إن هذا كتاب نفيس لم نقرأ له مثيلاً يرسم خارطة دقيقة وتفصيلية للكيفية التي يمكن بها إقامة هذا الصرح العتيد من وهدته. والكتاب -بعد ذلك- طافح بالأمل في مستقبل قيام هذا الصرح، وهو حين يقوم فسيكون أعجوبة من أعاجيب هذا العصر، يعلو على كل صرح، ويسمق فوق كل حضارات القلب والروح في الماضي والحاضر..
كما المنارات في عرض البحار تهدي بالْتماعات أضوائها في الليالي الحالكة السفائن إلى مراسيها، هكذا هي صروح الروح منارات تهدي الشعوب إلى برِّ الأمان والسلام..
وقد نهض “كولن” يشمّر عن أردان روحه وفكره من أجل أن يقيم هذا الصرح الذي عملت فيه معاول الهدم والتخريب منذ زمن بعيد، حتى كاد يتهاوى أنقاضًا ولم يعد يؤدّي رسالته في الهداية والصلاح… وقد انتدب نفسه لهذا العمل العظيم ونادى إليه أصحاب الهمم والإرادات ليسهموا معه في هذا البناء الذي يؤمَّل أن يكون صرحًا عظيمًا تأوي إليه القلوب والأرواح، وتقبس من أنواره، وتستضئ بأضوائه..
فكان هذا الكتاب “ونحن نقيم صرح الروح” واحدًا من إسهامات رجال الروح في تبيان آليات هذا البناء وكيفيات إنشائه لبنةً لبنةً حتى يكمل البناء، ويقوم الصرح على قواعده الإيمانية الراسخة وأفكاره المتجددة.
يعاني المسلمون تفككًا روحيًّا رهيبًا، وهذا التفكك هو سبب مشاكلهم الإيمانية وأزَماتهم الحضارية. وهذا الكتاب القيم يشخص عِلَّةَ هذا التفكك، ويبين أسبابه وتداعياته. فعلَّةُ العلل في ذلك هو انهيار صرح الروح، وسقوط مناراته العالية الذي أحدث دويًّا سمعه العالم كله، وأحدث اضطراباً هائلاً في شخصية المسلم وفي أُسس إيمانه.
إنَّ هذا الكتاب يجوب القلب البشري ويأتي بلبنات البناء من مقالعه، ويجوس خلال الروح، ويعود بفلذاتها لتكون الحجر الأساس فيه، ولكي يعلو شامخًا بحيث يراه العالم كله من أي جهة نظر إليه، ويجد في ظله الأمن والأمان. وخير من يقوم بهذه المهمة الإيمانية الحضارية هو جيل الطهر والإيمان الذي لم تتلوث روحه، ولم يتنجَّسْ قلبه.
والكتاب طافح بالأمل في مستقبل قيام هذا الصرح، وهو حين يقوم فسيكون أعجوبة من أعاجيب هذا العصر، يعلو على كل صرح، ويسمق فوق كل حضارات القلب والروح في الماضي والحاضر.
فهذا الكتاب خارطة إنشاء يرسمها عقل هندسي كبير لبناء هذا الصرح من حبَّات النفوس ولبنات العقول.. فـ”كولن” دائم التذكير بحاجة الأمة إلى هذا الصرح الذي إذا افتقدَتْه افتقدَت كلّ شيء، وإذا بنَتْه وصانَته من عوادي الزمن، فإنه سيغدو أولى خطواتها إلى حضارة عظيمة لا زالت الأجيال تحلم بها وتترقب قدومها.
Leave a Reply