تهدف هذه الورقة إلى مناقشة المدخل الإسلامي إلى السلام واللاعنف من خلال دراسة التجربة التركية. ويستكشف الجزء الأول منظور القرآن والسنة للسلام واللاعنف، بينما يتعامل الجزء الثاني مع الرموز الإسلامية التركية التي شجعت السلام واللاعنف من خلال أفكارها وأنشطتها، مثل “سليمان حلمي طُونَاخَانْ (Süleyman Hilmi Tunahan)” (1888-1959م)، و”محمد زاهد قُوتْقُو (Muhammed Zâhid Kotku)” (1897-1980م)، وبشكل خاص بديع الزمان سعيد النُّورسي (1876-1960م)، وفتح الله كُولَن (المولود 1938م).

والإسلام، كما تشير الكلمة نفسها، يحمل دلالات السلام والاستسلام، وفي وصف النبي محمد  للمسلمين يقول: “المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ[1]. والقيم المركزية للإسلام تشكل الأساس للتحرك غير العنيف في السنة. ومن بين المبادئ الرئيسة للاعنف في الإسلام الحديث المشهور للنبي : “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ[2]. وقد كان النبي  في حياته يعيش مثالًا للسلام واللاعنف؛ فلم يُنسب إليه أنه مارس شكلًا من أشكال العنف البدني أو اللفظي، كما أن تعاليمه تؤكد أن ممارسة العنف محرمة ضد كل المخلوقات. ومع أنه  دافع عن نفسه عندما هوجم هو وأتباعه إلا أنه جعل السلام يهيمن عندما أصبح ذلك ممكنًا، حتى مع المخاطرة بحياته. ومن بين الأمثلة على ذلك صلح الحديبية والذي كان له تأثير على حياة النبي  في علاقته مع المشركين؛ حيث قبل النبي  الشروط القاسية من خصومه، وذلك من أجل السلام. وقد عرض النبي  نفسه وأصحابه لخطر كبير بدخوله مكة دون سلاح حتى يستطيعوا أن يؤدوا عُمرتهم بسلام. وقد كان تصرف النبي  مع أهل مكة مثالًا عظيمًا على المقاومة غير العنيفة للظلم الذي يمارسه كبار مكة ووجوهها. ومع أن رسالة النبي لم تُحرّم استخدام القوة عند الحاجة إلا أنه لم يعتبر هذا جزءًا أساسيًّا من رسالته؛ حيث مَثّل قوله تعالى:
﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (سورة النساء: 4/128) أساس رسالته . وهذه الآية حول النزاع الأُسري إلا أن المصطلح المستخدم هنا يشير إلى أن السلام له مكانة سامية في كل جوانب الحياة؛ ولهذا كان النبي  يشجع على التوجه نحو السلام وقتما كان هذا ممكنًا، حتى في قلب الحرب. يقول الله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ (سورة الأنفال: 8/61)؛ فالله U يأمره أن يقبل بالسلام وأن يثق بالله وحده وأن يتوكل عليه. والقرآن يأمر النبي  وأتباعه أيضًا أن يحلوا الخلاف فيما بينهم بشكل سلمي؛ يقول تعالى: ﴿فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ (سورة الأنفال: 8/1)، وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (سورة الحجرات: 49/9). وقد تعامل النبي r مع قضايا التسامح والسلام في العلاقات بين الأفراد؛ حيث أفرد البخاري في صحيحه كتابًا كاملًا[3] لأحاديث النبي التي تتعلق بالإصلاح بين الناس أو صنع السلام.

والسلام يأتي جنبًا إلى جنب مع اللاعنف؛ فاللاعنف هو خطوة مهمة في عملية السلام، والقرآن يصف مُقام المؤمنين في الآخرة بأنه دار السلام، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ﴾ (سورة يونس: 10/25)، كما أن تحية أهل الجنة هي السلام: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ (سورة يونس: 10/10)، وتحية الملائكة لأهل الجنة في الآخرة هي: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ (سورة الرعد: 13/24)، ويُقال لأهل التقوى يوم القيامة: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ﴾ (سورة الحجر: 15/46).

والسلام مما يتصف به المؤمنون، حتى إنه يُشار إلى ما يجده المؤمنون من بعض نعيم الآخرة من تناغم وصفاء بكلمة السلام، فيقول تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ۝ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ (سورة الواقعة: 25-26). والسلام اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته، ومن هنا على المسلمين أن يتخلقوا بأخلاق الله فيكونوا مسالمين. والإسلام من حيث المبدأ يهدف إلى جعل هذا العالم مكانًا يسود فيه السلام، تعيش فيه كل المخلوقات في أمن وسلام، وهذا ما يجعل البشر يقتربون من الله تعالى ويعكس اسم الله “السلام” في كل مكان.

وقد أشرنا آنفًا إلى أن المسلمين الأوائل قد تعرضوا لاضطهاد شديد من مشركي مكة، ولكن النبي لم يرخص لأحد من أصحابه لمدة طويلة أن يثأروا أو يستخدموا القوة، ولو حتى من أجل الدفاع عن النفس، مع طلب بعض أصحابه، ولكنه طلب منهم بدلًا من ذلك الصبر على الاضطهاد، وهو ما أجبر بعضهم في نهاية الأمر على الهجرة من بلدهم مكة، العزيزة على نفوسهم، إلى الحبشة، حيث وجدوا هناك السلام والأمان. ونبي الإسلام نفسه اختبأ مع أقرب أصحابه إليه في كهف بعيدًا من هذا العنف الذي مورس ضده؛ وبهذا استطاع أن يهاجر إلى المدينة، وقد دُعي هناك إلى الإصلاح بين قبيلتين من العرب. وبحماية الله للنبي ومنزلته ومكانته الجليلة في المجتمع استطاع المسلمون الأوائل الدفاع عن أنفسهم ضد مشركي مكة، ولكن النبي كان دائمًا يفضل منهج اللاعنف في الرد على الاضطهاد.

ورغم أن النبي r كان نبي المرحمة إلا أنه كان نبي الملحمة عندما يضطره الأمر لمواجهة الاضطهاد الذي تعرض له. وقد استمر هذا حتى نزل الإذن في القرآن الكريم بالدفاع الهجومي ضد المعتدين؛ حيث قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ۝ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ (سورة الحج: 22/39-40). وبسبب هذا الإذن في الدفاع باستخدام القوة المؤقتة ضد المعتدين عُرف النبي محمد بين الأنبياء الآخرين بأنه “صاحب القضيب”[4].

ويُعطينا أحد الأحاديث مثالًا من حياة النبي ، حيث جاءه أعرابي يومًا وجذبه من ثوبه بشدة حتى إن أثر الجذبة بدا في عنق النبي ثم قال الأعرابي: “مُر لي من مال الله الذي عندك”، يسأله شيئًا من الغنائم، فالتفت إليه رسول الله ثم ضحك، دون غضب، ثم أمر له بعطاء[5].

