كشفت الباحثة الأمريكية صوفيا بانديا الأستاذة بجامعة كاليفورنيا عن سر عداء النظام التركي لحركة الخدمة التي تؤمن بأفكار الأستاذ فتح الله كولن الذي يعيش الآن داخل الولايات المتحدة الأمريكية، معتبرة أن الرئيس رجب طيب أردوغان هو من دبر محاولة الإطاحة بنظامه والتي قامت في 15 يوليو 2016، ونشر فكرة المؤامرة في المجتمع ليتمكن من السيطرة على السلطة.

وقالت بانديا خلال محاضرة ألقتها بالقاهرة، إن ما حدث بعد محاولة الإطاحة بنظام أردوغان لا يمكن الدفاع عنه، فالكثير من الصحفيين المحتجزين في السجون التركية قد تجاوز عدد الصحفيين المسجونين في العالم كله، كما أغلقت نحو 3000 مؤسسة تعليمية من مدارس وجامعات ومستشفيات، مشيرة إلى أن أورهان باموك الكاتب الروائي التركي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب قال: إن ما تبقى في تركيا بعد كل تلك الانتهاكات هو “دولة الإرهاب”.

وأكدت الباحثة الأمريكية على أن العنف في تركيا يحدث بصورة مستمرة وله أشكال عديدة منها: العنف ضد الأكراد، وعنف الجبهة الكردستانية ضد الدولة وداعش التي تدعمها الدولة بصورة أو بأخرى، لافتة إلى أن تركيا أصبحت طرفًا في الحرب الدائرة في سوريا.

أردوغان والشعبية الزائفة

واعتبرت الباحثة الأمريكية صوفيا بانديا أن الشعبية الزائفة التي يتمتع بها أردوغان في تركيا، والتي تأتي على العكس من نظرة الشعوب الغربية له، سببها هو إظهار نفسه على أنه يتبنى الإسلام الوسطي لجذب الكثير من الأفراد حوله، وكذلك حديثه الدائم داخل تركيا عن مسألة القومية والمجد العثماني والدولة العثمانية، وهذا خطاب يثير إعجاب تيارات كثيرة داخل المجتمع التركي، مشيرة إلى أنه يتبنى التطرف في مواجهة القضية الكردية ويستخدم العنف بصورة ممنهجة ومقبولة شعبيا ضد الأكراد.

أردوغان واستغلال الخطاب الديني

إضافة إلى أن أردوغان يتبنى خطابا شعبويًّا والنظام الشعبوي بحسب الباحثة الأمريكية، دائما يجب أن يقدم القرابين لمخاطبيه، واعتبرت أن أردوغان يجعل من الأكراد وأعضاء حركة الخدمة قرابين لأفعال النظام، وأكدت على أن أردوغان يستخدم “الخطاب الديني” للتأثير على الأغلبية، وقالت إن كل المؤشرات تقول إن هذا النظام سيؤدي إلى صعود العنف الجماعي داخل المجتمع التركي، معتبرة أن ذلك سيؤثر على حقوق المرأة وسيرفع العنف ضدها، وهو ما يحدث بصورة كبيرة داخل تركيا، بحسب دراسة أجريت في جامعة ستانفورد.

وأكدت الباحثة الأمريكية على أن ما يحدث داخل تركيا لأعضاء المعارضة من حركة الخدمة إنما هو عملية تطهير شامل، حتى من المقربين لهم داخل المجتمع، كذلك هناك رفض للأفراد الذين يشتبه أنهم من الحركة أو المقربين منهم، وأدى ذلك إلى أن يختبئوا ولا يستطيعون العمل ومنهم من سافر عبر النهر الفاصل بين تركيا واليونان وماتوا غرقًا.

معاناة أفراد الخدمة والأقليات من الاضطهاد

وأشارت بانديا، إلى أن النظام التركي صنف حركة الخدمة كحركة إرهابية، لذا يعاني أفرادها من فقدان الهوية والعمل والحالة الاجتماعية داخل المجتمع وبعضهم حتى يفقدون الجنسية، وهو أمر صعب للغاية على أي إنسان على حد تعبيرها. مشيرة إلى وجود آخرين متأثرين بممارسات النظام تجاههم من بينهم الأقليات كالأكراد واليهود والمسيحيين وكل شخص يعارض أو يتبنى وجهة نظر مختلفة عن رؤية النظام.

