إذ يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إنهم خانوني” يبوح في الوقت ذاته بـ”سبب” الحرب التي يقودها ضد حركة الخدمة بكل إمكانيات الدولة وقوتها الغاشمة، وهذا يعني أن أردوغان يسوّي بينه وبين السلطة الحاكمة بل تركيا برمتها.
في تركيا “الجديدة” التي بناها حزب العدالة والتنمية يمكن للشرطة أن تطارد شابًّا سرق البقلاوة من محل للحلويات وتُعَاقِبَه؛ لكن إذا ما نُفِّذَ القانون ضد الوزراء وأبنائهم يكون ذلك خيانة! أليس القانون ضروريّ للجميع؟! أليس الناس كافة أمامه متساوين؟! لو كان قد ظهر عشر معشار ما ظهرَ من المشهد الذي أظهرته فضائح الفساد والرشوة في ما بين 17 إلى 25 من ديسمبر عام (2013) في بلدٍ يسوده القانون لاسْتقال المسؤولون وسلموا أنفسهم للقانون، أما هذا الأمر في تركيا أردوغان فيعد خيانةً موجهةً ضدّ الحكومة!
إن أردوغان شخص فانٍ زائلٌ، بينما الخدمة تيار اجتماعيّ دينيّ فكريّ علميّ معنويّ.. وهذا النوع من التيارات لم يُمكنِ القضاءُ عليه حتى اليوم ولا يمكن بعد اليوم أيضًا.
يصف أردوغان الاستيلاء على المؤسسات التابعة للخدمة بـ”إعادة ما أُخذ من الشعب إليه مجدّدًا” ..بينما الحقيقة أن هذه المؤسسات لم تُنْشأ بالأموال المنتزعة من الشعب، بل بالأموال التي قدمها الشعب طواعية، في حين أن ذلك الشعب لا ينعت الاستيلاء على تلك المؤسسات عبر تعيين أوصياء عليها برواتب مأخوذةٍ من أمواله تبلغ قيمتها 105 آلاف ليرة (نحو 35 ألف دولار) بـ”الإعادة” وإنما ينعتها بـ”الاغتصاب”، فبأي قانون من السماء أو الأرض يبادر أردوغان إلى مصادرة ثروةِ رجلِ أعمالٍ كسبها بالحلال وعرق الجبين والكدّ والعمل والإتقان والاحتراف، دون اللجوء إلى أيّة طرق شائبة قانونًا وشرعًا، باعتراف التقارير المحلية والدولية، ومن ثمّ يمنحها إلى أشخاص غير معنيين؟
والحال أن أردوغان إذ يُفسّر حربه على الخدمة بـ”التعرض للخيانة” يكشف عن الحقيقة بكاملها في الوقت ذاته، لأن أردوغان كما أثبتت التقارير الرسمية التي نشرتها صحيفة “طرف” من قبلُ، واعترف بها نفسه وأعضاء حكومته، وقّع على قرار “القضاء على الخدمة” عام (2004م) في اجتماع لمجلس الأمن القوميّ، وأعلن أنه كان يُخطّط لإغلاق مراكز دروس التقوية منذ وصوله إلى سدة الحكم عام (2002م).
وقّع أردوغان على قرار “القضاء على الخدمة” عام (2004م) في اجتماع لمجلس الأمن القوميّ، وأعلن أنه كان يُخطّط لإغلاق مراكز دروس التقوية منذ وصوله إلى سدة الحكم عام (2002م).
كان الكاتب الصحفي “فهمي كُورُو” يُفسّر كثرة الحديث عن الخدمة وتضخيم قوتها عمدًا وبشكل مبالغ فيه بـ”وضع البعض مخططات من أجل إجراء تصفية حسابات ومواجهة خطيرة عبر حركة الخدمة”، في مقال كتبه في 4 مايو/أيار عام (2009م)..
