س: مراراً وتكراراً شجبتم علناً المحاولة الانقلابية الفاشلة، إلا أن الاتهامات الموجهة إليكم ولأتباع حركتكم بالتورط والتنظيم للانقلاب مستمرة ولم تتوقف بعد. فهل لكم أن تناشدوا أتباعكم من هذا المنبر بالتعاون مع الحكومة التركية، والتوقف عن القيام بأي محاولات انقلابية شبيهة في المستقبل بحيث نضمن أن تغييرا في تركيا المستقبل لن يتم إلا عبر صناديق الاقتراع؟

ج: لقد كرر العبد الفقير مرارا ومنذ فترة طويلة أن الديمقراطية باتت مطلبا ملحا من قبل الجميع، ومن ثم يجب ألا يتم تداول السلطة إلا عبر الانتخابات. فمعاناتي الطويلة من الانقلابات جعلتني أقف ضدها دائما. لكنني لا أقف ضد المؤسسة العسكرية كمؤسسة وطنية لها دور مهم في البلاد. لقد حققتْ بلا شك أمورا عظيمة في استقلال الوطن وسلامة أراضيه. وقد يبدو ذلك تناقضا مني حيث أقدّر ما للمؤسسة العسكرية من دور هام، وفي الوقت نفسه أعارض إجراءاتها المناقضة للديمقراطية. وهذا ليس ناتجا عن معاناتي الشخصية فقط، بل لما أستشعره في أعماق نفسي من معاناة الشعب من تلك الانقلابات أيضا. ولذلك وقفت دائماً بكل كياني -ولا زلت- ضد الانقلابات. وقد أعربت عن هذا كله في جميع مواعظي ودروسي وكتاباتي.

لا أظن أن السلطة الحالية ستدعو هذا الفقير أو أحدا من الناشطين في حركة الخدمة إلى مناصرتها للوقوف ضد الانقلاب، على أننا مستعدون لتلبية دعوة أي أحد في أي مكان في العالم للوقوف معه ضد الانقلابات بلا تردد. لكني لا أظن أن يكون لدى السلطة نية لدعوة كهذه. لأننا إذا تأملنا في هذا الانقلاب الدموي المسرحي المصطنع، فسنجد أنه قد خطط له سلفا، ولذلك يريدون استمرار الأمر على هذا النحو واستغلاله أسوء استغلال.

هناك تعبير عربي مستخدم في التركية يقول: الخائن خائف خائب. ولأن هذه الخيانة من تدبيرهم هم تجدهم يسكتون كل صوت معارض، ويصادرون الصحف والقنوات ويغلقونها، ويعتقلون كل من يخالف روايتهم. ويشرّدون كل من رأوا فيهم نزاهة وصدقا بالنفي والسجن والإبعاد. وقد عبر عن هذا شاعر النشيد الوطني محمد عاكف في أحد قصائده. لذلك ليس في تركيا اليوم صوت شريف يستطيع أن يعبر عن فكره ومشاعره بصدق وحرية دون أن يتعرض للأذى.

لقد اعتقلوا شخصيات من التيارات القومية والاشتراكية والليبرالية ممن تعاطفوا مع الخدمة ورأوا فيها حركة إيجابية كالكاتب الصحفي شاهين ألباي، وممتازير تورك أونه، وعلي بولاج وعلي أونال. أسكتوا كل المعارضين، لا يريدون أن يسمع الناس رواية مختلفة. هم يعرفون أنهم ارتكبوا جرائم فظيعة وأعمالا شنيعة لو علم بها الرأي العام لغطّوا وجوههم من شناعة ما ارتكبوه. لذا ينتهجون سياسة استئصال كل صوت معارض.

س: جنابكم مواطن تركي، وتقول إنك تؤمن بالديمقراطية والعملية الانتخابية، فهل تعتبر رجب طيب أردوغان رئيسك؟

ج: الإعجاب بالشخصية شيء، والقبول بها كرئيس منتخب من قبل الشعب شيء آخر. نعم يجب القبول به كرئيس للجمهورية احتراماً لإرادة الشعب الذي انتخبه، لكن هل هذا الشخص مناسب للمنصب الذي يشغله أو لائق به؟ لا يمكن أن يغيب عن تصوري بعض الأمور التي تجعله فاقدا أهليّتَه لهذا المنصب، بدءاً من الشبهات حول مؤهِّله الجامعي وانتهاء بخطاب الكراهية والاستقطاب الذي ينتهجه. لذا فلياقته للمنصب من عدمها شيء، واحترام إرادة الشعب شيء آخر. ومن ثم يمكنني القول إنه رئيس للجمهورية التركية بموجب احترامي للإرادة الشعبية، بغض النظر عن أهليته لهذا الموقع.

