كشف الصحفي التركي المخضرم أحمد دونماز” مؤخرًا عن “مخطط غاشم” وضعته “البؤر العميقة” في تركيا لإشعال فتيل تمرد عام في السجون، عن طريق الدفع ببعض أفراد حركة الخدمة المعتقلين للمشاركة فيه، تمهيدًا لإلصاق الجريمة بالخدمة، وذلك في ليلة الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو/حزيرن 2018، فيما أصدرت مؤسسة تتحدث باسم حركة الخدمة تحذيرات للتعامل مع مخططات محتملة لِجر “الخدمة” إلى العنف.

كولن يُحبط مخططًا فوضويًا

وقال دونماز في مقال نشره عبر صفحته الإلكترونية الخاصة به إن هذا المخطط المشؤوم باء بالفشل في أعقاب اطلاع ملهم حركة الخدمة المفكر الإسلامي فتح الله كولن عليه وتحذير محبيه من الانجرار وراء أشخاص مرتبطين بجهاز المخابرات انضموا إلى صفوفهم بشكل أو بآخر.

ومن ثم أعطى دونماز تفاصيل صادمة تكشف أن السلطة الحاكمة لا تتجنب إحداث فوضى في السجون تؤدي إلى مقتل آلاف من المواطنين المعتقلين في سبيل تحقيق مكاسب حزبية وسياسية، إذ قال: “بحسب الخطة، فإن عدة أشخاص كانوا سيعلنون تمردًا في سجن سنجان بالعاصمة أنقرة. هؤلاء الأشخاص ليس لهم أي صلة بحركة الخدمة أصلاً، بل تم وضعهم في السجن وضمّهم إلى صفوف أفراد حركة الخدمة. ولعلهم كانوا سيقتلون بعضًا من حراس السجن، ومن ثم كانوا سيطلقون دعاية وحملة كبيرة في القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي زاعمين أن أعضاء منظمة فتح الله كولن -الخدمة- أعلنوا تمردًا عامًا في السجون، وأن سجن سنجان اندلع فيه حريق وأدى إلى مقتل عديد من الحراس والمعتقلين. ومن ثم كانوا سيلقون القبض على أشخاص من حركة الخدمة أمام السجن كان من المفترض أن لا يكونوا هناك أصلاً، على غرار ما حدث في قاعدة آكينجي العسكرية ليلة الانقلاب الفاشل في عام 2016، وذلك تمهيدًا للادعاء أن هؤلاء من نظّموا وحرّضوا المعتقلين. وكما سبق أن وقع في أحداث سابقة خططتها ونفذتها دائرة القوات الخاصة فإن مئات من الناس المندفعين المنفعلين كانوا سيهرولون إلى الشوارع ويقتحمون السجون عند سماع هذا الخبر”.

لا شك في أن هذا المخطط المحبط من قبل حركة الخدمة يعيد لأذهاننا التصريحات التي أدلى بها سدات بكر، زعيم المافيا المتحالف حاليا مع السلطة السياسية بقيادة أردوغان، في 16 يوليو/ تموز 2017، حيث قال: “يقولون بأن أعضاء منظمة فتح الله كولن سيداهمون سجن مالتبه في إسطنبول ليكون ذلك انطلاقة ثورتهم الكبيرة! نعم صحيح أن السجون سيتم مداهمتها يومًا –واللهِ- لكن ليست على الطريقة التي يتخيلها هؤلاء. فإننا بعد أن نقوم بشنق مَنْ عثرنا عليهم في الشوارع من غير المسجونين منهم على الأشجار والأعمدة سيأتي الدور على مداهمة السجون وشنق المسجونين منهم هناك أيضًا، سنشنقهم ونعلقهم على الأعمدة هناك”، على حد قوله.

حليف أردوغان وضع سينارو التمرد

ومن اللافت أن رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشالي الذي يجمعه مع زعيم المافيا آنف الذكر علاقات وطيدة وحليف أردوغان في الانتخابات الماضية، هو من زعم استعداد أفراد حركة الخدمة لبدء أعمال تمرد عام داخل السجون!

أردوغان يعد دائمًا خططًا جديدة مع وضع بدائلها لاستخدامها في الوقت المناسب بحسب التطورات ومجريات الأحداث من أجل توجيه الرأي العام أو الخروج من الأزمات والمئازق التي تواجهه. وما سردنا أعلاه يدل على أن إحداث تمرد عام في السجون خطة يقوم أردوغان وجماعته بتحديثها دائمًا ويحاول تطبيقها في الفرصة السانحة. وإن نجحت حركة الخدمة في منع تورط المتعاطفين معها في التمرد العام بدفع من رجال الحكومة فإن ذلك لا يعني أن أردوغان تخلى عن هذه الخطة الخبيثة، بل وضعها في الثلاجة لإخراجها عندما اقتضى الأمر.

خطة بديلة

ويبدو أن أردوغان تراجع عن تنفيذ خطة التمرد العام في السجون لما اطلع الأستاذ كولن عليها وحذر محبيه من ذلك، ولجأ إلى خطة بديلة شهدناها في مسلسل الأحداث غير العادية التي وقعت أثناء الانتخابات الرئاسية السابقة اعتبارًا من إعلان تبكيرها حتى الانتهاء من إجراءها، مما جعلها تصنف ضمن أكثر الانتخابات المثيرة للنقاش في تاريخ السياسة التركية، كما تناولنا ذلك بالعرض والتفصيل في مقال سابق لنا.