وينبغي ملاحظة أن النبي كان يتعامل مع مشكلات مجتمع من أشد مجتمعات التاريخ جموحًا وميلًا نحو العنف، وكان تغيير السلوكيات من أصعب مهماته. وقد سجّل المؤرخون أن القسوة قد وصلت في قلوب أفراد المجتمع الذي عاش فيه النبي لدرجة أنهم كانوا يدفنون بناتهم أحياء. وقد عاب القرآن بشدة هذه التقاليد القبَلية: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ۝ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ (سورة التكوير: 81/8-9). وقد غير هدي النبي قلوب هؤلاء الناس وعقولهم إلى درجة جعلتهم يُظهرون حنوًّا وشفقةً لا للبشر فحسب، بل لأدنى المخلوقات. والنبي لم يقم بهذا التغيير باستخدام القوة، ولكن رسالته رسالة الرحمة والسلام هي التي أحدثت هذا التغيير في عقلية هذا المجتمع.

ومن خلال طريق السلام واللاعنف بلّغ النبي الوحي إلى قومه؛ حيث يقول القرآن إن مهمته هي ﴿الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ (سورة المائدة: 5/92)؛ وبهذا فقد واجه اضطهاد أهل مكة في صبر وجلد، مستمرًّا في تبليغ رسالته. وقد طلب من أصحابه اكتساب هذا السلوك، وقد حذرهم من أي شكل من أشكال العنف التي يمكن أن تحدث في المستقبل، والتي سماها فتنة داخل المجتمع الإسلامي، والتي حدثت بالفعل في شكل حرب أهلية، وهو ما أخبر النبي به. وقد سأل صحابي النبي: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ: “املِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ[6]. وقد تجنب أغلب الصحابة الفتنة والفوضى، وهو ما أصبح في الحقيقة مبدأً لأهل السنة في الإسلام في مواجهة الفوضى والاضطراب الاجتماعي، ومن المعروف أن الغزالي من مؤيدي هذا المبدأ[7]. ويعد هذا المبدأ الإسلامي أكثر توافقًا مع مبدأ “تجنب الاستفزاز” أو “البقاء في البيوت”، كما يعبر عنه بعض علماء دراسات اللاعنف[8].

وكثيرًا ما يشير القرآن إلى كفاح الأنبياء، مقدمًا إياهم باعتبارهم أمثلة للصبر والثبات؛ حيث ينظر العلماء مثلًا إلى قصة القرآن عن ابني آدم، قابيل وهابيل، باعتبارها مثالًا على اللاعنف في الإسلام. يقول القرآن حاكيًا عنهما: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۝ لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (سورة المائدة: 5/27-28).

والإسلام يعلّمنا أن المرء الذي يبدأ بعمل الشر يتحمل وزر كل الشرور التي تُرتكب بعده، ولهذا فإن قابيل يتحمل وزر كل من يقتل شخصًا ظلمًا على مر العصور؛ لأنه أول من سنّ القتل. وفي الوقت نفسه نجد المعالم الإسلامية للشخص السلمي موجودة في شخصية هابيل، الذي تجنب مقابلة الشر بالشر.

وبانتهائنا من تفصيل تمسك الرسول بمبدأ اللاعنف تتبادر إلى الذهن قضية الهجوم المرحلي؛ فهل قام النبي r في أي وقت من حياته بمهاجمة أعدائه؟ لا شك أن النبي هاجم أعداءه عندما تم الاعتداء عليه هو وأصحابه، وعندما لم يجدوا أي طريق آخر لإيقاف المشركين. يقول الله U: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (سورة الشورى: 42/40).

ورغم أن النبي r قد قام بالدفاع ضد المعتدين والمهاجمين إلا أنه كثيرًا ما قام بالعفو أيضًا. وقد امتدت هذه الرحمة والعفو حتى إلى أعدائه؛ فقد ورد في كتب الحديث أنه قاتل مع أصحابه محارِبَ خصفة، فرأوا من المسلمين غرة (أي غفلة)، فجاء رجل يقال له غَوْرَث بن الحارث حتى قام على رسول الله، فقال:

-“من يمنعك مني؟”

– اَلله!

فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله ، فقال:

– “مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟”

– كُن خيرَ آخِذ.

– أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ!

– لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك.

فخلّى رسول الله سبيله ولم يعاقبه، فرجع الرجل إلى قومه فقال: “جئتكم من عند خير الناس”[9].

فعلى المسلمين أن يكافحوا الظلم أينما كان، بشرط ألا يتسبب في ظلم أكبر. فإذا عرض لهم مثل هذا الوضع فالقرآن يقدم لنا البديل، وهو الصبر والصلاة؛ حيث يؤكد أنه إذا تعرض الناس للاضطهاد والسخرية فعليهم أن يصبروا وسيلاقون الجزاء الجميل لهذا الصبر، كما قال الله تعالى في سورة “المؤمنون” ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ۝ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ۝ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (سورة المؤمنون: 23/109-111). وجزاء هؤلاء الصابرين يكون على قدر الصبر والثبات، حيث أصبح قوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة البقرة: 2/153، سورة الأنفال: 8/46) حصنًا لا مثيل له للمؤمنين. ومن هنا كان على المؤمن أن يمارس مقاومة نشطة وفعالة؛ حيث قال النبي r مشجعًا على المقاومة: “أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ[10]، ولكن هذه المقاومة ينبغي أن تكون بطريقة إيجابية؛ حيث يقول تعالى: ﴿اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ (سورة المؤمنون: 23/96). ويقول كثيرون إن القرآن يقدم مناهج السلم من خلال قصص أنبياء أهل الكتاب مثل موسى؛ فعندما أمره الله U هو وهارون أن يبلغا رسالته إلى فرعون قال لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (سورة طه: 20/44). وهذا التأكيد على أسلوب الحوار الذي ينبغي أن يُستخدم مع مستبدين مثل فرعون يقدم بالفعل مثالًا على أهمية اللاعنف في هدي القرآن. ويمكننا أن نرى في نفس القصة مقاومة غير عنيفة في إقرار السحرة بالحق عندما هددهم فرعون. وفي القصة أنهم ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ (سورة طه: 20/70)؛ فأنكر عليهم فرعون ذلك وهددهم بالصَّلْب؛ فجاء ردهم على هذا التهديد مثالًا آخر على تربية اللاعنف؛ حيث قالوا: ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (سورة طه: 20/72).

وفي عالمنا المعاصر أصبح اللاعنف منهجًا مهمًّا في التعامل مع المشكلات، وبدلًا من تعريف مصطلح “اللاعنف” اعتبره عدد من العلماء مساويًا لمصطلحات أخرى، ويبدو أن التعريف التالي يقدم إطارًا عامًّا لمصطلح اللاعنف، وهو: “أنه مجموعة من الافتراضات حول الأخلاق والقوة والصراع الذي يقود المؤيدين لها إلى رفض استخدام العنف في محاولاتهم للوصول إلى أهداف اجتماعية أو سياسية”[11].