اسمحوا لي بهذه الإضافة؛ إن نية القضاء على الخدمة تمتد إلى ما قبل فضائح الفساد بنحو 18 عاما. وقد عبرت عن هذا في مناسبات متعددة. عندما اعتزم أردوغان تأسيس حزب جديد جاء إليّ والتقاني، وأنا بدوري عبرت له عن أفكاري فتحدث معي بإيجابية. لقد كنت حَسَنَ الظن به، لكني صرت ضحية حسن الظن هذا. بعد أن استمع إلى أفكاري وغادر، بلغني أنه قال لمرافقه الذي كان معه في المصعد: “إن أول ما سأقوم به بعد التمكن من السلطة هو تصفية هؤلاء والقضاء عليهم”. وهذا يدل على ما ينطوي عليه من حسد وحقد، ثم تطورت هذه المشاعر أكثر لاحقا. انتشرت مدارس الخدمة ومراكزها الثقافية في العالم، وبدأت تؤدي دورا فاعلا في نشر القيم الإنسانية السامية والحوار والتعايش. وأظن أن أردوغان كان يريد توظيف هذه المؤسسات للدعاية الشخصية لنفسه، وللترويج لزعامته للمسلمين وإمارة المؤمنين. كان ينتظر من أبناء الخدمة المنتشرين من خلال المدارس والمراكز الثقافية في ١٧٠ بلداً أن يروّجوا لهذه الزعامة. كان يريدهم أن يعدوه كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويحترموه على هذا الأساس. وعندما لم تتحقق رغبته تلك، ووجد أن الأمور تسير في حركة الخدمة بشكل مختلف، ووجد أيضا أنه لا يمكنه الاستفادة الشخصية من مواردها، أو من الترويج للصورة التي يرجوها لم يستسغها وحنق عليها. لذلك قلت إن هذه قصة قديمة. ولكونه لم يستسغ فعاليات الخدمة عمد أولاً إلى إغلاق المعاهد التحضيرية للجامعات، ثم شرع في الاستحواذ على المدارس قبل ٤ سنوات.

بعد سيناريو الانقلاب الأخير هذا، وإسكاته لكل صوت معارض تمكن أخيرا من بسط كافة نفوذه، وبادر إلى اتهامنا بأننا كيان مواز وتنظيم إرهابي، واعتقل كل من يعترض طريقه. لقد اعتقل آلافا من الناس في عملية “مطاردة الساحرات” على حد تعبيره. اعتقل كلَّ من شم فيه رائحةَ معارضة، وبات يرى ضرورة إسكات كل المعارضين. لقد كانت نيته هذه مبيَّتة من قبل، وقد أسفرت الأحداث عن ذلك. كان ينتظر أن يكون أميراً للمؤمنين وزعيماً عالمياً، لأن حاشيته أو بالتعبير القرآني “مَلَأَهُ” كانوا يوهمونه بذلك حتى آمن هو بها. بعد أن صفقوا لكل ما قام به، وحولوه إلى طاغية، بدأ يصدق فعلاً أنه يستحق هذا اللقب.

س: برأيكم الشخصي، هل سبّب هذا الانقلاب ضرراً كبيراً بمستقبل الديمقراطية في تركيا؟

ج: أجل، لقد أضر بالديمقراطية، وأضر بالنظام الجمهوري، وأضر بعلاقات تركيا الخارجية، وأضر بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وبمكانة تركيا في حلف الناتو. كما أساء إلى سمعة تركيا في العالم الإسلامي للأسف.

لم يكن للسيد الرئيس أي أثر إيجابي في فترة حكمه الأخيرة. لكن لا يزالون يصرون على السير في هذا النهج السلبي الخاطئ، ويظنون أنهم بهذا يمكنهم تحقيق نتائج مُرضِية. ليس بإمكانهم أن يغيروا الرأي العام العالمي بهذه الأفعال. فقد ولّدت هذه السلبيات والأخطاء المتوالية دوائر مفرغة يستحيل أن تتمخض عن نتائج إيجابية.

س: الحكومة التركية أصدرت بحقكم مذكرة اعتقال في 4 آب/أغسطس الجاري، وسلموا في 16 من الشهر ذاته طلباً إلى الحكومة الأميركية، لتسليمكم إلى السلطات في تركيا، هناك أيضاً وفد برلماني تركي في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، للاجتماع بمسؤولي وزارة العدل، لحثهم على تسليمكم، ومعهم 85 صندوقاً، تحتوي على ما يصفونه بالأدلة على تورطكم بالانقلاب الفاشل، فهل أنتم على يقين بأن وزارة العدل الأميركية لن تجد أية أدلة في كل هذه الوثائق المقدمة تثبت ضلوعكم في الانقلاب وتحتم عليهم تسليمكم إلى الحكومة التركية؟

ج: لا يمكنني أن أقول شيئاً في هذا الصدد. لكن سبق أن أدليت بأقوالي في النيابة العامة بنيوجرسي على خلفية قضايا رفعت ضدي في المحاكم التركية قبل سنين. وكنت شاهداً على مدى احترامهم لقيم العدالة في التعامل معي. لذلك أعتقد بناء على تجرتبي السابقة أنهم لن يفرّطوا في هذه القيم أو يتخذوا قرارات خاطئة استناداً إلى ادعاءات واهية. فالولايات المتحدة لن تجازف بسمعتها لدى الرأي العام العالمي وترتكب هكذا خطأ.

أظن أن العالم يتابع هذه القضية عن كثب. هناك دعوات وجهها لي مؤخراً مسؤولون كبار في مصر وبعض دول أمريكا اللاتينية، وسابقا دعاني جيرينوفسكي للسفر إلى روسيا والإقامة فيها. كثير في العالم كله يعلم أن ما وقع في تركيا مؤخرا مصطنع ويبدو غير متماسك.

لا أظن أن أمريكا يمكن أن تتخذ قراراً خاطئاً مثل هذا وتواجه به الرأي العام العالمي؛ إلا إذا انخدعوا بمثل هذه الادعاءات. لقد أرسلت تركيا مؤخراً طلباً لاعتقالي، لكن المحكمة هنا رفضت حسبما ذكر لي الإخوة. كما أن هناك عديدا من الملفات المعروضة الآن أمام العدالة للتحقيق فيها. وبحسب ما ذكره لي بعض الإخوة فإن هذه الملفات لا تحتوي على أي دليل معقول ومعتبر قانونياً. لذلك لا أظن أن الولايات المتحدة ستفرّط في سمعة عدالتها.

س: إذا كانت حركتكم لا سياسية، بل هي منظمة دينية وخيرية تنشر كلمات المحبة والتفاهم والتسامح، فلماذا يعتقد أغلبية الشعب التركي، وفقاً لاستطلاعات الرأي، بأنكم وأتباعكم تقفون خلف الانقلاب؟

ج: هذا بسبب كبت كل الأصوات المعارضة، وسجن كل رأي مخالف للرواية الرسمية. فكل وسائل الإعلام الآن ترزح تحت سلطتهم. وكالعادة فهذا ما يحدث في مثل هذه المواقف دائما. لقد انساق الناس وراء الفرعون أمنوفيس كالقطيع وانساقوا وراء هتلر، وكذلك انساقوا وراء صدّام. فحين تُسكِت كلَّ الأصوات المعارضة تصبح الجماهير فريسة سهلة الخداع والانقياد. ومعظم الشعب التركي واقعون تحت تأثير هذه الحالة. فالبعض خاضع جراء التهديدات، والبعض الآخر طامع في منافع مقدَّمة وأخرى موعودة. فقد ذكر لي أحد المقربين أن السلطات تقدم فللاً وقصوراً من أجل إخضاعهم. وأحياناً يعطونهم أموالا لحشد الناس في اللقاءات الجماهيرية. وفي ظل وجود هذه النوعية من الطامعين يسهل التلاعب بأفكار الجماهير وإقناعهم بما يريدون والحطّ من قدر الآخرين وتهميش أدوارهم. وهذا يفسر عزلُنا وتهميشُ أدوارنا. لكن هناك مثل شعبي يقول: حبل الكذب قصير، وسوف يأتي اليوم الذي يردد فيه الظالمون: تالله لقد آثرك الله علينا.

س: تعرفون المجتمع التركي وحكومته جيداً، وتحظون بمؤيدين وأتباع في الجهاز القضائي والعسكري وفي كل أوجه الحياة في تركيا، لذا أنتم أفضل من يجيب على السؤال المتعلق بهوية منظمي الانقلاب الفاشل.

