بعد نحو ثلاث سنوات من مسرحية كبرى أخرجها الرئيس التركي رجب أردوغان، ونظامه الاستبدادي، لتصفية دولاب الدولة التركية من معارضيه، وتأميم السلطة لأجل غير معلوم، مازالت الأدلة تتقاطر تباعًا كاشفة عن ثغرات في سيناريو خديعة انقلاب يوليو 2016.
آخر فصول خدعة أردوغان الكبرى كشفها موقع نورديك مونيتور السويدي، مزيحًا الستار عن مزيد من الأكاذيب التي ساقها رجال أردوغان للقضاء على أنصار حركة الخدمة التابعة للداعية الإسلامي المقيم بمنفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا الأمريكية الأستاذ فتح الله كولن، الذي تتهمه السلطات التركية بتدبير مسرحية الانقلاب.
الموقع السويدي قال: مدعٍ عام تركي زعم زورًا أن السفير الأمريكي السابق لدى تركيا “مورتون آي أبرامويتز”، شغل سابقًا منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، وأنه التقى شخصيًا كولن في تلميح إلى اشتراكهما معًا للعمل ضد مصالح أنقرة.
مزاعم ملفقة
بحسب “نورديك مونيتور” فإن لائحة الاتهام مؤلفة من 137 صفحة، وتبدو أشبه ببيان سياسي أكثر من كونها نصًا قانونيًا، وتكرر حرفيًّا نظريات مؤامرة واتهامات باطلة كثيرًا ما رددها المسؤولون في حكومة العدالة والتنمية.
وفي محاولة لإقامة حجة ضد أعضاء حركة الخدمة، ادعى المدعي العام التركي بمدينة شانلي أورفا جنوبي شرق تركيا روشن غونيش، أن فتح الله كولن، المقيم في الولايات المتحدة، التقى أبرامويتز في الفترة بين 1983 و1990 وأقاما علاقة صداقة.
الموقع السويدي دحض مزاعم المدعي العام التركي مؤكدًا أن الدبلوماسي الأمريكي الذي عمل في وزارة الخارجية من عام 1959 حتى تقاعده في عام 1991 أبرامويتز، لم يُعين أبدًا مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
كما أكَّد الموقع أن أبرامويتز شغل منصب السفير الأمريكي لدى تركيا لمدة عامين بين 1989 و1991، وكان قبل ذلك سفيرًا لدى تايلاند، كما شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الاستخبارات والتحريات بين عامي 1985 و1989، وهو عضو في فرقة العمل التابعة لمركز سياسات الحزبين (Bipartisan Policy Center) المعنية بتقويم الاضطرابات في الشرق الأوسط.
معاداة الأجانب
لائحة الاتهام زعمت كذلك أن كولن قام بمقابلة الرئيس السابق لرابطة مكافحة التشهير أبراهام فوكسمان، والبابا يوحنا بولس الثاني، وذلك في محاولة من السلطات التركية لتصوير أنشطة التوعية التي يقوم بها الداعية الإسلامي في مجال الحوار بين الأديان كأفعال شريرة، وذلك بادعاء إنشاء شبكة مؤامرة تهدف إلى توفير غطاء قانوني لتنامي كُرْه الأجانب ومعاداة السامية في تركيا.
زعم كذلك المدعي العام التركي أن كولن أدلى بكلمة ضد تركيا في كل مرة واجهت الولايات المتحدة وبلدان قوية أخرى مشكلات مع أنقرة، مستشهدًا بحادثة سفينة “مافي مرمرة” عام 2010، واعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة المتجهة إلى الإرهابيين في سورية عام 2014، وإسقاط طائرة حربية روسية في 2015، ومقتل 34 قرويًا كرديًا في أولودير في حملة القصف الجوي التركي عام 2011.
“نورديك مونيتور” قال إن هذه الادعاءات ليست بالأمر الجديد في لوائح الاتهام التي يصدرها غونيش، لافتة إلى أنه بالإمكان إيجادها في معظم لوائح الاتهام الأخرى التي وُجهت ضد أعضاء في حركة الخدمة ومعارضي أردوغان، وهي ادعاءات تخالف الحقيقة تمامًا.
لفت التقرير أيضًا الانتباه إلى أن المدعي العام التركي كتب في الجزء التمهيدي من نص لائحة الاتهام أنه استعار إفادات من لوائح اتهام أخرى صدرت في أنحاء مختلفة من تركيا، فيما تشير الأرقام الرسمية إلى اعتقال السلطات التركية أكثر من نصف مليون شخص خلال السنوات الثلاث الماضية بتهم قيامهم بأدوار مزعومة في حركة كولن، ووُجه إلى معظمهم اتهامات تحت ذرائع شبيهة.
