أنشأ محاكم خاصة لتكون أداة قنص لكل من يراه خطرا على سياسته.
الصحفيون المعتقلون فى تركيا يمثلون نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم. 
مجمع حقوقيى إنجلترا وويلز وأسكتلندا وشمال إيرلندا تعرب عن قلقها من الفصل التعسفى للقضاة ووكلاء النيابة. 
رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية يطالب أردوغان بإخلاء سبيل المحامين وتمكينهم من ممارسة عملهم.
عندما تتراجع الحريات، ويصبح السجن مصير كل معارض، أو صاحب رأى، فأنت إذن فى قبضة الخوف.. وعندما تنتهك الحقوق، ويتم تغييب القانون وتتحكم الاعتبارات الشخصية فى إصدار الأحكام، فأنت أمام نظام حكم غير مسئول لا محالة.. وعندما تتعرض النساء لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد، خصوصا نساء الأقليات الإثنية، فأنت فى دولة تحولت إلى سجن كبير للحريات.. هذه هى الحال التى وصلت إليها تركيا فى السنوات الأخيرة، وتلك هى الحقيقة الموثقة بالأرقام وتستند مصادرها، على تقارير منظمات دولية وتركية أيضا، فضحت كل ما يجرى هناك.
فى تقرير بعنوان “انهيار دولة القانون”، صدر فى مايو 2018، عن مركز “نسمات” للدراسات الاجتماعية والحضارية التركى، جاء فى مقدمته أن هناك فى تركيا، ما يشبه الإجماع لدى الحقوقيين والمحللين على تراجع الديمقراطية بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، فى ظل رئيس –على حد وصف التقرير- لا يتوانى عن تهديد منظومة القضاء الجنائى، إذا ترددت فى إصدار قرارات، وأحكام تقضى باعتقال معارضيه، حتى أصبح يوجد فى سجونه نحو 50 ألف معتقل، منهم قضاة، ونواب عموميون، ومدرسون، وأطباء، وعمال نقابات.. كل هؤلاء تم اعتقالهم خلال عام 2017، إضافة إلى ما يقرب من 150 ألف موظف، تم فصلهم من وظائفهم دون إجراء أى تحقيق إدارى أو سبب قضائى.
 وفى تقرير أعدته اللجنة البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE) بعنوان “ضمان تأمين اتصال المحتجزين بالمحامين” أعربت فيه عن قلقها إزاء الوضع الحالى فى تركيا، كما جاء فى التقرير على لسان الصحفية “مارياتا كارامانلي”من فرنسا: “بغض النظر عن الضغوط التى يتعرض لها المحتجزون، وسوء معاملتهم، فإن أكثر ما يقلق هو عدم قدرتهم على إيجاد محامى دفاع يمثلهم أمام المحكمة”.
كما سجلت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حالات التعذيب فى السجون التركية، وتقول المحامية: “كان العنف والتعذيب فى كل مكان، ولم يكن ضباط الشرطة سعيدين لرؤيتى على الإطلاق، وكانوا يقولون: “لِمَ يحتاج هؤلاء إلى محام؟”. كما صارت مداهمة مكاتب المحامين، والقبض عليهم أمرا سهلا، بعد أن كانت الحصانة القانونية تمنع ذلك.

القبض على المحامين

كما أرسل رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية “ميتشل بينتشو”، خطابًا للرئيس رجب طيب أردوغان، طالب فيه الحكومة التركية باتخاذ الخطوات اللازمة، لإخلاء سبيل المحامين المحتجزين، وتمكينهم من ممارسة عملهم، وتمثيلهم لموكليهم أمام القضاء.
وفى السياق ذاته وجهت النقابة الفيدرالية الألمانية للمحامين انتقادات لاذعة لاحتجاز العاملين فى مجال القانون، وأرسل رئيس النقابة “أكهارت سكافر”خطابًا لوزير العدل التركى “بكير بوزداغ” أعلن فيه عن قلقه الشديد تجاه إغلاق مؤسسات المجتمع المدنى واعتقال المحامين. وكذلك تم توجه “أندريه ماتشرين” رئيس النقابة الوطنية الإيطالية بخطاب رسمى إلى وزير العدل التركي، انتقد فيه الأعمال غير القانونية التى تمارسها الحكومة ضد المحامين.
كما أعرب كل من مجمع حقوقيى إنجلترا وويلز ونقابة المحامين، ومجمع حقوقيى إسكتلندا واللجنة العامة لنقابة المحامين، ومجمع حقوقيى شمال إيرلندا ونقابة محامى إيرلندا، عن قلقهم الشديد إزاء تردِى الأوضاع فى تركيا، لا سيما الفصل التعسفى لنحو من 4.4 ألف قاض ووكيل نيابة. كما أكد المحامون البريطانيون المبدأ الذى قررته الأمم المتحدة المتعلق بـ”استقلالية القضاء”، وعلى مبدأ الأمم المتحدة الذى ينص على “أهمية دور المحامين”، وطالبت بإعادة القضاة الذين تم فصلهم تعسفيا إلى عملهم، وكذلك وكلاء النيابة، وإخلاء سبيل المحامين المحتجزين.

 فصل واعتقال القضاة

وتعددت أشكال الضغوط على الجهاز القضائى بأكمله، حسب تقرير مركز «نسمات»، ما أفقده استقلاله ونزاهته، وحولته إلى جهاز خاضع للسلطة التنفيذية عبر وسائل وآليات متعددة وممنهجة، بدءًا من عام 2013، بعد الكشف عن فضائح الفساد المالى الضخم الذى طال عددا من الوزراء وأبنائهم فى النظام الحاكم، حتى بلغ ذروته عام 2016، التى مكنت النظام التركى الحاكم من تنفيذ كل أجندته، وقد تم له كل ما أراد من خلال، ممارسات الفصل التعسفى للقضاة ووكلاء النيابة واعتقالهم، فأكثر من 4.4 ألف قاض ووكيل نيابة تم فصلهم تعسفيًّا من وظائفهم، وما يقارب الثلثين منهم شطبت عضويته من النقابة فى 16 يوليو 2016 وهو اليوم التالى لأحداث يوليو 2016، كما جمدت الدولة حساباتهم البنكية قبل أن توجه إليهم أى اتهامات، كما قامت الحكومة التركية بفصل أزواجهم أو زوجاتهم من العاملين والعاملات فى القطاع الحكومي، واستولت على مدخراتهم وممتلكاتهم، ورفعت الحصانة عن القضاة.
لقد أدت هذه الممارسات القمعية إلى احتجاج دولى كبير، فخبيرة الأمم المتحدة “مونيكا بينتو”، ومفوض الأمم المتحدة لاستقلال القضاء “كريستوف هاينس” ومفوض الأمم المتحدة عن التعذيب، وسوء معاملة المسجونين “دافيد كاي” ومفوض الأمم المتحدة عن حرية التعبير “ستوندجى رونالد، و”جين بابتيست ادجوفي”، طالبوا جميعا تركيا باحترام حرية القضاء ومبادئ القانون لا سيما وقت الأزمات.
هناك شبه إجماع من المتابعين لما يحدث فى تركيا، حسب تقرير «نسمات»، بأن القضاة يقبعون تحت ضغط عام وضغط خاص من أردوغان، وأن القاضى الذى يعارض القرار الموجه إليه من أردوغان يصبح مستهدفًا، وعرضة للاعتقال والحبس، وأن من يخضع لما تمليه عليه الحكومة من أوامر – وإن كانت مخالفة للإجراءات القانونية المتبعة- يتم مكافأته وترقيته
كما تم اعتقال القاضى “سليمان كراجول”الذى شارك فى تحقيقات الفساد المالى الشهيرة فى 25-17 ديسمبر 2013، بذريعة عضويته فى جماعة إرهابية وسعيه إلى قلب نظام الحكم.
وقد وجهت مفوضية فينسيا انتقاداتها لتركيا لاعتقالها قضاة شاركوا فى واحدة من أهم قضايا الفساد المالي، وقالت المفوضية: “إن الحكومة لم تفشل فقط فى تطبيق القرارات القضائية النافذة، والصحيحة قانونًا التى صدرت من قضاة ووكلاء نيابة، بل تمادت فى فشلها كذلك عندما اعتقلتهم مما يعد إجراء غير طبيعى وغير مفهوم”.

المحاكم التركية

لم تسلم المحاكم التركية، وقوانينها التى تنظمها، من انتهاكات السلطة الحاكمة سواء قبل أحداث يوليو 2016، أم بعدها؛ فحسب تقرير مركز «نسمات»، فقد تم استحداث محاكم خاصة عينت السلطة الحاكمة أعضاءها من موالين لها، كما وظفت حالة الطوارئ التى فرضت على البلاد فى إصدار حزمة من القرارات والمراسيم التى حدت من صلاحيات السلطة القضائية، وزادت من خضوعها للسلطة التنفيذية.
وبالفعل تم تأسيس هذه المحاكم، وبدأت عملها فى 28 يونيو 2014. ثم صرح أردوغان بعدها قائلا: “والآن تبدأ الإجراءات القضائية، هذه الإجراءات ستقوم بها محكمة الصلح الجزائية”، وبالفعل أصبحت تلك المحكمة أداة لقنص كل من يراه أردوغان خطرًا على سياسته، أو من تسول له نفسه بانتقاده. وتخضع قرارات هذه المحكمة لهيمنة السلطة التنفيذية مباشرة.
وجاء فى تقرير أعدته مفوضية فينسيا، أن الحكومة التركية قامت بتوسيع سلطاتها التنفيذية وبسط سلطتها على المنظومة القضائية، بما يتعارض مع الدستور التركى والقانون الدولي، وأشارت إلى أنه حتى فى أثناء حالة الطوارئ هناك حقوق لا يمكن انتهاكها.

أكبر سجن للصحفيين

ولم تكن حرية التعبير فى تركيا أفضل حالا مما تعرض له المحامون والقضاة، منذ محاولة أحداث يوليو 2016، فطبقا لتقرير مركز “نسمات”، الذى يحمل عنوان “تركيا أكبر سجن للصحفيين”، يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة، إحالات إلى التحقيق الجنائي، وملاحقات قضائية، وألوانًا شتى من الترهيب والمضايقة والرقابة المستمرة، وتم إغلاق 189 وسيلة إعلامية على الأقل، بموجب مرسوم تنفيذى أصدرته فى إطار حالة الطوارئ المفروضة على البلاد. فالرسالة التى أرادت السلطات إيصالها، وما ترتب عليها من تأثير على وسائل الإعلام واضحة ومقلقة؛ إذ إن شدة القمع الذى تمارسه الحكومة فى حق وسائل الإعلام، جعلت البعض يصفون ما يحدث بأنه “موت الصحافة”.
وبهذا أصبحت تركيا من أسوأ دول العالم من حيث التعامل مع الصحفيين، حيث صنفها الاتحاد الدولى للصحفيين (IFJ) بأنها أكبر سجن للصحفيين فى العالم للعام الثانى على التوالي، إذ يمثل الصحفيون المعتقلون فى تركيا، نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم. كما جاءت طبقًا لمؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود إبريل 2018 فى الترتيب 157 من بين 180 دولة.
كما يسلط تقرير “نسمات” الضوء على الانتهاكات التى يتعرض لها الصحفيون الأتراك من اعتقالات ومحاكمات وتهديد ونفى وتشريد إجبارى من البلاد ومصادرة ممتلكات وأوضاع معيشية صعبة، وما يواجهونه من مضايقات عديدة، بدرجة جعلت من تركيا دولة لا تحترم حرية مواطنيها، وخصوصا حرية الإعلام.
منذ صبيحة 15 يوليو 2016 حتى الآن، وحسب تقرير «نسمات»، يقبع فى السجون 319 صحفيًّا معتقلاً، كما صدرت مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين فى خارج البلاد، وخلال العام 2017 المنصرم تمت محاكمة 839 صحفيا، على خلفية تقارير صحفية أصدروها، أو شاركوا فى إعدادها، طبقا لما أوردته مؤسسة الصحفيين الأتراك.
ويأتى الصحفيون المحتجزون فى السجون من خلفيات ثقافية مختلفة، ولكن الصفة المشتركة بينهم جميعًا أنهم معارضون للحكومة، وقد تم اتهامهم بانتمائهم لمنظمة إرهابية أو أكثر.
أما عن وسائل الإعلام التى أغلقت، فمجموعها حتى الآن 189 وسيلة إعلامية مختلفة، فضلاً عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والعلوية المستقلة، هذا بخلاف حجب 127 ألف موقع إلكتروني، 94 ألف مدونة على شبكة الإنترنت.

