يشكل الدين والعلم مظهرين من أهم مظاهر الحياة الاجتماعية لدى بني البشر. وبتتبع حركة التاريخ لم يكن هناك بروز لفكرة (الصراع بين الدين والعلم)؛ إذ كانت الهيمنة للدين وتوجيهاته في أغلب الأحقاب التاريخية، بينما كان التطور العلمي يخطو خطوات بطيئة يدور معظمها في رحى الضرورات، وبعضها مختلطًا بالتأويلات الوثنية والأسطورية.
وقد بدأت تطفو على السطح قضية الصراع بين الدين والعلم تحديدًا مع ظهور عصر التنوير أو عصر النهضة الأوربية، وبداية وقوف العلماء ضد سيطرة الكنيسة المطلقة.
وأتى ذلك الصراع بين الدين والعلم في البيئة الغربية بظلاله على العالم في أخلاقه، وقيمه ومثله العليا وسعادته، إذا بينما قامت الأديان بمحاولة تنظيم العلاقة بين الدوافع النفسية الثلاثة: الأنانية، والإيثار، والضمير، تلك التي وضعها الله تعالى في فطرة البشر؛ فتحثنا على الفاضل منها، وتنهانا عما هو دنيء.
إذا بالنظرة العلمية المادية تدَّعي أن هذه الدوافع قد شكَّلها التطور البيولوجي وليس الخَلق الإلهي، وبهذا فإن التطور يهدف إلى تحقيق الفائدة التي تخدم تكاثر الكائن وبقاءه، ومن ثم تُصبح “الأخلاق نسبية”، وتتشكل في إطار أن الغاية تُبرِّر الوسيلة.
اهتم القرآن الكريم بالتفكر والتأمل والبحث والعقل، ووقف طويلا أمام التطورات الفكرية والعلمية التي شهدتها القرون الأولى للإسلام انطلاقا من زاوية نظرة الإسلام العلمية.
كولن: لا تناقض بين العلم والدين
ينتقد الأستاذ فتح الله كولن من يحاول إيجاد تناقض بين الدين والعلم فيقول:” الابتعاد عن العلوم الوضعية بحجة أنها تؤدى إلى الإلحاد تصرف صبياني. أما النظر إليها وكأنها تعادى الدين وأنها وسيلة للإلحاد وطريق إليه، فهو حكم مسبق وجهل مطبق”
ويؤكد كولن كذلك أن الإسلام يتناول الإنسان ككل، يتناول عقله وقلبه وروحه، كما أن النظام الذي جاء به الإسلام، بجميع مؤسساته الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والثقافية، يفتح أبوابه لكل التطورات العلمية والحقائق الكونية؛ بل ويجع الإسلام الكون كأنه كتاب يجب قراءته وتأمله وإجراء التجارب فيه.
استعمل المفكرون المسلمون في العصر الحاضر الفكر العقلاني المستند إلى التجارب، واستطاعوا تسجيل نجاحات مبكرة في العديد من فروع العلم أكثر مما استطاعه غيرهم.
كولن: القرآن رائد التفكير الحرّ
كما ينبه فتح الله كولن إلى أن القرآن الكريم بذكره أسس الحوادث الطبيعية والشريعة الفطرية والتأكيد عليها، قد لعب دور الرائد للعلم والتفكير الحر. بالإضافة إلى أن العديد من الآيات في القرآن الكريم مثل {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}، (فاطر: آية: 34) تشير بوضوح إلى العلوم التجريبية والعلم العقلاني في الأوامر الإلهية. كما أن على رأس ما انتقده القرآن الكريم – حسب رأى كولن -الظن والتخمين والتقليد والشعارات الجامدة قال تعالى:” وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}. (البقرة: الآية: 170)
ويدعو القرآن بدلاً من هذا إلى البحث والتفكير والتأمل قال تعالى:” {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}.(آل عمران: الآية: 190)
ويؤكد الأستاذ انطلاقًا من هذه الآيات اهتمام القرآن الكريم بالتفكر والتأمل والبحث والعقل، ويقف طويلا على التطورات الفكرية والعلمية التي شهدتها القرون الأولى للإسلام انطلاقا من زاوية نظرة الإسلام العلمية، كما أنه طوال القرون الأولى الثلاثة في حضارة الإسلام استعمل المفكرون الفكر العقلاني المستند إلى التجارب، واستطاعوا تسجيل نجاحات مبكرة في العديد من فروع العلم أكثر مما استطاعه الغرب، وكان هذا مؤشرا على خاصية الحضارة الإسلامية وطابعها المميز.