بلا أدلة
لائحة الاتهام التي أصدرها غونيش، مُدرجة في ملف القضية رقم 2017/49، واتهمت 18 شخصًا، معظمهم من الأطباء، بالإرهاب.
الموقع السويدي لفت إلى أن المدعي العام التركي لم يقدم أي أدلة حقيقية لدعم التهم الخطيرة بحق المتهمين، واكتفى بالاستشهاد بالعمل التطوعي الذي قام به المدعى عليهم من أجل جمعيات خيرية، وسفرهم إلى الخارج، والتحاق أولادهم بمدارس مرتبطة بكولن، واشتراكاتهم في صحف معارضة كأدلة لدعم مزاعمه.
غونيش اعتبر أن استخدام المتهمين لتطبيقات المراسلة مثل بايلوك وإيغل وسكايب وكوكو وتانغو وواتس آب وفايبر وآي سي كيو ولاين وتلغرام وماسنجر الخاص بفيسبوك وتويتر وBip وİmo وWechat والكيك ماسنجر أعمال إجرامية، دون تقديم أي محتوى من الرسائل التي زعم أن المشتبه بهم تبادلوها فيما بينهم.
“نورديك مونيتور” أوضح أن مثل هذه الادعاءات الملفقة تفسر أسباب انتقاد الأمم المتحدة محاولات نظام العدالة والتنمية تجريم استخدام تطبيقات الرسائل المشفرة.
مساعدات إنسانية للإرهابيين
الموقع السويدي لفت إلى أن لائحة اتهام غونيش تستهين بذكاء القارئ بادعائها أن الشاحنات المليئة بالأسلحة التي اعترضت في يناير 2014 أثناء توجهها إلى الإرهابيين في سوريا، كانت تحمل مساعدات إنسانية.
أظهرت الصور وتسجيلات الفيديو وكذلك اختبار مقذوفات بوضوح أن قذائف الهاون والذخائر كانت معبأة في الشاحنات، تحت حراسة جهاز الاستخبارات التركي، ومع ذلك، ادعى غونيش أن حركة كولن حاولت اختلاق انطباع بأن الأسلحة كانت تنقل في الشاحنات المعترضة وأنها استخدمت قوة الدرك لفضحها.
الخدمة على رأس الحملة
“نورديك مونيتور” قال إن حكومة العدالة والتنمية تخضع لتدقيق مُكثف في الأعوام الأخيرة، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان بعدما شنت حملة شرية لاعتقال المعارضين، والصحافيين وممثلي منظمات المجتمع المدني، لافتًا إلى أن ملاحقة المنتمين لحركة الخدمة، على رأس الحملة.
الموقع السويدي استعرض تاريخ استهداف حركة الخدمة، موضحًا أنه بدأ مع انقلاب رجب أردوغان على فتح الله كولن، عقب التحقيقات الكبرى، التي أثبتت تورط الرئيس التركي وأفراد عائلته، وشركائه السياسيين، ورجال أعمال موالين له، في فضيحة الفساد الكبرى ديسمبر 2013.
في يناير 2014، تسبب تقرير كشف النقاب عن شحنات الأسلحة غير القانونية، التي أرسلتها الاستخبارات التركية إلى الإرهابيين في سوريا، في تزايد عداء أردوغان لحركة الخدمة.
أمر التجسس على الأشخاص والمنظمات التابعة لكولن، صدر في أوائل عام 2014، واستهدف أنصار الحركة بمحاكمات جنائية، بتهم تتعلق بالإرهاب، حسبما أكد الموقع السويدي.
أضاف الموقع: أن أردوغان دبر انقلابًا كاذبًا، لتبرير ملاحقته المستمرة لمعارضيه، وعلى رأسهم كولن وحركته، لتحقيق أطماعه التوسعية في سوريا ولـ”يعلن نفسه رئيسًا إمبراطوريًا لتركيا الجديدة” بوصف الموقع السويدي.
اتهامات ملفقة
ابتداءً من 2014 تكرر أنقرة مطالباتها لواشنطن بتسليم كولن لكن هذه المطالبات قوبلت برفض قاطع، فيما يؤكد “نورديك مونيتور” إنه في ضوء ما تقدمه السلطات التركية من ادعاءات ومزاعم غير مدعومة بأي أدلة فلن تستطيع أبدًا استكمال سلسلة الإجراءات القانونية الخاصة بطلبات تسليم المطلوبين.
الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وتركيا ينص على عدم الموافقة على تسليم المطلوبين بداعي ارتكابهم جرائم إذا كان الطلب “ذا طابع سياسي” أو عندما يسعى طلب التسليم إلى مقاضاة أو معاقبة شخص “بسبب آرائه السياسية”، وهو ما يؤكد الموقع السويدي انطباقه على حالة فتح الله كولن وأنصاره.