ج: تصلني أخبار من تركيا لكن من الصعب التحقق منها. لكن يبدو أن بعض القوميين المتطرفين هم من يقفون وراء هذه الأحداث. وكانت السلطة على علم مسبق بها بدليل الموقف الذي سارعت إلى إبدائه ليلة الانقلاب. وهناك حديث حول ضلوع القيادي اليساري المتطرف دوغو برينتشيك في هذه الأحداث. كما يتحدثون عن اعتقال بعض العناصر من هذا التيار. وأقول غير جازم إذا كان هناك متورط في محاولة الانقلاب من المتدينين أو ممن يدّعي تعاطفَه مع الخدمة، فهو ضحية للخديعة والتغرير، دفعه القوميون المتطرفون للواجهة، وشجّعوه على المشاركة في الانقلاب موهمين إياه بأن خروجه من أجل الديمقراطية، وأن كل شيء سيكون جيداً. قد يكون بعض المغفّلين السذّج انخدعوا بهم، لذلك أقول إنْ حدث هذا، فإني لن أسامحهم وسأحاسبهم أمام الله عز وجل.

لا يمكن التسامح نهائياً مع أي انقلاب على الديمقراطية. لم أسوّغ ذلك، ولن أسوّغه ما حييتُ. قد يكون بينهم بضعة أفراد تم خداعهم. في الحقيقة المسألة معقدة. فحين ننظر إلى طبيعة السيناريو، سارعت القيادة الحالية بعد ساعتين من الانقلاب باتهام جهة معينة بهذه الجريمة، وذكروا أن منفذيه من أتباع هذه الجهة، وباشروا باعتقال الآلاف. لذلك فالواضح أنهم هم من دبروا هذا السيناريو من أجل تقوية سلطاتهم. لقد قاموا بما سبقهم به هتلر في ألمانيا ولينين في روسيا. لقد أجازوا لأنفسهم القيام بهذا بمنطق ميكيافيلي من أجل بناء سلطنتهم.

س: كثيرون لا يلومون الرئيس أردوغان إعلان حالة الطوارئ في البلاد، ونرى حالياً اتهامات حول قسوة تطبيقها، وهناك أيضاً محاولات لاستعادة عقوبة الإعدام التي ألغيت قبل 12 عاماً، فما رأيكم بفرض حالة الطوارئ، واحتمال استعادة عقوبة الإعدام؟

ج: لا أدري إن كان الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية ستقبل بحكم الإعدام. هذا الحكم كان سارياً حتى فترة حكم المرحوم تورغوت أوزال. خلال فترة تأسيس الجمهورية تم إعدام نحو عشرة آلاف بعد تصويرهم على أنهم متمردون على بناء الدولة الجديدة. وأظن أن الأسلوب ذاته يُستخَدم الآن عبر تهديد المجتمع واضطهاده. ولا أدري هل سيقبل  العالم بهذا أم لا؟ لذلك أظن أن حالة الطوارئ تستهدف التغطية على الاعتقالات والانتهاكات التي يرتكبونها وتسويغ كل ذلك. وبعد سقوط هيبة المؤسسة العسكرية وإخضاعها لهم، يعتقلون من الجيش كل من يعترض طريقهم حتى لو كانوا يحملون نفس أفكارهم. لذلك أقول إن المؤسسة العسكرية  باتت خاضعة تماماً لهم. فالعسكريون يقولون الآن إنهم تحت أمر السلطة الحاكمة.

إن السلطة المدنية تستغل الآن حالة الطوارئ لتصفية حساباتها. إنهم يعتقلون من يشاؤون، ويمارسون في حقهم كافة الانتهاكات، ويمنعونهم من مقابلة ذويهم ويكدّسونهم في زنازين ضيقة كالأسماك. فباسم حالة الطوارئ تنتهك السلطة التركية كافة الحقوق الإنسانية.