الخوف سيد المشهد

إن 85 % من الصحفيين والإعلاميين القابعين الآن فى السجون التركية، قد تم اعتقالهم فى يوليو 2016، بتهم لا أساس لها. وفى تعبيره عن مناخ الرعب والخوف الذى يسيطر على البلاد قال تشاغداش كابلان، رئيس تحرير البوابة الإخبارية الإلكترونية “جازيته كارينجه: “العمل تحت التهديد المستمر بالاعتقال والإدانة يجعل الحياة فى منتهى الصعوبة”.
وتقول جاورى فان غوليك، نائب مدير برنامج أوروبا فى منظمة العفو الدولية: “مع اقتراب موعد الانتخابات، تحتاج تركيا إلى وسائل الإعلام الحرة اليوم أكثر من أى وقت مضى. وصرحت محامية حقوق الإنسان، إرين كسكين، لمنظمة العفو الدولية قائلة: “لقد خيم جو من الخوف على المشهد الإعلامي، وأحاول التعبير عن آرائى بحرية، لكننى أدرك تمامًا أن على التفكير مرتين قبل التحدث أو الكتابة”. وبرغم ذلك تواجه كسكين حاليا ما يزيد على 140 دعوى قضائية بسبب مقالات نشرتها.

معاناة داخل السجون

ويعانى المعتقلون بصورة عامة، أوضاعًا مزرية داخل السجون التركية، حيث تفرض السلطات قيودًا صارمة على اتصال السجناء مع محاميهم؛ وفى أحسن الأحوال، يُسمح للسجناء بلقاء محاميهم تحت المراقبة، هذا بالإضافة إلى الشكاوى من طول فترة الحبس الاحتياطي، والحبس الانفرادي، والتعذيب النفسى والجسدي، وعدم المراعاة الطبية لذوى الاحتياج من المرضى، وتكديس المحتجزين فى عنابر لا تسعهم.
ويتعرض المعتقلون من الصحفيين فى هذه السجون، إلى أنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدنى والنفسى، وقد تم الكشف عن بعض حالاته، وهناك حالات كثيرة لم يكشف عنها بعد، ومن هذه الحالات التى تم الكشف عنها “عائشة نور باريلداك”، وهى صحفية شابة، ونسب إليها تهمة العمل فى جريدة “زمان” – الأكثر توزيعًا فى تركيا قبل أن يتم إغلاقها من قبل الحكومة فى يوليو 2016 -، حيث أرسلت رسالة من السجن لجريدة “الجمهورية” تشتكى فيها من معاناتها داخل السجن؛ فقد تعرضت للضرب والتعذيب، بالإضافة لتعرضها للتحرش الجنسي، حيث قالت: “لقد تم التحقيق معى لمدة ثمانية أيام، وكان التحقيق مستمرا على مدار الساعة، المحققون كانوا سكارى، أخاف أن يتم نسيانى داخل الحبس”.
كما تعرض “عدنان كوماك” المحقق الصحفى بوكالة “أزاديا والت الإخبارية” الذى اعتقل فى 27 سبتمبر 2016، للتعذيب من قبل الشرطة فى مكان مهجور لمدة يومين، وصرح بأن ضباط الشرطة الذين اعتقلوه أشعلوا النار فى بطاقته الصحفية، وصبوا البلاستيك المذاب منها على رجليه.

صحفيون فى المنفى

وخلال عام 2017 وصل عدد الصحفيين الذين يواجهون خطر القبض عليهم واحتجازهم، حسب تقرير مركز «نسمات»، إلى 142 صحفيًّا وإعلاميا، وبعضهم كان خارج البلاد بصورة طبيعية قبل 15 يوليو 2016، بينما اختبأ آخرون عند ذويهم، وقام البعض الآخر بالهرب من تركيا بطرق غير شرعية، معرضين حياتهم للخطر فى سبيل حريتهم. كما يوجد عدد غير قليل من هؤلاء الصحفيين ما زالوا مفقودين.
أما الذين استطاعوا الهروب خارج تركيا من الصحفيين فيؤكدون أن الدولة التركية تجمع عنهم معلومات، وتجهز بحقهم ملفات، وتحرض عليهم مجموعات من الموالين لها فى الخارج. وفى مشهد آخر من المعاناة يتم حرمان هؤلاء من حقوقهم كمواطنين أتراك، حيث تقوم القنصليات والسفارات التركية العاملة فى تلك البلاد التى فروا إليها بإلغاء جوازاتهم أو مصادرتها، كما تحرمهم من حق تجديد جوازات سفرهم المنتهية، ولا تسجل مواليدهم الجديدة، ولا تجرى معهم أية معاملة.

