لفتَ فتح الله كولن الانتباهَ إلى ما يمكن أن يعترض طريقَ مثلِ هذه الحركة والعمل مِنْ عقباتٍ وما يواجهها من مخاطر، وأكثرُ ما ركَّزَ عليه من بينَ هذه العقباتِ والمخاطر ما يتخلّل الطريقَ مِنْ حُفرٍ وهاوياتٍ تستطيعُ ابتلاعَ الأفراد والمجتمعات واحدًا تلو الآخر، وقد ذكر منها.
أ. الولع بالشهرة والمنصبِ
يرى كُولَنْ أنَّ الإنسان لديه طباعٌ جميلة تمثِّلُ جوهرَ وبذورَ أشياء جدُّ طيبة كالفداء والصدق والإيثار والاستغناء مثلًا، كما توجد لديه -إلى جانب ذلك-أسسُ أشياء سيئةٍ فُطِرتْ لديه لمجموعةٍ من الفوائد والحِكَم النسبية كالخصال السيئة التي تَشُلُّ الروح وتُميتُ القلب كحُبِّ المنصب والتفكير فيه، وحبّ الشهرة مثلًا.
والصدقُ والإخلاصُ؛ أي القيام بالأعمال ابتغاء مرضاة الله فقط دون انتظار أي مقابل هو روحُ العملِ وشرطُ قبوله؛ فالعاجزون عن تخليص أنفسهم من الخصال السيئة -الطبيعي وجودها عند الكلّ تقريبًا مع اختلاف نسبها-إن عجزوا عن السيطرة عليها بشكل مشروع فربّما يلحقون أضرارًا كثيرة بأنفسهم وبالمجتمع الذي يعيشون فيه أيضًا.
ويوضح كُولَنْ رأيه الموضوعي هذا بمثالٍ يقول فيه: لو أنَّ أحدهم أراد استخدام عذوبة صوته وقدرته الموسيقية لتحقيق الشهرة والمال فَوُجِّه لأنواع أخرى غير ضارة كالابتهالات والقصائد بدلًا من “أن ينثُرَ الضبابَ والدخانَ حولَه” مصحوبًا بمعزوفات مستجهنة لكان ذلك هو الأنسب والأفضل.
إنَّ ارتفاع أي شخص إلى مرتبة الإنسانية لا يكون إلَّا بتواضعه، ولا يظهر هذا التواضع ولا يتوضح إلَّا عندما يعجزُ المنصبُ والجاهُ والشهرةُ والعلمُ -الأمور التي يُقدِّرُها العوامُ-عن تغييره.
ثم يصوغ كُولَنْ الحقيقةَ الأساسيةَ وما يجبُ أنْ يكون في صورة رجاءٍ ورغبةٍ قائلًا:
“يا ليت القلوب قنعت بما وهبها وسيهبها اللهُ تعالى وبحثَتْ دائمًا عما يرضيه”.
ب. دُوّامة الأنانية
أوّلًا: إنَّ فتحَ الله كُولَنْ يلفتُ الانتباهَ بالعبارات الآتية إلى الوظيفة والماهية الأصلية لأنانية الإنسان -أيْ فكرة ووعي الأنا وأنانية الإنسان-قائلًا:
“إنَّ أمانةَ الأنانية المنعمة على الإنسان هدية مقدسةٌ أُعطيت له كي يبحث عن الحقيقة الكبرى ويجدها… فبها يدركُ الفردُ خالقَه، وقدرتَه وعلمَه وإرادتَه اللامحدودة، وأنَّه تعالى مبرّأٌ من كلّ نقصٍ، ثم يُذيبُها -أي أنانيته-في لهبِ معرفةِ وحبِّ الله المُتَّقد في صدره، فلا ينظر ويرى إلَّا بالله… به يفكّر وبه يعرف وبه يصل إلى المعرفة… وبه يتنفّس أنفاس الحق.”
إلا أنَّ هذه الأمانة إنْ جُعِلت مصدرًا للعجب والغرور وحبّ النفس فإنّها تكبُر وتنتفخ إلى أن تُصبح عفريتًا يبتلع صاحبه.
ويرى كُولَنْ أنَّ استخدام الأنانية استخدامًا سيئًا والعجبَ بالنفس يحولان دون رؤية الحقِّ وإدراكِه، ويتسببان في عدمِ التقدُّمِ ولو خطوة واحدة في طريق الخلود، بل إنه البقاء في المكان نفسه مع عَصْبِ العينين.
ومَنْ يفكرون دائمًا وأبدًا لصالح الأنانية لا يبرَحُونها ولا تَبرحُهُم، ومن يبحثون عما ينشدونه في مناخ “الأنا” المظلم لن يتقدّموا خطوة -ولو بقدر مَخِيطٍ-وإنْ قطعوا ما لا يُحصى من الفيافي والسهول، ومهما كانت الأعمالُ المنفّذةُ ثقيلة ومتعبة فإنها لا تُعدُّ فضيلةً ولا تحظى بالقبول الإلهي طالما كانت لصالح الأنانية.
قد تنشأ الأنانية من العلم أو الثروة والسلطة، أو تنبع من الذكاء، أو تتضخّم بالجمال، ولما كان الإنسان ليس موجد هذه الصفات، فإنَّ أيَّ ادّعاءٍ أنانيّ يُعَدُّ وسيلة لغَصبِ حقّ المالك الحقيقي وجلبِ سخطه.
ويقول كُولَنْ:
“قد تنشأ الأنانية من العلم أو الثروة والسلطة، أو تنبع من الذكاء، أو تتضخّم بالجمال، وغيره، ولما كان الإنسان لا دخلَ له في إيجاد هذه الصفات، فإنَّ أيَّ ادّعاءٍ أنانيّ يُعَدُّ وسيلة لغَصبِ حقّ المالك الحقيقي وجلبِ سخطه، وتؤدي في النهاية إلى هلاك أرواح هؤلاء المغرورين”.
ثم يحذر ويرسم لوحة الإنسانية الحقيقية هكذا:
الرغبة في عرض النفس للآخرين والتحدّثِ عنها على الدوام ناتجةٌ عن عقدة الشعور بالنقص، ويستمر هذا الوضع عند هؤلاء حتى تلقّيهم دروسًا جيّدة في تربية النفس والروح يصلون بها إلى فداء وجودهم لصاحب المُلكِ الحقّ، فكلُّ أمر من أمورهم تفوح منه رائحة الأنانية وحبّ المظاهر، وكلُّ مظهر من مظاهر تواضعهم إما خداعٌ ورياء، وإما محاولة لدفع الآخرين للحديث عنه…
إنَّ ارتفاع أي شخص إلى مرتبة الإنسانية لا يكون إلَّا بتواضعه، ولا يظهر هذا التواضع ولا يتوضح إلَّا عندما يعجزُ المنصبُ والجاهُ والشهرةُ والعلمُ -الأمور التي يُقدِّرُها العوامُ-عن تغييره، فإن استطاع واحدٌ من هذه الأمور تغييرَ سلوكه أو تفكيره تعذّر الحديث عن أيِّ تواضع، وعن أيِّ ارتفاعٍ إلى المستوى اللائق بالإنسان.
يكاد يكون التواضع مفتاحًا لجميع السجايا الحميدة، ومَنْ يملِكُه يستطيع امتلاكَ السجايا الحميدة الأخرى، ومن يُحْرَمْهُ يُحرَم -على الأكثر-من السجايا الحميدة الأخرى.