ويرتبط اللاعنف، كطريق للكفاح الاجتماعي في القرون الأخيرة، برموز معروفة بشكل واسع، مثل “تولستوي ليو (Leo Tolstoy)” (1828-1910م) في روسيا، والمهاتما غاندي (Mahatma Gandhi) (1869-1948م)”، و”ألبرت لوتولي (Albert Luthuli)” (1898-1967م) في جنوب إفريقيا، و”مارتن لوثر كنج (Martin Luther King)” (1929-1968م) في الولايات المتحدة.

وتنبغي الإشارة إلى أن السادة الصوفية والزعماء الروحانيين الذين ذكرناهم في بداية المقال، رغم أنهم أقل شهرة، إلا أنهم قدموا أمثلة عظيمة على السلام واللاعنف في تركيا المعاصرة. ورغم الضغوط الكبيرة من السياسات العلمانية المتطرفة في البلاد ضد هؤلاء الناس إلا أن تمسكهم بمنهج اللاعنف قد أسهم في إيجاد بيئة أكثر سلامًا وأمنًا في أوطانهم. والفكرة هنا هي أن مقاومة العنف بالعنف تخلق حلقة مفرغة وترفع المستوى الإجمالي للعنف. وكما يقول المثل التركي: “لا يمكنك أن تطفئ النار بالمنفاخ”، أو كما يقول تولستوي:

“إن الأفعال العنيفة ضد الشر لا تفعل شيئًا غير إضافة المزيد من البنزين إلى النار”[12].

فالمقاومة العنيفة إذًا ليست إلا سكبًا لمزيد من البنزين على اللهب. ورغم أن هذه الشخصيات كانت مركز الاهتمام في السنوات الأخيرة إلا أنه لا تتم الإشارة إليهم ضمن قائمة من مارسوا منهج اللاعنف باعتباره شكلًا من أشكال التحرك والفعل[13].

وقد عُرف سليمان حلمي طوناخان، وهو أحد السادة المنتمين إلى النقشبندية، عُرف بتقواه وأنشطته في تعليم القرآن. ورغم المراقبة والقمع الشديدين اللذين مارستهما الحكومة ضد جهوده في ذلك الوقت إلا أن المرء لا يجد أي تسجيل يشير إلى أن هذا الشيخ الصوفي كان عنيفًا في أفعاله، ولكنه استمر -بدلًا من ذلك- في التركيز على تعليم القرآن، كما طلب من أتباعه أن يقوموا بنفس الشيء.

أما محمد زاهد قُوتْقُو، وهو معلم صوفي نقشبندي آخر، فقد كان له تأثير كبير على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تركيا. ورغم أن الطرق الصوفية كانت ممنوعةً رسميًّا إلا أنه استطاع أن يقدم تعاليمه الصوفية، كما تجنب العنف بنجاح في احتجاجه على هذا الحظر للطرق الصوفية.

وثمة رمزان إسلاميان آخران في تركيا المعاصرة وهما سعيد النُّورسي وفتح الله كولن، فبالرغم من أنهما لم ينتميا إلى أية طريقة صوفية، إلا أنهما يمتلكان تأثيرًا روحيًّا عظيمًا على البناء الاجتماعي في تركيا. والنورسي واحد من بين عدد قليل من العظماء الذين لا يتمتعون بشهرة كافية في العالم الغربي، والذي ظل طوال حياته نصيرًا لمنهج اللاعنف. والنورسي -كما تُظهر هذه الورقة- واحد من الرموز الرائدة للسلام واللاعنف في التاريخ الإسلامي في القرن الأخير. وقد عُرف باعتباره واحدًا من مجددي الإسلام[14]، كما أنه أحد الرموز الإسلامية التي شجعت مدرسة اللاعنف في كفاحه ضد مضطهديه، وذلك لكي يتجنب الانتهاكات بحق الأبرياء في المجتمع. وقد كان النورسي واعيًا تمامًا بالدمار الحقيقي الذي سببته الحرب والذي يمكن أن تسببه؛ وذلك لأنه شارك في القتال في الحرب العالمية الأولى وشهد بنفسه الحقائق البشعة في ساحة القتال، كما جُرح وأمضى سنتين أسيرًا في سيبريا.

إن فهم النورسي للاعنف يبدو فريدًا في السياق المعاصر للحركة الإسلامية؛ فرغم اشتراك معاصريه في المعارضة المحافِظة ذات التوجه السياسي لحكوماتهم وللغرب إلا أن النورسي فضّل أن يتجنب كل هذا. وقد أطلق على تلاميذه “الموظفين المتطوعين لخدمة الأمان”. وقد فسر النورسي تصوره للتحرك السلمي بمصطلح “الحركة الإيجابية”. وفكرة الحراك الإيجابي تعني بالنسبة للنورسي شيئًا أعمق من مجرد الامتناع عن ممارسة العنف، ويظهر من خلال كتاباته أن النورسي كان يُكن للجميع مشاعر الحب في قلبه، حتى هؤلاء الذين اضطهدوه. ورغم أن مضطهديه قاموا بتسميمه سبع عشرة مرة إلا أنه لم يحاول قط الرد عليهم بنفس الطريقة، ولكنه، بدلًا من ذلك، طلب من أتباعه أن يتجنبوا الانتقام[15]. ويمكن للمرء أن يسمع أصداء الآية القرآنية الكريمة التي تورد الحوار الذي دار بين ابني آدم في طلب النورسي من تلاميذه المخلصين، وذلك حين قال:

“إخوتي! مراعاة لمشاعر الأبرياء والشيوخ، لا تثأروا لي ممن يقتلني ظلمًا، فحسبهم عذاب القبر والسقر”[16].

وفي الفترة من عام 1926م وحتى ستينات القرن العشرين، وهو وقت تم فيه قمع كل الأفكار الدينية في تركيا، كان النورسي وطلابه يُسجنون بشكل متقطع، ورغم كل الاضطهاد الذي لاقوه إلا أن المرء لا يستطيع أن يجد أي إشارات تعبر عن الكراهية في كتاباته.

ولم يكن للنورسي أي هدف سياسي، على خلاف الكثيرين من متبعي منهج اللاعنف في عصرنا الحديث؛ فالهدف الوحيد الذي كان لدى النورسي هو أن يفوز الناس بحياتهم الآخرة. وقد كان مقتنعًا بأن المرء لا ينال النصر باستخدام القوة ولكن بإقناع الآخرين بأفكاره.
وفي الوقت الذي يقول فيه النورسي إن السيف المادي لا ينبغي استخدامه، نراه يقدّم الحقيقة القرآنية مثل سيف ماسي متألق يختفي معه السيف المادي؛ فالدمار الذي يمكن أن يتسبب فيه العنف جعل النورسي يتجنب جميع أشكال القوة المادية، ويُعتبر خطاب وداعه لتلاميذه مثالًا على هذا. ويُفتتح الخطاب بهذه العبارة:

“إخواني الأعزاء!