س: كتبتم مقالا في صحيفة لوموند الفرنسية، طالبتم فيه بتشكيل هيئة تحكيم دولية في الانقلاب، ومعلنين مسبقاً قبولكم بحكمها، فلم هيئة دولية؟ هل فقدتم الثقة في نزاهة القضاء التركي؟

ج: إن السلطة الحاكمة في تركيا فصّلت جهاز القضاء على مقاسها، فشرّدت كثيراً من القضاة وعزلت البعض الآخر، بل إنهم أسسوا مؤخراً محاكم خاصة مثل محاكم الاستقلال التي أُسست خلال تأسيس الجمهورية التركية. فالذين يمسكون بزمام الأمور اليوم يُملُون على القضاة الذين عيّنوهم الأحكام التي سيصدرونها، فيشيرون عليهم باعتقال هذا أو مصادرة ممتلكات ذاك أو إغلاق شركات مملوكة لأصحابها. وكل هذا يتم بالترغيب تارة، وبممارسة الضغوطات تارة أخرى. في جو كهذا لا يمكن الحديث عن الحقوق والعدالة. فكل هذه القيم يدوسون عليها بأقدامهم الآن. لذلك دعوتُ إلى تشكيل هيئة دولية مهمتها التحقيق في هذا الموضوع والكشفُ عن ملابساته. وعندما دعوت إلى هذا كنت أعلم أن السلطة في تركيا لن تستجيب. وأتوقع أنهم لن يستجيبوا. فهم يخشون من أن تُفضَح ألاعيبُهم، وتظهر تلك الفبركة التي قاموا بها. لذلك أكرر القول: إن كانت لدى السلطة الحالية في تركيا الشجاعة، فليقبلوا بهيئة دولية سواء من الاتحاد الأوروبي أو البرلمان الأوروبي أو النيتو أو من العالم الإسلامي تُحقّق في هذه القضية، وتبين الحقيقة كاملة أمام الجميع. لكن لا أعتقد أن يستجيبوا. لم يستجيبوا لأي دعوة قدمها لهم هذا الفقير من قبل، ولا أظن أنهم سيستجيبون لهذه الدعوة أيضاً.

س: القمة الأخيرة بين الرئيس أردوغان والرئيس بوتين، وكذلك زيارة يوم واحد لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى تركيا، فهل هذه تحركات لممارسة الضغوط على الغرب، أم هي تحول جديد في السياسة الخارجية التركية؟

ج: يظهر من المشهد الراهن أنهم غارقون في دوامة من المشاكل دون أن يجدوا لها حلولاً. فإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وخطاباتُ الود الموجَّهة لها تسير في هذا السياق. ومن قبلُ كانوا يطلقون ألسنهم ضد روسيا، لكن عندما غرقوا في المشاكل صاروا يريدون سحب روسيا إلى جانبهم. بالإضافة إلى وجود مصالح مشتركة بين الطرفين تتعلق بالغاز والبترول ورغبةِ تركيا في تأمين علاقاتها مع دول وسط آسيا. في رأيي إن لجوءهم إلى روسيا نابع من تورطهم في مأزق لا خلاص منه. أعتقد شخصياً أن الرئيس بوتين شخص ذكي. قد تحبونه أو تكرهونه، وقد تقدرون رأيي حوله أو لا، لكني أظن أنه سيأخذ من السلطة في تركيا ما يحتاجه ثم يستغني عنها، وستواجه تركيا مستقبلا مشاكل وعقبات في إقامة علاقات جدية مع روسيا. وهكذا الوضع مع إسرائيل. لأنه من غير المنطقي الثقةُ في شخصٍ وصف إسرائيل بالأمس بأنها لا تعرف شيئا سوى القتل، واليوم يصفها بأنها أقرب دولة صديقة. مستحيل أن ينجح شخص بنى حياتَه على التناقضات والتقلبات المستمرة. الروس يعرفون نقاط ضعفه جيدا. فالرئيس بوتين شخص ذكي، أعيد هذا وأؤكد أنكم سواء أحببتموه أو كرهتموه، إلا أنني لا أظن أن بوتين سيصدقه ويقف إلى جانبه. في الوقت نفسه يدور حديث حول مسائل أخرى في هذه العلاقة من قبيل أموال تم تحويلُها من تركيا إلى روسيا في فترات سابقة، كذلك هناك حديث عن استثمارات أخرى غير شرعية هناك. لذلك فهمُّهم الآن هو استعادة هذه الاستثمارات. ولكن بوتين ليس شخصا يسهل خداعه والتلاعب به. ما يحدث مجرد سعي بائس من شخص فاشل للتخلص من المشاكل التي غرق فيها.