في 19 يوليو 2016، قدمت أنقرة إلى واشنطن طلبًا بالقبض على كولن، وفي 23 يوليو 2016، كررت طلبها بتسليمه، وبعد النظر في الطلبات، أبلغت وزارة العدل الأمريكية نظيرتها التركية أن الطلبات لم تستوف المعايير القانونية لتسليم الأشخاص المطلوبين المنصوص عليها في اتفاقية التسليم بين البلدين، وكذلك الشروط التي ينص عليها القانون الأمريكي، مؤكدة أنه لا يمكنها المضي قدمًا في إجراءات تسليم الداعية الإسلامي في ظل عدم تقديم حكومة أردوغان أدلة إضافية تدعم ادعاءاتها.
ادعاءات بمؤامرة خارجية
16 مايو الجاري، قال “نورديك مونيتور”، إن تشيتين أجار الشاهد الرئيسي لحكومة أردوغان في محاكمات محاولة الانقلاب المزعوم، شخص مناهض للمسيحية بشدة وكاره لغير المسلمين والأقليات، لافتًا إلى أن حكومة العدالة والتنمية هدفت عن طريق عرض مزاعم أجار في ساحات القضاء، إلى تدعيم أحاديث أردوغان عن المؤامرات الخارجية ضد تركيا، وتأجيج كُرْه الأجانب، ووصم الأقليات، وإذكاء المشاعر المعادية للغرب.
لفت إلى أن حكومة أردوغان قدمت أجار باعتباره خبيرًا في محاكمات الانقلاب، واعتمدت في محاكمات المتهمين بالمحاولة المزعومة على تقريره المؤلف من 200 صفحة والتي زخرت بادعاءات خيالية تتحدث عن مؤامرات يحيكها الغرب ضد تركيا.
ممثلو الادعاء الأتراك تعاملوا مع تقرير أجار، المليء بالادعاءات غير المدعمة بالأدلة والمؤامرات والأكاذيب والافتراءات، باعتباره يحوي آراء شخص خبير، وأُدرج في ملفات قضايا التحقيق المتعلق بمسرحية الانقلاب، وعلاوة على ذلك، تم استدعاؤه كشاهد ادعاء في محاكمات رفيعة المستوى.
منظمة صهيونية صليبية
تقرير أجار تم تقديمه إلى وكيل النيابة التركي كمال أكساكال في 14 فبراير 2017، وأصبح لاحقًا جزءًا من ملف قضية التحقيق رقم 103566 للعام 2016. ورغم أن الادعاءات الواردة في التقرير تفتقر إلى الأدلة، وتستند إلى شائعات ومجرد أقاويل غالبا ما تكون منحازة ضد المسيحية والسامية، زعم أجار وجود ما أسماه “هيكل أعلى” يمثل “العقل المدبر” لمحاولة الانقلاب المزعومة، وهو من لديه السلطة الحقيقية في العاصمة أنقرة.
وصف أجار هذا “الهيكل الأعلى” بأنه منظمة صهيونية وصليبية تخضع مباشرة لسيطرة مركز صهيوني عالمي يقع في واشنطن، وأن حركة كولن هي إحدى أدواته للتدخل في شؤون تركيا.
كبش فداء
أجار وصف اليهود بـ”المعادين للمسلمين والأتراك”، وقال إنهم العدو الأول للعالم الإسلامي، الذين تم نسيانهم تحت ذريعة التهديد الإيراني أو الفارسي”.
كما أشار إلى أن الغرب وإسرائيل خسروا حليفهم الرئيسي عندما أُطيح بمحمد رضا شاه، آخر شاه يحكم إيران، لافتًا إلى أنهم وجدوا ضالتهم في رجل الدين التركي المسلم فتح الله كولن من أجل تأليب تركيا السنية على إيران الشيعيةا.
خَلُصَ أجار إلى أنه تمامًا مثل اليهود، حاولت حركة كولن أيضًا التسلل إلى الجيش التركي وبيروقراطية الدولة، متهمًا الأمريكيين واليهود بالوقوف وراء مسرحية الانقلاب، وكذلك جميع المنظمات الإرهابية، بما فيها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني.
“نورديك مونيتور” قال إن تقرير أجار حاول بشتى الطرق تقديم حركة الخدمة ككبش فداء لكافة المشكلات الرئيسة التي تعاني منها تركيا، وفي الوقت نفسه سعى إلى تمويه إخفاقات حكومة أردوغان في الحكم وتبرئة ساحتها، وإعفائها من أي مسؤولية أو مساءلة، مستخدما خيالات وأفكارا لا أصل لها لتقديم نظرية المؤامرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: موقع عثمانلي