إن وظيفتنا هي العمل الإيجابي البنّاء وليست السعي للعمل السلبي الهدام. ومهمتنا القيام بالخدمة الإيمانية ضمن نطاق الرضا الإلهي دون التدخل بما هو موكول أمره إلى الله. إننا مكلفون بالتجمل بالصبر والتقلد بالشكر تجاه كل ضيق ومشقة تواجهنا وذلك بالقيام بالخدمة الإيمانية البناءة التي تثمر الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي”[17].

ورغم أن الخطاب يبدو أنه يحتوي على عناصر الاستسلامية إلا أن هؤلاء الذين يعرفون شيئًا من سيرة حياة النورسي لا يصنفونه من المتخاذلين؛ وذلك لأنه كان مؤيدًا للتحرك الإيجابي. لقد عارض النورسي هؤلاء الذين يتبنون مقولة “لا شأن لي بذلك” أي اللامبالاة؛ حيث يرى أن هذا التوجه لا ينتج عنه إلا الديكتاتورية.

ولكي يتغلب على العنف حذر النورسي من الرغبة في السلطة والتملك. وقد ساوى النورسي بين السياسة والسلطة، كما قال كثيرًا إنه ليست لديه أو لدى طلابه نية المشاركة السياسية بسبب مخاطر استخدام السلطة. وفي هذا يقول:

“لا نملك سوى يدين، بل لو كانت لنا مائة من الأيدي ما كانت تكفي إلا للنور فلا يدَ لنا تمسك بهراوة السياسة”[18].

والنور في تعاليم النورسي يشير إلى السلام والوفاق والتزكية، وكل ما هو إيجابي. ولا ينبغي لأحد، من وجهة نظره، أن يكون ضد النور ما دام هذا النور ينفع الجميع. وبالطبع لم يكن النورسي ضد السياسة التي تخدم الشعب، ولكنه رأى المخاطر الممكنة عندما تكون السلطة مبنية على المصالح الشخصية. ومن بين الأسباب الرئيسة لابتعاده عن السياسة هو أنه لاحظ مدى قدرة السياسة على تغيير نظرة المرء إلى أي شخص نظرة سلبية حتى ولو كان هذا الشخص إنسانًا صالحًا فاضلًا. وقد رأى في تجربته شخصًا فاضلًا في أحد الأحزاب يتهم رجلًا في غاية الصلاح بأنه شيطان، لا لسبب إلا لأنه كان في الحزب المعارض له، في حين مدح نفس الشخص رجلًا آخر هو في الحقيقة إنسان سيئ لمجرد أنه ينتمي إلى حزبه. وبعد ملاحظته لمخاطر هذا التحزب والتعصب، تجنب السياسة وصكّ عبارته الشهيرة:

“أعوذ بالله من الشيطان والسياسة”[19].

وبتجنبه للسياسة استخدم النورسي ما يمكن أن يسميه الباحثون في اللاعنف “انسحابًا من النظام الاجتماعي”. فقد اعتقد النورسي
أن أنشطته وكتاباته الدينية سوف تساعد الناس على إدراك الآخرة، فقام بهجرة روحية، واختار أن يعيش حياة الزهد. ونموذج النورسي السلمي، والذي بلغ درجة تجنبه لكل أشكال السياسة، هو نموذج غير معروف في الحقيقة بين مؤيدي اللاعنف. فحتى غاندي، بطل اللاعنف، أصبح فيما بعد زعيمًا روحيًّا للهند. أما النورسي فقد اعتبر أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان للعنف في العالم المتحضر، وهو في هذا يشبه خان عبد الغفار خان (1890-1988م)[20]، الذي كان معاصرًا للنورسي، وكافح ضد الاحتلال البريطاني للهند، وشجع التعليم باعتباره الوسيلة الأهم لتقدم المسلمين. وقد كتب النورسي يقول في إحدى رسائله عن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين:

“وليطمئن غير المسلمين بأن اتحادنا هو الهجوم على هذه الصفات الثلاث[21] ليس إِلَّا، وبالنسبة إليهم فسبيلنا الإقناع، لأننا نعتقدهم مدنيين. وإننا مكلفون بأن نظهر الإسلام بمظهر الجمال والحسن المحبوب. لأننا نظن فيهم الإنصاف”[22].

وقد قام النورسي فيما بعد بتطوير هذه الفكرة في سياق التعاون بين الأديان، وبشكل خاص التعاون بين المسلمين والمسيحيين، وصاغ فلسفته في مبدأ “محبة المحبة، ومخاصمة الخصومة”[23]. ويرى النورسي أن أكبر مشكلات العالم هو الجهل والفقر والفرقة، كما يعتقد أن جهاد المسلمين في عصر العقل والمعرفة ينبغي أن يكون من خلال البراهين القرآنية الساطعة وليس باستخدام القوة؛ فكل آية من القرآن من وجهة نظره هي أقوى من السيف الذي يستخدم في المعركة. لقد كان النورسي يؤمن بقوة الكلمة؛ حيث يقول:

“لأن الغلبة على المدنيين إنما هي بالإقناع وليس بالإكراه كما هو شأن الجهلاء الذين لا يفقهون شيئًا”[24].

ولهذا فقد وصف النورسي عصرنا بأنه عصر الجهاد الروحي فقال:

“إن الكفاح ضد الدمار الروحي لا ينبغي أن يكون ماديًّا، بل روحيًّا”[25].

وفي محاكاة لتعبير تولستوي الشهير:

“إن الحب والعنف لا يجتمعان، فهذا يمثل تناقضًا داخليًّا مثل النار الباردة أو الثلج الساخن”[26].

نجد في فكر النورسي أن الحب والكراهية لا يجتمعان في قلب واحد؛ حيث يقول:

“نحن فدائيو المحبة، وليس لنا وقت للكراهية”[27].

وقد كان النورسي يعتقد أن الحربين العالميتين قد علّمتا البشر كيف يمكن للكراهية أن تكون مدمرة بشكل مذهل، ولهذا قال:

“لقد انتهى عهد العداوة والخصام. ولقد أظهرت الحربان العالميتان مدى ما في روح العداوة من ظلم فظيع ودمار مريع. وتبين أن لا فائدة منها ألبتة. وعليه فلا ينبغي أن تَجلب سيئاتُ أعدائنا -بشرط عدم التجاوز- عداوتنا، فحسبهم العذاب الإلهي ونار جهنّم”[28].

