في أرقام كاشفة عن الوضع المخيف للصحافة في تركيا، نشر مركز بحثي بالتعاون مع صحيفة “زمان” التركية تقريرا حول أوضاع الصحفيين الأتراك في ظل القبضة الحديدية للرئيس رجب طيب أردوغان، وتحت وطأة قانون الطوارئ المعلن في البلاد منذ عامين.
التقرير الذي نشر بالتعاون بين مركز “نسمات” للدراسات الاجتماعية والحضارية بالتعاون مع موقع الصحيفة التركية يقع في 38 صفحة، يعكس تردي أوضاع الحريات العامة في البلاد التي تقترع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يوم غد الأحد، وسط مخاوف من عملية تزوير واسعة لإنقاذ أردوغان وحزبه؛ “العدالة والتنمية” من هزيمة متوقعة.
موت الصحافة في تركيا
واستند التقرير إلى عدد من التقارير الدولة، مؤكدا أن تركيا غدت “من أسوأ دول العالم من حيث التعامل مع الصحفيين، حيث صنفها الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم للعام الثاني على التوالي، إذ يمثل الصحفيون المعتقلون في تركيا، نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم”، الأمر الذي عده البعض بمثابة “موت للصحافة” في البلاد المنكوبة بدكتاتورية أردوغان.
319 صحفيًّا معتقلاً
وأكد التقرير أن 319 صحفيا معتقلا يقبعون في السجون منذ محاولة الانقلاب جرى قبل عامين، مشيرا إلى مذكرات اعتقال صدرت بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين في خارج البلاد.
وقال التقرير إن 839 صحفيًّا حُوكِموا قضائيًّا خلال عام 2017 الماضي على خلفية نشر تحقيقات صحفية أصدروها أو شاركوا في إعدادها، طبقًا لما أوردته مؤسسة الصحفيين الأتراك.
واعتبر أن أرقام الصحفيين المعتقلين أو الملاحقين دليل على خطورة وضع حرية الإعلام في تركيا، وعلى تدهور الحريات بوتيرة متسارعة وأسوأ مما يعتقد كثير من المحللين، لافتا إلى أن هذه البيانات مرشحة للزيادة بسبب الحملات الأمنية المستمرة للقبض على الصحفيين.
تهمة الإرهاب.. طريق أردوغان لتكميم الأفواه
وبينما تتنوع الخلفيات السياسية والثقافية للصحفيين المعتقلين يشير التقرير إلى أن نظام أردوغان دأب على توجيه تهمة الإرهاب الفضفاضة لطيف واسع من الحصفيين”.
وكشف عن تناقض السلطة الحاكمة في توجيه اتهاماتها العشوائية للصحفيين قائلا إنه “يوجد 44 صحفيًا متهمين بانتمائهم لحزب العمال الكردستاني أو لاتحاد كردستان، و11 صحفيًّا يساريًّا من جريدة جمهوريت اعتقلوا واتهموا بالعمل لصالح كل من حركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني”.
إغلاق 189 وسيلة إعلامية
وأضاف التقرير أنه منذ محاولة الانقلاب أغلق أردوغان 189 وسيلة إعلامية مختلفة، منها: 5 وكالات أنباء، 62 جريدة، 19 مجلة، 14 راديو، 29 قناة تليفزيونية، 29 دارًا للنشر تابعة لحركة الخدمة، وكثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية المستقلة، بخلاف حجب 127.000 موقعًا إلكترونيًّا، 94.000 مدونة على شبكة الإنترنت منها موقع “ويكيبيديا” الموسوعي.
انتقام أردوغان
ولم يكتف الرئيس التركي بسجن معارضيه السياسيين لكنه بحسب التقرير عمد إلى الانتقام داخل مراكز الاعتقال، حيث وثق التقرير سياسة ممنهجة للإساءة وإهانة وتعذيب الصحفيين.
وأكد التقرير أن “السلطات تفرض قيودا صارمة على اتصال السجناء مع محاميهم؛ وفي أحسن الأحوال، يُسمح للسجناء بلقاء محاميهم تحت المراقبة، ولا يُسمح لبعض السجناء باستلام الرسائل أو الكتب الآتية من الخارج. يُسمح فقط لأقرب الأقارب مرة في الأسبوع بزيارة السجناء، من خلال نوافذ زجاجية وعن طريق الهاتف، كما لا يسمح بتواصل السجناء مع سجناء آخرين ما عدا السجناء المحتجزين في الزنزانة ذاتها”.
وأشار إلى تقدم عدد من الصحفيين المعتقلين بشكاوى من طول فترة الحبس الاحتياطي، والحبس الانفرادي، والتعذيب النفسي والجسدي، وعدم المراعاة الطبية لذوي الاحتياج من المرضى، وتكديس المحتجزين في عنابر لا تسعهم.
ووثق التقرير تعرض المعتقلين لما قال إنه “أنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي كُشف عن بعض حالاته، وهناك حالات كثيرة لم يكشف عنها بعد، فمن هذه الحالات التي تم الكشف عنها حالة عائشة نور باريلداك، وهي صحفية شابة قبض عليها في 11 أغسطس/آب 2016 بتهمة انتمائها لجماعة إرهابية، ونسبت إليها تهمة العمل في جريدة زمان (الجريدة الأكثر توزيعًا في تركيا قبل أن يتم إغلاقها من قبل الحكومة في يوليو/تموز) 2016”.
وتداولت وسائل الإعلام التركية حالة عائشة نور باريلداك بعد أن سربت رسالة من السجن لجريدة “الجمهورية” تَشْتكي فيها من معاناتها داخل السجن؛ وتعرضها للضرب والتعذيب، بالإضافة للتحرش الجنسي، حيث قالت: “لقد تم التحقيق معي لمدة ثمانية أيام، وكان التحقيق مستمرًّا على مدار الساعة، المحققون كانوا سُكارى، أخاف أن أُنْسَى داخل الحبس”.