شعور بأنه كان ميتًا منذ زمن بعيد، وأنه إنما بُعث من جديد بعد هذه القراءة، وأنّ شعوره بالانهزام العقلي يكاد ينتهي.
  • وحاول كولن أن يعين المسلم لكي يتخلّى عن موروثاته الشكوكية والانهزامية، ويأتي خاليًا منها ليبدأ حياة إيمانية جديدة.
  • الإنسان عند كولن إرادة فاعلة، وهو ليس شيئًا ثابتًا لا يتغير، بل هو “كيان” قابل للتغيير والانتقال من حال إلى حال.
  • سيأتي يوم كما يرى كولن يدخل فيه المسلم العالم بثقة، ويتعامل معه كواحد من بناة الحضارة والمساهمين في تجديدها.

[/gdlr_stunning_text]