وقد استقى سعيد النورسي تفضيله لمنهج السلم من المبادئ العقائدية والأخلاقية للإسلام، وأحد المبادئ التي استخدمها كأساس لمنهجه هو الآية القرآنية الكريمة ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (سورة الأنعام: 6/164) أي إن الإنسان ليس مسؤولًا عن الجرائم التي يرتكبها الآخرون. ويرى النورسي أن هذا المبدأ يتم تجاهله من خلال العنف والاضطراب الاجتماعي، وخاصة في عصرنا هذا. وتؤكد الآية بوضوح أن المرء لا يمكن اعتباره مجرمًا لمجرد انتمائه العرقي، أو خلفيته العائلية أو قوميته أو قرابته لمجرم؛ فالصراعات التي تجري في عصرنا هذا تبرر قتل المئات من أجل معاقبة مجرم واحد، ومن هنا كان النورسي يرى أنه لا يمكن معاقبة أب بسبب جريمة ابنه، أو أن تُعاقب زوجة بسبب جُرم زوجها؛ فحقوق الأبرياء تضيع عندما يمارس العنف. وبذلك يتضح كيف يتجاهل الإرهابيون في هجماتهم أو هجماتهم المضادة في عصرنا هذا المبدأَ القرآني المهم.

ومن أجل هذا السبب بالتحديد، كرس النورسي حياته من أجل تحقيق النظام في المجتمع. وهو يقول:

“لو كان لي مائة روح لضحيت بها جميعًا لتحقيق النظام في المجتمع، ومنع إهدار حقوق الأبرياء”[29].

وبالإشارة إلى الآية القرآنية السابق ذكرها كأساس لفكره، صاغ النورسي وجهة نظره في العبارة التالية:

“لكي لا نؤذي خمسة وتسعين شخصًا بسبب ما فعله خمسة مجرمين، ولكي لا نظلم الأطفال والعائلات بسبب ما فعله مجرم واحد، فإن “رسائل النور (مؤلفاته)” توفر حلًّا لحماية المجتمع من الفوضى وتعمل على تحقيق النظام وعلى ترسيخ الإيمان لدى الناس”[30].

وقد لاحظ النورسي أن كتاباته تؤثر في الناس إلى الحد الذي يجعل ضمائرهم وأخلاقياتهم تحول دون اشتراكهم في أعمال العنف والفوضى في المجتمع. وبسبب الأهمية القصوى للنظام والوحدة والتضامن داخل المجتمع فقد ضرب مثل “الحجر في القبة” قائلًا:

“حتى إن الحجر مع حَجَريته إذا خرج من يد المعقِّد الباني في القبة المحدبة يميل ويُخضع رأسَه ليماسّ رأس أخيه ليتماسكا عن السقوط. فالانسان الذي لايدرك سر التعاون لهو أجمد من الحجر؛ إذ من الحجر من يتقوس لمعاونة أخيه!”[31].

وردًّا على اتهامات الحكومة له بأنه يشعل التمرد في المجتمع يقول سعيد النورسي إنه قد خدم النظام الاجتماعي للمجتمع بشكل أفضل من مائة رئيس شرطة، فقد أرسى من خلال “رسائل النور” خمس دعائم لتحقيق التناغم الاجتماعي من أجل حماية المجتمع من الاضطراب والفوضى وهي:

الرحمة والاحترام والأمن والثقة واجتناب المحرمات والتمييز بين الحرام والحلال، والطاعة وترك التَسيّب[32].

ويرى النورسي أنه من المستحيل تعيين رجل شرطة لكل عضو في المجتمع، إلا أنه من خلال ممارسة هذه المبادئ الخمس فسوف يكون هناك “رقيب روحي” على قلب كل عنصر في المجتمع.

ومن خلال بعض خطاباته لتلاميذه قام النورسي باستخدام جميع البدائل الممكنة لتجنب العنف وعدم استثارة روح العداء ضده من قبل معارضيه؛ فقد استخدم على سبيل المثال طريقة يطلق عليها الباحثون في اللاعنف “منهج الصمت”، فعندما كان يحاور طلابه يذكر الكثير من الموضوعات المختلفة، فإذا تطرق الحديث إلى إحدى القضايا السياسية الحساسة يقول:

“لا أستطيع التحدث في هذه المسألة؛ فالصمت الآن واجب”.

ومن الطرق الأخرى التي كان يستخدمها لتجنب العنف طريقة “حصر الجريمة على فئة قليلة من الناس”؛ وذلك عملًا بالآية القرآنية الكريمة التي ذكرناها آنفًا وهي ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (سورة الأنعام: 6/164)فالنورسي كان يتجنب التعميم، وقد طبق هذا المبدأ في علاقاته بالحزب الحاكم الذي نظر للنورسي باعتباره تهديدًا لوجود الحزب ذاته. وقد كان يتجنب تعميم الاتهام على كل الفئات المعارضة له؛ فكان يلقي اللوم على خمسة بالمائة فقط من الفئة الحاكمة. وكان يفضل أسلوب التسامح حتى ولو مع هؤلاء الذين عذبوه، ففي ذكره للمدعي الذي طالب بالحكم عليه بالإعدام أثناء محاكمته يقول النورسي: “إنني حتى لم أدعُ عليه”. يقول مؤلفو سيرته الذاتية إن السبب وراء عدم دعوته على المدعي هو أن النورسي كان يخشى على ابنة هذا الرجل، فلو ابتُلي المدعي بضرر ما فلن تجد هذه الطفلة البريئة من يعتني بها ويوفر لها حنان الأب.

لقد كان النورسي مؤمنًا بأن الوسيلة لتحقيق غاية مشروعة ينبغي أن تكون وسيلة مشروعة أيضًا؛ فلا يمكن للمرء أن يحقق غاية نبيلة بوسيلة باطلة. ولذلك فإن طريق اللاعنف هو الطريق الأكثر أمانًا لتجنب الوسائل الباطلة خلال الصراع الروحي. ويروي لنا مؤلفو سيرته الذاتية قصةً حدثت له في بداية حياته في شرق الأناضول تقول: إن مجموعة من قادة القبائل الكردية زارته لكي يجيز لهم القيام بثورة ضد الحكومة المعينة حديثًا في “أنقرة (Ankara)”، وكان هدفهم هو إقامة الشريعة الإسلامية، لكن النورسي ذكرهم بأن هذه الثورة سوف تتسبب في ظلم أكبر وفوضى أكثر، وطلب منهم أن يتخلوا عن خطتهم هذه[33]. فلا يمكن الوصول إلى مجتمع يعيش في سلام عن طريق أعمال عنف.

لقد تعلق كثيرون بتعاليم النورسي في وقت سادت فيه الفوضى والصراعات في تركيا منذ الستينات وحتى الثمانينات من القرن العشرين، فلم يشترك تلاميذه ولا أتباعه بأي صورة في الصراع الدائر في تلك الفترة، بل كان لهم دور محوري في إقامة صلح المجتمع. وحتى أثناء موجة الصراع المسلح التي استمرت بين اليساريين والقوميين، والتي تسببت في إهدار أرواح عشرة آلاف شخص على الأقل، بقي أتباع النورسي مسالمين متجنبين الاشتراك في أعمال الفوضى، وقد كتب أحد تلامذته كتابًا لكف الناس عن العنف ولوقف الصراع الدموي[34].

وفي سياق تلك المرحلة الحاسمة يجدر بنا أن نذكر باحثًا ومفكرًا إسلاميًّا آخر في تركيا يتمتع بتأثير عريض وهو فتح الله كُولَن. فقد ظهر كولن كشخصية عامة مؤثرة في السبعينات من القرن العشرين، وذلك عندما اشتهرت مواعظه وخطبه بين فئات المجتمع التركي. وقد اتخذ كولن -مثل النورسي- طريق اللاعنف في نشاطه، حيث لعبت تجربته الشخصية ومعاناته دورًا حيويًّا في فهمه لمنهج اللاعنف؛ فقد شهد بنفسه الصراع العنيف بين اليساريين والقوميين الذي تسبب في فقدان آلاف الأرواح كان معظمهم من الشباب. ومن جانب آخر شهد كولن حرب العصابات الكردية ضد الحكومة التركية والتي تسببت أيضًا في موت 30 ألف شخص على مدى خمسة عشر عامًا. وقد اتُّهم كولن أيضًا بانتهاك القانون وبخاصة المادة 163 من الدستور التركي والتي تحظر ممارسة الأنشطة الدينية، وقضى كولن عدة أشهر في السجن في السبعينات، وتمت تبرئته في نهاية الأمر. وكرس كولن جهوده للسلام واللاعنف، وخلال كفاحه كان دائمًا يذكر من كان حوله بتجنب الاشتراك في تلك الصراعات حتى ولو تم اغتياله. يقول كولن:

“يعرف إخوتي جيدًا أنه عندما عمت الفوضى البلاد، كنت أدعو إلى الهدوء وكظم الغضب. لقد وجهت إليّ تهديدات بالقتل، لكنني طلبت من إخواني أن يستمروا في العمل من أجل السلام. وعلى الرغم مما سيشعرون به من غضب إذا تم اغتيالي فإنني أطلب منهم أن يدفنوني
ثم يسعوا بعدها لتحقيق النظام والسلام والحب في مجتمعنا. ومهما حدث، ينبغي لنا نحن المؤمنين أن نظل دائمًا دعاة الحب والأمن،
وما زلت أقول ذلك حتى اليوم”[35].

ومن أجل التعامل مع مشكلات المجتمع المختلفة وتحقيق التناغم في المجتمع شجع كولن على التعاون بين فئات المجتمع المختلفة في تركيا، وبخاصة مع أصحاب الديانات الأخرى غير الإسلام إلى جانب العلمانيين، ولكي يتم تدعيم التعاون والتناغم بين الجماعات المتنازعة في المجتمع التركي كان كولن أحد القوى المحركة وراء إنشاء منظمة تركية غير حكومية باسم “وقف الصحفيين والكتّاب”.
وقد نجحت هذه المنظمة في تجميع أفراد من خلفيات اجتماعية مختلفة مع بعضهم البعض من أجل تحقيق التصالح الاجتماعي تحت اسم “منصة أَبانْت (Abant Platformu)”. وقد قامت المنظمة بتوسيع أنشطتها من خلال عقد مؤتمراتها خارج تركيا، مثل ذلك المؤتمر عن “توافق الإسلام والديمقراطية” والذي عقد في واشنطن في جامعة جونز هوبكنز في أبريل 2004م.

ومن أجل سيادة السلام في عالم المستقبل يشجع كولن محبيه على إنشاء المؤسسات التعليمية في تركيا وخارجها، كما أنه يعطي اهتمامًا خاصًّا بالمناطق التي تشتعل فيها الصراعات العرقية والدينية مثل ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا والفلبين وإقليم أتشيه وشمال العراق وجنوب تركيا… وقد لعبت هذه المدارس أدوارًا هامة في تقليل مستويات الصراع في هذه المناطق. ومن خلال تجربتي الشخصية وبينما كنت في زيارة إلى مقدونيا في صيف 2004م، أتيحت لي الفرصة أن أزور إحدى هذه المدارس التي أنشأها رجال الأعمال الأتراك من محبي كولن، وعلمت أنه في أثناء الصراع بين الألبان والصرب كان الطرفان يقومان بإرسال أطفالهما إلى المدرسة باعتبارها مأوًى آمنًا، كي يحموا الأطفال من الاشتراك في مثل هذا الصراع[36]. وتخدم هذه المدارس جميع الأطفال المنتمين من جميع الخلفيات المختلفة بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والعرقية.

يستخدم كولن التعاون والحوار بين الأديان لمنع الصراعات المستقبلية والعنف بين أصحاب الديانات المختلفة، وقد أصبح كولن رمزًا للتعاون بين الأديان في تركيا، كما زار البابا يوحنا بولس الثاني[37] وزعماء دينيين آخرين مثل البطريرك بارثولوميوث الأول -وهو الزعيم الروحي لأكثر من 300 مليون مسيحي أرثوذكسي- والتقى بالحاخام الإسرائيلي الأكبر. كل ذلك من أجل تدعيم التعاون بين الأديان في مختلف القضايا لتحقيق السلام في عالمنا. ويعتقد كولن أن التعاون بين الأديان يمثل ضرورة قصوى في عالم اليوم، وقد أهمل المسلمون -لسبب ما- هذا التقليد لفترة من الزمان بالرغم من تغلغل جذوره في التعاليم الإسلامية. وبالرجوع إلى دستور المدينة يؤكد كولن أن النبي نفسه طبق هذا التعاون، كما يرى تعاون الأديان باعتباره أمرًا إجباريًّا على المسلمين من أجل تدعيم السلام والتوافق[38]. وحيث إن كولن نفسه ضحية للاضطهاد الديني فهو الذي يدعو بقوة إلى حرية العقيدة للمسلم وغير المسلم على حد سواء.
وقد استمر نموذج هذا التناغم الذي حث عليه كولن وكان معلقًا بالأذهان حتى 28 فبراير من عام 1997م عندما حدث شبه انقلاب عسكري في تركيا. وعند ذلك بدأ هجوم فوري ضد كولن فمثّل عائقًا كبيرًا يمنعه من دعوته، فاضطر كولن -الذي يعاني من مشكلة صحية في القلب- إلى الخروج من تركيا ونقلت إقامته إلى الولايات المتحدة، وذلك بسبب الوضع في تركيا ولاحتياجه إلى رعاية صحية أفضل، واتهمه معارضوه -عن طريق بعض شرائط الفيديو التي لفّقوها- أنه يحاول السيطرة
على الدولة.

