لقد كان كلٌّ من القرن التاسع عشر والقرن العشرين من أكثر المراحل غموضًا وارتباكًا في تاريخ البشريّة، فلم يعُدْ بمقدور الناس أن يُفرّقوا بين الغثّ والسمين، أو حتى بين الحق والباطل، وذلك بسبب الصفقات والاتّفاقيّات السرّيّة وما لفّ لفّها من مؤثّراتٍ خارجيّة، ومن أبرز نماذج هذه الحقيقة الأوضاعُ الراهنةُ التي تمرّ بها تركيا اليوم، تركيا التي كانت نموذجًا للتحوّل الديمقراطي وقدوةً لكثير من الدول الإسلامية، وكثيرٌ منّا يتساءل قائلًا “ماذا يحدث في تركيا؟”
هل ما يحدث في تركيا قضية فسادٍ ورشوةٍ تورّط فيها الحزب الحاكم وبعض الوزراء وأبناؤهم بالفعل كما يزعم بعض الإعلاميين وأحزاب المعارضة؟ أم هو انقلابٌ مدنيّ ضدّ الحكومة كما تزعم السلطة الحاليّة.
وفي حقيقة الأمر إن تاريخ السابع عشر من ديسمبر (2013م) أصبحَ رمزًا للتحَوُّل ولِتَغيِير الثوابت والأفكار التي ترسَّخت في أذهان كثيرٍ من الناس عن تركيا ومسيرتها الديمقراطية وما يكتنفها من تطوّراتٍ إيجابيّةٍ نحو الرفاهية والرخاء، فهل الصورة من الداخل تتطابقُ مع ما يبدو من الخارج؟…
وهذا الكتاب الذي بين أيديكم عبارة عن: مقالات الأستاذ “أكرم دومانلي” رئيس تحرير جريدة “زمان” التركية، يتناول دومانلي في مقالاته جوانب مختلفة توضح ملامح الأحداث التي عاشتها تركيا في الفترة الأخيرة، ويقدّم إجاباتٍ وافيةً للتساؤلات التي تشغل الأذهان.
ولقد انطلق المؤلّف من مبادئ الحريّات العامّة والديمقراطية وحقوق الإنسان وواجبات الحاكم أمام المحكوم.
وقد اقتضى الأمر نشرَ هذا الكتاب القيّم للاستفادة ممّا حدث في تركيا، ولِقياسِ المؤشّرات إلى مستقبلٍ قريبٍ مليءٍ بالأحلام التي لا تُفارقها التحدّيات…
ولقد قمنا بطباعة هذا الكتاب الطبعة الأولى في ديسمبر/كانون الأول عام (2014م)، فتلقّفتْها الأيدي وتناولتها بأسرع مما كنا نتصور، مما جعلنا نُقبل على طباعته للمرة الثانية مع إضافة سبع مقالات نُشرت بعد الطبعة الأولى ليخرج في مظهره الحالي الذي تجدونه بين أيديكم.
وسوف نقوم الآن بسرد الأحداث المهمّة التي ظهرت على الساحة التركيّة خلال العام الأخير، وذلك مع مراعاة ترتيبها وتسلسُلِها الزمني، وسنقنّنها في بنود ومواد مختصرة، حتى يسهل على القارئ الكريم فهمُ تسلسُلِ الأحداث وتتابُعِها باختصارٍ وتناسقٍ ويُسر، وهي كالتالي: