ابتداءً من عام 1994م قابل الأستاذ فتح الله فئات كثيرة من الناس والإعلاميين، وشهد افتتاح وقف الصحفيين والكُتّاب في 29 يونيه/حزيران 1994م رئيسَ شرفٍ له، وعُنِي في كلمته بالحوار وقبول الآخر في المجتمع وفي العالم أجمع.
كان مصطلح “خوجة (الشيخ)” إذا أطلق بين الناس تبادر إليهم الشيخ التقليدي، فلما ألقى الأستاذ فتح الله محاضرتَه رأوا فيها – فضلًا عن معرفته بالعلوم الإسلاميّة – سَعة اطلاع على الثقافة التركية والعالمية، فانبهروا به لا سيما أولئك الذين لم يعرفوه عن كثب، وراح مئات المثقفين يشيدون به في مقالاتهم التي جُمع بعض منها في كتاب “الأستاذ فتح الله من الشَّرنقة إلى الفراشة”، ويبرهنون أنَّه ليس كغيره، ويعبرون بدهشة واحترام عن أهمية شخصية كهذه للأوساط العامة التركية والعالمية.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1994م كان لمقابلته مع رئيس وزراء تركيا “طَنْسُو تشِلَّرْ” صدى كبير في الصحف.
في يناير/كانون الثاني 1995م أجرت معه جريدتَا “الصباح” و”الحرية” حوارات عن قضايا الساعة، وطبيعة فكره، وفي 20 مارس/آذار التقى “بُولَنْد أَجَوِيتْ”[1]، ولم يكن لقاء سياسيًّا بل بحث معه موضوعات أدبية وصوفية وفلسفية.
قال أَجَوِيت ردًّا على طلب الزيارة: “أهلًا به، سأقابله عندما آتي إزمير”.
أما الأستاذ فتح الله فقال: “تقديري لكبار رجالات الدولة يقتضي أن آتيك لا أن تأتي إلي”.
قال أَجَوِيت معبِّرًا عن سعادته بالزيارة: “أرى أن الأستاذ فتح الله وأتباعه يسهمون كثيرًا في عملية التطور الديمقراطي”.
والتقى في مايو/حزيران وتاليه كلًّا من حِكْمَت جَتين، وطَنْسُو تشِلَّرْ، ومسعود يِلْماز.
وقال عن انتقادات لقاءاته في مؤتمر صحفي عقد في 22 يونيه/حزيران 1995م: “من الصعب التوفيق بين استهجان اللقاءات التي أقوم بها وبين سمات المنتقدين ومقاماتهم ومستواهم”.
وفي 26 مايو/أيار 1995م منحه وقف الجمعيات التركية جائزة “نِهال آتْسِز لخدمة الأمة التركية” مكافأة على المدارس التي افتتحها في الدول التركية.
ظهرت براءته من كلّ التهم، وفي 30 يونيه/حزيران 1995م حصل على تعويض معنوي، قدره خمسون مليون ليرة تركية من صحفي، لما تبين كذب ما كتبه من أسفار باطلة عنه؛ وتبرع الأستاذ فتح الله بالمبلغ لوقف “مَحْمَدْجِك”[2]، فمنحه الوقف في 25 يوليو/تموز شهادة تقدير؛ وفي هذا العام أجرى معه الإعلامي رَخاء مختار حوارًا في قناة TRT[3]، وكذا أُورال جَالِيشْلَر بجريدة الجمهورية واستمر حواره سبعة أيام، وأيوب جان بجريدة الزمان واستمرَّ حواره خمسة عشر يومًا، وطبع في كتاب “جولة الآفاق مع فتح الله كولن”.
كان حديثه ينمّ عن شخصية لها باع في شتّى العلوم؛ وقد تركت ردوده القائمة على العلم من فن، وأدب، وعلم اجتماع، وعلم نفس، وفلسفة، وسياسة، كثيرًا من المثقفين الأتراك في دهشة وحيرة، واتفقوا أنَّ ماهيتها فريدة في بابها.