ومع ذلك استمر كولن في ممارسة نظريته عن الحوار لأنه يؤمن بأن تعاليمه لها أصول راسخة في مبادئ الإسلام، وقد كتب عدة مقالات عن هذا الموضوع. وعن تفسيره للحديث الذي يصف المسلم بأنه “مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ[39] يقول كولن:

“المسلم هو إنسان السلام والأمن إلى درجة أن المسلمين الآخرين يستطيعون أن يديروا له ظهورهم بكل أمن، لأنهم يعلمون بأنه لن يؤذي أي أحد. وعندما يضطرون إلى إيداع أهلهم أمانة عنده يستطيعون ذلك دون أن يخالجهم أي خوف، لأنهم يعلمون عدم صدور أي أذى منه،
لا من لسانه ولا من يده. وعندما يتركون مجلسًا ضمهم معه فإنهم يتركونه وهم مطمئنون بأنه لن يغتابهم في غيابهم، ولن يستمع إلى غيبتهم
من أحد الحاضرين. وهو يراعي كرامة الآخرين وشرفهم كما يراعي كرامته وشرفه تمامًا. قد لا يأكل ولكنه يُطْعِم. قد لا يشرب ولكنه يسقي، وقد يفتدي الآخرين بروحه، بل قد يضحي بأحاسيس فيوضاته الروحية من أجل الآخرين. ونحن نستخرج كل هذه المعاني من لام التعريف التي تفيد معنى الحصر”[40].

وبالإشارة إلى قصيدة يونس أمره (ت.1321م) -الشاعر الصوفي التركي الشهير- يؤيد كولن اللاعنف الكامل تجاه الآخرين قائلًا:

“ينبغي أن نتصرف وكأننا “بلا أيد” مع من يؤذينا،

و”بلا ألسِنة” مع من يسبّنا،

ولو حاولوا كسرنا خمسين مرة فسنظل صامدين،

نحتضن الجميع في حب ورحمة،

وبالحب المتبادل سنخطو نحو الغد”[41].

وقد كرّمت “مؤسسة قيرغيزستان الروحية” كولن فمنحته جائزة لإسهاماته في تحقيق السلام العالمي من خلال جهوده التعليمية عام 2004م [42].

إن النصر الحقيقي من وجهة نظر كولن هو النصر الروحي. وهو كثيرًا ما يشير في ذلك إلى النصر الروحي للنورسي أو النصر الحقيقي الوحيد الذي حققه، كما يعطي أيضًا نموذجًا من التاريخ فيقول:

“إن عظمة طارق بن زياد المسلم الذي فتح الأندلس لا تكمن في غلبته على جيوش الإسبان، ولكن في تضحيته بنفسه عندما وقف أمام الثروة وقال: “احذر يا طارق فقد كنتَ عبدًا بالأمس واليوم أنت قائد منتصر وغدًا ستكون تحت الثرى”[43].

فالقوة الروحية لطارق بن زياد -بحسب كولن- كانت أشد وأقوى من انتصار جيشه. وهذه هي الأشياء التي تجعل مذهب السلم أساسيًّا في فهم كولن.

ويرى كولن أن الحب هو السلاح الذي لا يُقهر، وأن حب الغير ينتج عنه التضحية والتفاني لخدمة الآخرين، أي إن التضحية بالنفس لخدمة الآخرين جزء أساس في مذهب كولن، وهو يقول:

“علينا أن نكون مثل هؤلاء الذين لا يعيشون لأنفسهم وإنما يعيشون للآخرين”[44].

ويرمز السلام في مذهب كولن إلى الحب والرحمة… ليس فقط تجاه البشر وإنما تجاه الحيوان أيضًا. وفي مقابلة خاصة معه قَصّ لي كولن واقعة امتد فيها حبه للسلام واللاعنف ليشمل نملة كانت في حوض حمامه وكيف أنه قضى وقتًا طويلًا يحاول أن ينقذها؛ لأنه يعلم أنها من مخلوقات الله ويجب أن لا تُترك لتموت.

وبالمثل يطبق كولن منهج “اللاعنف” مع العالم الطبيعي، فهو يرى أنه ثمة علاقة انسجام بين الإنسان والطبيعة ويقول:

“إن هذا الإعجاز الفني للطبيعة يدل على شيء أكثر براعة، وأبعد من جمالها، شيء يشير إلى خالق هذا الكون بهذا البهاء، والذي يريدنا أن نعرفه من خلال إبداعه سبحانه، ولن نستشعره كاملًا فهو الجليل العظيم”[45].

قد يفخر العديد من البشر اليوم بتنافسهم في ابتكار أقسى الأسلحة وأضخم القنابل ليقتل بعضهم بعضًا، رضينا أم لم نرضَ. وفي العصر الذي يساوَى فيه بين الإسلام وبين العنف والهمجية تمثل هذه التجربة التركية السلمية حلًّا قابلًا للتطبيق نابعًا من رحم الإسلام. وهذا الأسلوب مارسه واتبعه الملايين بنجاح على مدى ما يقرب من قرن، وأرجو أن تجذب قصة النجاح هذه الاهتمام الثقافي على النطاق العالمي.

 

[1]  صحيح البخاري، الإيمان، 4؛ صحيح مسلم، الإيمان، 65.

[2]  سنن ابن ماجه، الأحكام، 17؛ مسند الإمام أحمد، 5/55. نستطيع أن نرى تشابهًا كبيرًا بين هذا الحديث النبوي وتعاليم غاندي الخاصة بما يسمى باللغة السنسكريتية “أهميسا” وهي تعني “لا أذى” (انظر: توماس ميرتون، غاندي حول اللاعنف: مختارات من كتابات غاندي، نيويورك: نيو دايركشنز بابليشينج، 1964م)، ص. 23. انظر أيضًا ويليام روبرت ميللر، اللاعنف: فهم مسيحي (نيويورك: شوكن بوكس، 1966م) 23- 32.

[3]  وهو كتاب الصلح.

[4]  القاضي عياض: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، 1/455-457.

[5]  صحيح البخاري، فرض، 19؛ صحيح مسلم، الزكاة، 128.

[6]  سنن الترميذي، الزهد، 60.

[7]  انظر: الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد.

[8]  جين شارب: “استكشاف بدائل اللاعنف” ، (بوستون: بورتر سارجنت ببلشرز، 1970م)، ص. 36-37.

[9]  صحيح البخاري، الجهاد، 84، المغازي، 32؛ صحيح مسلم، صلاة المسافرين، 311، الفضائل، 13؛ مسند الإمام أحمد، 23/193.

[10]  سنن أبي داود، الملاحم، 17.

[11]  من أجل الاطّلاع على العديد من المصطلحات والتعريفات، انظر ويليام روبرت ميلر في كتابه “اللاعنف”، ص. 23-32.

[12]  استشهد ويليام روبرت ميلر بذلك في كتابه “اللاعنف”، ص. 49.