مأساة المرأة فى تركيا

يتعرض عدد من النساء التركيات لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد داخل تركيا وخارجها، خصوصا نساء الأقليات الإثنية، والنساء الناشطات فى مجال المجتمع المدنى وحقوق الإنسان، حيث تتخذ منهن السلطات التركية، غرضا لكل الإجراءات التعسفية التى تمارسها فيما بعد مسرحية أحداث يوليو 2016. وذلك طبقا لتقرير صدر فى فبراير 2019، عن مركز «نسمات» بعنوان «مأساة المرأة فى تركيا.. بين السجن والتشريد».
يقول التقرير إن حكومة العدالة والتنمية التركية قامت فى أعقاب أحداث يوليو 2016، باعتقال عشرات الآلاف من النساء، بلغ 18 ألف امرأة، شملت كل فئات المجتمع من ربات بيوت إلى صحفيات ومعلمات وأكاديميات وطبيبات ومهنيات وسيدات أعمال، بلا أى سندٍ قانونى. وتشير أدلة موثوقة إلى أن العديد من النساء المحتجزات فى أعقاب أحداث يوليو 2016، يتعرضن بصورة روتينية للتعذيب وسوء المعاملة، ويصل الأمر إلى حد الاعتداء الجنسي، وأكثر ما يدعو إلى القلق –وفقا لنسمات- هو تعرض 1.200 مواطن من سكان شرق تركيا من النساء والشيوخ والأطفال للقتل فى عمليات قامت بها قوات الأمن، فى الفترة ما بين يوليو 2015 إلى ديسمبر 2016.
وتعد النساء الكرديات والنساء المدافعات عن حقوق الإنسان منهن، أكثر النساء تعرضا للقمع الحكومي، من خلال سلسة من قرارات الطوارئ التى أصدرتها الحكومة عقب أحداث يوليو 2016، و تمَّ وبصورة غير قانونية إغلاق 1.125 منظمة غير حكومية، و560 مؤسسة خيرية، و19 اتحادًا تجاريًّا نسائيًّا لسيدات الأعمال. كما أنه خلال شهر فبراير 2018، قتلت 48 امرأة على يد رجال. وحسب تقرير آخر، فى خلال الثمانى سنوات الماضية قتل قرابة 2000 امرأة تركية. هذه الأرقام بحسب “نسمات” تمثل فقط الحالات التى تم رصدها والتبليغ عنها، ولكن المتوقع أن يكون العدد الفعلى أكثر من ذلك، وأظهرت الأرقام أن نسبة ضحايا القتل من النساء خلال عام 2017 قد زادت 25 % على عام 2016، حيث وصل عدد الضحايا من النساء المقتولات إلى 409 امرأة. كما صدر تقرير فى ديسمبر 2017 عن حركة النسوة الأحرار (TJA) تحت عنوان “انتهاكات حقوق المرأة داخل السجون فى ظل حالة الطوارئ”، وقد ذكر التقرير أن السجون التركية المخصصة للنساء قد اكتظت بالسجينات، وفقدت قدرتها على الاستيعاب، وقامت الحكومة التركية فى سابقة خطيرة بسجن النساء فى السجون المخصصة للرجال، لا سيما بعد أن وصل عدد السجينات إلى 18ألف امرأة.
وطبقًا لدراسة إحصائية أجرتها جامعة (Kadir Has) بإسطنبول تبين أن عدد النساء اللاتى يتعرضن للعنف بصورة مستمرة ارتفع من 53 % عام 2016 ليصل إلى 57 % عام 2017. وتواجه الباحثون عديد من العقبات فى رصد ما تعانيه المرأة التركية من أوضاع غير إنسانية، ويأتى على رأس هذه العقبات، إصرار الرئيس التركى أردوغان الدائم فى خطاباته الموجهة للإعلام، على وجوب عدم ذكر أو إصدار أخبار متعلقة بما يتعرض له النساء والأطفال من عنف وتحرش.

تشريد العائلات بالقانون

كما يسلط تقرير مركز “نسمات” الضوء على بعض الحالات التى وثقتها الصحافة والتقارير الإعلامية، ومنها حالة “س” الذى كان مدرسا للتاريخ فى أحد المدارس، بعدما تم فصله من وظيفته الحكومية، حيث تحكى زوجته أنه عقب حدوث مسرحية 2016 اقتحمت الشرطة البيت، وقيّدوا يديه وطرحوه أرضًا، وانهالوا عليه بالضرب فى محاولة لإجباره على الاعتراف على زملاء له بأنهم إرهابيون، ثم اقتادوه بعد ذلك إلى مكان غير معلوم، وقد جعل هذا المشهد الزوجة تتساءل فى حيرة وأسى عن سر هذه المعاملة السيئة من نظام كانوا يدلون بأصواتهم لصالحه فى الانتخابات، ثم صار يعاملهم على أنهم إرهابيون بدون أى أدلة، وبعد خمسة أيام من البحث والتحرى عن مكان زوجها توفى الزوج فى محبسه.