إذًا ألا يكون تحالف أردوغان اليوم مع البؤر التي كانت تضع مخططات مماثلة للإطاحة بحكومته أيضًا وإعلانُه الحرب على حركة الخدمة، مع أنها من أعدّت الأرضية التي وضع أردوغان قدميه عليها وقفز منها إلى درجات العلا في البلاد، بمثابة خيانة للدعم الصادق الذي قدمته له الخدمة؟
1- إن أردوغان يُدير هذه الحرب وكأنه قد نسي الله؛ مدبر كل شيء لكن العاقبة للمتقين دائمًا.
2- إن أردوغان شخص فانٍ زائلٌ، بينما الخدمة تيار اجتماعيّ دينيّ فكريّ علميّ معنويّ.. وهذا النوع من التيارات لم يُمكنِ القضاءُ عليه حتى اليوم ولا يمكن بعد اليوم أيضًا.
3- كانت سلطات الحزب الحاكم في الربع الأول من عمر الجمهورية التركية، وكذلك الانقلابات العسكرية بعدها، قد خاضت غمار الكفاح مع حركات رسائل النور وتيارات فكرية أخرى مشابهة لها، فما هي النتيجة؟!
4- يتحدث أحد المواطنين قائلاً: “والدتي كانت تكيل كل المدح والثناء لأردوغان وتنزهه عن كل خطأ، ثم عندما ذهبت لسحب معاش الشيخوخة لها من البنك قدمته لها ناقصًا 100 ليرة (ثلاثون دولارًا تقريبًا)، وعندما استفسرتْ عن سبب هذا النقص قلتُ -مزاحًا-: “إن أردوغان اقتطع هذا الشهر 100 ليرة من رواتب كل المتقاعدين من أجل الانتخابات”، عندها راحت والدتي تستخدم كل ما تعرفه من ألفاظ الدعاء على أردوغان!”
بأي قانون يُصادر أردوغان ثروة رجلِ أعمالٍ كسبها بالحلال وعرق الجبين والعمل والإتقان، دون اللجوء إلى أيّة طرق شائبة قانونًا وشرعًا، باعتراف التقارير المحلية والدولية، ويمنحها إلى أشخاص غير معنيين؟
نخلص من ذلك إلى أن أردوغان يستند إلى أرضية واهية يمكن للموجودين فيها أن يبيعوا دينهم وآخرتهم وبلدهم في سبيل الحصول على 100 ليرة؛ بينما تقوم الخدمة على مبدأ العطاء والسخاء والإنفاق وتجنّب انتظار أي شيء، وعلى أبطالٍ مستعدين لـ”منح كل ثروتهم من أجل بسمة واحدة للأستاذ كولن”، من أمثال رجل الأعمال “أكين إيباك” المصادرة جميع شركاته من قبل أردوغان.
5- “وليام روسل” و”إدوارد جيبون” ونظراؤهما من العلماء والمفكرين الغربيين الآخرين يُرجعون سبب تغلّب النصارى على روما الوثنية إلى فضائل الأخلاق والتضحية والصبر والعفة التي كانوا يتحلّون بها؛ كما يعزون سبب هزيمتهم فيما بعد أمام المسلمين إلى فقدانهم هذه الفضائل وتحلّي المسلمين بها.. وأبناء حركة الخدمة مجهزون بهذه الفضائل ولله الحمد.
يصف أردوغان الاستيلاء على المؤسسات التابعة للخدمة بـ”إعادة ما أُخذ من الشعب إليه مجدّدًا” ..بينما الحقيقة أن هذه المؤسسات لم تُنْشأ بالأموال المنتزعة من الشعب، بل بالأموال التي قدمها الشعب طواعية.
لندَعْ أردوغان يواصل حربه على حركة الخدمة مع حلفائه الجدد.. فهو سيمد يده إلى الخدمة للاستعانة والاستنجاد، بالضبط في النقطة التي سيزعم فيها أنه “قضى عليه”، عندما سيغرق في مستنقع المخططات المشؤومة لحلفائه في هذه الحرب، لكن اليد الحكيمة والعادلة للقدر سترفض هذه اليد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كتاب الانقلاب في تركيا! من قام به؟! ولصالح من؟! وضد من؟! دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2016، صـ199/ 200/ 201/ 202.