[13]  انظر جين شارب: سياسة التحرك غير العنيف، ثلاثة مجلدات (بوسطن: روبرت سارجنت ببلشرز، 1973م). وانظر أيضا مانفرد ب. ستيجر ونانسي س. ليند (المحررون) في كتاب “العنف وبدائله: أدبيات مختارة في أكثر من مجال”. (نيويورك: ساينت مارتن برس، 1999م)، ص. 293-351. وباستثناء بعض العلماء من أمثال دوجلاس كارين كرو في كتاب الإسلام والسلام واللاعنف: ببلوجرافيا مختارة جاء ذكر النورسي فقط من بين هؤلاء ضمن دعاة اللاعنف. انظر اللاعنف الدولي www.aviusa.com – استرجاع (Retrieved 9/29/04)

[14]  حامد الجار: “مجدد المائة: بديع الزمان سعيد النورسي وحركة التجديد”، جريدة الدراسات الإسلامية، 12/ 3 /2001م) 291-311.

[15]  انظر: نجم الدين شاهينر: “الجوانب غير المعروفة في حياة النورسي (Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi)”، “يني آسيا ياينلاري (Yeniasya Yayınları)”، إسطنبول- 1979م)،
ص. 341-342، بـ[اللغة التركية].

[16]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، الشعاعات، الشعاع الرابع عشر، ص. 456 (دار النيل، 2011م).

[17]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، الملاحق، ملحق أميرداغ-2، ص. 384 (دار النيل، 2011م).

[18]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، اللمعات، اللمعة السادسة عشرة، ص. 143 (دار النيل، 2011م).

[19]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، المكتوبات، المكتوب الثالث عشر، ص. 62 (دار النيل، 2011م).

[20]  خان عبد الغفار خان قائد روحي في أفغانستان، قاوم الاحتلال البريطاني للهند، وكان يعتقد، كمسلم مخلص، أن الطريق الوحيد لتقدم المسلمين هو طريق التعليم. وقد أسس منظمة تسمى “خوداي خدماتكر” أي “عباد الله”. وكان أعضاء هذه المنظمة يأخذون على أنفسهم عهدًا يقول نصه: “لن أستخدم العنف. لن أثأر أو أنتقم”. (انظر مانفرد ستيجر: المصدر السابق، ص. 350).

[21]  أي: الجهل والفقر والفرقة.

[22]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، صيقل الإسلام، الخطبة الشامية، ص. 497 (دار النيل، 2011م).

[23]  المصدر السابق، ص. 499.

[24]  المصدر السابق، ص. 494.

[25]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، الملاحق، ملحق أميرداغ-2، ص. 385 (دار النيل، 2011م).

[26]  ليو تولستوي، “قانون الحب وقانون العنف”، ترجمة ماري كوتوزو تولستوي. (نيويورك رودولف فيلد، 1948م). ولقراءة هذه العبارة انظر “اعتراف وكتابات دينية أخرى”، ترجمة جين كانتيش (هارموند وورث، بريطانيا، بنجوين بوكس، 1987م)، 176.

[27]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، صيقل الإسلام، الخطبة الشامية، ص. 494 (دار النيل، 2011م).

[28]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، صيقل الإسلام، الخطبة الشامية، ص. 476 (دار النيل، 2011م).

[29]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، الملاحق، ملحق أميرداغ-2، ص. 215 (دار النيل، 2011م).

[30]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، الملاحق، ملحق أميرداغ-2، (دار النيل، 2011م).

[31]  بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، ص. 47 (دار النيل، 2011م).

[32]  انظر: بديع الزمان سعيد النورسي: رسائل النور، الملاحق، ملحق قسطموني، ص. 192 (دار النيل، 2011م).

[33]  انظر: نجم الدين شاهينر: الجوانب غير المعروفة في حياة النورسي، ص. 254- 255 بـ[اللغة التركية].

[34]  مصطفى سونجور: “الفوضى: أسبابها وكيفية حلها (Anarşi: Sebep ve Çareleri)”، “يني آسيا ياينلاري (Yeniasya Yayınları)”، إسطنبول- 1979م) بـ[اللغة التركية].

[35]  جريدة “حريت (Hürriyet)”، 21/ 4/ 2004م، حوار مع “صفا قَبْلان (Sefa Kaplan)” بـ[اللغة التركية].

[36]  لمعرفة تأثير المدرسة التركية في جزيرة مينداناو بجنوب الفلبين وكيف لعبت هذه المدرسة دور المأوى الآمن انظر “فتح الله معلِّمًا” في التطبيق التركي للإسلام والدولة العلمانية: توماس ميتشل: حركة كولن، (حرره م.هاكان يافوز وجون ل. اسبوزيتو) (سيراكيوس: مطبعة جامعة سيراكيوس/ 2003م)، ص. 69-84.

[37]  انظر: توماس ميتشل: “قائدان للسلام: يوحنا بولس الثاني وفتح الله كولن”، أوراق لم تنشر قدمت في ندوات قادة السلام التي نظمتها مؤسسة كوزميكوس من 16- 18 مارس 2004م في أمستردام بهولندا.

[38]  فتح الله كولن: سلسلة الجرة المشروخة-3: آفاق الغربة، “تحليل فترة التسامح (Hosgörü Sürecinin Tahlili)”، ص. 70-76 (نيل ياينلاري (Nil Yayınları)، إسطنبول – 2012م) بـ[اللغة التركية].

[39]  صحيح البخاري، الإيمان، 4؛ صحيح مسلم، الإيمان، 65.

[40]  فتح الله كولن: النور الخالد محمد r مفخرة الإنسانية، ص. 198، (دار النيل-2010م).

[41]  مأخوذ من خطاب كولن الذي ألقاه في اجتماع وقف الصحفيين والكتاب في فبراير 1995م.

[42]  ظفر أوزكان: “القرغيز يكرمون كولن لإسهاماته من أجل السلام”، جريدة زمان اليومية، 3/11/2004م.

[43]  فتح الله كولن: “العصر والجيل-2 “الإنسان في دوامة الأزمات (Buhranlar Anaforunda İnsan)”، “انتصار الروح”، ص. 54، (نيل ياينلاري (Nil Yayınları)، إسطنبول – 2012م) بـ[اللغة التركية].

[44]  وتلك هى واحدةٌ من الأفكار الأساسية للأستاذ فتح الله كولن وهو يركز على هذا الموضوع كثيرًا في كتبه حتى إنه أفرد ذكره في كتابٍ مستقلٍّ أسماه “رسالة الإحياء” ضمن سلسلة “الجرة المشروخة”.

[45]  فتح الله كولن: “الطبيعة التي دُمّرت (Tahrib Edilen Tabiat)”، استشهد بها فتح الله كولن في كتابه “شريحة الزمن الذهبية (Zamanın Altın Dilimi)” (إزمير: توف ياينيفي، 1991م) ص. 110- 114، وانظر أيضا: زكي ساري توبراك (Zeki Sarıtoprak)”: “فتح الله كولن” في موسوعة الدين والطبيعة. مجلد 1-2 (بريستول، نيويورك: كنتينوم، 2005م).

فهرس الكتاب

Leave a Reply

Your email address will not be published.