ذوو الاحتياجات ليسوا استثناء

امرأة أخرى تم توثيق معاناتها وهى “فاطمة كويون” تبلغ نسبة إعاقتها الجسدية 80%، ويعانى زوجها أيضًا من إعاقة بنسبة 45%، وبرغم ذلك فقد كان هذا الزوج المعاق هو السند والمتكأ الذى تعتمد عليه فاطمة فى أغلب شئون حياتها. زوج فاطمة اعتقلته السلطة التركية، ورغم الحالة الصحية التى يعانيها هو وزوجته لم ترحمه السلطات، وزجت به وبأخيه الأصغر فى المعتقلات. وتعيش فاطمة الآن بعد اعتقال زوجها فى ظروف معيشية غاية فى الصعوبة، فهى تسكن وأطفالها فى بيت مستأجر مع أبيها الذى يبلغ من العمر 65 عامًا، يعتمد عليهم فى شئون حياته، وليس لهم من عائل سوى ما يعطيه لهم أحد أشقاء زوجها الذى يعمل عامل إنشاءات باليومية بعد أن فقد هو الآخر وظيفته بالتُّهَم عينها.
كما تم القبض فى نهاية مارس من العام 2018 على 70 امرأة لأنهن يُقدمن مساعدات مالية لعائلات المقبوض عليهم، وتم توصيف التهمة بأنها تقديم مساعدات مالية لأفراد ينتمون لمنظمة إرهابية. وطبقًا للتقرير الذى أعدته “جمعية العدالة من أجل الضحايا” تحت عنوان “الخسائر الفردية والاجتماعية التى تسببت فيها حالة الطوارئ فى عامها الثاني” أظهرت نتائج استطلاع تم إجراؤه على عينة من المشاركين أنه وفى خلال حالة الطوارئ كان يشعر 81 % من المشاركين فى هذه العينة بالخوف والرعب، وهم فى منازلهم إذا طرق الباب أى طارق، كذلك بين التقرير أن 98 % فقدوا الثقة مطلقا فى القضاء.
وأمام الضغط النفسى والاجتماعى يحاول كثير من الرجال والنساء المضطهدين فى تركيا الهرب من حالة الرعب الدائم التى يعيشونها داخل تركيا، وذلك عن طريق الهجرة غير الشرعية.
وبشكل عام فإن النساء هن أكثر من يعانين فى كل الأحوال، فهن يعانين سواء تم اعتقال أزواجهن أم هربن مع عائلاتهن أم تعرضن للتهديد والإبعاد والاضطهاد، أو هربن ووجدن أنفسهن فى بلد مختلف يتحدث لغة لا يفهمونها فيصبحن غريبات داخل أوطانهن وخارجها. وهناك قرابة 710 أطفال، 64 % منهم لم تتجاوز أعمارهم 3 سنوات فى السجون مع أمهاتهم، الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عامًا أعدادهم تصل للآلاف داخل السجون التركية.

أدنى مرتبة

وبشكل عام فإن تركيا التى كانت تنتظر لأكثر من عقد من الزمن أن تنتمى إلى الأسرة الأوروبية، ويمارس فيها المواطنون حقوقهم الديمقراطية والسياسية والإعلامية بكل حرية، باتت اليوم أكبر سجن للحريات وبات علماؤها ومثقفوها ونخبها وإعلاميوها، يظهرون فى وسائل الإعلام مقيدى اليدين كالقتلة والمجرمين يستوى فى ذلك الرجال والنساء.
وهذا التردى فى الحقوق والحريات وضع تركيا فى أدنى مرتبة بالنسبة لحقوق المرأة؛ فوفقًا لاحصائيات تقرير معهد (GIWPS)، فإن تركيا قد احتلت المرتبة 105 فى مجال حقوق المرأة، حيث لا تنال المرأة حقوقها وتتعرض للتمييز كثيرًا”.
كما أشار التقرير أيضًا إلى مقولة لرئيس الدولة التركية، رجب أردوغان، التى قال فيها: “لايمكنكم المساواة بين الرجل والمرأة، هذا مخالف للفطرة البشرية”. وهذا يدل على عقلية السياسة الحاكمة لتركيا تجاه المرأة”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب: محمد عيسى
المصدر: مجلة الأهرام العربي