لقد ظهر في الآونة الأخيرة رجل غامض عبر موقع “يتيوب” يدعى “راغب تيتشان” يكشف عن سوآت وعورات نظام أردوغان، وعلى رأسها ما سمي “الانقلاب المدبر”. وقد خرج مؤخرًا بادعاء جديد وهو أن أردوغان بدأ البحث عن أي ذريعة كانت للتخلي عن إجراء الانتخابات البلدية في 31 مارس/ أذار 2019، نظرًا لأن المعطيات الراهنة تشير إلى تضاؤل كبير في التأييد الشعبي له في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة. وإن صحت ادعاءاته فإن أردوغان يخطط لاستخدام ورقة الإرهاب من أجل تأجيل الانتخابات إلى وقت غير معلوم، ويرجح أنه سيؤجج الأحداث الإرهابية في المناطق الشرقية من تركيا عن طريق استخدام رجاله في حزب العمال الكردستاني، وينوه بأن الشعب سيرى قبيل الانتخابات مواطنين مدنيين ذوي لحى وعمائم يحملون الأسلحة في أيديهم في الشوارع لإشاعة الخوف والرعب في قلوب الناس، ويزعم أيضًا -وهو جازم- أنه لن تجرى بعد اليوم في تركيا انتخابات، بل إن أردوغان سيقوم بتعيين وصاة من رجاله على معظم البلديات، كما سبق أن عين وصاة على نحو مائة بلدية كردية.

كولن يدعو إلى تقييم الرسائل بعقلانية

وسط هذه الأخبار والمزاعم نشر الموقع الإلكتروني التابع لـ”التحالف من أجل القيم المشتركة” (Alliance for Shared Values) الذي يصدر بيانات رسمية باسم حركة الخدمة والمفكر فتح الله كولن، كذّب فيه الادعاءات التي ساقها إعلام السلطة عن استعداد المتعاطفين معها لبدء أعمال تمرد عام داخل السجون من جانب، ومن جانب آخر حذرهم من الانجراف وراء أحداث شغب وفوضى قد تشهدها البلاد في أي وقت. وأكد الموقع أنه في ظل هذه السيناريوهات يتوجب التصرفُ وفقا لمبادئ الحركة ورسالتها الموضوعة على عاتق أفراد حركة الخدمة، ورفضُ الطلبات التي لا تتوافق مع قيم الحركة والقوانين الجارية أيا كان مصدرها.

وقد أبدى التحالف المذكور تحذيرات وملاحظات مهمة لرفع الشبهات عن أفراد حركة الخدمة على شكل نقاط، وهي:

  • أفراد حركة الخدمة ومتطوعوها يدرسون هذه الادعاءات بإمكاناتهم الخاصة انطلاقًا من المسؤولية الواقعة على عاتقهم كمنظمة مجتمع مدني ويتخذون الخطوات اللازمة لتعزيز الوعي الاجتماعي بهذا الشأن.
  • رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشالي هو أول من طرح هذا الأمر في مايو/ أيار هذا العام وتحدث عن “مخطط تمرد دموي”، زاعمًا أن أفراد حركة الخدمة المعتقلين داخل السجون ظلمًا وجورًا هم من يدبرونه. وبالطريقة نفسها أثار وزير الداخلية سليمان سويلو الموضوع بفروق طفيفة. هذه التصريحات تشير إلى أن بعض الجهات وضعت خلف الأبواب المغلقة سيناريو تمرد عام في السجون، وكلفت بعض الأشخاص الذين انضموا أو تسللوا إلى صفوف أبناء حركة الخدمة ويتظاهرون وكأنهم منهم، بتدبير تمرد عام وإلقاء المسؤولية على الخدمة.
  • من أجل تجنب سيناريوهات شبيهة في المستقبل يتوجب على أفراد الحركة تقييم الرسائل أو الأوامر التي تصل إليهم، ووزْن كل الأمور، بعقولهم وضمائرهم، ورفض كل ما لا يتوافق مع المبادئ التي تتعارض مع الحركة.
  • وبهذه المناسبة نود التذكير بأن احترام القوانين الدولية والمحلية، والالتزام بقوانين البلاد التي يتواجد فيها أبناء الخدمة، والمساهمة في السلام، وعدم التورط في العنف، يعتبر من القيم الأساسية لحركة الخدمة.
  • متطوعو حركة الخدمة عبروا دومًا عن ولائهم للسلام والقانون بشكل واضح جدا من خلال عدم الدخول في أي عمل عنف حتى اللحظة، رغم كل ما تعرضوا له من انتهاكات لا إنسانية وعزلة اجتماعية وحملات تمييز وظروف سجن سيئة وتعذيب.. الممارسات التي باتت تشكل موضوعًا لتقارير الأمم المتحدة وسائر المنظمات الحقوقية الدولية.
  • لا بد من رفض الرسائل والنداءات التي تنطوي على العنف واللاقانونية أيا كان مصدرها، وكذلك رفض طلبات وأوامر الأشخاص الذين يستغلون اسم حركة الخدمة وسمعتها مهما كانت علاقتهم بالحركة.
  • في حال تعرضهم لتوجيهات وأوامر منافية لمبادئ الحركة سوف يواصل متطوعو حركة الخدمة التصرف وفق مبادئهم وفِي إطار القانون.

المصدر: موقع جريدة زمان التركية، رابط المقال: https://goo.gl/ohYxhC