وقالت الباحثة الأمريكية، إن الأمر الذي يجعل من السهل لأردوغان جعل حركة الخدمة والأقليات الأخرى كبش فداء، هو ظهور نظرية المؤامرة وانتشارها وحالة “البارانويا” أو الاشتباه الموجودة داخل المجتمع التركي، وكشفت أنه يتم تلقين هذه الحالة داخل المؤسسات التعليمية بحسب تعليمات أردوغان.

معاناة النساء في ظل حكم أردوغان

وأضافت أن هناك شعبوية ذكورية ظهرت في تركيا عام 2013 عندما قال أردوغان بأن المرأة التي ليس لديها 3 أبناء ليست امرأة كاملة، وإذا لم تكن لديها أطفال فهي نصف امرأة، وهناك حالة من الضغط على حرية النساء في المجتمع، وحدوث حالات عنف ضد النساء في الشوارع وتكميم أفواه الحركات النسائية داخل المجتمع التركي.

وقد أكدت بانديا، على أن أكثر ما يؤلم هو وجود 16 إلى 20 ألف امرأة داخل السجون التركية، وكثير منهن لسن مسجونات لانتمائهن إلى حركة الخدمة، بل لأن أزواجهن في الحركة ويتم القبض عليهم، وهناك من يتم القبض عليهن كرهائن حتى عودة أزواجهن. وهذه الحالة تخلق جوًّا من الخوف في المجتمع التركي.

أردوغان دبَّر انقلاب يوليو 2016

ورأت الباحثة الأمريكية، أن أردوغان هو نفسه من دبَّر عملية الإطاحة بنظامه في يوليو 2016، لأسباب منها: حرية تنقُّلِه وحرية التحدث بالهاتف إلى وسائل الإعلام، وقوائم الاعتقال التي ظهرت مباشرة في اليوم التالي، وتصريحه في اليوم التالي الذي قال فيه: “إن الانقلاب هو نعمة من الله”، وبالتالي رأت بانديا أنه هو المستفيد الأكبر من محاولة الإطاحة به، ونشر حالة من الخوف استطاع أن يقمع عن طريقها الجيش التركي.

اعتقالات بالآلاف منذ يوليو 2016

وأضافت أن النظام التركي لم يتمكن من إقناع المؤسسات الألمانية والأمريكية بأن حركة الخدمة المعارضة هي التي دبرت عملية الإطاحة به، وأكدت على أن أردوغان أغلق 3000 مدرسة ومؤسسة تعليمية، وفصل 170 ألف شخص ووضعهم في السجون منهم قضاة ووكلاء نيابة ومعلمين ورجال أعمال، و140 ألف شخص تم القبض عليهم. مشيرة إلى أن أعضاء حركة الخدمة يعانون مشاكل في جوازات السفر ولا يمنح أبناؤهم الجنسية في الخارج.

وبحسب الباحثة الأمريكية سيطر النظام التركي على 195 مؤسسة إعلامية أغلق بعضها واشترى البعض الآخر، قائلة: “نحن أمام مشهد رواية 1948 لجورج أورويل الدولة هي التي تسيطر على كل المؤسسات الإعلامية”.

اعتداءات جسدية تؤكدها منظمات حقوق الإنسان الدولية

وأكدت على أن هناك حالات موثقة للاعتداء الجسدي والاغتصاب داخل السجون التركية بحسب منظمات حقوق الإنسان الدولية المختلفة، قائلة: قابلت شخص وقال إنه تعرض للضرب والتعذيب لمدة 8 أيام داخل السجون التركية، وكانوا يطلبون منه أسماء أعضاء حركة الخدمة وقرر ألا يتحدث عن أي شيء ويتحمل الضرب”.

 فضلا عن ذلك هناك حالات كثيرة من العنف الجسدي ضد النساء سواء داخل السجون أو خارجها لأن نظام أردوغان منح شرعية لمثل هذه الأفعال، بالإضافة لقرابة 705 طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يعيشون داخل السجون مع أمهاتهم، وكذلك طبقا للتقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فتم توثيق حالات عديدة للنساء يتم القبض عليهن مباشرة قبل الوضع أو بعده مباشرة لخلق حالة من الإرهاب داخل المجتمع بحسب الباحثة الأمريكية.

 وفى نهاية المحاضرة أكدت بانديا على أن تركيا أصبحت دولة منغلقة على نفسها متوجهة فقط إلى روسيا، ابتعدت كثير عن الديمقراطية فأصبحت اسما بلا مسمى.