وفي هذا العام زار جريدة المِلّية والتقى كُتَّابها ورؤساءها، وأجرى معه التلفاز الهولندي حوارًا.
وفي عام 1996م أجرت معه وسائل إعلام متنوعة حوارات، ومنها تلفاز فَرْنَا البلغاري، وجريدة ترود، والتقى في هذا العام البطريق بارثلوميوس لتفعيل لغة الحوار بين طوائف مختلفة.
ولما وقعت حادثة صُوصُرْلُق[4] في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام استغل بعضُ الناس الحدثَ لإدراج اسم الأستاذ فتح الله في القائمة السوداء، ليعيقوا سير أنشطة الخدمة التي أسهم فيها، فأدلى بتصريحات لوسائل الإعلام، وأثبت أنها تُهَم مُلفّقة، جاءت في فترة حرِجة يستهدف أناس منها إقحامه في مشكلات البلاد السياسية، فكذّب هذه الدعاوى مرارًا وقاضاها فأثبت التحقيق براءته.
ساءت صحته كثيرًا إبان الأحداث، وزادها سوءًا وفاة صديقه الوفيّ الحاج كمال أَرِيمَزْ[5] في 13 مارس/آذار 1997م، فأمّ الناس في الصلاة عليه وهو يبكي. يقول الأستاذ فتح الله عن الحاج كمال: “كان الحاج كمال ثريًّا، له كروم ومنجم ألماس يغني سبعة أجيال، ذكرت له يومًا أمرًا لا أدري كان صوابًا أم لا: “ينبغي أن لا يكون لدينا ولو منزل يؤوينا، تعال لنعيش دون أن يكون لنا ولو كوخ، وليكن هذا شهادة بأننا إنما نبتغي وجه الله عز وجل بهذه الأعمال لا منافع دنيوية”. فباع ملكه كله حتى منزله وتصدَّق على المدارس والطلبة”. فهذا فدائي مِعطاء، لم يترك لورثته شيئًا، وعاش في منزل كراء وفي غُريفة بمسكن الطلبة”.
وما زال يتحدّث عن أشواقه للحاج كمال وعيناه تدمعان، ويراه في منامه كثيرا، حب وتقدير لصديق صدوق، ووفاء ليد العون في كلّ ما قُدّم لهذه الأمة من خدمة.
في 11 يونيه/ حزيران سافر إلى أمريكا للعلاج، فأجريت له عملية قسطرة للقلب بعد أسبوعين، وزادت الأزمات مرضه، ففي رؤيته للنزاع السياسيّ يؤكِّد أن أمن المجتمع وسلامته أوَّلًا، وكلُّ ما يحول دون هذا ويُعيق النهضة يغدو كانونًا للجحيم، تأزمت الأحداث فاستقالت الحكومة في يونيه/ حزيران، فعلَّق على هذه الأحداث في وسائل الإعلام، وأشار إلى أن تركيا في طريقها لحلّ مشكلاتها مع الساسة والشعب، والتخلص من حركات عمِلت على تأخّرها وتقسيمها وقتل ما تتحلى به من تسامح؛ فأسهم بحكمته في تهدئة المجتمع يوم أن كانت الخلافات السياسية متأججة، فاسترعى أسلوبه الانتباه؛ فثمة من استغل الفوضى، ونثر سهام حقده وعدائه المكنون للأستاذ فتح الله، ورغم هذا لم يكن له همّ إلا مصلحة الوطن، فميزانه في الحياة “التضحية بكل شيء في سبيل الآخرين”.
وواصل حواره مع طبقات متفاوتة في العالم لا في تركيا فحسب، فقابل في سبتمبر/أيلول كاردينال أوكونور بأمريكا، أي إنَّه يعي ويهتم بمشكلات يتوقَّع أن يعاني منها العالم لاحقًا.
أول حوار في أمريكا كان عام 1997م مع الصحفية التركية نَوّال سَوِنْدِي، نُشر هذا الحوار في جريدة يَني يُوزْيِيل بين 20-29 يوليو/ تموز، ثم جُمع في كتاب “حوار نيويورك مع فتح الله كولن”؛ ناقش الكتاب مشكلات تركية عصرية، وموضوعات مهمة عامّة لها صدى في الرأي العامّ، تدور حول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، والعالم الإسلامي.
ومن الأحداث المهمة في هذا العام دعوة مؤسسة من أعظم المؤسسات شأنًا في روسيا “اتحاد الكتّاب الروس”[6] للأستاذ فتح الله؛ وأهمية الدعوة في رأي تيمور بولاتوف رئيس المؤسسة “نحن على دراية بالمشكلات المعاصرة في روسيا وتركيا؛ لذا فزيارة كولن ستفيدنا جدًّا بلا ريب”.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 1997م عاد من أمريكا، فمنحته مؤسسة Türk Eğitim Sen جائزة التعليم الخاص في عيد المعلِّم.
وفي عام 1998م أجرت معه الصحافة المحلية والأجنبية عدة حوارات، والتقى ممثلي الأديان الأخرى تعبيرًا عن السماحة وقبول الآخر.
وشارك في عدَّة برامج وقابل فئات شتّى لتطوير الحوار بين الأديان، ففي هذا العام زارَ البابا جان بُول الثاني، وكان لزيارته صدى كبير في العالم عامَّة وفي تركيا خاصَّة، وأجرت معه وسائل الإعلام الروسية والأوروبية خاصة الإيطالية حوارات في هذا الشأن، وهنا كان للإعلام التركيّ الهادف سلوك حميد، بينما ذهب آخرون كلّ مذهب في التهم الباطلة أثناء تفسيرهم للحدث، فبيَّن الأستاذ فتح الله في برنامج على التلفاز أنّه ينسّق للقاءاته مع المسؤولين، وأنه قد استشار رئيس الوزراء بُولَنْد أَجَوِيتْ قبل لقاء البابا فوافقه في ذلك وأيّده وأشار إلى أنّها ستسهم في السلام العالمي.
ومُنِح عدة جوائز من مؤسسات المجتمع المدني على ريادته في أنشطة مجتمعية عدة؛ وفي هذا العام ادَّعى على ما أثارته مقالاتٌ وكتب من زوبعة تُهَم حوله، إلا أنها لم يتوقف نشرها.
واستمر نشاطه في اجتماعات تدعم السلام الاجتماعي والحوار بين الأديان والحضارات حتى عام 1999م، ثم سافر في 21 مارس/آذار إلى أمريكا للعلاج.
[1] مصطفى بُولَنْد أَجَوِيت (1925-2006م): سياسيّ وشاعر وكاتب تركيّ بارز؛ تولى رئاسة الوزراء خمس مرات، وكان من رُوَّاد اليساريين في تركيا.
[2] وقف مَحْمَدْجِك: أُسِّس لمساعدة الجنود المحاربين وأقارب الشهداء ومصابي الحرب في الجيش التركيّ.
[3] الاسم العامّ لقنوات الإذاعة والتلفاز الرسمية للجمهورية التركية.
[4] اكتشاف علاقات غير شرعية بين الشرطة وعصابات المافيا وبعض العشائر إثر حادث مروري وقع في مقاطعة صُوصُرلُق غرب تركيا بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1996م.
[5] الحاج كمال أَرِيمَزْ (1926-1997م): من أوائل رجال الأعمال الذين ناصروا الأستاذ فتح الله كولن عندما بدأ مشروع “الخِدمة”، لازمه حتى توفِّي، ووقف حياته وماله على هذا المشروع.
[6] اتحاد الكتاب الروس: تأسّس عام 1991م، ليجتمع تحت سقفه مشاهير الكتاب الروس.