س: الحكومة التركية تصف حركتكم بأنها حركة إرهابية، وتسميها منظمة فتح الله الإرهابية، فماذا يمكنكم أن تقولوا للرئيس أردوغان إذا ما كان حاضراً هنا معنا لإقناعه بالعكس، وبأنكم فقط منظمة خيرية تقدم الخير للناس، وإن تعذر عليكم ذلك، فما هو الحل إذاً، فأنتم الآن تنتقدون الجهاز القضائي والحكومي، وتنتقدون حالة الطوارئ وتصفونها بالتشدد، فإلى أين نحن ذاهبون إذاً، وما هو الحل بالنسبة إلى فتح الله غولن؟

ج: حتى لو التقيتُ بأردوغان مباشرة فلا أظن أنه سيستمع إلى رأيي. إنهم يعرفون جيدا أن الخدمة ليست حركة إرهابية. لقد اعتقلوا آلاف الأبرياء وداهموا مئات المؤسسات، حطموا الأبواب والنوافذ، واعتدوا على العاملين فيها، تماما كما كانت تفعل الوحدات الوقائية التابعة لنظام هتلر. لقد رشّوا المياه وأطلقوا الغاز المسيل للدموع على أناس أبرياء لم يواجهوهم ولو بلكمة واحدة. فهؤلاء الناس أصحاب قلوب راقية، منهجم كما يقول يونس إمره: “لا يدَ لي أوجهها لمن ضربني، ولا لسان لي ضد من سبّني، لا ألطّخ بالانتقام قلبي”. فوصمُ مثل هؤلاء بالإرهاب جهل بمعنى الإرهاب أو افتراء متعمَّد على أبرياء. لو حدث فعلا وواجههم هؤلاء ولو بحجر واحد لكنتُ أول من سيقبل اتهامهم بالإرهاب. لكن برغم الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له أبناء الخدمة الذين لا العنفُ ولا الإيذاءُ من شِيَمهم، فهم لم يقابلوا هذا الظلم ولو بأذيّة واحدة. لقد قبلوا بالسجون والمعتقلات وسلّموا أمرهم لله دون أن يردوا على الاعتداء باعتداء مثله. مع أن من حقهم العملَ بالجزء الأول من الآية القرآنية: “وإن عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتهم به”. لكنهم آثروا العمل بالجزء الثاني منها: “ولئن صبرتم لهو خير للصابرين”.

الذين يتهمون مثل هؤلاء الناس بالإرهاب هم الإرهابيون حقيقة. وهناك مثل شائع يقول: “ظُنون المرء من خُلُقه”. قد يكون هناك أناس من شعوب “السلاف” اخترقوا الأناضول، وأظهروا أنفسهم يهودا مع اليهود أو نصارى مع النصارى، ومسلمين مع المسلمين. هؤلاء يمكن أن يكونوا إرهابيين حقا. أما أبناء الأناضول المسلمون الحقيقيون الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإنسانية في العالم، فلا يمكن أن يكونوا إرهابيين أبدا.

من جانب آخر، نحن نتحدث هنا عن حركة مدنية انطلقت وانتشرت وفتحت مدارس ومراكز ثقافية في بلدان العالم منذ ٢٤ سنة. لقد فعلوا هذا بالتعاون مع أبناء تلك البلدان، وقاموا بهذه الفعاليات بمشاركة أبناء تلك البلدان. أستسمحكم، إنّ أبناء هذه البلدان المختلفة ليسوا بأغبياء. لقد تابعوا في البداية هذه الفعاليات بعين الشك، وجسّوا نبض القائمين عليها مرات عديدة. ولحدّ الآن لم يظهر أن أحدا من أبناء الخدمة شارك أو تورط في أي عمل إرهابي في العالم ولو بنسبة 1 في الألف. لذلك فأصحاب السلطة في تركيا سيخفضون رؤوسهم في المستقبل خجلا مما يدّعونه اليوم.

أما حول المشاكل الراهنة، فستؤدي إلى تفاقم عزلة تركيا عن محيطها، وقد تُفرَض عليها عقوبات بموجب عضويتها في بعض المنظمات الدولية كالاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وحلف الناتو. ومن الممكن أن تحدث انشقاقات داخل الحزب الحاكم. أما عن المظالم والانتهاكات التي يقومون بها، فأنا على يقين بأنها لن تستمر بإذن الله ورعايته. “إن الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته”، ويقول الله عز وجل: “وكذلك أخذُ ربك إذا أخذ القُرى وهي ظالمة إنّ أخْذَه أليم شديد”.

 

* تم بث هذا الحوار بتاريخ 19 أغسطس 2016.